نظرات وعبرات بطولة مونديال العرب وأوجاع العرب!جانب من مباراة سوريا وتونس بمونديال العرب
محمود عبد الهادي
لم يستطع حفل افتتاح بطولة مونديال العرب الإفلات من ضغط الظروف العربية المؤلمة الراهنة، وما تموج به من تصدعات وانقسامات وصراعات، في رسالة مباشرة وواضحة إلى جميع العرب الذين -حسب مقدمة الحفل- "يجمعهم كل شيء، ويفرقهم أيضا كل شيء" بضرورة العودة. تساءلت المقدمة بكثير من الشكّ "هل سنرجع؟ متى سنرجع؟" ثم سارعت بالإجابة على لسان فيروز وهي تغني "سنرجع يوما إلى حيّنا". أسئلة رماحها تخترق الصدور، وإجاباتها ترتد بطعم الجنائز والجراح والدموع، وابتسامات ساخرة أثارت المواجع والأشجان في صدور الجماهير العربية التي ازدحم بها ملعب "البيت" في العاصمة القطرية الدوحة مساء الثلاثاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتستمر حتى 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، التي جاءت لتتابع وقائع الدورة العاشرة من بطولة مونديال العرب، وفي صدور ملايين العرب الذي تسمّروا أمام شاشات الاتصال لمتابعة هذا الحدث الرياضي الكبير.
فشلُ الاتحاد العربي لكرة القدم في إدارة بطولة مونديال العرب، حالة مضطردة، في سائر مجالات العمل العربي المشترك، وانعكاس طبيعي لتردّي الأوضاع السياسية العربية، وعجز مؤسساتها القومية عن إدارة أعمالها ومصالحها المتبادلة، بما يساعد على حل المشكلات وتعزيز التعاون والتكامل. فهل تنتظر الدول العربية مؤسسة خارجية تقوم بحل مشكلاتها وتنظيم شؤونها وضبط علاقاتها وتنسيق مصالحها على غرار ما قامت به "الفيفا" مع بطولة مونديال العرب؟
رغم الجهود الهائلة المبدعة التي بذلتها دولة قطر لإنجاح البطولة، ورغم انغماس الجماهير العربية في متابعة وقائع المباريات وأهدافها، فإن الأسئلة التي أثارتها مقدمة الافتتاح ظلت تدوّي: هل سنرجع؟ متى؟ وإلى أين سنرجع بعد أن تنكّرت لنا الوجوه والمدن والطرقات والشواطئ والمطارات؟ أين نحن الآن؟ وكيف وصلنا إلى هنا؟ من الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه؟ ما الذي فعلناه؟ ولماذا؟ وهل من سبيل إلى العودة؟ وإلامَ سنعود؟ إلى الآلام والدمار والخراب وخيالات القتلى والمفقودين والمعتقلين؟ أم إلى مزيد من القمع والبطش والاستبداد؟ هل من بصيص أمل يطلّ على الأمة من بعيد، ويفتح كتاب الحكمة والرشاد؟ بالسهولة التي عادت بها الجماهير العربية إلى ملعب البيت؟ أم أن الظلام سيبقى مخيما في انتظار دورة الحياة من جديد؟
فشل عربي مضطّرد
تمثّل بطولة مونديال العرب -إلى حد بعيد- نموذجا واقعيا لما يمر به العرب منذ فجر تاريخهم المعاصر، فقد تأسست البطولة عام 1963 بتنظيم الاتحاد العربي لكرة القدم، وانطلقت دورتها الأولى في لبنان من العام نفسه، على أن تقام الدورات التالية كل 4 سنوات، إلا أنها منذ ذلك الوقت وحتى الآن لم تنعقد إلا 9 مرات، بدورات زمنية متفاوتة، أحيانا بعد عام أو عامين، وأحيانا بعد 10 أعوام، ومن المفارقات أن بطولة عام 2009 ألغيت لعدم وجود دولة تستضيفها. توقفت البطولة بعد دورتها التاسعة التي أقيمت في السعودية عام 2012، وها هي تلتئم في "دوحة العرب" من جديد، بعد 9 سنوات من التوقف، ولأول مرة في تاريخها بمشاركة جميع الدول العربية، حيث تفاوت عدد الدول المشاركة في البطولات سابقا تفاوتا كبيرا منذ نشأتها، حتى إن بعض الدول لم تشارك سوى مرة واحدة مثل عُمان والإمارات وموريتانيا.
الأمر المحزن والمفرح معا في بطولة مونديال العرب 2021 هو أنها تنعقد للمرة الأولى بتنظيم الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، أما المحزن في هذا الأمر، فهو فشل الاتحاد العربي في إقامة البطولة بصورة منتظمة، مما كرّس الشعور بالإحباط والقنوط لدى الشعوب العربية عامة وسخطها على عجز الدول العربية عن الخروج من حالة التشظّي والاحتراب التي تعيشها منذ عقود داخليا وبينيا، وعجزها عن النهوض بالأمة ووضعها في المكانة التي تستحقها بين الأمم المتقدمة. أما المفرح في الأمر، فهو ارتياح عشاق كرة القدم لتولي الفيفا تنظيم البطولة اعتبارا من هذه الدورة، مما يضمن لها الاستقرار والانتظام والانضباط.
حالة الفشل هذه التي جسّدها الاتحاد العربي لكرة القدم في إدارة بطولة مونديال العرب، حالة مضطردة، نجدها في سائر مجالات العمل العربي المشترك، وهو انعكاس طبيعي لتردّي الأوضاع السياسية العربية، وعجز مؤسساتها القومية عن إدارة أعمالها المشتركة ومصالحها المتبادلة، بما يساعد على حل مشكلاتها ويعزز التعاون والتكامل فيما بينها. فهل تنتظر الدول العربية مؤسسة خارجية تقوم بحل مشكلاتها وتنظيم شؤونها وضبط علاقاتها وتنسيق مصالحها على غرار ما قامت به الفيفا مع بطولة مونديال العرب؟
ماذا تريد الشعوب العربية؟
جسّد حفل افتتاح بطولة مونديال العرب في الدوحة بصورة مبدعة الشعور الجمعي الموحد لدى الشعوب العربية، متجاوزا الحدود الجغرافية والجنسيات الوطنية، كما جسّد شوق الشعوب العربية إلى العودة والتعاون والتكامل، كما جسد أيضا حرص دولة قطر الشديد دفع المنطقة للخروج من نفق الأزمات الراهنة إلى فضاء الاستقرار والبناء والتقدم، وهو ما تتطلع إليه الشعوب العربية منذ عشرات السنين، الشعوب التي باسمها يعتلي الزعماء صهوة السلطة، باسمها يبنون، وباسمها يبطشون، وباسمها يستبدون ويسفكون الدماء، وباسمها يتصارع الفرقاء، وتنقلب الحقائق إلى أكاذيب، والأكاذيب إلى مسلمات، وتنتهك الأوطان، وتداس المقدسات.
انطلقت بطولة مونديال العرب من جديد في الدوحة، لتذكّرنا بالشعوب العربية، التي تحلم بالرجوع والوحدة، وترسم مطالبها البسيطة على جدران الأسى والصبر، مطالب لا تهزّ عروش السلاطين، ولا تبيع الأوطان للغرباء، ولا تهفو إلى الثريا في السماء.
- إنهم يطالبون بإيقاف الصراعات المجنونة، والدم المسفوح هدرا بلا أي ثمن، أمام نزوات الفرقاء العابثين بالحديد والبارود والدخان.
- يطالبون بنزع الخوف من القلوب والبيوت والطرقات والمصانع والجامعات والمقاهي والمساجد والمنتديات، ونزع الغصة التي تطبق على الأنفاس، وتستعجل الرمق الأخير.
- إنهم يطالبون بعودة الاستقرار، وحماية الجغرافيا والمجتمعات وساكنيها من الانهيار والشتات والانكسار والهوان، على أبواب الغرباء والمتربصين.
- يطالبون بأيام خالية من الهمّ والنكد والحزن والدموع، وبقبر لا تدوسه معاول المتجبرين وخيول المارقين، وبجنازة يعرف المعزّون فيها اسم صاحبها.
- إنهم يطالبون بالعيش الكريم الخالي من الإذلال والمصادرة والاضطهاد والاستعلاء.
- يطالبون بكرامة لا يمسها هوان، وعدالة لا تقبل الانتقاص ولا التحايل، ومساواة في الحقوق والواجبات لا يشذّ عنها أحد، واستئصال شامل لجذور الاستبداد والفساد والاستعباد.
- يطالبون بالحرية الكاملة، التي لا تعتدي على القانون والدستور، ولا على حقوق الأفراد والكيانات التي حفظها لهم القانون والدستور، ولا على ثوابت الأمة الاجتماعية والدينية والثقافية.
- يطالبون بالأمن والأمان، والحماية من غوائل الأيام، وغدر الزمان، وعبث المتسللين في دماء البسطاء، والمتسوّرين الحصون والجدران.
- إنهم يطالبون بالعزة والسيادة والاستقلال لأوطانهم بخيراتها وحاضرها ومستقبلها، بهويتها وتراثها وأصالتها.
- يطالبون بالتخلص من المنافقين والمتملقين والمحرضين على الفتن والشرور، المشتغلين بإذكاء النزعات العنفية والاستئصالية والانتقامية.
- يطالبون بالتسامح والوفاق، ونبذ الخصومة والشقاق، وتقديس الأوطان والإنسان، وعدم السماح بالمساس بهما تحت أي ظرف كان.
أسمعت بطولة مونديال العرب في "دوحة العرب" آمالها وتطلعاتها، فهل يستمع قادة العرب لمطالب شعب العرب؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق