الخميس، 16 ديسمبر 2021

الديكتاتور الطاغية المصرى والقروض الصينية وبيع أصول الدولة

 الديكتاتور الطاغية المصرى والقروض الصينية وبيع أصول الدولة



بقلم الخبير السياسى والإقتصادى

د.صلاح الدوبى 

يبدو أن القدر لن يترك عبدالفتاح السيسي بحاله هكذا دون حساب، لربما على ماقترفته يداه بحق الرئيس “المنتخب” محمد مرسي، والمظلومية التي أوقعها عليه دون وجه حق، ودون أي تهم فعلية تذكر، لا أعلم إلى أي مدى سيصل العقاب الرباني معه، لكن المؤشرات في جمهورية مصر تدل على أن الأمور لا تسير في مصلحة السيسي، وأن الجميع بمن فيهم أولئك المطبلين لحكمه باتوا يشعرون أنهم خدعوا بذاك الرئيس الذي يتقن فن الخطابة الهادئة والتمثيل، واعتقدوا أنه “ناصر” المخلص لهم من حكم جماعة الإخوان المسلمين، فيتبين لاحقاً أن السيسي بطلهم المخلص، ما هو إلا “أكذوبة” جاءت لترسخ حكم الدولة العميقة، وتعيد “أم الدنيا” إلى دولةٍ ديكتاتورية لا تعرف من الديمقراطية إلا اسمها.

* الإعلام المصري مفرط الإعجاب بشخصية السيسي نفسه بدأ يسأل عن قدرة ذلك النظام على الاستمرار، في ظل تزايد الاعتقالات التعسفية، وحالات الاختفاء القسري، وتزايد أعداد القتلى، ويعبر بكل وضوح عن حالة السخط من أداء السيسي، ونظامه الذي يجر البلاد إلى الهاوية.

مصر تبكي شبابها والسيسي يواصل الصعود على جثث الأبرياء، ذاك الملخص الحزين والسيناريو القاسي المتكرر منذ الـ3 من يوليو 2013، اليوم المشؤوم في تاريخ مصر العظيمة، حين صعد جنرال الدم عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم في مصر قبل أن يصبح فعلاً رئيسًا للبلاد في انتخابات 2014.

في العقد الأخير، باتت البلدان العربية متعطشة للاستثمار والمال، وخاصةً دول مثل مصر والعراق اللتين خرجتا من حرب على الإرهاب وخضّات داخلية، منهكتين، بالإضافة إلى دول نفطية شهدت عجزاً في ميزانياتها بعد هبوط أسعار النفط، كما حدث في عُمان والجزائر،

اتجهت هذه الدول إلى البحث عن الاستثمار الذي لم يعد متاحاً بسهولة، لأن كل دولة في العالم، في ظل الأزمات الحالية، تريد جذب المال إليها، وليس ضخه في بلد آخر، ناهيك عن أن أغلب الدول العربية لا تتوفر فيها البنية التحتية المناسبة، ولا حتى أنظمة ديمقراطية واستقرار سياسي.

ومع ذلك، هناك عميل، وهو الصين، مستعد للاستثمار في هذه البلدان، في شكل قروض، لكن لن يضخها غالباً كأموال سائلة في خزينة الدولة، بل يعرض تنفيذ مشاريع معيّنة، بشركاته وعماله، ثم يحسب التكلفة، كدين بفائدة تقترب من سعر السوق الخاص، ويكون الدين مرهوناً بضمانات وأصول تمتلكها الدولة كالحصول على النفط مثلاً مقابل تمويل المشروع وفوائده.

الفخ الصينى للسيطرة على أصول الدول

عادة ما تتخذ الصين هذه الوسائل لإغراء الدول الفقيرة والأنظمة غير الديمقراطية الديكتاتورية بالقروض، بما يوقع الدول في شبكاها فلا تعرف الفكاك من (فخ الديون) الذي نصبته لها إلا بالتنازل عن بعض مرافقها الحيوية كالموانئ والمطارات وغيرها، أو الحصول على امتيازات استراتيجية وتقديم تسهيلات عسكرية في نطاق أراضيها للقوة الصينية الصاعدة. فالقروض الصينية لا تأتي جزافا، فهناك 300 جهة صينية تتسابق على منح القروض للحكومات الأجنبية والشركات العامة التابعة لها.

الفقر لا يعيب صاحبه أما الدَين فهو همٌ بالليل ومذلةَ بالنهار. لا تختلف الشعوب عن الأفراد في أمر الدَين، فما الدول إلا مجموعة أفراد، يتحملون في مجموعهم عبء الدَين، وإن لم ينلهم منه منفعة أو حظا بينما يفوز بخيراته من أوقعهم في فخ هذه الديون.
لذلك من عادتي تتبع الإحصاءات التي تصدر من هنا وهناك حول الديون، باعتباري مواطنا ملتزما بسداد كل ما تريده الدولة من ضرائب وغيره، وأخشى أن أُطالب يوما بتسديد حصتي من الدين العام، كما دعا بذلك أحد رؤساء تحرير الصحف.
كما أخشى على أولادي وأحفادي من تحمل تبعات هذه الديون. فقد أعلن البنك الدولي الأسبوع الماضي أن ديون مصر قفزت من 36.7 مليار دولار من نهاية عام 2010 إلى 131.5مليار دولار إلى نهاية عام 2020، وجاءت هذه القفزة الهائلة بداية من عام 2014، بنسبة تناهز 200٪. وأعلن البنك المركزي المصري منتصف أكتوبر الجاري، ارتفاع الدين الخارجي للبلاد خلال العام المالي 20/21، بقيمة 14.4مليار دولار، ليصبح عند يوليو الماضي 137.8 مليار دولار.

عند مراجعة تقرير البنك المركزي والموازنة العامة للدولة، لاحظنا اختفاء أرقام الدين الخاصة بالشركات والجهات المحلية التي اقترضت أموالا من دول ومؤسسات أجنبية بالعملة الصعبة، والتي تحصل عادة على ضمان من وزارة المالية.
بحكم التخصص، لم نجد المبالغ التي اقترضتها شركة العاصمة الإدارية من الصين لإنشاء البرج الأيقوني أو مجمع الوزارات التي تنفذه شركات صينية أو قيمة القروض المخصصة لشراء قطار العاصمة والقطار السريع، وكذلك قيمة القروض التي حصل عليها البنك الأهلي أو بنك مصر، وشركات قطاع الأعمال التي حصلت بمفردها على ما يزيد عن نصف مليار دولار من الصين لتطوير قطاع الغزل والنسيج، وهي ديون أصبحت لها حجة الديون الحكومية.
وتسمى هذه الديون في عرف خبراء الاقتصاد (الديون المخفية)، وهي نوعية من الديون المستترة التي تدفعها الصين للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط بفوائد أعلى من المعدلات الدولية، وفترة سنوات أقل، وتوجه للشركات والبنوك العامة، بحيث لا تظهر في الميزانيات العمومية للحكومة، ولا يتم الإبلاغ عنها بشكل منهجي لنظام الإبلاغ عن الديون التابعة للبنك الدولي المعروف بـ”DRS”.

وتكشف دراسة لمؤسسة Aid DATA البريطانية المتخصصة في بحوث الرقابة المالية في دراسة حول الأعمال المصرفية على (مشروع الحزام والطريق) التي تعتبر مصر إحدى الدول الواقعة على مساره، أن قيمة الديون غير المبلغ عنها للبنك الدولي، تبلغ نحو 385 مليار دولار، تستفيد منها نحو 42 دولة، بما يتجاوز 10٪ من الناتج المحلي لهذه الدول. وتشكك الدراسة في الجهات المستفيدة من هذه القروض ومآلات القروض، بما يحول دون رقابة المجتمع والأجهزة المعنية على إنفاق هذه الأموال.

قال تقرير لصحيفة “SCMP” إن الصين تستثمر بكثافة في مصر عبر قناة السويس والعاصمة التجارية، في حين حذر محلل سياسي من أن بكين تستخدم الاستثمار كوسيلة للتحكم في “مفاصل الدولة” التي تستثمر فيها.

وأدى انسداد قناة السويس لمدة ستة أيام خلال الشهر الماضي، إلى إعاقة حركة التجارة العالمية، بخسائر تقدر بـ 9 مليار دولار يوميا، بحسب بيانات دورية لويد.

وتعتبر القناة هي طريق الشحن الأساسي للصين، تجاه أكبر أسواقها التجارية في أوروبا، وقد أصبحت مصر أيضا وجهة أساسية لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، في ظل تقارب بين القاهرة وبكين، بحسب التقرير.

وخلال السنوات الأخيرة، منحت الصين مصر- أحد شركاء الولايات المتحدة القدامى في المنطقة – مليارات الدولارات لتمويل مشاريع، من بينها العاصمة الإدارية الجديدة خارج القاهرة، والمنطقة الصناعية لقناة السويس، ومناطق التجارة الحرة، والمراكز المالية.

مدير برنامج “الشرق الأوسط – آسيا” في مركز الشرق الأوسط بواشنطن، جون كالابرس قال لـ “SCMP”، يرى إن بكين “سعت إلى تعزيز علاقتها مع مصر، لدفع مبادرة الحزام والطريق، بينما رأت القاهرة في الصين شريكا مهما، لإنعاش الاقتصاد المصري”.

ومن المقرر أن تستوعب المدينة -التي تقع على بعد 45 كيلومترا من القاهرة- نحو 6.5 مليون نسمة، في محاولة لتخفيف الزحام عن عاصمة مصر الحالية، التي يسكنها نحو 20 مليون نسمة.

وأوضح التقرير أن تكلفة المدينة المبنية على 714 كيلومتر مربع، تتراوح بين 45 مليار دولار إلى 58 مليار دولار، وستحتضن مقر البرلمان الجديد، والقصر الرئاسي.

وتمول وتبني الصين، منطقة أعمال جديدة في العاصمة الإدارية، بحوالي 3 مليار دولار، ستسلم إلى الحكومة المصرية بحلول العام القادم.

وتقوم شركة الصين للإنشاءات الهندسية، المقاول المتكفل للمشروع، ببناء برج من 80 طابقا، بارتفاع 385 مترا كجزء من المشروع، سيكون أطول مبنى في أفريقيا عند اكتماله.

ويمول بنك إكسيم الصيني خط سكة حديد خفيف يربط بين القاهرة وبين العاصمة الإدارية الجديدة، بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار.

 وأوضح تقرير “scmp”، أن الصين قد زادت من استثماراتها منذ وصول السيسي إلى الحكم في عام 2014، بحسب مبادرة أفريقيا البحثية التابعة لجامعة “جونز هوبكينز” الأميركية.

من جانبها،  قالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة ستانفورد، ليزا بلايدز، إن “الاستثمارات الصينية في البنية التحتية المصرية، لديها الإمكانية لدعم نظام السيسي بطريقة تعزل القيادة عن الضغط الشعبي”.

وأضافت بلايدز، أن”العاصمة (الإدارية) النائية، التي شيدت مؤخرا، ستقلل من الضغط على الحاجة إلى تحديث البنية التحتية المتهالكة في القاهرة، بجانب عزل الحكومة عن سكان المدن الحاليين، الذين أظهروا استعدادا للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية”.

ولفت باحث العلاقات الدولية بجامعة أكسفورد، صمويل راماني، إلى أن الصين تلعب دورا رئيسيا في تطوير المنطقة الاقتصادية الخاصة بقناة السويس، والتي يشرف عليها شركة تيانجين الصينية الحكومية.

وأضاف راماني، أن الصين هي أكبر مستثمر في ممر قناة السويس، لأنها “حجر زاوية حاسم للشراكة الصينية المصرية، ويراها السيسي على أنها مشروع إرث أكثر أهمية عن العاصمة الإدارية الجديدة”.

وأوضح راماني أن الأهمية الإستراتيجية التي لهذا المشروع تعززها رغبة مصر في أن تكون قوة شرق أوسطية، وأفريقية، وقد وجه المستثمرون الصينيون الاستثمارات في قناة السويس، لتلبي هذه الأهداف.

من جانب آخر، يرى الكاتب والمحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الأميركي، مهدي عفيفي، أنه ربما يؤدي احتدام العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى تداعيات سلبية على الدول الأخرى، بما في ذلك مصر.

تداعيات سلبية محتملة

“أعتقد أنه لو احتدمت الخلافات بين الولايات المتحدة والصين لدرجة فرض عقوبات، فأي دولة تتعامل مع الصين ستتعرض لتأثير مباشر”.

 أن الصين دائما تستخدم أسلوب الاستثمار من أجل السيطرة، كما أن الصين قد تستخدم هذه الاستثمارات من أجل السيطرة على مفاصل حيوية داخل الدولة.

يذكر أن دولا عانت من سياسة القروض الصينية، حتى وصل الأمر إلى سيطرة بكين على بعض المرافق الحيوية لهذه الدول، بعد أن فشلت في سداد القروض الصينية.

ومن بين هذه الدول التي وقعت ضحية لسياسة القروض الصينية، لاوس، وسريلانكا، وباكستان، التي انخرطت في دائرة الديون الصينية، مما اضطرهم إلى المساومة على بعض الأصول الاستراتيجية.

لكن الخلاف بين أميركا والصين قد يحل بمنطق الملفات، حيث يكون هناك تفاهمات في بعض وخلافات لأخرى، وذلك نظرا للعلاقة المعقدة بين البلدين، ووجود استثمارات متبادلة بينهما.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق