الاثنين، 20 ديسمبر 2021

فَلَمْ يَستَبِينُوا الرُشدَ إلا ضُحَى الغَدِ

 فَلَمْ يَستَبِينُوا الرُشدَ إلا ضُحَى الغَدِ


@anonymous · Dec 21, 2021

الذين لا يَغضبون إلا لأنفسهم سَيُغضِبُهم الزمنُ على أنفسهم!!
بعضُ الذين يشتدون الآن في الهجوم على حزب اللات؛ بسبب إهانته لخالد مشعل؛ لم نَرَ منهم ذاتَ الشدة حين كان الحزبُ- ولا يزال- يشارك في قتلِ أكثر من مليون مسلم سوري، وتهجير أكثر من أربعة عشر مليوناً آخرين!!
***
زار خالد مشعل لبنان والتقى رئيسَ الحكومة والمفتي وبعض قيادات الجماعة الإسلامية، ثم طلب- عبر وسيط حمساوي مقيم في بيروت- لقاءَ حسن نصر الله.. لم يكتفِ حسن نصر الله برفض الطلب فقط؛ بل رفض أيضاً أن يقابل هو أو أحدٌ من حزبه خالد مشعل أو أحداً من الوفد المرافق له!!
يعرف الجميع أنَّ موقف حزب اللات من مشعل تحديداً جاء نتيجةً لموقف مشعل من الثورة السورية إبان اشتعالها.. لقد وجد مشعل نفسَه وحركتَه وسط زخم ثوري عربي قاهر لم يَرَ من حسن السياسة معارضتَه أو الوقوف في وجهه؛ فاتخذ موقفَه الذي لم يكن مبادئياً محضاً؛ بل سياسياً فيه مسحةُ مبادئية.. وقد أحسن قدر إمكانه آنذاك رغم التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان ويتغاضى عنها الفهمان.. بيد أنَّ حزب اللات اللبناني جعل الوقوف مع بشار وإيران والروس في سفك دماء السوريين وتهجيرهم مناطاً للولاء والبراء، ثم والى وعادى عليه، ورفض التعامل مع مشعل ومكتبه؛ فخسر مشعل قيادته الفعلية للحركة، وجِيء- تِباعاً- بجناح (هنية/السنوار) لهذا السبب، ولأسباب أخرى (أمنية وسياسية وتفاوضية).. واتركوا عنكم أعاليل الانتخابات وأباطيل الصناديق.. فهي أعاليلُ لا تطعم خبزاً ولا تجمد على الشارب!!
مشعل من بين قيادات حماس الحالية يُمَثِّلُ حالةً وسيطةً بين المبادئيين الخُلَّصْ، و(البراجماتيين) الخُلَّصْ.. وأعني بالبراجماتيين أولئك الذين يحملون حقيبة (الحديبية) على ظهورهم ذهاباً وإيابا؛ فلا يسمعون بواحدٍ في المئة من المصلحة مع تسعةٍ وتسعين في المئة من التنازل؛ إلا أخرجوا (الحديبية) من الحقيبة ورموها في وجوه كوادرهم الحمقاء لِتُلقِيهَا هذه الكوادر في وجوه الناس!!
مشعل أيضاً يحمل ذات الحقيبة، ولكنه يختلف عن هؤلاء في طريقة استعمالها كَمَّاً وكَيْفَاً.. هو لا يُكثرُ فَتْحَهَا فَتَكْسَدْ، ولا يُطيلُ غَلْقَهَا فَتَأسَن.. وهذا- على كل حال- خيرٌ ممن لا يعرف من السياسة سوى الحديبية، والمرحلة المكية، وثلث تمور المدينة، والصلاة على عبد الله بن أبي بن سلول!!
***
كان يمكن أن يمر رفضُ نصر الله للقاءِ مشعل بهدوء، ويعود مشعل إلى بلد إقامته، ثم تصَدِّعُ أبواقُ حماس رؤوسنَا بأنَّ مشعل هو الذي رفض لقاء حسن نصر الله لأسباب مبادئية (أعرف أنها كانت ستكون واسعة جداً.. ولكن أبواق حماس لا يكاد يعجزهم شيء)!!
أقول: كان يمكن أن يمر رفضُ لقاء مشعل بهدوء؛ خاصةً وأنَّ مشعل طلب لقاءً دون ضجيج إعلامي عن طريق وسيطٍ حمساوي من الذين يعيشون في بيروت (بلا شغلة ولا مشغلة)، أو عالةً على أموال فقراء غزة؛ بيد أن حزب اللات اللبناني لم يشأ أن يفوت فرصة إهانة مشعل وإشعاره- هو تحديداً- بالرفض، بعد أسابيع قليلة من لقاء حسن نصر الله لإسماعيل هنية!!
بعض أبواق حزب اللات والأحزاب اللبنانية الدائرة في فلكه هاجموا مشعل بشدة، واعتبروه ضيفاً غير مرحب به في بيروت، بسبب موقفه مما أسموه (محور المقاومة في سوريا)، ومناصرته لما أسموه ثورات الربيع العربي الإخوانية التي خربت الوطن العربي!!
هَبَّ بعض نشطاء حماس والإخوان المسلمين ومَنْ لَفَّ لَفَّهُم من صِغار السن وكِباره؛ ليدافعوا عن مشعل؛ فهاجموا حزبَ اللات الذي وصفه بعضهم بالشيعي وبعضهم بالرافضي.. وكان غريباً- بالنسبة لي- أن أقرأ لأحدٍ من الإخوان المسلمين هجوماً على حزب اللات مصحوباً بهذا الوصف.. إلا أنه يبدو أنَّ الإخوان عموماً لا يذكرون ولا يتذكرون هذه الأشياء إلا حين يحتاجونها.. تماماً كما لا يتذكرون (نصرانية) عزمي بشارة (وإسرائيليته) إلا حين يحتاجونها!!
في هجومهم على حزب اللات ودفاعهم عن مشعل؛ لعبوا اللعبة المفضلة لديهم؛ فركزوا على مبادئية موقف مشعل من الثورة السورية؛ لِيُظهروا للناس أنَّ هذا الهجوم الذي يتعرض له مشعل جاء بسببه وقوفه مع عذابات الشعب السوري ورفضه للمجازر التي أدارها ويديرها عليه بشار وإيران وحزب اللات والروس.. ورغم أنَّ في الكلام كلام إلا أنه لا بأس بذلك!!
بيد أنَّ هؤلاء الحمقى في غمرة حماسهم للدفاع عن مشعل لم ينتبهوا إلى أنهم يشتمون- من طرفٍ خفي- هنية والسنوار وبقية الحركة؛ لأنَّ موقفَ من يديرون الحركة فعلياً الآن معاكسٌ تماماً لموقف مشعل السابق.. فإذا كان هؤلاء المادحون يمدحون مشعل لموقفه المبادئي الذي حَرَمَهُ من لقاء الملعون نصر الله؛ فهم بالضرورة يَذُمّون هنية لموقفه الخسيس الذي أَهَّلَهُ للقاء نصر الله.. وهو موقفٌ خسيسٌ بالفعل!!
أحدُ أوباش حزب اللات- وهو محلل سياسي لبناني- كتب تغريدة يقول فيها: "خالد مشعل في بيروت.. حركة حماس مرتابة من الزيارة.. وحزب الله لن يلتقيه أبداً "!!
مضمون التغريدة الذي يتضح من منطوقها: أنَّ مشعل لم يعد يمثل حماس؛ فهو شيء وحماس شيء آخر، وأنَّ حماس غير راضية عن زيارة مشعل لبيروت، وغير مرتاحة لتحركاته!!
قد يكون هذا المضمون صحيحاً، وقد يكون من قبيل المكايدة السياسية وتعمد إهانة مشعل.. بيد أنَّ حالة (طبق الصَلَطَة) هذه هي التي كنا نحذر منها قديماً، وكان (العيال) يشتموننا!!
أحد هؤلاء الذين كانوا يشتموننا آمَنَ أخيراً بأن الحركة انقسمت إلى جناحين، ثم عاد يبرر ويبربر حول صعوبة حدوث صراعٍ بينهما.. وعلى طريقة (قعدات العرب) في الأرياف؛ طَيَّب خاطر جناح (مشعل) بكلمتين لقيادته التاريخية وكارزميته الإعلامية، وَطَيَّبَ خاطر جناح (هنية/السنوار) بكلمتين لواقعيته السياسية، وانعدام البدائل، والحديبية، وثلث تمور المدينة.. إلخ إلخ!!
ومفهومٌ أنَّ كلَّ هذا ليس أكثر من تحليلٍ رغائبي يبهج النفوس حيناً، ويستجلب تصفيق الجوقة حيناً آخر.. تمهيداً (لِلِّبْسِ في الحيط)!!
***
المتابعون لكتابات المهندس خالد فريد سلام، وكتابات العبد الفقير إلى عفو ربه؛ يعرفون حجم الهجوم والشتائم الذي تلقيناه بسبب تحذيراتنا المتتابعة من التغير الحادث في مواقف الحركة ، ظهور جناح آخر يراد له السيطرة عليها وعلى قراراتها وتوجهاتها، وجرها- بذرائع شتى- إلى مربعات لا عهد لها ولا للناس بها!!
قلنا: إن الحركة تغيرت.. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إنَّ الحركة انقسمت.. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إن كثيراً من القيادات مخترقة بعلمٍ أو بدون علم.. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إنَّ الصهاينة اخترقوا الصف الأول أو أبناءهم.. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إن التعامل- بهذه الطريقة الانبطاحية- مع العدو الذي يقتل أخاك؛ يجعلك شريكاً في قتل أخيك.. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إنه لا بأس أن تأخذ سلاحاً من العفريت الأزرق- إن كان فعلاً يعطيك سلاحاً فارقاً- ولكن من الجنون أن تسمي العفريت الأزرق (شهيد القدس).. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إنَّ حماس صارت تتعامل مع أهل غزة كما يتعامل أي نظام عربي قمعي مع شعبه.. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إنَّ (وَهْمَ الحصار) صار ذريعة تحرص حماس على استخدامه للانبطاح لإيران أكثر وأكثر.. وقد حدث.. وشتمونا!!
قلنا: إنَّ الصراع الشخصي بين بعض القيادات وصل إلى حَدِّ التعذيب في السجون، ثم القتل، ثم تلفيق التهم الأخلاقية والخيانية لتبرير القتل.. وقد حدث.. وشتمونا!!
على مدار سنوات قلنا أشياء كثيرة.. وحدثت.. وشتمونا!!
الآن يعود هؤلاء الذين شتمونا ليعترفوا أن الحركة تغيرت وأنَّ الانقسام فيها لا تُخطئه العين، وأنَّ الحليف الإيراني- الذي سماه بعضهم للمرة الأولى بالشيعي- يتمدد في مطالباته العلنية ليزيد من حدة الانقسام الداخلي أو يجبر الحركة على تغيير هويتها التي يظنون أنها لم تتغير بعد!!
ما عَدَا مما بَدَا؟!
عَلامَ قتلنا الشيخَ إذن؟!
أليس هذا ما كنا نقوله لهم؟!
أكانوا يظنون أنَّ إيران جمعية خيرية؟!
أكانوا يظنون أنَّ التعامل معها سيمر دون أن تتنازل الحركة عن كل مبادئها أو جُلها؟!
أكانوا يظنون أنَّ إيران ستحافظ على صورة الحركة المتخيلة في أذهانهم، ولن تضغط عليها سياسياً ودينياً لتظهرها في صورة التابع الذليل؟!
أهذه هي الواقعية السياسية التي اتهمونا بجهلها؟!
هل يفهم هؤلاء في السياسة حقاً؟!
إنَّ هؤلاء الذين يقولون هذا الكلام الآن ويرددونه دون حياءً أو خجل؛ بذات اليقين الذي كانوا ينفونه به قديماً دون حياءٍ أو خجلٍ أيضاً؛ هم الذين أتحفونا بسيلٍ من الشتائم حين كنا نقول لهم هذا الكلام نفسه منذ سنوات.. كانت شتائم بذيئة؛ اشترك فيها كثيرٌ من ذكور الحركة وإناثها، وكان أقلها حِدةً وأكثرها ظُرْفَاً هي أننا جاهلون حاقدون نَكْرَهُ حماس والإخوان، أو مثاليون حالمون لا نفهم في الواقعية السياسية، أو خوارج متطرفون لو كنا في زمن عثمان رضي الله عنه لكنا من قَتَلَتِه!!
حين أرسل لي بعضُ الأصدقاء- وقتها- هذا الكلام؛ ضحكتُ بشدة، وقلت: هل يعني هذا أنهم- لكثرة تبريرهم الأحمق- لو كانوا في زمنِ عبيد الله بن زياد كانوا برروا قتله لِمُسلمِ بنِ عقيل، والتحقوا بجيشه للمشاركة في قتل الحسين رضي الله عنه؟!
***
الحقيقة الواقعية التي أثبتها تقلب هؤلاء بين الرأي وضده، والقول ونقيضه؛ هي أنَّهم أعماهم التحزب واستزلهم الهوى؛ فلا يكادون يعرفون طبيعة السياسة ولا يكادون يفهمون حقيقة الدين، وما يستعظمونه اليوم ويشتمون أهله عليه؛ يتبنونه غداً بكل أريحيةٍ وموثوقية ثم يشتمون أهله أيضاً.. وهم- مع تخريفات (إخوانهم اللي فوق)- كعساكر الأمن المركزي: (يمين يمين، شمال شمال)، وليس وراء ذلك من العقل حبة خردل.. وما مصطلح الواقعية السياسية الذي يرددونه صباح مساء سوى خِرقةٍ باليةٍ يسترون بها سوءات حزبهم.. ذلك الحزب الذي صار لهم كعجل بني إسرائيل الذي أخرجه السامري، وصاروا له كبني إسرائيل الذين أُشربوا في قلوبهم العجل!!
لقد كانوا يسخرون منا حين كنا نحدثهم عن العقيدة والهُويَّة!!
كانوا (يُدَرْوِشُونَنَا) ويُطَمْئِنُونَ قواعدهم أنَّ تعامل حماس مع الإيراني لن يسلخ عنها هويتها وعقيدتها.. وها هم الآن يحذرون قيادة حماس من مطالب إيران التي ستزيد من حِدَّةِ انقسام الحركة أو تُجبرها على تغيير هُويتها.. ولله في خلقه شؤون!!
***
يؤذيني والله أن يُؤذَى مُسلمٌ أو يُهانُ من شيعي.. ولكن لا تنسوا أنَّ هذا الشيعي الذي تذكرتم الآن (شِيعِيتَهُ)؛ هو الذي وضعتم أيديكم في يده القذرة المخضبة بدماء أكثر من مليون مسلم، وبررتم بأعذار واهية وصف مجرميه بشهداء القدس، ورفع صورهم في غزة، وإقامة مجالس عزاءٍ على أرواحهم النجسة.. وها أنتم الآن تهاجمونه لأنه أهانَ أحد قيادتكم برفضه لقاءه.. وأخشى والله أنكم تغضبون لقيادتكم أكثر مما تغضبون لدماء المسلمين.. فإنْ كانَ ذلك كذلك- ولا أجزم به- فأنتم والله أسوأ من حزب اللات الذي يوالي على الهُوية وتوالون أنتم على الحزبية!!
***
ثم.. لماذا يريد مشعل لقاءَ هذا المجرم الآن!!
هل هو لقاءُ (مجاملاتٍ سياسية) كلقائه بالمفتي ورئيس الحكومة، أم هو لقاءٌ سياسي لتوسيط المجرم حسن عند المجرم بشار لإعادة مكتب الحركة الخاص بمشعل إلى دمشق؟!
لا أدري، ربما أكون مخطئاً.. ولكن تصريحات بعض قيادات الحركة تُمَهِّدُ لهذا، والترتيبات المتسارعة وغير المعقولة في المنطقة تقول هذا..
لا تنسوا أننا في غضون شهرٍ واحد رأينا عَلَمَ قطر فوق برج القاهرة، وابنَ زايد في اسطنبول، وابنَ سلمان في الدوحة!!
بالنسبة لي.. أستبعد- ولا بعيد في السياسة- عودةَ مشعل (بشخصه) إلى دمشق؛ لشدة حقد بشار عليه تحديداً، ولرمزية مشعل عند دراويش الحركة الذين لا يزالون يعيشون وهمَ البراءة الثورية؛ مما سيصدمهم صدمة كبيرة.. إلا أنَّ السياسة لا ثابت فيها.. وربما يكون مشعل قد تعلم درسه وعرف خطأه.. ولو كان بشار يملك مسكةً من عقل لاشترط- لعودة مكتب حماس إلى دمشق- عودةَ مشعل تحديداً؛ ليُسقط أوهام الإخوان في السنوات العشر الماضية، ويُظهِرَ رمزاً من رموزهم في صورة العائد التائب!!
وعليه؛ فإنني أنصح هؤلاء الذين يتقافزون كالأطفال بمصطلح (الواقعية السياسية) أن يحتفظوا به بارداً في الثلاجة؛ لأنهم سيحتاجونه- يقيناً- حين يرون خالد مشعل في قصر الشعب بدمشق جالساً بجوار بشار الأسد!!
(وتِيتِي تِيتِي.. مِتِلْ مَا رحتي مِتِل ما جِيتي)!!
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق