صور من ظلم الإعلاميين للأمة
الظلم ظلمات على أصحابه في الدنيا والآخرة، وهو بؤس وشقاء وعناء على أهله في الدنيا وعذاب ونكال في الآخرة. وما من مصيبة ولا عقوبة تقع في الدنيا على مستوى الفرد أو الأمة إلا وسببها الظلم والعدوان؛ سواء كان ذلك الظلم هو الإشراك بالله عز وجل الذي هو أعظم الظلم، أو ظلم النفوس بما دون ذلك من المعاصي والمنكرات، أو ظلم العباد بعضهم بعضا.
الإعلام سلاح ذو حدين
يقصد بالإعلاميين في كل أمة أولئك الذين يساهمون في توجيه أفكار الأمة وسلوكها بالكلمة المقروءة أو المسموعة أو المرئية، ومن هؤلاء: الكتاب والناشرون والمذيعون والمخرجون والمؤسسون للإذاعة والتلفاز والمشرفون عليها والمنفذون لبرامجها، والمؤسسون للصحف والمجلات، والموظفون في مراقبة ما ينتج للامة من أهل الإعلام فيها. كما يلحق بهؤلاء المشرفون على المهرجانات الإعلامية والنوادي الأدبية ومن يسمون بأهل الفن والأدب.
ولنا أن نتصور الأجر العظيم الذي يناله هؤلاء فيما لو وجهوا جهودهم هذه في توعية الأمة بدينها وتهذيب أخلاقها وتربيتها علي الجد والجهاد، ومحاربة جهود الأعداء ومخططاتهم الرامية إلى إفساد الدين والأعراض والعقول والأموال كما لنا أن نتصور ذلك الظلم العظيم والوزر الكبير الذي يرتكبه الإعلاميون في حق أنفسهم وفي حق أمتهم المسلمة حين توجه الجهود إلى إفساد الأمة في ضرورياتها الخمس التي جاءت الشريعة للحفاظ عليها وحمايتها؛ ألا وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وهذا – ويا للأسى – هو الحاصل في أكثر بلدان المسلمين اليوم، ويشترك مع الإعلاميين في الظلم كل من مگن لهم أو أعانهم، ومن فتح قلبه وبيته لتلقي ما يبث في وسائل الإعلام المختلفة من ضروب الشر والفساد.
صور من ظلم الإعلاميين للأمة
وفيا يلي ذكر بعض هذه المظالم التي يرتكبها كثير من الإعلاميين اليوم في حق أمتهم:
المساهمة في إثارة الشبهات والتضليل الممارَس على الأمة
– المساهمة في إثارة الشبهات والشكوك حول الدين وأهله سواء كان ذلك عن طريق الكتاب المقروء أو الكلمة المسموعة أو المشهد المرئي في فيلم أو مسرح ويتبع ذلك الاستهزاء بالدين وأهله واستنقاص الشريعة أو الدعاية للنظم والأديان الباطلة وأهلها، وتحبيب ذلك للنفوس … إلخ كل ذلك من الظلم العظيم للامة والإفساد لها في دينها، وهذا النوع من الظلم يلحق في الحقيقة بالظلم الأعظم المخرج من الملة وذلك لأن هؤلاء الظالمين من الإعلاميين قد تجاوز ظلمهم لأنفسهم بالظلم الأعظم إلى ظلمهم للناس بتضليلهم والتأثير عليهم بما يملكون من وسائل الإعلام والتأثير.
ويلحق بذلك أيضا المساهمة في ترويج البدع والعقائد الباطلة وكل ما من شأنه إبعاد الأمة عن منبعها الصافي المتمثل في الكتاب والسنة وفهم الصحابة رضي الله عنهم، كما يدخل في ذلك الدعوة إلى فصل الدين عن الحياة والترويج لمذهب العلمانية المنادي بذلك، كما يلحق بذلك ما يقوم به أهل الإعلام وخاصة في التلفاز والإذاعة من تناقض واضح يصل إلى حد العبث والاستهتار بالناس وجعلهم في صراع داخلي وازدواجية تشوه الدين وبخاصة في نفوس الناشئة، ومن أمثلة هذا الاستهتار والتناقض ما يعرضه التلفاز أو الإذاعة من البرامج المتعلقة بالأحكام الشرعية والحلال والحرام ، ثم ما إن ينتهي هذا البرنامج حتى يعقبه مسلسل أو تمثيلية تعج بالمناظر المحرمة والسماع المحرم الذي سبق وأن بين تحريمه البرنامج الذي قبله.
إن جعل الأمة تعيش في مثل هذا الصراع والتناقض والترويض على عدم تعظيم حرمات الله عز وجل، إنه والله الظلم المبين والعبث المهين بدين الأمة ووقتها ومقدراتها.
– مساهمة الإعلام في نشر الجريمة والاعتداء على الأنفس والأموال بما يبثه من الأفلام البوليسية واللصوصية .
صناعة النخب وصفوة المجتمع الزائفة
– ومن ظلم الإعلاميين للأمة تقديمهم للساقطين والساقطات من مغنين ومغنيات وراقصين وراقصات على أنهم نخبة المجتمع وصفوته وإطلاق الألقاب الفخمة عليهم مثل النجوم، والأبطال، وتسليط الأضواء على حياتهم وسيرتهم الخاصة والعامة مما ينعكس أثره على جهلة الأمة من شباب وشابات فيسعوا إلى تقليد أولئك النجوم !! ويلاحقوا أخبارهم ويتلقوا عنهم، وإلا فما معنى ما ذكرته الصحف بعد موت عبد الحليم حافظ، ونزار قباني من الحزن عليهما، وتسويد الصفحات بسيرتهما العفنة، وهل هذا إلا نتيجة طبيعية لما يقوم به الإعلام من ربط الأمة بهذه الرموز الخبيثة وكأن ليس للأمة أبطالها الذين فتحوا الدنيا بنور الإسلام ونقلوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد1.
التضليل الإعلامي وصناعة الكذب
– (التضليل الذي تتعرض له الأمة من بعض الإعلاميين من تزویر الحقائق وتلميع الباطل وأهله والاستخفاف بعقول الناس، ونقلهم الأخبار والتحليلات السياسية دون تمحيص أو تدقيق وإنما يرددونها کالببغاوات كما وردت بصيغتها المخالفة لدين الأمة وعقيدتها، ولا يخفى ما في ذلك من تضليل وتلبيس وجعل الأمة تابعة لغيرها؛ تنظر بمنظار غيرها، وتفكر بعقول غيرها. كل ذلك من الإجرام والظلم في حق الأمة)2.
التلاعب بالألفاظ
– (سقوط قيمة الكلمة وامتهان شرفها وقدسيتها وبيعها لمن يدفع أكثر واستعمالها في المديح والنفاق المدفوع الثمن في كثير من الصحف والمجلات التي تزخر بها بلاد المسلمين. وأصبحت الاتجاهات المختلفة اليوم تتحكم في ذلك النوع من الإعلام، فصديق اليوم قد يصبح عدو الغد مثلما أصبح عدو الأمس صديق اليوم. إنها بعبارة أخرى صحافة بلا مبادئ، وإعلام لا يقوم على أسس أخلاقية)3.
إشاعة الفاحشة ونشر القيم الهابطة
– الظلم الذي يتعرض له المسلمون في أعراضهم؛ حيث تحولت أجهزة التلفزة في معظم ديار المسلمين إلى صالات عرض لبرامج الهدم ومسلسلات الإثارة التي تقضي على الفضيلة وتشيع الفاحشة بين المؤمنين، وذلك بما تطفح به من إظهار العورات، والخلوات المحرمة والحب والغرام .. إلخ في تحسين لذلك كله في أعين الشباب من الجنسين وإثارة للشهوات التي ترخص فيها الأعراض، ومثل ذلك ما تقوم به بعض الصحف والمجلات المتخصصة في الدعوة إلى الرذيلة بما ترسمه على صفحاتها حول الشواطئ والحفلات الراقصة المختلطة من صور النساء الكاسيات العاريات التي تفسد الأخلاق وتجري على هتك الأعراض، فهل يعي من وراء هذا العبث والفساد من الإعلاميين أي ظلم وعدوان يوقعونه بأعراض الأمة وأخلاقها؟
الدعوة إلى تحرير المرأة
– مساهمة الإعلام بنصيب وافر في جريمة الدعوة إلى ما يسمى (بتحرير المرأة) كما يزعمون، وذلك بعرضه ونشره لأنماط مختلفة من حياة المرأة الغربية وتلميعها لتبدو في أعين النساء المسلمات براقة زاهية، وتمجيده لتحرير المرأة من قيود دينها وأخلاقها عن طريق أبواب ثابتة وزوایا ومقالات وقصص وبرامج تستهدف جميعها جر المرأة المسلمة إلى تقليد غيرها في نزع حجابها وهجر بيتها والاختلاط بالرجال وتزيين ذلك لها وحثها عليه باسم التطور والتمدين والرقي والمساواة4.
إثارة الشهوات بالغناء والعزف
– مساهمة الإعلام في استباحته للغناء والمعازف والمزامير وشغل وقت الأمة به؛ فلا يكاد يخلو من الغناء والموسيقى برنامج ولاحدیث ولا ندوة ولا لقاء مما يقدم في إذاعة أو تلفاز، فضلا عن البرامج المتخصصة بكاملها في الغناء والعزف والموسيقى كما في برنامج (ما يطلبه المستمعون)؛ ذلك البرنامج الذي يعقد الصلات بين أبناء الأمة وبين الساقطين فيها والساقطات من المغنيين والمغنيات ويقويها ويزيدها رسوا حتى يصبحوا من متابعيهم وعاشقيهم. ومعلوم ما في ذلك كله من الجرأة على محارم الله عز وجل وما فيه من إثارة الشهوات بالغناء والعزف وما يؤول من ذلك إلى نشر الفاحشة وفساد الأعراض.
الإنفاق المحرم
– مساهمة الإعلام في تبذير أموال الأمة ودفعها إلى ذلك بما يبثه من الإعلانات والدعايات الكاذبة المبهرجة لكثير من المنتجات التجارية وغيرها بأسلوب يخدر العقول ويدفع الناس دفعا إلى شرائها وملأ البيوت منها من غير حاجة إليها، ومن ظلم الإعلاميين للأمة في اقتصادها أيضا دعايتهم للبنوك الربوية وبعض البيوع المحرمة، وحث الناس للمساهمة فيها وتزيين ذلك لهم.
الهوامش
(1) عن كتاب المسلمون وظاهرة الهزيمة النفسية: ص 98 ط 2 ( باختصار وتصرف ).
(2) المصدر السابق نفسه .
(3) المصدر السابق نفسه .
(4) عن كتاب المسلمون وظاهرة الهزيمة النفسية : ص 100 ط 2 ( بتصرف يسير).
المصدر
كتاب: “وقد خاب من حمل ظلما”، للشيخ عبد العزيز الجليل، ص150-156.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق