الثلاثاء، 4 يناير 2022

منظمة الدول التركية.. من أجل عالم أكثر عدلا ووحدة إسلامية أقوى

 منظمة الدول التركية.. من أجل عالم أكثر عدلا ووحدة إسلامية أقوى

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء حضوره الجلسة الافتتاحية 
الرسمية لقمة الشراكة التركية الأفريقية الثالثة في إسطنبول 


ياسين أقطاي

أثار الرئيس أردوغان مؤخرا دهشة العالم بخطواته المفاجئة والمثيرة للإعجاب في مجال الاقتصاد، مضيفا الدولار إلى قائمة أعدائه الذين واجههم وكسب معاركه معهم حتى الآن.

أظهر أردوغان حنكته القيادية اقتصاديا وسياسيا من خلال قرار استثنائي لم ينتظره أحد، اتخذه الأسبوع الماضي بهدف إلى حماية الليرة التركية التي كانت قد فقدت قيمتها لبعض الوقت مقابل الدولار. يمكن القول إن تلك الخطوة التي أتت نتائجها بشكل فوري باستعادة الليرة 30% من قيمتها في يوم واحد، و45% في غضون أيام قليلة، جددت نفوذ أردوغان ومكانته على رأس هرم السلطة.

في الواقع، تتخذ تركيا تحت قيادة أردوغان خطوات فعالة في العديد من المجالات. قبل أسبوعين، احتضنت إسطنبول قمة الشراكة التركية الأفريقية، وأنجزت خلالها تركيا إحدى الخطوات المهمة في سياستها الخارجية المتعددة الأبعاد. كنا قد كتبنا عن أبعاد هذه القمة، سواء من زاوية سياسة أردوغان في أفريقيا، أو مطالبة تركيا بإرساء نظام عالمي جديد. وقبل شهر من انعقاد تلك القمة، عقدت قمة أخرى في تركيا، وهي مؤتمر قمة رؤساء الدول التركية، حيث اجتمع رؤساء 6 دول ناطقة بالتركية في إسطنبول.

لا ينبغي النظر إلى منظمة الدول التركية كبديل للوحدة الإسلامية، بل هي خطوة إيجابية ضمن هذا المسار، وربما تساعد على الإسراع بتحقيقها. ولا ترى تركيا أن أي خطوة للتقارب بين الدول الإسلامية تتعارض مع أي خطوات أخرى في هذا الاتجاه

تعدّ هذه الدول عمقا إستراتيجيا مهما لتركيا في آسيا الوسطى، وبدأت المنطقة -التي تضم نحو 300 مليون شخص يتحدث التركية- تكتسب مزيدا من الأهمية السياسية بالنسبة لأنقرة التي تتطلع تحت قيادة أردوغان للاستفادة منها بشكل أفضل.

كانت هذه الشعوب منفصلة عن بعضها البعض في الحقبة السوفياتية، لم تستفد منها تركيا بأي شكل من الأشكال. ومع تفكك الاتحاد السوفياتي واستقلال هذه الدول، تطورت الروابط بين شعوب المنطقة تدريجيا وبدأت تقيم علاقات على أساس المصالح المشتركة.

في الواقع، هناك فرص واعدة لتطوير العلاقات بين هذه الدول التي ما زالت تخضع إلى حد كبير للنفوذ الروسي، وذلك من خلال اللغة والثقافة التركية المشتركة والدين الإسلامي. من شأن توطيد هذه العلاقات أن يمهد لإنشاء سوق مشتركة قوية ومربحة لجميع الدول. مع ذلك، يحتاج إنجاح هذه الشراكة إلى إرادة أقوى، وأجواء أفضل ومزيد من المبادرات.

خلق تحرير إقليم ناغورني قره باغ الأذربيجاني -الذي تحتله أرمينيا منذ 30 عاما- بدعم من تركيا العام الماضي، مناخا ملائما لإعادة إحياء الشراكة بين الدول الناطقة بالتركية. عُقدت القمة في تركيا في أجواء من الفخر والنصر والنجاح، وهو ما مثّل حافزا مهما لبناء علاقات جديدة. لا أحد ضمن هذه المنطقة يضع عينه على أراضي دولة أخرى، بل على العكس، تعاونت دولتان تركيتان لتحرير أرض محتلة منذ 30 عاما، ولا شك أن هذه التجربة أعطت الروح المعنوية والدوافع الضرورية لتشكيل مثل هذه الوحدة.

منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، مثّلت الجمهوريات التركية منطقة حيوية للسياسة الخارجية التركية، ومصدرا لإذكاء روح الهوية الوطنية. لكن آمال الوحدة والتضامن في هذه المنطقة المترابطة ثقافيا لم تتحقق على أرض الواقع، لأن حكومات هذه الدول عملت خلال 70 عاما تحت الحكم السوفياتي، على فصل شعوب المنطقة عن بعضها البعض، تماما مثلما تم الفصل بين الشعوب العربية لاستغلال ثروات المنطقة.

لكن لسائل أن يسأل: ألم تكن أمام هذه الشعوب والدول أي فرصة سابقة لتتوحد معا؟ في الواقع، شهد التاريخ عديد الحروب والنزاعات بين الشعوب المتقاربة. أدت النزاعات القبلية إلى إضعاف وحدة الشعوب العربية، وخاضت الشعوب التركية بدورها عدة حروب فيما بينها.

كان القائد التركي تيمورلنك السبب في إيقاف التقدم العثماني نحو أوروبا لفترة طويلة، ومثّلت الدولة الصفوية التركية مصدر التهديد الأكبر للإمبراطورية العثمانية، وكان الصراع بينهما انعكاسا لخلافات متجذرة في التاريخ. وهناك  العديد من الأمثلة الأخرى.

بكل تأكيد، نعيش اليوم واقعا مغايرا تماما، وأي خطوة باتجاه التعايش والوحدة بين  الدول الإسلامية من شأنه أن يسهم بتشكل نظام عالمي جديد مغاير لذلك الذي عرفناه في القرن الماضي.

من هذا المنطق، لا ينبغي النظر إلى منظمة الدول التركية كبديل للوحدة الإسلامية، بل هي خطوة إيجابية ضمن هذا المسار، وربما تساعد على الإسراع بتحقيقها. لا ترى تركيا أن أي خطوة للتقارب بين الدول الإسلامية تتعارض مع أي خطوات أخرى في هذا الاتجاه.

تدعم تركيا وحدة الدول العربية، وترى أنها خطوة مهمة على طريق وحدة العالم الإسلامي. وعلى أرض الواقع، تركيا قريبة جدا من العالم العربي، إذ تجاورها دولتان عربيتان، ولديها جالية عربية كبيرة، بينهم عرب من السكان المؤسسين لتركيا، ونحو 5 ملايين لجؤوا إلى البلاد في السنوات الأخيرة جراء الحروب والصراعات، وهو ما يجعل تركيا جزءا من العالم العربي. ولعل هذه المعطيات التاريخية تمهد الطريق لإعادة توحيد العالم الإسلامي عبر الترابط بين الدول الناطقة بالتركية والعالم العربي.

إن إنشاء مثل هذه التجمعات بين الدول الإسلامية على أساس الروابط الجغرافية أو اللغوية، كلما كان ذلك ممكنا، أفضل بكثير من استمرار حالة التشتت. ومن المهم لنجاح هذه الكيانات، أن يتطور كل بلد على حدة، لكن مع ضرورة التضامن حتى يصبح الجميع أقوى.

لكن يجب ألا نتصور أن القوى التي وقفت في الماضي ضد هذا التقارب قد اضمحلت، أو أن جهودها ستتوقف. هذه المقاومة موجودة داخل كل دولة، وتأتي أيضا من قوى خارجية، لأن الوحدة الإسلامية تهدد تماسك النظام العالمي الذي تشكل في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، ولا يمكن تشكيل نظام عالمي جديد وأكثر عدلا دون تقويض النظام القديم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق