حتى لا يموت الأمل

حتى لا يموت الأمل

د. سلمان العودة

ضعف الإيمان طريق إلى اليأس

‏

ذكر اليأس في قول الله تعالى: (إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون) ودلالاته

...(( لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ))[يوسف:87]، ووقفت أمس عند هذه الآية وما معناها؛ فإن هذه الآية تدل بظاهرها على أن اليأس من علامات الكفر، وبناءً عليه قال بعض العلماء كما في كتب العقائد -كما في العقيدة الطحاوية وغيرها-: أن اليأس من روح الله والأمن من مكر الله ناقلان من ملة الإسلام. يعني: أنهما كفر؛ أخذاً بظاهر هذه الآية، والآية الأخرى: (( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ))[الحجر:56]، فالمقصود إذاً من هذه الآية -والله تعالى أعلم- يحتمل أكثر من وجه:
إما أن يكون المعنى: أنه من صفات الكفار أن ييئسوا من رحمة الله تعالى، فيكون هذا وصفاً لهم، كما وصفوا في آيات كثيرة ببعض الخصال السيئة تنفيراً من فعلها، وتحذيراً من الوقوع فيها، كما في قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ))[الروم:31-32]؛ فإن هذه الآية تدل على أن المشركين فرقوا دينهم، وأنهم كانوا شيعاً متحزبين، كل فرقة تتحزب لما عندها، وتنكر ما عند غيرها، فاختلفوا في دينهم، واختلفوا على دينهم، وفرقوا كتاب ربهم وجعلوه عضين، كما في الآية الأخرى: (( الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ))[الحجر:91].
فيكون المعنى: التحذير من هذا الاختلاف، وأنه من صفات الكفار وخصائصهم وعلاماتهم، لكن لا يلزم من ذلك أن نقول: إن كل من اختلفوا فهم كفار، أو إن الاختلاف بالضرورة كفر؛ بل قد يكون منه ما هو كفر؛ مثلما إذا كان اختلافاً في ضروريات الدين وقطعياته وأصوله العامة المقطوع بها والمجمع عليها، وقد يكون اختلافاً دون ذلك من المعاصي والذنوب والضلال، مثلما إذا كان الخلاف في بعض قضايا الدين الواضحة، ولكنها ليست من الأصول والقطعيات والأشياء المعلومة من الدين بالضرورة، وقد يكون الخلاف دون ذلك، وقد يكون مباحاً، بل قد يكون خيراً في بعض الحالات؛ كما إذا كان مدخله التنوع والتعدد والسعة والتخفيف على هذه الأمة، مثل: الاختلاف في كثير من المسائل الفرعية التي ربما لا يسع الناس فيها قول واحد، فوسع الله تبارك وتعالى عليهم بتنوع الأقوال، وتنوع النصوص، واختلاف الاجتهادات فيها اختلافاً لا يضر، ولا يفرق الأمة ولا يعكر وحدتها.
وكذلك ضربنا مثالاً بالسنة النبوية بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( آية المنافق ثلاث )، كما في حديث أبي هريرة المتفق عليه، والحديث الآخر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ( أربع من كن فيه كان منافقاً )، وذكر: ( إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر ).
فيتوفر عندنا من مجموع الحديثين نحو خمس خصال للمنافقين، ولا يعني هذا الحديث أن من وجدت فيه بعض هذه الخصال أنه يكون منافقاً النفاق الأكبر الذي ينقل عن الإسلام، وإنما جاء في الحديث أنه قال: ( من كن فيه كان منافقاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ).
فتبين من ذلك: أن هذه الخصال نسبت إلى النفاق، ونسبت إلى المنافقين على سبيل التحذير منها، والإشارة إلى أنها من علاماتهم، ومن أماراتهم، ومن الصفات الموجودة فيهم؛ ولهذا فوجودها عند المؤمنين مذموم، والمؤمن حريص على البعد عنها؛ لئلا يتشبه بالمنافقين أو يوافقهم في بعض خصائصهم، أو في بعض سيمائهم، أو بعض علاماتهم؛ ولذلك في الحديث: ( من كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ).
فإذاً: يحتمل أن يكون قوله تعالى: (( لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ))[يوسف:87]، المقصود به: أن اليأس من علامات الكفار؛ لأنه لا إيمان يربطهم بالله سبحانه وتعالى، ولا ثقة لديهم بوعده، ولا إيمان عندهم بالإله القادر الحكيم الرحيم العليم، الذي يخلف على الإنسان بخير، وقد يحرمه من شيء ويعطيه ما هو أفضل منه، أو يكون مثلاً فاتهم شيء من نصيب الدنيا فلا يرجون شيئاً في الآخرة؛ لأن قصارى ما علقوا عليه همومهم وتطلعاتهم وآمالهم هي هذه الحياة الدنيا، فهي دارهم التي توفروا عليها، وجعلوها محط آمالهم، ومضرب أمثالهم، ونهاية قصدهم، وقصارى أملهم، فإذا فاتتهم أيسوا وانقطعوا وقنطوا، هذا هو أحد المعاني.
المعنى الثاني: أن يكون المقصود في الآية يأساً خاصاً؛ وهو اليأس من روح الله، والروح هي الرحمة، ولذلك قال الله تعالى في الآية الأخرى: (( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي ))[العنكبوت:23]، أي: من روحي، فالروح والرحمة بمعنى، والكفار هم الذين يئسوا من رحمة الله تبارك وتعالى، فهم لا يرجون رحمته، بخلاف المؤمنين الذين يدعون ربهم، ويرجون رحمته، ويخافون عذابه، من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، الذين جمعوا بين الحب والخوف والرجاء، وعبدوا الله تعالى بهذه المعاني الثلاثة في قلوبهم، وحققوا مقتضياتها في واقع حياتهم، وفي عباداتهم، وفي سلوكهم، وفي أقوالهم، وفي أعمالهم.
إذاً: المقصود والله تبارك وتعالى أعلم: أن الكفار هم الذين يئسوا من رحمة الله تعالى، ولعل أجلى وأوضح ما يتمثل فيه يأسهم من رحمة الله عز وجل يوم القيامة؛ فإنهم يوم القيامة يئسوا من رحمة الله عز وجل، ورأوا أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، وأن الجنة على الكافرين حرام، وأن مصيرهم إلى النار، ولذلك هم قد يتحججون وقد يعتذرون ويفعلون كما يفعل المنافقون، وقد يقولون: لم يأتنا من بشير ولا نذير، وقد يقولون ما يقولون، وقد يطلبون العودة إلى الدنيا والرجعى، لكن مع ذلك هم قد يئسوا من رحمة الله تعالى، يئسوا منها بالفعل؛ لأنها حرمت عليهم، وهذا جاء واضحاً في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع والده، كما في صحيح البخاري وغيره: ( أنه إذا كان يوم القيامة يلقى إبراهيم أباه عليه غبرة وقترة، فيقول: ألم آمرك فعصيتني؟ فيقول: اليوم لا أعصيك، فيأتي إبراهيم عليه السلام ربه ويقول: ألم تعدني يا رب ألا تخزيني، وأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ ) أي: أن يكون أبوه في النار وهو آزر، ( فيأمر الله تعالى أباه فيمسخ ذيخاً متلطخاً، فإذا رآه إبراهيم قذره وأنكره وأبغضه وطابت نفسه، والله تعالى قال له: يا إبراهيم! إني حرمت الجنة على الكافرين ).
إذاً: فاليأس من روح الله ومن رحمته هو عند الكفار، هو هذا اليأس الخاص من الرحمة، وهو أيضاً أجلى ما يتضح في يوم القيامة، وتتضح بوادره ومعالمه وبعض آثاره في الدار الدنيا.
فهذا أحد المعاني أيضاً الواردة في الآية، وإلا فلا يلزم أن كل من يئس من شيء يكون من الكافرين، أو يكون واقعاً في الكفر؛ فإن الشرع نفسه جاء فيه بذكر اليأس، ولعل قصة يوسف عليه السلام، وسورة يوسف ذكر الله تبارك وتعالى فيها الأنبياء، وقال: (( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ))[يوسف:110]، فأخبر عنهم بالاستيئاس؛ وهي مأخوذة من اليأس، وليس بالضرورة أنها مماثلة لكلمة يئس الرسل؛ لأن استيأس تدل على أنه قارب الشيء ودنا منه وكاد؛ لكنه لم يقع في اليأس المطلق من هداية قومهم.
وكذلك ورد في... حكم معاملاته، وحكم صدقته، وما أشبه ذلك من المعاني.
فإذاً: كلمة اليأس لا تدل بالضرورة وقوعها في... أن ييأس الإنسان من الشفاء، أو أن ييأس من المال، أو ييأس من الولد، أو ييأس من تحقيق مطلبه في مسألة معينة، أن يكون بهذا العمل كافراً أو أن يكون هذا العمل كفراً، هذا ليس بلازم كما أشرنا.

ذكر اليأس في قول الله تعالى: (حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا) ودلالاته

وفيما يتعلق بالرسل عليهم الصلاة والسلام فإنه تعالى قال: (( اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ))[يوسف:110]، وفي قراءة عائشة رضي الله عنها كانت تقرؤها: (وظنوا أنهم قد كُذِّبوا) بالتشديد، (( جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ))[يوسف:110]، وهذا يؤكد ويعيد المعنى الذي ذكرناه فيما سبق؛ وهو أن المؤمن كلما اشتدت عليه الحلقات ضيقاً، وكلما اشتدت ظلمة الليل عليه، وكلما تكاثفت السحب والغيوم، وكلما ارتدت في وجهه الخطوب، وكلما عظمت عليه المصائب وضاق عليه الخناق، كان أوثق بعطاء الله تعالى، وأقرب إلى رحمته، وأسرع إلى فرجه:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى   ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب
إذاً: المؤمن واثق بالله تعالى، لا يصل اليأس إلى قلبه، وإذا أيس من شيء فإنه يجد العوض عند الله تعالى، بالرضا بما كتب الله وقضى وقدر، بالطمع في فضل الله تعالى، وعظيم الأجر والثواب الذي ربما يجعل الإنسان يزهد في عاجل الدنيا ومتاعها؛ رغبة فيما عند الله تبارك وتعالى.
أيضاً يكون عند المؤمن الثقة بتدبير الله تعالى وتقديره، وأن اختيار الله تعالى له خير من اختياره لنفسه، فربما حجب الله تعالى عنه شيئاً تمناه ورجاه؛ لأنه تعالى علم أن الخير في إبعاد هذا الأمر عنه، وكم من إنسان صحيح كانت صحته وبالاً عليه، وكم من غني كان غناه ضرراً في دينه أو دنياه، وكم من أهل ولد كان أولاده شقاءً له في نفسه وعيشه، وكم من إنسان طمع في الزواج بامرأة فلما تزوج بها وجد من جراء علاقته معها ما لا يجمل ولا يحسن ولا يحب ولا يرضى.
إذاً: فالمؤمن وإن فاته شيء من أمر الدنيا أو حرم منه أو عجز عنه فإنه يطمع في خير منه؛ بالرضا بما كتب الله تعالى، والتسليم لقدره، والطمع في أجره وثوابه.
ذكرنا السبب الأول في موضوع اليأس والقنوط وهو: ضعف الإيمان.

التطلع إلى الأهداف الوهمية والآمال الزائفة طريق إلى اليأس

أما السبب الثاني الذي نتحدث عنه اليوم فقد سميته الهدف الوحيد والنجاح الأكيد، وهذا يحدث في الحياة الشخصية للإنسان أو الدعوية أو العلمية، ومعنى هذا السبب: أن بعض الناس قد يربطون آمالهم كلها ويعلقونها في هدف واحد فقط لا ثاني له ولا بديل عنه، ثم مع ذلك يعتبرون أن تحقيق هذا الهدف المنشود حتم لابد منه، ويقين لا شك فيه، وكأنما قبضوه بأيديهم، وبناءً على ذلك قد يقع خلاف ما يتوقعون ويرجون، أو لا يتحقق لهم كل ما يرجون فيقع من جراء ذلك يأس وقنوط.
وهذه بعض الأمثلة:
هذا شاب وضع أمله كله في شخص شيخه مثلاً، سواء كان هذا الشيخ عالماً أو داعية أو مربياً، ورأى في شيخه رمزية غير عادية تحكي صور الرعيل الأول، كالأئمة العظام، وكـابن حنبل أو الشافعي، أو مالك أو ابن تيمية أو العز بن عبد السلام أو المنذر بن سعيد، أو هذا العالم الفحل، أو ذلك المناضل الفريد، وصار هذا الحلم يسقى يوماً فيوماً، ويكبر في نفس صاحبه، ويتعاظم حتى يملأ عليه الدنيا.
ولكن مضت الأيام وكبر هذ الشاب، وصار له رأيه وتميزه ونظره وتفرده وكبر عقله، وتساوقت الأحداث، وتفاوتت النظرات، وتضاربت الاجتهادات، فلم يعد يجد الكلمة الأخيرة التي يصدر عنها دون تردد كما كان يعتاده من قبل، وربما وجد من متبوعه شيئاً يخالف ما تعوده في المواقف العملية، مما يعتبره هو ضعفاً أو تباطؤاً أو عجزاً أو تأخراً، وقد تسميه أنت حكمة أو خبرة، أو يسميه الآخرون جبناً أو ما شاء الله، المهم خاب الأمل.
وشاب آخر ترعرع في ظل مجموعة من المجموعات الدعوية، يرى من خلالها الحياة بأحداثها ومساراتها وتطلعاتها، وهي في قرارة العاطفة عنده أمل الأمة وتطلع الإسلام، وهو يحسب خطواتها، ويعد لياليها، ويقايس نجاحاتها، ويمتزج بها لحماً ودماً وعقلاً وقلباً؛ حتى لا يتخيل نفسه خارج إطار هذا التجمع إلا تفل عن يساره، واستعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وتغدو هذه الصورة العملية بالتطبيق الإسلامي هي الكمال الذي لا يرى كمالاً خارجه إلا ود أنه رده إليه، ولا يرى نقصاً فيه، وهيهات أن يتخيل فيه نقصاً إلا تأوله أو نفاه أو تعاظمه.
لكن هذه الصورة الجميلة تهتز أمام المتغيرات والأحداث، ويكبر الناس ويتفردون باجتهاداتهم، ويضيق عنهم الإطار الجماعي المرسم، فتتفرق بهم طرق الدعوة والخير، ويمضي كل إلى حال سبيله، وهكذا يعجز العقل عن التفسير والتحليل أهو التراجع أم التنازع أم ماذا؟
وهذا ثالث رأى في مشروع ما -مشروع علمي أو عملي أو سياسي أو غيره- أنه الحل الوحيد ولا حل إلا به، ولا مخرج للأمة إلا عن طريقه، ولا نجاة ولا عصمة ولا صدقية إلا لمن استمسك به.
وفي هذه الأمثلة التي ذكرت وفي غيرها مواضع للعبرة:
‏

خطأ الإسراف في تقدير الشيء فوق قدره

الموضع الأول: أنه لا يحسن الإسراف في تقدير شيء ما فوق قدره؛ لأنه ما رفع أحد أحداً فوق قدره إلا وأنزله دون قدره بعد ذلك، والحسنة وسط بين سيئتين، والفضيلة وسط بين رذيلتين، والحق وسط بين باطلين.
لا بأس أن أتطلع لهذا العالم أو الداعية أو المصلح، ولا بأس أن تتحرك آمالي الغافية إزاءه، لكن لم لا أضع مجالاً أو هامشاً على الأقل للمتغيرات والاحتمالات؛ حتى لا أصاب بصدمة لو حدث خلاف الظن؟!
إنه ليس من المحتم أن يكون الأمر كما تصورته أنا، دوليس ما تصورته هو بالضرورة ما يجب أن يكون، والخيارات تظل مفتوحة، ومن الفاضل جداً أن يعتدل الإنسان في قناعته في مشروع ما أو شخص ما؛ بحيث لا يفرط في الإلحاح على أهليته لهذه المرتبة أو هذا المقام، فالغلو والجفاء كلاهما ليس من سبيل المؤمنين، ولا من هدي المرسلين.
إننا نخطئ خطأً جسيماً حينما نتكئ تماماً على فرد أو جماعة أو مشروع باعتباره المخرج الوحيد والمخلص والمنقذ والرمز والأمل والحل، ونمنحه من عاطفتنا وحماسنا ما لا يطيق ولا يحتمل ثم نطالبه بالمستحيل.

إلقاء تبعات التناقضات الفردية والجماعية على الأمل المرسوم

وهذا يقود إلى الموضع الثاني من مواضع العبرة وهو: أننا بتناقضاتنا الفردية والجماعية والشعبية والأممية نلقي بتبعاتنا على هذا الأمل الذي صنعناه ورسمناه وتخيلناه، فهذا يريد شيئاً وذاك يريد نقيضه، وكل يغني على ليلاه كما يقال.
فإما أن نجعل هذا المشروع مجمعاً للمتناقضات، وهذا مصير بائس ونهاية أليمة، وإما أن تبدأ الآمال المغرقة في التفاؤل بالتلاشي والانهيار.
إن تراكمات التراجع التاريخي وسلبيات الواقع بكل تجلياته ستكون على كاهل هذا المشروع البكر الوليد الناشئ، وتجاوز الواقع والقفز عليه شيء غير ممكن.
إن كل مأساة تقع أو مصيبة تنزل أو عدوان يحتدم، أو مظلمة تتفاقم أو ضر في بر أو بحر، حتى مما يكون له جذور تاريخية قديمة وأسباب راسخة عريقة في وجدان الأمة وسوابقها، هو في نظرنا أحياناً مما يجب أن يكون هدفاً للتغيير، ويجب أن تغيره هذه الجماعة أو أن يغيره هذا الفرد، أو أن تغيره هذه الدائرة، أو أن يغيره هذا العمل الدعوي أو هذا العمل الجهادي، هكذا نتصور في بعض الأحيان، ومع هذا التصور فإننا نتصور أيضاً أن التغير المنشود المفروض يجب أن يقع تحت سمعنا وبصرنا وإدراكنا، فلا مجال لخطة طويلة المدى بعيدة الأجل، تعدنا بإصلاح منتظر يشهده أولادنا أو أحفادنا، نريد أن نرى النتائج في عمرنا القصير، وخلال حياتنا المحدودة، وإلا فمعناه: أن العمل فاسد، والأمل خائب، والثقة في غير محلها.
وكل تعامل مع قضية مستجدة يجب أن يكون وفق مرئياتنا وتطلعاتنا، وأن يدغدغ عواطفنا، ويتعامل على أساس القوة والقدرة والمنطق النضالي، هكذا نتصور أحياناً، وكأن الأمة المسلمة مستثناة من النواميس الإلهية التي تجعلها عرضة للصعود والانحدار، أو للقوة والضعف، أو للغنى والفقر، أو للنصر والهزيمة، أو للتمكين والاستضعاف، أو للحياة والموت، وإذا كان من يشعر بالمسئولية يحسب خطواته وكلماته أكثر فأكثر، ويدرس الخيارات الموجودة أمامه بعناية وبترقب، ويقيس الأرباح والخسائر؛ فإن من خسر كل شيء وأفضى إلى شفير اليأس قد يمضي دون حساب.
إن المهم أيها الأحبة! هو أن يكون ثمة خطوة صحيحة وصادقة ومدروسة بعناية، بعيداً عن الارتجال، وبعيداً عن أوهام القفز والتجاوز التي تخاطب العواطف، وتعاند العقول، ونحن مؤمنون بالأسباب حتى في دقيق الأمور فضلاً عن عظيمها، ولقد قلت للإخوة قبل يومين: لقد أخطأت يوماً فوضعت مفتاح الباب لباب آخر، فوجدته يستعصي عليَّ، فقلت لنفسي: سبحان الله! كيف لا أعتبر من هذا المثال الصغير لما فوقه، إن غيرة المؤمن وتطلعه للنصر يجعله أحياناً ينتظر من أمله أو حلمه أمراً ضخماً ينتسب إلى عهود غير تلك العهود، وإلى طاقات غير تلك الطاقات، ومواهب غير تلك المواهب، وربما كان الوعد صادقاً بناءً لو ظلت طموحاتنا وتطلعاتنا في حدودها، ولو ناسبنا بين الواجب والممكن، ونأينا عن انتظار الخوارق إلى فعل الأسباب.

ضرورة التنوع في المسالك والأسباب وإحكام التوازن بينها

العبرة الثالثة من هذه المواضع: هي أن التنوع في المسالك والأسباب مطلوب، وإحكام التوازن بينها يحفظ للأمة آمالها، ويجعلها بمنجاة من نوبات القنوط، وعصفات اليأس المستحكم، فطرق الخير كثيرة، وليس النجاح محصوراً بعمل بعينه، ولا يتوفر وعد إلهي بتخصيص شيء عن شيء إلا مجمل ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكل عامل على وفق السنة النبوية فهو راشد بإذن الله، فإذا صحت نيته فعمله صالح داعية كان أو معلماً، أو منفقاً أو مصلحاً، أو مجاهداً أو مديراً، أو خطيباً أو ما شاء الله.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نموذجاً وقدوة لكل فرد من هؤلاء، وجاء هديه شاملاً لأبواب الإيمان كلها، حتى قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( الإيمان بضع وسبعون -وفي لفظ: الإيمان بضع وستون- شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان )، فذكر أعلى هذه الشعب وهي شعبة الإيمان، شعبة التوحيد ونفي الشرك بالله عز وجل، وذكر أدنى هذه الشعب: (إماطة الأذى عن الطريق)، وذكر أوسط هذه الشعب وهو الحياء، فهو خلق عظيم يحمل على فعل الطاعة، وترك المعصية، وحسن التعامل مع الناس، وهذا شعبة من شعب الإيمان، والناس في هذه الشعب درجات كثيرة لا يحصيهم إلا الله تعالى.
إذاً: الخير ضروب وألوان وأشكال وأمثال، ولا يحسن تضييق ما وسع الله، ولا تحجيره، ولا يسع الناس إلا شريعة ربهم، أما اجتهادات البشر فتظل مسكونة بأثر الماء والطين والتراب، وإن تألقت وتنمقت، ولهذا فالأمة بحاجة ملحة إلى نظام واسع يتسع للجهود المتنوعة، والطاقات المختلفة، والمشاريع المتعددة، وهي بمجملها تشكل أمل المسلمين وطموحهم، فإذا تراجع شيء منها عضده الآخر، وقد يفلح قوم في عمل فوق الظن ويضعف آخرون، والنظر يخطئ ويصيب، وقد يتراجع قوم في وقت ويضعفون، وينتعشون ويرتفعون في وقت آخر، والدهر دول، والكلمة الأخيرة لا يعلمها إلا الله تعالى.
فالأمة ليست محفوظة في شريحة من الدعاة مثلاً، أو من العلماء أو من الشباب الصالحين، بل كل من صح له وصف الإسلام فهو من الأمة، وقد يؤيد الله هذا الدين بالرجل الفاجر، كما ورد في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( إن الله تعالى ليعز هذا الدين بالرجل الفاجر )، وقد يكون من أهل النكاية في العدو ببأسه وشجاعته، أو يكون من أهل العائدة والفائدة للمسلمين بعلمه أو حرفته أو رأيه أو لسانه أو يده من ليس معدوداً في المتقدمين في علم أو في عبادة أو في سمت، والأرزاق بيد الله يقسمها كيف شاء.

اتهام المرء لرأيه والحذر من جعله الحق الذي يجب رد الناس إليه

رابع هذه العبر: أن يتهم المرء رأيه، نعم لك أن تقتنع برأيك ولابد، وأن تعرضه، وأن تتحمس له في حدود الطبيعة، لكن دون أن تجعله هو الحق الذي يجب رد الناس إليه، فقد تكون أتيت من قبل إصرارك على أنموذج خاص لا ترى الحق إلا من خلاله، ولا تبصر النجاح إلا فيه، وغاب عنك ما هو أنجع منه وأسنى.
ولقد خرج الصحابة رضي الله عنهم إلى الحديبية، لا يظنون إلا أنهم فاتحوا مكة ومطوفون ببيتها العتيق، وأراد الحكيم العليم غير هذا، وأبرمت معاهدة الصلح التي رأوها إعطاء للدنية في دينهم، كما قال عمر رضي الله عنه: ( يا رسول الله! فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ )، ولقد عجزت غيرة بعض الصحابة وحماستهم وقناعتهم الراسخة المستقرة بالفتح والعمرة من ذلك العام، عجزت عن استيعاب موقف الحكمة النبوية، وتمثل هذا في شخص عمر رضي الله عنه، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، ورجل من عظماء الصحابة رضي الله عنهم، فهو على قوته وصحة يقينه يقول ما قال لـأبي بكر، ثم يقول ما قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألسنا بالمسلمين؟ أليسوا بالمشركين؟ فعلام نعطي الدنية في ديننا؟).
ولهذا يقول أبو وائل شقيق بن سلمة رضي الله عنه ورحمه الله يقول: [ لما قدم سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره، فقال لنا: اتهموا الرأي، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره لرددت، والله ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا لأمر يفظعنا إلا أسهل بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، أما في هذا الأمر فما نسد منها خصماً إلا انفجر علينا خصم، ما ندري كيف نأتي له؟ ].
إذاً: فينبغي للإنسان أن يكون معتدلاً في نظره، وفي رأيه، وأن يجعل هامشاً أو مجالاً للاحتمالات الأخرى.
وأختم هذه الملاحظات أو هذه العبر من المثل بهذه الحادثة العجيبة التي تكشف عن الرؤية المتزنة في الإحداث والمتغيرات، وكيف استطاع رجل كـابن عمر رضي الله عنه أن يلتقط من موقف أقرب إلى اليأس حبل الأمل، وأن يشيد ببقاء هذه الأمة وديمومتها وخيريتها في موقف من أعجب المواقف، وأن هذه الأمة أكبر من الأفراد، وأكبر من الجماعات، وأكبر من الدول، وأمنع من الجبال، وأعصى من العوادي، وإن كان يوهن عزمها ويرخي قبضتها داء الخلاف والتطاحن والتشاحن.
روى مسلم في صحيحه: أن عبد الله بن الزبير لما قتل في حربه مع الحجاج في مكة، وأمر الحجاج بصلبه على جذع في عقبة المدينة، فجعلت قريش تمر به والناس يمرون عليه، حتى مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله إن كنت ما علمت صواماً قواماً وصولاً للرحم، أما والله لأمة أنت شرها لأمة خير، يعني: كأنه يقول: إن عدوك أنت شرهم، فهذه الأمة أمة خير، وإلا فإن عبد الله بن الزبير هو من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أفاضل هذه الأمة، واجتهاده متردد بين أن يكون صواباً مشكوراً -وهو الأقرب- أو خطأ مغفوراً، ولكن المقصود: أنهم إذ ظنوك من الشرار وأنت بهذه المنزلة من الصيام والقيام والعلم والدين والصدق والإخلاص، فهذه الأمة إذاً أمة خير، ثم... عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقفه وقوله فأرسل إليه فأنزل من جذعه، فألقي في قبور اليهود ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتي.. إلى آخر القصة المعروفة؛ إنها مواطن عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

المعوقات النفسية وارتباطها باليأس والقنوط

بقينا في السبب الثالث والأخير مما يتعلق بأسباب القنوط واليأس، وهذا السبب هو ما يمكن أن يعبر عنه بالمعوقات النفسية؛ فإن كثيراً من الناس قد يتساءلون -وهم يعترضون لنوبات يأس- هل معنى ذلك أننا لسنا بمؤمنين أو ضعفاء الإيمان؟ أقول: ليس هذا بالضرورة، فقد يكون من أسباب اليأس أحياناً ضعف الإرادة مثلاً أو فقدان الاستقرار والهدوء النفسي عند الإنسان، أو ضعف التحمل في جبلة الإنسان وما طبع عليه، أو عدم الثقة بالنفس وكثرة العتاب والتوبيخ والتقريع لها.
إذاً: هناك عوامل نفسية ذاتية لا يلام الإنسان عليها، لكنها قابلة للعلاج، وقد تزداد هذه الأسباب بسبب موقف صعب أو شعور بالذنب أو إخفاق مفاجئ تعرض له الإنسان، وعلى سبيل المثال: هذا سؤال وردني أمس أو قبله من أحد الإخوة يقول: إنه طبيب -وباللغة الإنجليزية السؤال ترجمته: إنه طبيب وأنه يعاني من الاكتئاب وخصوصاً في السنوات الأولى من مزاولة الطب؛ وذلك لأنه نتج هذا عن وفاة مريضين كأنهما توفيا أمامه أو عنده أو شعر بالتقصير في حقهما، فهل هناك توبة؟
أولاً: قد لا يكون الإنسان قصر، يعني: الموت والحياة بيد الله تعالى، فالإنسان قد لا يكون قصر، بذل وسعه، والعلاج والطب وغيرها من الأسباب لا تبعد الأجل ولا تدفعه إذا دنا وقرب، وإنما هي أسباب يدني الله تعالى بها ما يشاء، لكن إذا كان صدر من الإنسان تقصير أو تطبب ولم يعلم منه طب، فلا شك أنه مخطئ بهذا العمل وأنه آثم؛ فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على علاج أو طب وهو ليس خبيراً بهذا الأمر، ولو ترتب عليه آثار فهو مؤاخذ بذلك في الحياة الدنيا، ومؤاخذ به في الدار الآخرة، ولكن التوبة تجب ما قبلها، وإذا صدق الإنسان في توبته تاب الله تعالى عليه، ولعل الأخ ليس ممن وقعوا في تفريط أو إهمال، وإنما ربما يكون الأمر نتيجة فوات الحرص مع الاجتهاد.
هؤلاء بعض الإخوة يبشرون أن الصوت حلو كما يعبرون ومستمر، ويدعون بالتمام على خير.
إن شاء الله نسأل الله تعالى أن يكون الأمر كذلك، وأن يكون هذا التعبير من الجميع، وليس من جهاز واحد فحسب.

الأسئلة

‏

إخلاف الوعد وعلاقته بالنفاق

السؤال: هذا سؤال يقول: هل الذي يخلف مواعيده دائماً يدخل في النفاق العملي؟ وما نصيحتكم لمثل هؤلاء؟ وهل صحيح أن الأجر والإثم يكونان مضاعفين في رمضان؟
الجواب: أما بالنسبة لخلف المواعيد فهو من علامات النفاق لا شك، وقد جاء هذا في القرآن الكريم: (( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ))[التوبة:75-77]، فإخلافهم ما وعدوا وكذبهم في حديثهم هو من علامات النفاق، لكن قد يكون نفاقاً أكبر -كما في الآية الكريمة- إذا أخلفوا الله تعالى ما وعدوه وكذبوا على ربهم، وخالفوا في أصل الدين، وأصل الاعتقاد، وأصل التوحيد، وأما إذا كان مع الخلق مثل: أن يكون وعد أحداً وأخلفه من غير عذر ولا سبب، وربما لما واعده كان ينوي الإخلاف، فهذا لا شك أنه من علامات النفاق العملي، ولا يكون صاحبه منافقاً بمجرد ذلك.
أما لو واعد إنساناً وفي نيته أن يفي له بوعده، ثم طرأ عنده خلف بعد ذلك، فهذا أخف وأهون، وإن كان ينبغي له أن يخبر الطرف الآخر.
ومما بحثه العلماء في هذه المسألة: لو أنك وعدت إنساناً بعطية أو هدية -بمال مثلاً-، ثم بدا لك ألا تدفع له هذا المال، فهل هو لازم أم لا؟
الجمهور يرون أنه ليس بلازم؛ وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وللإمام مالك اختيار في هذا وهو: أنه ملزم، وهذا جيد، خصوصاً إذا ترتب عليه التزام الطرف الآخر بشيء، مثلما لو قلت لإنسان: إن تزوجت فعندي لك عشرة آلاف ريال، ثم تزوج هذا الإنسان بناءً على عدتك، فحينئذ الأقرب أنه يلزمك، وربما حتى على سبيل المقاضاة أن تدفع له ما وعدته.
أما مضاعفة الأجر والإثم في رمضان، فبالنسبة لمضاعفة الأجر يرجى أن يكون الأجر مضاعفاً في هذا الشهر الكريم؛ لشرف الزمان وفضيلته، وأما بالنسبة للإثم فإن الله تعالى لا يظلم أحداً شيئاً، وإن كان الإنسان قد يكون ارتكب إثماً مركباً؛ يعني: إثم المعصية، وإثم الفطر في رمضان مثلاً أو انتهاك حرمة الشهر أو ما أشبه ذلك.

حكم صلاة الجنازة على امرأة تزوجت رجلاً مسيحياً

السؤال: يقول: امرأة تزوجت رجلاً مسيحياً، وتوفيت وقد كانت لا تصلي ولا تصوم إلا قليلاً، فهل يصلى عليها؛ لأن إثبات هويتها أنها مسلمة، وهل يجوز الجمع لها من المسلمين تكاليف تجهيزها ودفنها؟
الجواب: بالنسبة لـ زواج المسلمة من رجل غير مسلم مسيحي مثلاً أو يهودي أو وثني، فهو محرم بنص القرآن الكريم، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ )) إلى قوله تعالى: (( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ))[الممتحنة:10]، فلا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير مسلم، وهذا محل اتفاق من حيث الأصل عند العلماء، كما ذكره غير واحد.. أقول: من حيث الأصل.
يبقى أن هذا الفعل الذي فعلته المرأة ليس كفراً، وإن كان معصية وجرماً وشناعة إلا أنها لا تكفر بذلك، وكذلك كونها ممن يصلي ويترك، ويصوم ويترك، فهي لا تكفر بهذا أيضاً.
فحينئذ نقول: إن هذه المرأة تظل لها حكم الأصل وهو الإسلام، فتغسل وتكفن ويصلى عليها، ولا بأس أن يجمع لها من المسلمين تكاليف تجهيزها؛ لأن الأصل في المسلم بقاؤه على الإسلام حتى يخرج منه بيقين، وقد تكون هذه المرأة جاهلة في بعض ما وقعت أو غير ذلك.

تغلب منطق القوة في هذا الزمن وواجب المسلمين تجاه ذلك

السؤال: يقول: هل في زمننا هذا القوة السائدة أم الحق؟ ما الذي أصاب المسلمين أهي نكسة وذل وضعف؟ وما موقفنا من الأحداث الجارية في فلسطين وأفغانستان وغيرها؟
الجواب: أما السائد في هذا الزمن فلا شك أن السائد هو القوة، وكما يقولون:
ودعوى القوي كدعوى السباع            من الناب والظفر برهانها
ونحن نجد كثيراً من الدول الغربية وغيرها قد تنتقد ما تسميه هي إرهاب الأفراد أو إرهاب المجموعات، ولكنها تمارس إرهاب الدولة على أشده، فيصبح ما كان حراماً في الغرب حلالاً مثلاً في أفغانستان، أو حلالاً في فلسطين، أو حلالاً في الشيشان، أو حلالاً في الفلبين كما بدأ الوعيد والتهديد وهكذا، فلم يعد هناك معايير عقلية صادقة منضبطة يمكن الركون إليها، والأخذ بها، والقناعة بها، وإنما المنطق هو منطق القوة التي تستخف بكل ما عداها، وتجعل الناس كلهم طرفين صنفين: إما أن تكون معها أو تكون ضدها، أما أن تكون في موقف ثالث، في موقف خاص بك مبني على مراعاة الحق ومراعاة العدالة ومراعاة الإنصاف، بعيداً عن الانحياز، فهذا أمر أصبح غير مقبول ولا مسلم في مثل هذا الزمان؛ لكن يبقى للحق قوته ورونقه وخلوده وبقاؤه، وقد عقد بعض المؤلفين حواراً بين الحق والباطل، فكان الباطل يقول للحق: أنا أظهر منك وأشهر منك، والحق يقول له: أنا أرسخ منك وأعمق جذوراً في الأرض، وأثقل في الميزان، وأبعد وجوداً، فـدولة الحق إلى قيام الساعة ودولة الباطل ساعة كما يقال.
والله تعالى يقول: (( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ))[المجادلة:21]، ويقول سبحانه: (( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ))[الصافات:171-173]، ويقول الله سبحانه وتعالى: (( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ))[غافر:51-52]، لكن صور النصر، صور الحق، صور التفوق ليست بالضرورة صورة واحدة محددة مرسمة كما في عقلي وعقلك، وذهني وذهنك، في شريعة الله وفي كتاب الله تعالى، وفي سير الأنبياء والمرسلين الثبات على الحق انتصار، والصمود على الحق انتصار، والوفاء للحق انتصار، والرجوع إلى الحق انتصار.. وهكذا يبقى أن هناك صوراً كثيرة جداً.
وقد ذكر الله تعالى في كتابه نماذج من الرسل والأنبياء الذين قتلوا وليس واحداً ولا اثنين، بل الله سبحانه تعالى يذكر عن اليهود في مواضع كثيرة أنهم كانوا يقتلون النبيين بغير الحق، وهم أنبياء يأتيهم الوحي، ومع ذلك قتلوا وبإرادة الله تعالى حصل هذا، وبعلم الله عز وجل، وبحكمة الله سبحانه، وكم من إنسان يقدر الأمور وفق معيار معين، وتكون الأمور عند الله تعالى خلاف ما يظن الإنسان ويتصور.
أحياناً أقول لنفسي وأقول لبعض الإخوان: عقلي وعقلك الذي نقيس به الأمور ونحسب به الأشياء لو وضع مخ أحدنا في فنجان لكان في جزء منه ولم يملأ هذا الفنجان، فكيف نتخيل أن هذا العقل المحدود الضيق يعطي أحكاماً قطعية نهائية محددة في كل القضايا، وفي كل الأمور؟! علماً أنه ربما كثير من الأشياء لم تتضح إلا بداياتها وأماراتها، ووراء ذلك مستويات وأزمنة ومراحل ودرجات، وأمور لا تتكشف إلا بعد حين، فالإنسان يقول الآن شيئاً ويترك أشياء للمستقبل يبديها الله سبحانه وتعالى، ويكشفها لمن يشاء من عباده.
لكن على المسلمين دائماً أن يكون عندهم ثقة بالله تعالى، وتواص بالحق، وتواص بالصبر، وإيمان بالأسباب، وفعل لها بحسب ما هو ممكن، سواء في ذلك الأسباب الشرعية؛ من طاعة الله تعالى، واتباع رسله، والتزام دينه، وتصحيح العقائد والأعمال والأحوال والعبادات، والبراءة من الذنوب والمعاصي، والبدع والمخالفات، أو ما يتعلق بالأسباب المادية من استجماعها واستحضارها؛ فإن هناك قدراً من استحضار القوة والعدة والإمكان والقدرة لابد منه باتفاق العلماء، وبعد ذلك علينا أن نثق بنصر الله تعالى، ((يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ))[الروم:5].
هذا أخ يهنئ في رمضان جزاك الله خيراً وجميع الإخوة.

خروج المني من الرجل في نهار رمضان بدون شهوة

السؤال: هذا أيضاً يسأل عن مسألة فقهية: إذا خرج من الرجل مني وهو في نهار رمضان بدون شهوة، هل هذا يفطره؟
الجواب: إذا خرج المني من الإنسان من غير شهوة فهو لا يفطر؛ لأن هذا قد يكون مرضاً أو برداً شديداً أو ما أشبه ذلك، فلا يقع به الإفطار.

الواجب على من فاتته صلاة العشاء حتى خرج وقتها

السؤال: يقول: ما حكم من فاتته صلاة العشاء في شهر رمضان لعمل ما، هل يصليها مثلاً فيما بعد في وقت متأخر، هل هذا يجوز؟
الجواب: طبعاً يفترض أن الإنسان لا تفوته صلاة العشاء في شهر رمضان، بل ينبغي أن يصلي العشاء، وأن يحضر مع المسلمين صلاة التراويح والوتر ويحضر دعاءهم، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، ورب رحمة تنزل عليهم فتعمك، ولا تحقرن منهم أحداً ضعيفاً أو مسكيناً أو عاملاً أو عامياً أو جاهلاً أو ما أشبه ذلك، فقد تنزل الرحمة عليهم أصالة، وتأتيك أنت بالتبع.
لكن من فاتته الصلاة فكما قال الله تعالى: (( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ))[طه:14]، وفي الصحيحين: ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )، فيصليها الإنسان متى ما ذكر أو استيقظ إذا كان نائماً، وصلاة العشاء وقتها يبدأ من خروج وقت المغرب ومغيب الشفق إلى نصف الليل، هذا وقت الاختيار، وأما وقت الضرورة فإنه يمتد إلى طلوع الفجر على القول الراجح من أقوال أهل العلم.

حكم حلق الشخص لحيته بسبب تفويته لصلاة الفجر أو العصر

السؤال: يقول: أنا شاب ملتح؛ لكن تفوتني صلاة الفجر أو العصر، هل أحلق لحيتي، علماً أنني لم أضعها نفاقاً، وإن كان نصيحة قلها حفظك الله؟
الجواب: وأنت كذلك أسأل الله تعالى أن يحفظك ويبارك فيك، ولا أدري ما معنى أن تحلق لحيتك! فإن الخطأ لا يعالج بالخطأ، وهذه مصيبة تقع، بعض الإخوة يبتسم من هذا السؤال، لكن حقيقة هو سؤال واقعي في نفوس بعض الإخوة؛ لأنه يقول: معنى ذلك أن يظن الناس أنني ملتزم وصالح، والواقع أنني لست كذلك، فليس العلاج هو أن الإنسان يزيل بعض الطاعات وبعض علامات وسيماء وشعار الخير الموجود عنده، وإنما عليه أن يعالج النقص أو الخطأ، والله تعالى يقول: (( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ))[هود:114]، وإعفاء اللحية حسنة، وصلاتك بعض الأوقات حسنة، واستغفارك حسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في غير ما حديث: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ).
فعلى الإنسان أن يحرص على صلاة الفجر، وعلى صلاة العصر، وإن كان تأخيرها بسبب ثقل النوم مثلاً أن يبذل الأسباب؛ أن يضع مثلاً ساعة منبهة، أن ينام مبكراً، أن يكلف من يوقظه من النوم.. أن يجتهد في ذلك، وإذا غلبته عينه من غير اختياره ولم يستطع فليس عليه شيء، (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))[التغابن:16]، والرسول صلى الله عليه وسلم نام وأصحابه مرة عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس، لكن هي حالة استثنائية طبعاً، ولا يجوز أن نجعل من هذه الحالة الاستثنائية التي وقعت مرة أن نجعلها عذراً لنا في أن نؤخر صلاة الفجر كل يوم أو نؤخر صلاة العصر كل يوم، فالاستثناء لا يصلح أن يكون قاعدة، لكن يصلح أن يستشهد به لبعض الإخوة: أن الإنسان مع الاجتهاد ومع الحرص قد يقع منه شيء خارج ذلك، فعليه أن يستغفر الله تعالى، ويحرص على أداء الصلاة؛ فإن صلاة العشاء وصلاة الفجر حضورهما من علامات الإيمان، والغياب عنهما من علامات النفاق، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: ( أثقل الصلاة على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر ).

استعمال المكينة في حلق الرأس في النسك

السؤال: يقول: هل حلق الرأس للنسك لابد فيه من الموسى أو أن استعمال المكينة يأخذ حكم الحلق؟
الجواب: إذا كانت المكينة مثلاً في الصفر فهي في حكم الحلق فيما يبدو لي، وكذلك ربما رقم واحد؛ لأنه يشبه الحلق أو هو حلق على الأصح.

قراءة المأموم للفاتحة في الصلاة

السؤال: يقول: نلاحظ عند الصلاة مع بعض الأئمة أنه يواصل القراءة بعد الفاتحة مباشرة، ولا يعطينا فرصة لقراءة السورة؟
الجواب: الواقع أن الراجح من أقوال أهل العلم: أنه إذا لم يسكت الإمام فإن المأموم لا يقرأ الفاتحة.. لا يلزمه قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية لا في الفريضة ولا في النافلة، هذا هو القول المختار وهو مذهب الجمهور، والله تعالى يقول: (( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا ))[الأعراف:204]، وفي صحيح مسلم قال: ( وإذا قرأ فأنصتوا ) يعني: في الصلاة، فهذه الآية ذكر غير واحد إجماع العلماء على أنها في الصلاة، وإن كان هذا الإجماع لا يصح أنها خاصة بالصلاة فيدخل في ذلك الخطبة مثلاً، ولكن لا شك أن الصلاة مرادة بهذه الآية أصلاً، وقد يراد غيرها معها.
فنقول: إنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يسكت بين قراءة الفاتحة وقراءة سورة بعدها، وما جاء في هذا فإنه ضعيف، وإذ لم يثبت هذا فليس من السنة أن يسكت الإمام، بل لو سكت لكان خيراً وتمكن المأمومون من قراءة الفاتحة، ولو لم يسكت لكان خيراً وسقط عن المأمومين قراءة الفاتحة.

حكم إعطاء الأب زكاته لابنه المدين بالتقسيط

السؤال: يقول: هل تجوز زكاة الأب لابنه المدين بالتقسيط، وهذا الابن مستقل في بيت ويعول أولاده؟ وما معنى قول العلماء: لا تجوز الزكاة على من تلزمه نفقته؟
الجواب: يعني: إذا كانت النفقة واجبة على الأب مثلاً لابنه فإنه لا يجوز له أن يعطيه من زكاته؛ لأنه بإعطائه من زكاته يكون وفر ماله، وكان يجب عليه أن يعطيه من حر ماله ويعطي الزكاة للفقراء والمحتاجين، فإذا كان الابن مستقلاً بالغاً قادراً على الإنفاق وهو في منزل وحده، وعنده أسرة وبيت، ففي هذه الحالة لا يلزم الأب أن ينفق عليه، فإذا كان الابن مديناً مثلاً وليس لديه ما يسدد به هذا الدين، وأعطاه أبوه من زكاته لسداد الدين فهذه من الحالات التي ذكر جماعة من المحققين من الفقهاء أنه يجوز دفع الزكاة في مثل هذه الحالة للأصول أو للفروع، وإن كان الأصل ألا تدفع الزكاة للأصول ولا للفروع.

توجيه معنى مسخ الله لبني إسرائيل قردة

السؤال: يقول: قال الله تعالى: (( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ))[البقرة:65]، سورة البقرة، فهل أصبحوا قردة؟ وإذا كان الجواب نعم، هل كان ذلك لفترة معينة أم أماتهم الله تعالى وتناسلوا؟
الجواب: الجمهور من العلماء على ظاهر الآية أن الله تعالى مسخهم قردة حقيقية، وهذا هو القول الصحيح، وفي رواية عن مجاهد ذكر أنهم مسخوا في أخلاقهم، وهذا قول ضعيف؛ بل هو تأويل خلاف الظاهر.
أما أنهم أصبحوا لفترة معينة فلا، أصبحوا هكذا إلى آخر الأمر حتى ماتوا، ولكن لم يتناسلوا؛ لأن الله تعالى لم يمسخ أحداً فيصبح له من نسل.

مدى حصول أجر قيام ليلة لمن صلى خمس تسليمات وختمها بالوتر

السؤال: يقول: من يصلي خمس تسليمات هل يكون له أجر صيام ليلة، كما ذكرتم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
الجواب: من صلى خمس تسليمات وختمها بالوتر فيكتب له قيام ليلة بإذن الله تعالى، وإذا كان مع الإمام فهذا ورد فيه الحديث الذي رواه النسائي وغيره عن أبي ذر: ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة )، وإن كان الحديث يحتاج إلى مزيد من البحث فيما يتعلق بإسناده، فظاهر إسناده أنه حسن أو جيد؛ ولكن يحتاج إلى مزيد بحث أو تحرير؛ فإن فيه نظراً.
فنقول: من قام مع الإمام حتى ينصرف فله قيام ليلة إن شاء الله؛ بناءً على أنه أحيا تلك الليلة.

الصلاة خلف حليق اللحية

السؤال: هذا يسأل ويقول: هل تجوز الصلاة في مسجد وراء إمام حليق؛ وذلك من أجل ثواب الجماعة؟
الجواب: إن وجد غير هذا الإنسان ممن هو ملتزم بالسنة فيجب أن يقدم ويكون هو الإمام، أما لو تقدم هذا الحليق وصلى فإنك تصلي وراءه، والقول الراجح من أقوال الفقهاء: أن من صحت صلاته صحت إمامته، من كانت صلاته صحيحة في نفسها فإمامته صحيحة أيضاً، وللفقهاء كلام كثير في إمامة العاصي.

ضرورة وجود الأمل في حياة الإنسان

السؤال: هل الأمل موجود في كل الأعمال أم في عمل واحد فقط؟
الجواب: لعلي أجبت على شيء مما أفهمه على الأقل من السؤال: أن العبد ينبغي أن يكون لديه أمل في كل عمل صالح أو عمل مباح على الأقل من مصالح الدنيا أو مصالح الآخرة عليه، لكن يحسن بالإنسان أن ينوع مصادر الأمل، فلا يجعل البيض كله -كما يقال- في سلة واحدة، فإذا فقد هذا الأمل فقد الحياة، وفقد روحه، وفقد إشراقه، وفقد تطلعه، لا، ينبغي أن يكون عندي بدائل عديدة؛ بحيث إذا ضعف هذا الأمل قوي غيره، وإذا زال هذا وجد ذاك.

وضع المرأة للحناء إخفاءً لشيب رأسها

السؤال: يقول: هل يجوز للمرأة أن تضع الحناء فوق رأسها من أجل إخفاء الشيب؟
الجواب: نعم يجوز للمرأة أن تفعل ذلك لإخفاء شيبها، سواء كان هذا تجملاً لزوجها أو لغير ذلك من الأحوال.

توجيه حول سنية التيامن

السؤال: يقول: بما أن التيامن سنة، لماذا في الحج الطواف من اليسار؟ ما الحكمة رغم أننا مأمورون بالتيامن في كل شيء؟
الجواب: المقصود بالتيامن الذي هو سنة: أن تقدم رجلك اليمين مثلاً أو يدك اليمين في الدخول مثلاً أو في الخروج، وكذلك في اللبس والخلع، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: ( كان يعجبه التيمن في طهوره، وتنعله، وترجله، وفي شأنه كله )، يعني: يبدأ باليمين في رأسه مثلاً، يبدأ باليمين في لبس النعل، في الطهور يغسل اليد اليمنى قبل اليسرى، والرجل اليمنى قبل اليسرى وهكذا، لكن هناك أشياء ليس فيها تيمن أصلاً، مثل: غسل الوجه ما فيه تيمن أو مسح الرأس ما فيه تيمن مثلاً، وهكذا هناك طبعاً الأشياء المذمومة يكون السنة أن يقدم الإنسان لها الشمال؛ كالدخول إلى الخلاء مثلاً أو نحوها.
أما بالنسبة للطواف فإن الطائف يضع البيت عن يمينه، وقد قال أقوام: يضع البيت عن يساره، وقد قال أقوام ببعض التحريات وبعض الظنون وبعض الاحتمالات، مثل: أن يكون القلب مثلاً في الجهة اليسرى أو غير ذلك من الاحتمالات، فنقول: هذه لا تعدو أن تكون ظنوناً وتوقعات، وقد يكون هناك أحد يكتشف معاني معينة أو ما أشبه ذلك، لكن يبقى أن هذه السنة محل اتفاق، ولا تعلق لها بالتيامن أو بالتشاؤم، يعني: باليمين أو باليسار؛ لأن اليمين واليسار هو ما ذكرناه وشرحناه.

دعاء الإنسان على نفسه بالموت

السؤال: يقول: في أي الأحوال يستطيع الإنسان أن يدعو على نفسه بالموت، وأن يرى أنه كلما طالت حياته زادت ذنوبه، فهل يدعو على نفسه بالموت؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك قال: ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان ولابد فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي ).
وفي حديث آخر: ( أن المؤمن لا يزيده عمره إلا خيراً )، ولذلك فإن تمني الموت مظهر من مظاهر اليأس والقنوط وفقدان الأمل، وإن كان نقل عن بعض السلف أنهم تمنوا الموت خشية الفتنة، وهذا قد يحصل لأفراد بأعيانهم ممن يكون عندهم ظروف خاصة، أو عدم قدرة على التكيف مع المتغيرات والتأقلم مع الأشياء الجديدة، فإن بعض الناس مثلاً إذا حصلت منكرات جديدة ومعاص جديدة ومظاهر سيئة، لا يستطيعون أن يتقبلوا وجودها، لا أعني بالتقبل إقرار وجودها؛ فإن المسلم لا يقر الباطل، ويجب عليه أن يقاومه، وأن يجتهد في إزالته، وأن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر، لكن يكون عنده أيضاً قدر من الصبر والتحمل، بحيث يستمر في عمله الصالح، يستمر في خيره وبره، أما إذا كان عنده شدة انفعال بسبب هذا الأمر، ربما تجعله يعجز عن الإصلاح، ويعجز عن المقاومة، ويعجز عن بذل الجهد، ويعجز عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يترتب على ذلك عنده أحوال نفسية صعبة، ينعكس هذا على حاله، وعلى عبادته، وعلى استقراره، وعلى علاقته مع زوجته مثلاً أو علاقته مع أولاده، أو على أعمال خير كان يعملها فانقطع عنها، فلا شك أن هذا الأمر مذموم.

صلاة الرجل وبيده خاتم من ذهب

السؤال: يقول: ما حكم من يصلي وفي يده خاتم من ذهب يعني: من الرجال؟
الجواب: طبعاً لا شك أن هذا لا يجوز، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال: ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده )، كما في قصة الرجل الذي أخذ الخاتم وألقاه، لكن صلاة الرجل صحيحة.

عدم اشتراط ترك المعاصي في الداعية إلى الله

السؤال: يقول: أنا شاب ملتزم وأريد أن أدعو إلى الله تعالى، لكن تأتي أمور تجعلني أتكاسل عن الدعوة، أيضاً أتأخر عن صلاة الفجر ليس عمداً يعلم الله ولكنني أحب النوم، اذكر لي العلاج؟
الجواب: لعلي ذكرت شيئاً من العلاج، أما بالنسبة للدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس من شروطها أن يكون الداعية كاملاً.
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب            فمن يعظ العاصين بعد محمد
عليه الصلاة والسلام، فـ( كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )، والإنسان حتى العاصي والمفرط ينبغي أن يدعو ويأمر وينهى، ولهذا نقل القرطبي عن بعض أهل العلم وبعض حذاق الأصوليين يقول: أنهم كانوا يقولون: واجب على من يتعاطون الكئوس -يعني: في الشرب- أن ينهى بعضهم بعضاً، وهذا صحيح؛ فإن المسلم مأمور بأن يفعل المعروف ويأمر به، ويترك المنكر وينهى عنه، وتقصيره في واحدة لا يبرر تقصيره في الثانية، فليس من شرط الداعية والمعلم أن يكون كاملاً من الأخطاء والنقائص والعيوب، وإن كان الأولى به أن يجتهد في تكميل نفسه.
أما بالنسبة للتأخر فقد ذكرنا هذا في السؤال الذي قبله.

تعليق على ما وقع من قتل الأطفال والنساء والمرضى والعجزة من المسلمين

السؤال: يقول: ما رأيكم في ما حصل في هذه الأيام من قتل المسلمين من الأطفال والنساء والمرضى والعجزة؟
الجواب: يعني: هذه من المصائب التي نزلت بالأمة، والله تعالى يقول: (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ))[البقرة:155-157].
فإن قتل المسلم هو بحد ذاته مصيبة، فقد انقطع عمله وذهب أثره في هذه الأرض، وترتب على ذلك ثكله، وخصوصاً أيضاً النساء والأطفال والمرضى والعجزة، هم أحق بالإشفاق وبالرحمة، ( ولا تنزع الرحمة إلا من شقي ) كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن نسأل الله تعالى أن يحفظ المسلمين في كل مكان، وأن يحقن دماءهم، وأن يحفظ أموالهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن يخذل أعداءهم، وأن يوفقهم لصالح القول والعمل، وأن يعينهم على أمور دينهم ودنياهم، وأن يبرم لهم أمر رشد يعز فيه أولياؤه، ويذل فيه أعداؤه، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، علينا ألا نكون يائسين، علينا أن نكون متفائلين؛ فإن الله تعالى يغير، وقد جاء في حديث عند ابن ماجه: ( أن الله تعالى يضحك إلى عباده يراهم أزلين قنطين، ويعلم سبحانه قرب خيره أو قرب غيره ).
فالله سبحانه وتعالى يغير وهو قادر على كل شيء، والأيام حبلى، وعلينا أن نطمئن إلى وعد الله تعالى، والله تعالى أغير على دينه، وأغير على عباده، وأرحم بأمته وأهله من كل أحد.

حكم الطرف والنكت

السؤال: يقول: هل يجوز الكذب إن كنت مازحاً أو أقول طرفة؟ وما العمل تجاه النكت؟
الجواب: أما بالنسبة للكذب فلا يجوز بحال من الأحوال، أما بالنسبة للطرف والنكت التي يتبادلها الناس فهل تعتبر من الكذب أم لا؟ فيه نظر، والأقرب أنها ليست من الكذب من هذه الزاوية؛ لأن صاحب النكتة يعرف أنه يقول قصة متداولة، والذي يستمع إليها يدري أنه لا يستمع إلى خبر يصدقه أو يكذبه، أما لو لابس النكتة ما يوحي بأنها خبر يخبر به عن فلان، يعني: بعض الناس مثلاً: ينكتون على أشخاص بأعيانهم فيكذبون عليهم، فلا شك أن هذا محرم، وفيه الوعيد الشديد، ( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ).

وضع دروس الشيخ في موقع الإسلام اليوم

السؤال: يقول: لم نستطع سماع درس يوم أمس، ولا يوجد في موقع الإسلام، حيث اعتذروا لانقطاع الاتصال.
الجواب: أما بالنسبة لدرس أمس فقد زعلنا من الانقطاع، وتوقفنا عند تمام الساعة العاشرة أو قبيل ذلك، وأعدناه اليوم، وأما بالنسبة لوجود الشريط فطلبنا من الإخوة ووعدونا خيراً إن شاء الله أنهم يضعونها، ولا زال الوعد قائماً، وأنا أضم صوتي إلى صوت الأخ في الالتماس من الإخوة جزاهم الله خيراً! أن يضعوا أشرطة الدروس الماضية والقادمة على الموقع؛ ليستمع إليها من يرغب في الاستماع.

خطأ نظرية جمع الناس على فتيا واحدة

السؤال: يقول: تعلمون اختلاف العلماء، ومن نظريات حلول الاختلاف هو أن تجمع الكلمة على فتيا واحدة، ولا عبرة بمن يخالف حتى لو كان عالماً جليلاً، أو عدم الاعتبار به قد يؤدي إلى أذيته، فهل هذه النظرية صحيحة؟
الجواب: هذا غير ممكن يا أخي، هو غير ممكن أن يجمع الناس، بل أحياناً نقول: إن التضايق من الخلاف هو المحزن فعلاً، يعني: تصورنا أنه لا يمكن أن تجتمع الأمة إلا إذا اتفقت في آرائها! هذا الأمر مشكل؛ لأن معناه: أننا سلمنا بأن الخلاف سيظل ضارياً ومتمادياً بين أفراد الأمة وطوائفها وعلمائها وخاصتها، وإنما الواقع أن الخلاف لابد منه، وأن الخلاف واقع شرعاً كما أسلفنا، فاختلف الصحابة في حضور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصوب أو يخطئ أحداً منهم، وهو قدر لابد منه، (( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ))[هود:118-119]، واختلف الناس عبر العصور كلها في أمور كثيرة ظاهرة عند قوم وغير ظاهرة عند آخرين، إنما الشيء المهم هو أن نضع للتعامل مع الخلاف منهجاً وبرنامجاً سليماً واضحاً: كيف نتعامل مع الخلاف، وحفظ مكانة الآخرين مع الاختلاف، أن يكون هناك حوار علمي بعيد عن الاتهام، عن سوء الظن، عن تسفيه الآخرين، عن القطيعة.. ولذلك فرق -أيها الإخوة- بين الاختلاف وبين التفرق، فالله تعالى ينهى عن التفرق، أما الخلاف فقد يكون منه المحمود ومنه المذموم كما أسلفنا، أما التفرق فالله سبحانه وتعالى قال: (( مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ))[الروم:32]، وقال: (( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ))[آل عمران:105]، فحذر من التفرق.
بينما الاختلاف إذا كان من بعدما جاءت البينات وعلى حجة وبينة فهو مذموم، أما إذا كان اختلافاً علمياً شرعياً مبنياً على نظر وعلى اجتهاد وعلى رؤية صحيحة، ولم يخرج عن أقوال أهل العلم، ولم يخالف شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة، وهو خلاف له أصوله وله قواعده وله انضباطيته فهذا خلاف مقبول.

ارتباط اليأس بالأمل الوحيد

السؤال: يقول: التفاؤل مندوب، لكن ألا ترى بأنه لا ينبغي أن يكون الأمل مثالياً؛ حتى لا تدخل الأمة في مآزق تنزف منها أزماناً إن لم يتحقق؟
الجواب: هذا ما أشرت إليه في الفقرة الثانية من أسباب اليأس؛ وهي ما يتعلق بالأمل الوحيد والنجاح الأكيد.

حكم من يسافر تحيلاً على الفطر

السؤال: أكثر من أخ يعبرون عن محبتهم، جزاكم الله خيراً! وأحبكم الله الذي أحببتموني فيه، ويعبرون عن سعادتهم بسماع هذه الدروس، ويسألون عن حكم من يسافر تحيلاً على الفطر؟
الجواب: لا يجوز للإنسان أن يسافر تحايلاً على الفطر، بل من سافر لقصد التحايل على الإفطار فالأقرب أنه لا يجوز له الفطر، وأما السفر لغير ذلك فإنه يفطر سواء كان سفره في طاعة كالسفر لحج أو عمرة أو جهاد، أو كان سفراً مباحاً كالسفر في تجارة مثلاً، أو حتى على القول الراجح المختار لو سافر سفر معصية، وإن كان لا يجوز له أن يسافر ذلك السفر لكنه يفطر فيه.

دليل فطر النبي صلى الله عليه وسلم في السفر

السؤال: يقول: أريد نص الحديث الذي أفطر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
الجواب: لا أدري بالضبط ماذا يقصد الأخ، ربما أنه يقصد حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح حتى إذا بلغ كراع الغميم أفطر، فأخبر بعد ذلك أن قوماً من أصحابه صاموا فقال: أولئك العصاة )، والحديث في صحيح البخاري كما أسلفت.

القنوط من رحمة الله تعالى بسبب الذنوب

السؤال: يقول: هل ارتكاب الكبائر يعارض القنوط؟
الجواب: طبعاً السؤال غير واضح، لكن ربما قصد الأخ أن الإنسان إذا وقع في كبيرة أن هذا قد يجره إلى القنوط! فإننا نقول: إن المسلم لا يقنط من رحمة الله تعالى، والله تعالى يغفر الذنوب جميعاً يعني: بالتوبة، (( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))[الزمر:53]، فحتى المشركون والكفار الذين جعلوا الله ثالث ثلاثة وغير ذلك، قال الله تعالى: (( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[المائدة:74]، أما الكبائر فإنها تكفر بالتوبة، فالله تعالى يغفر الذنوب بها.
وأما بالنسبة للأعمال الصالحة وربما يكون هذا سؤال الأخ: هل تكفر الكبائر؟ فهذا تكلمت فيه بكلمة مطولة ربما تكون موجودة في الموقع في أحاديث المجلس، يمكن للأخ أن يراجعها.

التحذير من التكفير

السؤال: يقول: في غرفة من غرف البالتوك التي تهتم بأمور المسلمين، كان هناك أحد الإخوة يتابع برنامجاً، ثم بعد ذلك كفر أحد المتحدثين، فما رأيكم؟
الجواب: هذه الحقيقة إحدى الكبر، والله يا أخي! أنا أقول: هؤلاء باعوا دينهم بعرض من الدنيا؛ لأنه كون الإنسان يندفع مع هواه ومزاجه ورغبته، ويستخدم هذه الكلمة التي تملأ الفم (كافر)، هذه ليست سهلة عند الله سبحانه وتعالى، حتى لو أن إنساناً قال كفراً ما تحكم عليه بأنه كافر إلا لما تقيم عليه الحجة، وبعدما توجد الشروط، وتزول الموانع، ثم لماذا تدخل نفسك في هذا المضيق وفي هذه المتاهة؟ يعني: ضاقت الأسباب ما بقي أحد غيري أنا أو أنت لازم نكفر هذا أو ذاك؟ لماذا لا نستخدم أسلوب الحجة، نقول: هذا أخطأ والدليل كذا أو أصاب والدليل كذا، بدلاً من الجراءة على تكفير الناس.
هذا أخ يقول: الصوت روعة وصاف جداً، ما شاء الله تبارك الله.
الله يجزيك خيراً وشكر الله لك أيها الأخ الكريم.
هذا أيضاً يقول: البث رائع للغاية وواضح جداً جداً.
هذه كلها مبشرات الحمد لله، بعدما كدنا نيأس بالأمس عوضنا الله تعالى بهذا الصوت الواضح اليوم.

الحذر من العبث بكتاب الله بما يسمى الإعجاز العددي

السؤال: هذا أخ أيضاً يتكلم عن وضوح الصوت ويقول: أرجو بيان ما حكم ما ظهر في هذه الأيام من أن ما حدث في أمريكا هو المقصود في سورة التوبة في الآية رقم (110)؛ حيث إن الناس قد بدءوا يتحدثون في هذا الموضوع؟
الجواب: حقيقة في تقديري ورأيي أن هذا الكلام نوع من العبث بآيات الله تعالى، وإقحام القرآن الكريم في غير ما أنزل له، فإنه يشبه ويذكرنا بما كان يعمله البهائيون الذين كانوا يعولون على رقم تسعة عشر، ويحاولون أن يصنعوا منه ما كانوا يسمونه بالمعجزة العددية في القرآن الكريم.
فالتلاعب والعبث بآيات الله تعالى لا يقف عند حد، وكذلك بأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أدري ماذا نستفيد من هذا الأمر، ولماذا تصغر عقولنا لمثل هذه الأشياء، هل القرآن نزل لهذه الأمور؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ما ترك شيئاً من الأمور العامة والقضايا والأحداث الضخمة العظيمة إلا بينها لأمته، في أحاديث واضحة وأحاديث عامة، ولا يلزم من ذلك، بل على العكس.. على النقيض، لو تصورنا أن القرآن الكريم سوف يكون كتاب تاريخ يؤرخ لأحداث ووقائع وأشياء معينة، يعني: ربما إنسان آخر يستطيع أن يثبت نقيض ما تقول أو يكذب ذلك، فهذا يجعل القرآن عرضة للتصديق أو التكذيب عند كثير من الناس.
هذا أخ يقول: أرجو لو يكمل هذا الفعل بوضع الصورة مباشرة مع الصوت؛ ليكون الحسن أحسن.
هذا أيضاً متروك للإخوة في الدعم الفني، ولعلهم سمعوا هذا الاقتراح.

الاستمرار في نصح من يقصر في صلاة الفجر والتماس العذر له في تقصيره

السؤال: يقول: إمام مسجد في قرية لا يحافظ على صلاة الفجر، وكلما نصحته يقول: إنه مقصر، ولكنه لم يتغير ولي معه أكثر من سبع سنوات؟
الجواب: لا تيأس، نحن الآن نتكلم عن الأمل، فلا تيأس من هذا الإنسان واصل معه، داوم نصحه، اجتهد معه، ربما يكون لهذا الرجل عذر.
لعل له عذراً وأنت تلوم
أعرف إنساناً مثلاً كان مصاباً بشيء من مرض الكلى، وإذا نام لم يستيقظ أبداً، يعني: مريض فعلاً، وكان كثير من الناس يوبخونه ويعاتبونه وربما يغلظون له في القول، وهم لا يعرفون الرجل، قد يتحدث معك ويبكي في خلوته، فهذا يا أخي! معذور عند الله سبحانه وتعالى، أو لعله معذور.

إحياء مقاطعة البضائع الأمريكية

السؤال: هذا يقول: لا تنسوا الإشارة والتذكير بمقاطعة البضائع الأمريكية، ويذكر بالموضوع.
الجواب: نعم سبق أن تكلمنا عن هذا الموضوع أيام الانتفاضة، ونحن نعرف أن الانتفاضة لا تزال قائمة، بل هناك أكثر من عامل يدعو إلى إحياء هذا الموضوع، مثل ما يحصل مثلاً في أفغانستان من استهداف -مثلما ورد في السؤال الذي قبله- المسلمين، والكبار والصغار، والرجال والنساء، والأطفال والصبيان والعجائز، والمدنيين وغيرهم، لكن هذا حقيقة يقودنا إلى قضية وهي لعل يأتي لها حديث تتعلق بموضوع العاطفة، وأن الأمة أحياناً قد تندفع في أمر من الأمور؛ لكنه اندفاع لا يمكن التعويل عليه؛ لأنه مؤقت وسريع الانطفاء، يعني: يوماً من الأيام تحدث الناس عن موضوع المقاطعة، وربما تحمسوا وتشجعوا، ثم ترك الموضوع كأنه لم يثر من قبل، أو كأنه لا يوجد ما يدعو إليه أو ما يحث عليه.