الخطر الحوثي لا يهدّد الإمارات وحدها
ياسر أبو هلالة
من فرحوا لقصف الحوثيين بالمسيّرات والصواريخ البالستية أبوظبي، نظراً إلى مواقف الإمارات في صناعة الثورات المضادّة والاتفاقات التحالفية مع الصهاينة، غاب عنهم أنّ إيران شريك أساسي في الثورة المضادّة، وأنّ الحوثي دمّر أحلام اليمنيين في ساحات التغيير في بناء اليمن الموحّد والتعدّدي والديمقراطي، والأسوأ أنّه أعاد اليمن إلى ما قبل الثورة والحكم الإمامي السلالي الظلامي، وأحدث شروخاً مذهبية وطائفية ومناطقية يصعب جبرها.
مهما كان الخلاف مع سياسة أبوظبي، لا يجوز أن نفرح لقصف إيران عاصمة عربية. لقد تلقت الإمارات ضربة قاسية، هزّت مكانتها، تماماً كما فعلت ضربة البقيق في السعودية (سبتمبر/ أيلول 2019)، لكنّها تستطيع تجاوز الأضرار التي تسبب بها الحوثي، أما ما لا يمكن إصلاحه من أضرار فهي التي ألحقها الحوثي باليمن عندما احتل عاصمتها ودمّر نظامها السياسي وأخرج الحكومة الشرعية، وما كان ذلك ليتمّ لولا الدعم الإيراني الذي لم يتوقف، ولولا التواطؤ الإماراتي معه.
لا يُواجَه العدوان الإيراني بالحرب المفتوحة، فتلك لم تحسم ولن تحسم. تستطيع الإمارات أن تراجع سياستها تجاه الحوثي، وتعيد بناءها بشكل يمكّن أبناء اليمن من هزيمة الحوثي ومن ورائه إيران، وليس التذاكي الديبلوماسي. ففي غضون توجيه دعوة إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة أبوظبي، التقاه وفد الحوثي يوم الضربة، ونعت الإمارات بـ"الدويلة" التابعة لإسرائيل. ولا يزال التبادل التجاري بين الإمارات وإيران الأعلى عالمياً.
لا يمكن تفكيك مشروع إيران في اليمن إلّا من خلال اليمنيين أنفسهم. لقد توهّم ساسة الإمارات أنّه بالإمكان تقاسم النفوذ مع إيران، بحيث تأخذ شمال اليمن، وتضغط به على السعودية، وفي المقابل يكون لها الجنوب والموانئ وتضغط بها على عُمان. ولولا السياسة الإماراتية المعادية للربيع العربي لما تمكّن الحوثي من دخول صنعاء.
لقد قبلت قوى الربيع العربي في اليمن، وفي مقدمها حزب الإصلاح، بالشراكة واحتواء نظام علي عبد الله صالح. في الأثناء، كانت الإمارات تنزع مخالب قوى شباب الثورة، بتفكيك القوة العسكرية التي وقفت معهم.
في آخر دعم مالي قدّم للرئيس عبد ربه منصور هادي، وبلغ 200 مليون دولار، اشترط تفكيك الفرقة الأولى مدرّع التي تحمي العاصمة، وبعد تفكيكها لم يجد الحوثي من يقف في وجهه، خصوصاً بعدما صفّى الحوثيون اللواء حميد القشيبي (يوليو/ تموز 2014).
طبّق ساسة الإمارات نظريتهم "إيران ولا الإخوان" في اليمن، وتحالفوا موضوعياً مع الحوثي. وأوهمهم بدوره، وعبر علي عبد الله صالح ونجله أحمد المقيم في أبوظبي، أنّهم ماضون في تصفية "الإخوان" وأنّ ما يجري هو انقلاب صالح، وليس انقلاب إيران، أو هو شراكة بينهما.
وإمعاناً في التذاكي، كان يُفترض أن يقع الصدام بين "الإصلاح" والحوثي، وفي النهاية يدمّر "الإخوان" وإيران نفسيهما لصالح علي عبد الله صالح. وفي أسوأ الأحوال، يخرج "الإصلاح" (الإخوان) من المشهد، مستسلمين منسحبين أو محطّمين بعد معركة خاسرة. بالنتيجة، استخدم الحوثي النفوذ الإماراتي لصالحه، وتخلّص من صالح ومن الإصلاح.
لا يُواجَه الحوثي عسكرياً فقط، المواجهة بالأساس سياسية، لا بد من استعادة اليمن الموحّد والتعدّدي والديمقراطي، وحماية ظهر من يؤمنون باليمن، هؤلاء هم الكثرة الذين تحالف عليهم الحوثي والإمارات. قبيل ضربة أبو ظبي، أقيل، بضغط إماراتي، محافظ شبوة، رغم شجاعته في مواجهة الحوثي والانتصار عليه... تعز، عاصمة الثورة، ما زالت محاصرة بين ناري الحوثي وجماعة الإمارات.
لقد انتصر اليمن على حكم الإمامة، ثم على الدكتاتور علي عبد الله صالح. واليمنيون، الذين تحالفت الإمارات ضدهم مع الحوثي، هم القادرون على هزيمة مشروعه السلالي الظلامي التقسيمي الطائفي. المفارقة، رغم كلّ ما فعلته الإمارات، أنّ قوى الربيع العربي لم تتحالف مع الحوثي، وفضلت الصبر على أذى الفريقين.
تستطيع الإمارات أن تراجع سياستها في اليمن، كما راجعتها في عدة ملفات في المنطقة، وتثق بشعوب المنطقة ولا تعاديها، فالشعوب ترفض الهيمنة الإيرانية، تماماً كما ترفض التحالف مع الصهاينة. وعندما يعلن رئيس وزراء العدو أنّه يقف مع الإمارات في مواجهة العدوان، يعلم أنّه يخدم المعتدين ولا يخدم الإمارات. ولا تخدعها هتافات الحوثي ضد أميركا وإسرائيل، وهي تعلم أنّ أميركا أخرجت الحوثي من قائمة الإرهاب، وتفاوض للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، وإذا تم ستكون سياسة إيران في المنطقة أكثر شراسة. وفي الأثناء، يبحث العالم عن علاقة إيران بالهجوم، كما بهجوم بقيق، مع أنّ الكلّ يعرف أنّ الحوثي لا يملك السلاح ولا القرار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق