الأربعاء، 5 يناير 2022

هانوتو…والنموذج التونسي!

 هانوتو…والنموذج التونسي!

سيف الهاجري


وصف المستشرق غابرييل هانوتو وزير خارجية فرنسا السياسة الفرنسية الاستعمارية في تونس في مقاله (الإسلام والمسألة الإسلامية)

والذي نشر عام ١٩٠٠، أي قبل قرن من ثورة الربيع العربي، بأنها أحدثت (انقلابا عظيما في تونس بحيث فصلت فيه السلطة الدينية عن السلطة السياسية بدون جلبة ولا ضوضاء..

وتحت الحماية اقترنت السلطة الفرنسية بالسلطة الوطنية وأصبح زمام تونس بيدنا من دون شعور من أهلها)

«الإسلام بين العلم والمدنية لمحمد عبده ص٢٦»..

فهذا النص التاريخي في وصف سياسة فرنسا الاستعمارية في تونس يكشف حقيقة الدولة العربية الحديثة،

التي أنشأها المحتل الصليبي سواءً الفرنسي في المغرب العربي أو البريطاني في المشرق العربي،

وطبيعتها الوظيفية العلمانية ولو كان ظاهر السلطة فيها إسلاميا كحكم البايات في تونس آنذاك.

فهانوتو الاستعماري بمقاله هذا، الذي قال بأنه موجه للساسة الفرنسيين،

كشف قبل قرن عن ماهية النموذج السياسي التونسي الذي يراد تعميمه اليوم بعد ثورات الربيع العربي تحت شعار الديمقراطية والمدنية ليبقى المحتل الصليبي بسفرائه ومندوبيه الدوليين يحكم من خلف الكواليس ويديرون المشهد السياسي كما يديره المندوب السامي من قبل!

الحركة الإسلامية تتبنى النموذج التونسي العلماني

وتعجب بأن هذا النموذج التونسي بالرغم من أصوله العلمانية تتبناه فكريا وسياسيا أحزاب الحركة الإسلامية وتروج له،

ومهد علماؤها ودعاتها لهذا النموذج السياسي بنفي النظام الإسلامي واستحالته كرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين د أحمد الريسوني الذي أكد في كتابه «فقه الثورة ص٨٣»:

أنه لا (وجود في الإسلام المنزل أي القرآن وصحيح السنة لما يسميه البعض نظام الحكم الإسلامي أو نظام الخلافة الإسلامية)،

ليؤكد بعده الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية التي تبنت هذا النموذج التونسي العلماني بأن

(نظام الخلافة تجاوزه الزمن ولا فرص حقيقية لاستعادته)

«الأزمة الدستورية في الحضارة الإسلامية د محمد الشنقيطي ص١٤».

فهذه حقيقة النموذج التونسي الذي هندسته الدوائر الفرنسية الاستعمارية،

ويراد اليوم تعميمه على العالم العربي ليحتوي ثورات الربيع العربي سياسيا،

ومنعها من تحقيق هدفها الأساسي بالتحرر من المحتل الخارجي وهيمنته والمستبد الداخلي وظلمه.

ولهذا فما يجري في تونس اليوم من سقوط لهذا النموذج السياسي الوظيفي لهو بحد ذاته نصر، ليس للشعب التونسي وحده،

بل لشعوب الأمة، التي خدعت بالخطاب السياسي الاستشراقي لأحزاب الحركة الإسلامية،

وظنت الشعوب بأنها ستقودها بالإسلام فإذا بها تكتشف من حيث لا تشعر بأنها أعادتها لتسير على الطريق السياسي

الذي رسمته الحملة الصليبية ورجالها ككرومر البريطاني في مصر وهانوتو الفرنسي في تونس!



الأحد ٢٩ جمادى الأول ١٤٤٣هـ
الموافق ٢ / ١ / ٢٠٢٢م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق