لماذا تضعف ثقافة المقاومة ضد السيسي وأمثاله؟!
لا يزال #السيسي_عدو_الله مستمرًا في سياسة هدم المباني والمنازل.. وهو يتفنن في أسباب هدمها:
فهو يهدمها أحيانا لرغبة إسرائيلية كما فعل في رفح حتى استطاع تحقيق الخنق الكامل للمقاومة!
ويهدمها أحيانا بحثا عن أموال في ظل أزمته المالية، فلقد أنفق كل الأموال التي انهمرت عليه في لذائذه الخاصة كالقصور الشاسعة والطائرات الرئاسية الفارهة ومؤتمراته الأسبوعية، والمسلسلات التي يخدر بها الناس، والسجون التي يبنيها لمن يعترض!!.. وهذا هو الذي فعله في القرى والمدن بدعوى أنها بُنِيت على الأرض الزراعية.. فصار الذي بنى بيته يسدد ثمنه مرتين: مرة لأخذ الترخيص الأول، ومرة باسم "المصالحة"!
وأما البيوت التي بُنِيَت في قلب المدن وبإجراءات قانونية تامة، فهو يهدمها من أجل المشاريع الاستعمارية والاحتلالية، بدعوى المنفعة العامة، فمما لا يعرفه كثير من الناس، ولكن يعرفه الباحثون في تاريخ الحداثة وقصة الاقتصاد أن التوسع في إنشاء الطرق والكباري والمحاور في الدول الضعيفة سياسيا وصناعيا ليس إلا وسيلة للتحكم الأمني (بتسهيل انتقال قوات السلطة لضرب الناس والسيطرة على المناطق) وللاستنزاف الاقتصادي (بتقصير زمن وتكلفة نقل البضائع من مصادرها إلى المواني أو المصانع ضمن منظومة اقتصادية يستفيد منها الأجانب والطبقة الرأسمالية ولا تعود بالنفع على المواطنين).
وعبد الفتاح السيسي زاد على ذلك فجعل استعمال هذه الطرق وسيلة ليستصفي منها أموالا جديدة.. ويدل على ذلك قوله مع كامل الوزير قبل أسبوعين، حتى إن كامل الوزير قال له: لتحقيق الاستقرار الأمني، فقال عدو الله: لا، بل لجلب الأموال!!
والآن يتعرض سكان القلب في مناطق القاهرة لمشروعات الهدم والإزالة، مثلما تعرض لها قبل سنين سكان الأحياء المحيطة بالحرم، وقبلها سكان الجزر الموجودة في قلب النيل.. فالأطماع الاستعمارية (يسمونها: الاستثمارية) لا تتوقف عند حد!! وحين يأخذ الحاكم المجرم رشوة عظيمة من مستثمر أجنبي، أو يكون شريكا له، فإنه لا ينظر إلى الناس على أنهم مجرد حشرات ومخلفات يجب إزالتها، بدعوى "المنفعة العامة"!!
أجد هذه اللحظة، لحظة مناسبة، للتذكير بأمر مهم، ولكنه يغيب في أي نقاش حالي..
إن السيسي يُقدم على تدمير حياة الناس بلا تردد ولا رحمه، ولكن من أهم ما يساعده على ذلك الثقافة السائدة التي تتمثل في أنه "دولة".. فمخالفة السيسي هي في ذات الوقت مخالفة "الدولة"، إنها خروج على القانون والدستور!!
والقانون والدستور مجرد أداة في يد السيسي.. فالفارق بين المجرم الذي يتولى السلطة، والمجرم الذي يسرح في الشارع، أن المجرم الأول يجعل رغبته قانونا، فيجعل جريمته تنفيذا للقانون، ويجعل الذي يقاوم هذه الجريمة خارجا عن القانون، فتدور آلة الدولة كلها لسحقه وسجنه.. فالدولة هي جهاز الإجرام الأكبر.
بينما المجرم الذي يسرح في الشارع حتى وإن تمكن من الإفلات من عقوبة القانون، فهو يواجه ثقافة سائدة تجعله مجرما، وتجعل الذي يقاوم جريمته بطلا، وتجعل التعاون بين الناس على مقاومته عملا عظيما!
إن امتلاك الحق في التشريع وكتابة القانون والدستور هي أم المصائب التي سببت أعظم البلايا في تاريخ البشرية كلها، بها امتلك الفراعين والأكاسرة والقياصرة والأباطرة القدرة على تحقيق رغباتهم مهما كانت مجرمة.. بها امتلكوا القدرة على تقسيم الناس وجعل أنفسهم آلهة أو شبه آلهة ثم جعل الناس عبيدا لهم بلا حقوق.. وبها امتلكوا القدرة على تكوين الثقافة السائدة، فما أحبوه جعلوه حلالا وفضيلة، وما كرهوه جعلوه حراما ورذيلة، ومن نافسهم في شيء من نفوذهم أو نادى بتحقيق العدالة أو خرج عليهم يقاوم ظلمهم فهو المجرم الأكبر الذي يجوز لهم أن يسحقوه!!
وفي كل إمبراطورية وجد الفرعون عددا من الكُهَّان والأحبار وعلماء السوء والقانونيين والدستوريين من يُفصِّل رغبته في قوانين ودساتير، فيجعلون مقاومة ظلمه خروجا على القانون والناموس والأحكام!
وهنا تأتي المزية العظيمة للإسلام، أن الإسلام انتزع حق التشريع من الحاكم، فالمشرع هو الله، والنصوص الأساسية المصدرية للشريعة هي نصوص لم يضعها حاكم، بل جاءت في القرآن والسنة.. وعلى القرآن والسنة بُنِي الفقه بعيدا عن ضغوط الحكام ورغباتهم.. فلم يستطع حاكم إضافة حرف أو حذفه في قرآن أو في سنة، وأعلام الفقهاء الذين انتشرت مذاهبهم لم يكن واحد فيهم مقربا من السلطة، بل كل واحد فيهم كانت له محنة معها سُجِن أو ضُرب بسبب موقفه منها.
وفي الإسلام وحده كان الدخول على السلاطين من أسباب الطعن في العالِم وعدم الثقة فيه، بينما لن تجد في أي نظام آخر -بما فيها النظام الديمقراطي المعاصر- إلا أن القرب من السلطة مما يضفي الاحترام والتقدير على صاحبه، فالقانوني الذي تولى منصب وزير أو رئيسا لمحكمة دستورية في النظام الديمقراطي، فإنما هذا مما يزيد قدره في مجاله!!
والمقصود أن الشريعة حين تكونت بعيدا عن رغبة الحاكم، في مصادرها الأصلية وفي فروعها، قد أثمرت عددا من النتائج الخطيرة والفارقة:
1. أن الشريعة صارت هي المرجعية العليا التي لا يملك تغييرها ولا تعطيلها، بل إن خروجه على الشريعة يجيز للناس الخروج عليه.. وإن معصيته لله ورسوله يحرض الناس على معصيته.. فطاعته مقيدة مخصوصة مشروطة بطاعة الله وقيامه بحكم الشريعة. وهو يُطاع في المعروف لا يطاع على طول الخط!
2. ضيق مساحة تصرف الحاكم بالقوانين، إذ صار محكوما بحدود لا يستطيع أن يتعداها.. فإذا أراد أن يتعداها تكلف أن يتمحك ويتأول ويتكلف التفسير.. ويكون حينئذ مفضوحا منبوذا، هو وعلماء السوء الذين وافقوه على ذلك.
3. أن الشريعة لا يحتكر أحدٌ تفسيرها، لا فرد ولا مؤسسة، ومن ثم فليس قول عالِم السلطان ولا تفسيره للشريعة ملزما.. بينما قانون الدولة الحديثة ملزم للجميع، وتحتكر المحاكم تفسيره.
4. أن كل فرد في المجتمع، بما في ذلك شرطة السلطان وعسكره، لا يجوز لهم طاعته في المعصية، ولا يجوز لهم تنفيذ ما يأمر به إن كان مخالفا للشريعة.. وهذه الثقافة تعطي حصانة قوية للمجتمع، وقدرة على رفض الظلم والتعدي، فهي ثقافة عامة تجعل مقاومة الحاكم عملا بطوليا.
وكل ما سبق، إنما يجب أن يُفهم في ضوء أصل أكبر.. وهو أن النظام الإسلامي يبني مجتمعا قويا يقوم على تحديد وتضييق صلاحيات السلطة، في مقابل تقوية وتوسيع نشاط المجتمع.
وهذا النظام العام في العلاقة بين السلطة والمجتمع، المسنود بثقافة فقهية قوية وتقاليد اجتماعية راسخة وهيمنة أخلاقية شاملة، يجعل الحاكم غير مطلق اليد في الاعتداء على المجتمع والناس، وهو ما جعل تاريخنا حافلا بالثورات، وهو ما جعل كثيرا من الملوك العظماء في تاريخنا مطعونا فيهم لأنهم قتلوا معارضا أو كانوا قساة في إخماد ثورة أو أنه ظلم عالِمًا أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر... إلى آخر هذه الأمور التي كانت في ثقافتنا شيئا عظيما يُخدش به تاريخ السلطان العظيم، بينما هي في تصورنا الآن من التفاهات التي لا يتوقف أحد عندها!!
حتى مفهوم المنفعة العامة وضع له الفقهاء عبر العصور ضوابط وقيود وشروط، مبنية على نصوص القرآن والسنة، تجعل الحاكم غير مطلق اليد في تقدير المنفعة العامة التي يضطر لأجلها من إزالة بيت أو تجريف أرض أو تغوير بئر أو ردم نهر!!
الخلاصة: إن ثقافة الدولة والقانون والحاكم الذي يملك التشريع هي في صلب الأزمات التي نعيشها الآن، ونحن الآن نعيش في زمن كثرت مصائبه حتى يجب علينا التذكير الدائم بما في الشريعة من فضائل تغل يد الحاكم عن مثل هذه التصرفات!
ولعلها لحظة مناسبة يُفْهَم فيها موقف الإسلاميين الرافضين للديمقراطية، لأنها تعطي حق التشريع للناس من دون الله، فتجعلها معقودة بنواب أو بسلطة لا يملكون المعرفة بالدين ولا حتى يتعهدون بالالتزام بأصوله وثوابته!! إن الذين يرفضون الديمقراطية من منطلق إسلامي لا يرفضون معنى الشورى الذي فيها، ومعنى حق الناس في الاختيار والمراقبة والعزل، فكل هذه حقوق جاء بها الإسلام.. إنما يرفضون كونها تجعل حق السيادة والتشريع لغير الله وشرعه.
هذه روابط لمزيد تفصيل لمن أراد:
https://melhamy.blogspot.com/2020/07/blog-post_27.html
https://melhamy.blogspot.com/2017/10/blog-post_15.html
https://t.me/melhamy/1665
https://www.youtube.com/watch?v=zJjkYHGJMfg
https://www.youtube.com/watch?v=TaPeWMhfsGU
https://www.youtube.com/watch?v=ikfGGWK3BUI
https://www.youtube.com/watch?v=HEg-ax7G-xs
https://www.youtube.com/watch?v=frfOeFdOWIU
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق