المصريون في مهب الريح
مقالة صحفية: نشرتها مجلة عرب تايمز العدد 107 بتاريخ، 11: 20 ديسمبر 1992،- بقلم محمد عبد المعطي- رحمه الله.
.بين يدي المقال:
(المصريون في مهب الريح)
تحت هذا العنوان كتب محمد عبد المعطي فقال: إن الاشتباكات بين المسلمين والأقباط في صعيد مصر، ثم الهجوم على باصات السياحة والانتقادات الموجهة إلى الحكومة المصرية، بعد فشلها في تدارك الزلزال (*) المدمر، ثم المواجهة الساخنة بين مصر وإيران، وتبادلهما التهديد كل ذلك يؤكد للمراقبين أن مصر قد أصبحت على أبواب حرب أهلية، قد تتمخض عن ظهور ثلاث دويلات فيها: قبطية، ودولة إسلامية، ودولة نوبية.أصابع إسرائيل ليست بعيدة عن السيناريو الذي سيعصف بمصر، لذا ترتفع اليوم أصوات المخلصين في مصر من مسلمين وأقباط، يحذرون من المؤامرة الصهيونية التي تخطط في المرحلة الأولى لتدب الفوضى والفساد وإشعال حرب أهلية في مصر، ثم إبادة أبنائها، وتدمير حضارتها المعاصرة، ويترتب بعدها في المرحلة الثانية تقسيم مصر إلى عدة دويلات، دولة قبطية، ودولة إسلامية، ودولة نوبية، ثم ضم مصر لدائرة نفوذ إسرائيل الكبرى في المرحلة النهائية.
وكما عبر الإسرائيليون في عدة مناسبات أن السلام في مصر هو تهديد لإسرائيل وأنه من الأولى معالجة الأمر في أقرب وقت، وتدمير مصر بثقلها السكاني بدلاً من الانتظار حتى تجد إسرائيل نفسها في مواجهة (100 مليون قنبلة نووية)- كناية عن عدد سكان مصر في عام 2006-.
.الأوراق التي تمارس إسرائيل اللعب بها في مصر:
وتمارس إسرائيل اليوم بدعم الصهيونية العالمية لعبة الثلاث ورقات:
.أولاً: ورقة الأقباط وآمالهم في إنشاء دولة مسيحية:
المحلل للمؤتمر الصحفي الذي عُقد بالكنيسة المصرية في مصر، يشعر أنه يحمل تهديداً مبطناً بأن الأقباط بإمكانهم طلب الدعم الخارجي، وأنهم يعانون من الاضطهاد. ومن مؤشرات خطورة الورقة القبطية ما يلي:
1- لقد كانت ملامح الفتنة بين الأقباط والمسلمين في مصر واضحة في العهد السابق، ولكنها الآن في العهد الذي تعيشه أصبحت أخطر ورقة، وفي زمن استطاعت اليهودية العالمية أن توصل قبطياً مصرياً لأعلى منصب دولي في العالم (الأمين العام للأمم المتحدة) بمواصفاته الخاصة، وأبوه قبطي وزوجته يهودية، وهناك من يعتقد أن أمه يهودية أيضا، وجده معروف، أنه باع للإنجليز قناة السويس، ودفع لتصرفه هذا حياته ثمناً لها، ويتميز على كل الأمناء السابقين بزيادة صلاحياته، حتى إنه طلب تشكيل جيش عالمي بقيادته يتدخل في الحالات المماثلة لما يحدث في البوسنة والهرسك!!
وهذا أمر كأنه مخطط له، ليعطى الضوء لأقباط مصر، وليطمئنهم بأن كل العالم سيقف معهم لحمايتهم!! كما يتميز بتحيزه ضد البوسنة والهرسك بشكل لفت انتباه سياسيي وصحافيي العالم!!
2- يتابع المراقبون مناورات للحلف الأطلنطي في البحر المتوسط، ومناورات إسرائيلية وأمريكية مشتركة للتدخل السريع!! يمكن التدخل لحماية أقباط مصر!!
3- لقد وصل إلى مصر مؤخراً رئيس جمهورية أرمينيا في زيارة خاصة، وإن المتأمل لما قاله رئيس أرمينيا في مصر: ها هي أرمينيا تصبح دولة بعد ألف سنة، وهو أمر يتابعه الأقباط بحذر، فإسرائيل تعود بعد ألف عام، والعرب يخرجون من غرب أوروبا قبل 500 عام في 1492، والآن المسلمون يُبادون ويخرجون من شرق أوروبا (البوسنة والهرسك) في عام 1992، بعد أن مكثوا أيضا 500 عام.
4- ازدياد الجماعات المتطرفة المسيحية (هناك 14 مجموعة مسلحة)، وارتفاع الأصوات الداعية إلى إخراج العرب من مصر؟ لأنه على حد قول بعضهم، مصر وطن الأقباط، وإن المسلمين المستعمرين جاؤوا من الجزيرة العربية، وينبغي أن يُطردوا إليها، إن كل هذه الأصوات الداعية إلى الفتنة، والتي تجد الدعم والتأييد من الصهيونيين في إسرائيل، والحركة الصهيونية المسيحية في مصر تنتظر الظروف المناسبة لإشعال (بوسنة وهرسك) في مصر، تُدمر فيها البلاد، يُباد فيها المسلمون، على أن يخرج الأقباط بدولة تشمل الإسكندرية ومناطق مثل أسيوط والفيوم وجزء من القاهرة، وخلق دولة نوبية، وتلقى اعترافاً فورياً من فرنسا وإيطاليا وألمانيا (وكلها دول تتعاطف مع إسرائيل) يسعى لانتزاعه الأمين العام للأمم المتحدة!!.
5- إن هناك مؤشرات قوية على أن الأقباط أنفسهم يستعجلون الأحداث، حيث قبض على العديد من الأقباط الذين قاموا بإحراق منازلهم وسياراتهم واتهام المتطرفين المسلمين!!
.ثانيا: ورقة الإرهاب الإسرائيلي:
(كل هذه الأعمال تطرقت لها وسائل الإعلام العربية والمصرية).
أ- نشر المخدرات وإرسال الجواسيس.
ب- نشر الإيدز والدعارة.
جـ- تسريب الأسلحة واجتذاب العملاء، لتسخيرهم للأعمال التخريبية بمعرفتهم أو التغرير بهم.
د- القيام باغتيالات وأعمال إرهابية بالمتدينين بمصر.
هـ- البطالة وتتمثل في عودة الملايين من العاملين في الدول العربية إلى مصر، لظروف سياسية وتسريح أكثر من نصف مليون عامل بناء على طلب البنك الدولي.
و- تشجيع الحركات الباطنية مثل الشيعة والفاطمية والبهرة في مصر!!
.ثالثاً: ورقة الأصوليين والجماعات الإسلامية:
تلعب إسرائيل هذه الورقة لتحقيق هدفين:
أولهما: ضرب الحكومة المصرية في الشعب ذي الغالبية المسلمة.
ثانيهما: ضرب الأقباط مع المسلمين، وضرب المسلمين مع الأقباط، والواقع أن الخطر الأصولي يبالغ كثيراً في تحديد حجمه، فهو لا يلقى أي مساندة خارجية على عكس الأقباط، كما أن الجماعات المتطرفة هي حركات طفيلية وبعضها قد تحركه جهات خارجية، ولهذا فهو مصدر للقلاقل ولكن ليس له إمكانية لتغيير النظام القائم والحلول مكانه، وأما الحركات ذات الخبرة الكبيرة كالإخوان المسلمين، فإنها تعلم من خلال تجاربها الماضية أن تهديدها للنظام المصري القائم في ظل المستجدات الحديثة سيؤدي إلى كارثة تلحق بها كحركة، وبمصر كدولة عربية مسلمة.
.رابعاً: التوقعات المستقبلية في مصر:
محاولة إسقاط النظام المصري، وهناك العديد من المؤشرات منها ما يلي:
أ- الفجوة الكبيرة بين الشعب والحكومة، لعوامل كثيرة ومتعددة (1قتصادية واجتماعية ودينية وسياسية).
ب- الفجوة الكبيرة بين الحكومة والمعارضة.
جـ- الفجوة الكبيرة بين المسلمين والأقباط، والسعي لازديادها عن طريق الصهيونية المسيحية العالمية وإسرائيل.
د- الفجوة الكبيرة بين المسلمين المتدينين والعلمانيين المسلمين والسعي لإشعالها، ومحاولة وضعهم في صف مع الأقباط.
هـ- التدهور الاقتصادي الرهيب في مصر، والسياسات المالية التي تزيد من تذمر الشعب، مثل رفع أسعار البنزين والكهرباء وتوقيع المزيد من هذه الضرائب غير المباشرة.
و- الحملات الصحفية المكثفة التي تشكو من تفجر الأوضاع الداخلية في مصر، وتحذر من الأنظمة الجديدة التي تطبقها الحكومة المصرية، مثل مكافحة الإرهاب، ومثل أسلوب الجهات الأمنية في تعذيب الكثير من المتهمين.
ز- الحملات الإعلامية في الإعلام الغربي (وبعض وسائل الإعلام الغربية الصادرة في فرنسا وبريطانيا) والتي تروج لاضطهاد الحكومة المصرية للأقباط.
ب- تدهور العلاقات المصرية مع جيرانها، وبصفة خاصة السودان وليبيا.
.خامساً: السيناريو المتوقع لمصر:
1- افتعال حادثة كبيرة، بموجبها تندلع الفتنة بين الأقباط والمسلمين، ويكون لإسرائيل الدور الكبير في إشعالها، عن طريق القيام بمذابح ضد مجموعة من الأقباط أو العكس، فيستمر العنف ويزداد نتيجة رد فعل المواطنين من الجانبين، وتستمر شبكات التجسس الإسرائيلية في إشعال الفتيل، وحرق المساجد والكنائس، وتدمير المكتبات والمناطق ذات الأهمية التاريخية التي هي مصدر اعتزاز المصريين.
2- توجه الكنيسة في مصر نداء لطلب التدخل لحماية الأقباط من المذابح.
3- تتخذ الأمم المتحدة قراراً في مجلس الأمن تحت نفوذ رئيسها، وتشكل قوات دولية إيطالية وفرنسية وألمانية وربما أمريكية لمكافحة الإرهابيين في مصر.
4- يتم تحصين الأقباط ونقلهم إلى مناطق آمنة، في الوقت الذي يفر الآلاف من المسلمين من مناطق الأقباط خوفاً من الانتقام.
5- يتبلور في الأشهر التالية لبداية الحرب الأهلية نموذج مصري جديد على غرار نموذج لبنان والبوسنة، فيما يتعلق بدعم التيار القبطي من العالم، وحين تواجه الأغلبية المسلمة الحصار والتجويع والإبادة، وتُدَمّر خلال هذه الأحداث المصانع والمحلات التجارية والفنادق والكباري والمراكز الثقافية والترفيهية.
.سادساً: موقف الجيش المصري من الحرب الأهلية:
أ- إن المتابع لأحداث أثيوبيا والصومال، يدرك أن أحد أهداف تفتيت أثيوبيا والصومال هو السيطرة الإسرائيلية على البلدين، وتدمير جيشيهما، ولا سيما الجيش الصومالي الذي مولته الدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة لمواجهة المد الشيوعي في القرن الإفريقي، ولا شك أن الدور الذي قام به هيرمان كوهين الأمريكي الذي شغل مركز وكيل وزارة الخارجية الإفريقية وبطرس غالى الذي كان في تلك الفترة وزير الدولة المصرية للشئون الخارجية، وبصفة خاصة المسؤول عن الشؤون الإفريقية وهو تفتيت البلدين وتدمير الحبشة والصومال، وكلاهما يشكل فيهما المسلمون الأغلبية، فباستثناء القيادات العليا في المراكز القيادية في أثيوبيا فإن أغلبية الجنود من المسلمين.
ب- من المحتمل تدخل قوات أجنبية إسرائيلية وغيرها لضرب الأهداف العسكرية والجيش المصري في مصر، على غرار حرب 67، مع محاولة السيطرة على بعض القواعد العسكرية من قبل القوات القبطية والمساندة لها.
ج- إن من المتوقع أن تفجر عن طريق الأعمال التخريبية التي يقوم بها عملاء إسرائيل العديد من مستودعات الأسلحة في مصر، كما أن مئات الآلاف من الجنود سيواجهون حصاراً شديداً سيؤدى إلى تجويعهم مع بقية الشعب المصري على غرار ما هو حاصل الآن في البوسنة والهرسك والصومال وأثيوبيا.
د- إن إسرائيل ستتحرك في بداية الأحداث نحو سيناء، ثم تدخل لتحتل الإسماعيلية (لأهميتها لأمن إسرائيل المائي، وتنفيذ مشروع بتأمين الماء) وتحتل السويس بحجة تأمين المياه الإقليمية الدولية.
هـ- سينقسم الجيش المصري على نفسه مع مرور الزمن، وسيهرب الكثير من الجنود ومنهم من سيتم تجنيده عن طريق العصابات، ومنهم من سيشكل ميليشيات تحت إشراف أجهزة أجنبية ومنهم من سينضم إلى تنظيمات شعبية ودينية وقومية.
مصر في التوراة:
إن سيناريو ما يحدث في مصر كتبه اليهود في التوراة منذ ألاف السنين، ويمكن أن تنظر إلى ما يأمل الإسرائيليون في أن يكون عليه سيناريو الحرب الأهلية في مصر: ورد في التوراة في الإصحاح 19/3- 17 من سفر أشعياء النبي النبوءة التالية (أهيج مصريين على مصريين فيحارب كل واحد أخاه، وكل واحد صاحبه، مدينة مدينة، ومملكة مملكة، وتهراق روح مصر داخلها، وتضيع مشورتها فيسأل كل واحد العارفين والتوابع والجن، وأغلق على المصريين في يد حاكم قاسى فيتسلط عليهم، ويجف الحياة من البحر ويجف النهر وتنتن الأنهار، وتضعف السواقي ويتلف الزرع وتجف الرياض والحقول.. والصيادون لا يجدون صيداً وكل من يلقى بشص إلى النيل ينوح، ويكتب كل عامل بالأجرة، أين ذهبت حكمة فرعون، وماذا قضى رب الجنود على مصر، لقد ألقى الرب عليها روحاً شريرة أوقعت مصر في ضلال وأضلت أبناءها، فإذا هم يترنحون كالسكران في قيئه فلا يكون لمصر عمل. في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء، ترتعد وترتجف من رب الجنود وهو يهزها... ) ولكن {واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}. [يوسف: 21].
ملحوظة: هذه الآية ما زالت منقوشة على جدران المساجد في الأندلس!!
.سابعاً: الحل النهائي لمشكلة مصر:
يرى اليهود أن تدمير مصر بثقلها السكاني هو الحل النهائي لأي مواجهة عسكرية مستقبلية مع مصر، إذ إن اليهود يدركون أن انتهاكهم لاتفاقية كامب ديفيد وتدميرهم للمسجد الأقصى، لا بد وأن يدفع بالمصريين لخوض حرب أخرى ضد إسرائيل إن عاجلاً أو آجلاً، ولا ينسى اليهود أن العدو التقليدي له في مواجهتهم العسكرية في الأعوام 1956، 1967، 1973 هي مصر العربية المسلمة، ويبدو أن حصار ليبيا وما يخطط لها، وعزل السودان عن بقية العالم العربي، والسعي لاستمرار العلاقات السيئة بين السودان والمملكة العربية السعودية، والسودان ومصر إنما هي إطار ما يُخطط لمصر والعالم العربي بأكمله انتهى كلام محمد عبد المعطى.
.تعقيب:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق