إشراقات قرآنية خواتيم سورة البقرة
خواتيم سورة البقرة
مقدمة بين يدي الحديث عن خواتيم سورة البقرة
فضل خواتيم سورة البقرة والحض على حفظها وتدبر معانيها
... سبحان الله! من الدروس أن الواحد أحياناً يستعظم بعض الأمور قبل أن يباشرها، فإذا باشرها وجدها هينة، فأكثر ما يكون الشيطان عند البداية، هذه الطاولة كنت أظن أنها ثقيلة، ولهذا لم أحاول أن أحركها، فلما حركها الإخوة إذا بها في غاية اليسر والسهولة، وكثير من الأعمال التي يريد الإنسان أن يتعاطاها يعظم الشيطان أمامه العقبات، وإذا باشر وبدأ وجد عون الله سبحانه وتعالى.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.عندنا في هذه الليلة الآيات الثلاث الأخيرة من سورة البقرة: ((لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:284].. إلى آخر السورة.
وقد اخترت هذه الآيات؛ لأن الكثير يحفظونها ويعدونها جزءاً من الورد اليومي الذي يحافظون عليه، وهذا له أصل، كما في حديث أبي مسعود رضي الله عنه في البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه).
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (كفتاه) يحتمل أن يكون المعنى كفتاه عن الورد من القرآن، فيكفي قراءة هاتين الآيتين عن قراءة غيرهما.
ويحتمل أن يكون المعنى كفتاه عن قيام الليل، وهذا معنى عظيم يدل على فضلها.
ويحتمل أن يكون المعنى كفتاه عن كل شيء، يعني: كفتاه من الشياطين، ومن الضرر الديني وما يتعلق بذلك، ولا مانع من إرادة المعنيين معاً، والحديث صحيح، ومثل هذا الوعد النبوي سواء أريد به فضل قيام الليل، أو أريد به الكفاية من شر الشياطين، هو وعد متحقق صادق، ولكنه يقع للإنسان بحسب ما يقوم بحاله من الإيمان وحضور القلب.
ولهذا كان إلقاء الضوء على هذه الآيات مما يعين الإنسان على استحضار معانيها وهو يقرؤها، فلا يكون يقرؤها كما يقرأ مسألة رياضية، أو كما يقرأ لغزاً من الألغاز، أو كما يردد كلمات مألوفة لا يفهم معانيها، بل بحسب ما يقوم بقلبه من معنى هذه الآيات واستحضاره يكون أثرها عليه، ويكون أجرها في الآخرة أيضاً، وهذا مما ورد في فضلها.
كما إنه ورد في فضلها حديث آخر صحيح وهو في مسلم أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الإسراء والمعراج، ذكر أنه وصل إلى سدرة المنتهى، وأعطي ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله شيئاً من أمته المقحّمات) يعني: الذنوب العظيمة التي تقحّم صاحبها في النار، فالحمد لله ذي الفضل العظيم.
هذا العطاء الجزيل لهذه الأمة المصطفاة المختارة: أنه في لحظة واحدة أعطي النبي صلى الله عليه وسلم وأعطيت أمته هذه الثلاث:
الصلوات الخمس التي هي معراج الروح، وتطهير القلب، وتطهير البدن أيضاً.
وخواتيم سورة البقرة التي سوف نعلم ماذا يعني إعطاؤها لهذه الأمة، ويكفي (أنه ما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم آية منها من الدعاء إلا قال الله تعالى: قد فعلت، وفي لفظ: نعم). يعني: أجاب الله تعالى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء المسلمين بهذه الآيات الكريمات.
والثالثة: أنه غفر لمن لا يشرك بالله شيئاً من أمته المقحّمات، يعني: الذنوب العظيمة، فيغفرها الله تعالى لهذه الأمة، ومصداق هذا أيضاً في الحديث الآخر في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أمتي هذه أمة مرحومة) زاد أحمد في مسنده : (ليس عليها عذاب في الآخرة، وإنما عذابها في الدنيا: الفتن، والزلازل، والقتل).
وهذا فيه تبشير وفيه تفريح، وفيه قرة لعيون المؤمنين والمسلمين، وتثبيت لهم، وفتح لباب الأمل والرحمة والرجاء والمغفرة، فلا ييأسوا ولا يقنطوا من رحمة الله عز وجل، وإن كان هذا لا يحملهم على التهاون بالذنب أو المعصية؛ لأنهم يجدون أيضاً من النصوص الأخرى في القرآن والسنة مما فيه زجر، ويكفي أن يعلم الإنسان مقام ربه سبحانه حتى يرتدع: ((وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ))[الرحمن:46]، ((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى))[النازعات:40-41].
فهذا أيضاً من فضل هذه الآيات، وقد جاء في فضلها نصوص كثيرة جداً، ذكر طرفاً منها الإمام السيوطي في الدر المنثور .. وغيره من المفسرين، وقد جاء عن عمر و علي رضي الله عنهما أنهما كانا يقولان: [ما كنا نظن أن أحداً يعقل ينام قبل أن يقرأ هاتين الآيتين] وفي بعض الروايات: [الآيات الثلاث] فدل على أنه ينبغي أن يتعلمها الكبار والصغار، ويجعلوها في وردهم الليل ويقرءوها قبل النوم.
ومما يحمل على مدارسة هذه الآيات أن الكثير يحفظونها، وكثير من الأئمة أيضاً يجعلونها في قراءتهم الجهرية في صلاة المغرب والعشاء أحياناً، وهذا لا بأس به، وإن كان لم يرد بخصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآيات بمفردها في صلاة المغرب أو العشاء، والغالب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزع إلى سور كاملة قصيرة، فيقرؤها في المغرب، وهكذا يقرأ في العشاء، وقد تكون متوسطة أو طويلة بحسب ما جاء في السنة النبوية، وفي ذلك مراعاة لحال المأمومين أيضاً، ولكن قراءة أواخر سورة البقرة، أو أواخر سورة آل عمران، أو أواخر سورة النساء، أو المائدة، أو الحشر.. أو غيرها مما درج عليه الكثير من الأئمة ليس به بأس، لماذا؟ لأنه قرآن، وهو داخل في عموم قوله سبحانه: ((فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ))[المزمل:20]، وقوله: ((فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ))[المزمل:20]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: (ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) فقراءة ما تيسر من القرآن ينطبق على قراءة السورة، وينطبق على قراءة الآية أو الآيات.
ملخص ما احتوته سورة البقرة من المواضيع
وقد ذكر الله تعالى في سورة البقرة أحكاماً عظيمة وأخباراً وقصصاً، وطوّف بالمؤمن في أشياء عظيمة جديدة وقديمة، وأمور تتعلق بالاعتقاد، وأمور تتعلق بالعبادة، وأمور تتعلق بالأحكام، وأمور تتعلق بالمناظرة، حتى وصل إلى الدين وآية الدين وأحكام الدين، ثم تكلم سبحانه عن الشهادة، وأمر بأداء الشهادة في الدقيق والجليل، والكثير والقليل، مع العدو والصديق، حتى قال سبحانه: ((وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ))[البقرة:283] وفي غير موضع من القرآن الكريم أمر الله سبحانه وتعالى بالعدل حتى مع الوالدين أو الأقربين، وألا يحمل الإنسان الشنآن والبغض على ألا يعدل، فأمر بالعدل المطلق؛ ولهذا قال العلماء في الحكم الجميلة: قالوا: العدل واجب على كل أحد، والعدل واجب لكل أحد، والعدل، واجب في كل حين ووقت ، وهذه من الحكم العظيمة، وهذا من جمال هذه الشريعة وحسن نظامها، فلما أمر الله تعالى بأداء الشهادة، كائناً ما كان الظرف والمكان والزمان، وتوعد سبحانه من يكتم الشهادة بأنه آثم قلبه، وقال: ((وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ))[البقرة:283] يعني: مما يكون في قلوبكم ولا تبدونه، سواء كان من أمر الشهادة أو غيرها.
إشراقات في قوله تعالى: (لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ...)
انتقل السياق إلى ختم هذه السورة العظيمة بهذه الآيات العظيمة الجامعة الفاذة، فقال سبحانه: ((لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:284] أي: أنه ملكه، فله ما في السماوات وما في الأرض، وهذا دليل على كمال التملك: المِلك والمُلك لله، فهو الملك وهو المالك لما في السماوات وما في الأرض، ويشمل هذا كل شيء.
وقد يرد السياق أحياناً في غير هذا الموضع، بقوله سبحانه: ((لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ))[النساء:170] فلا يذكر وما في الأرض، وهذا أولاً للتنويع؛ لأن التنويع من البلاغة في البيان والخطاب، والله تعالى قال: ((وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))[الأحقاف:27] فأن تكون الآية تأتي مرة على صفة، ومرة على صفة أخرى، فهذا فيه تنويع وتصريف وبلاغة، وفيه لفت للأنظار والقلوب، وفيه تحريك للأذهان، بحيث يفكر الإنسان لماذا قال في هذا الموضع كذا، وقال في الموضع الآخر كذا؟
ولهذا طفقت أتأمل هنا لماذا قال: ((مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:284] ولم يقل: والأرض؟
فوجدت أن ذلك والله أعلم لأن ما في السماوات قد يكون أكثر وأعظم، ويكفي أن نتذكر مثلاً الحديث الصحيح في مسلم ، الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك واضع جبهته لله عز وجل، أو راكع، أو ساجد)، وقد جاء في بعض الآثار عند أبي الشيخ وغيره في كتاب العظمة : (أن أهل السماء الدنيا يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، وأهل السماء الثانية يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت، وأهل السماء الثالثة يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت) وهكذا.
تقرير معنى كون الله تعالى المالك لكل شيء
فالسماوات فيها من الخلق والأجرام والملائكة الشيء العظيم الهائل، ولو تخيلت البيت المعمور -كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أيضاً- الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون فيه إلى يوم القيامة، حاول أن تحصي عدد الملائكة، تجد أن الأمر يفوق الإحصاء البشري، ولهذا قال: ((مَا فِي السَّمَوَاتِ))[البقرة:284] وبدأ بها، ولكنه أيضاً، قال: ((وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:284] وكأن هذا والله أعلم إشارة إلى ملابسة الإنسان للأرض، فالإنسان كائن أرضي، مخلوق يدب على ظهر هذه الأرض ويلابسها، ويحتاج إلى التذكير بأن ما في الأرض ليس لك، تستعمله، نعم، ترتفق به، تسكنه، تملكه مِلكاً مؤقتاً، تركبه إن كان دابة أو سيارة، تستخدمه إن كان مالاً أو عقاراً أو ثياباً.. أو ما شابه، ولكن ليس لك وإنما هو لله، ولهذا كرر (ما) في قوله: ((وَمَا فِي الأَرْضِ))[البقرة:284] حتى يكون الإنسان على ذكر أن ما يستعمله في الأرض ليس له؛ لأن طول الملابسة ينسي، فالإنسان إذا كرر الدخول والخروج للمنزل والبيت، وقد اشتراه بماله وسكنه أو ورثه عن أبيه وعن جده.. إلى غير ذلك، ربما استقر في قراره أن هذا البيت ملك له ملكاً أبدياً، ونسي المالك الحقيقي وهو الله تعالى، فيأتي السياق ليؤكد على هذا المعنى: أن ما في الأرض كله هو مُلك -ومِلك- لله عز وجل، فقرر هنا المعنى الأول: وهو أن الله تعالى هو المالك لكل شيء.
تقرير الآية أن الله تعالى عليم بكل شيء
ثم قرر معنى آخر فقال سبحانه: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284] وهذه الآية لها شأن عظيم؛ لأن الله تعالى هنا يخاطب البشر بأنهم إن أبدوا ما في نفوسهم أو أخفوه فالله تعالى عليم به، والآية وإن لم تنطق بكونه عليماً إلا أن هذا متضمن؛ لأنه لا يحاسب إلا من كان عليماً مطّلعاً عليه، فالحساب فرع عن العلم والاطلاع، فالآية دلّت على أن الله تعالى عليم، هو عليم بما في السماوات وما في الأرض؛ لأن الذي خلق وملك لا يمكن أن يكون إلا عليماً بخلقه: ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))[الملك:14] بلى سبحانه، لكن هنا قال: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ))[البقرة:284] انتقل مما في السماوات وما في الأرض إلى خصوص ما في نفسك؛ لأن هذا هو الذي عليه المدار، فما في السماوات وما في الأرض قد تكون أجراماً، قد تكون جماداً، قد تكون ملائكة مسخرة، ولكن العبرة بالبشر، وأصل الخطاب للبشر، ولهذا انتقل من العموم إلى الخصوص، فقال: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284] فدلت الآية على العلم الإلهي، وأن الله تعالى مطلع حتى على ما في النفوس، عالم به، وهو أيضاً يحاسب عليه وقوله: ((يُحَاسِبْكُمْ))[البقرة:284] هذا مأخوذ من الحساب والحسبان، والحساب: هو العلم المعروف بالزيادة والنقص، والجمع والطرح والضرب، ولكنه استخدم هنا بمعنى المؤاخذة؛ لأن الأمور هنا تخضع لحساب دقيق تحسب فيها حسنات العبد وسيئاته، وخيره وشره، وبره وإثمه، وقديمه وجديده، وظاهره وسره وعلانيته، وأوله وآخره.. كل شيء يحسب، فهو حساب دقيق؛ ولهذا قال هنا: ((يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284]، وغلب هذا الاصطلاح في الكتاب والسنة، وأصبح يطلق على معنى أن الله تعالى يؤاخذ العباد على ما يعملون، في الدنيا أو في الآخرة.
إذاً: المعنى الثاني في الآية الذي دلت عليه: هو علم الله عز وجل بخلقه، واطلاعه على ما في نفوسهم وقلوبهم.
الأقوال في نسخ قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله...) وصورة ذلك النسخ
وهذا المعنى في الآية في قوله: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284] قد شق على الصحابة رضي الله عنهم، حتى جاء في صحيح مسلم حديث أبي هريرة ، وجاء أيضاً عن ابن عباس ، وجاء المعنى عن جماعة من الصحابة: أنه لما نزلت هذه الآية جاءوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وجثوا على الركب، وقالوا: (يا رسول الله كلفنا ما نطيق، فاحتملنا الصلاة والزكاة والصوم، ثم جاءت هذه الآية ولا نطيقها، أن نحاسب على ما في قلوبنا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا، قال: فلما اقترأ القوم هذه الآية، وذلت بها ألسنتهم) لاحظ السياق والتعبير: (اقترءوها) يعني: قرءوها وشقت عليهم، لكن تحملوا، وقرءوها مرة بعد أخرى وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله تعالى خاتمتها أو نسخها الله تعالى بالتخفيف.
والواقع أن العلماء اختلفوا اختلافاً كثيراً طويلاً عريضاً، تجده في كتب التفسير في مسألة هذه الآية وما بعدها، وهل فيها نسخ أو ليس فيها نسخ؟ فقال قوم: إنما في هذه الآية من المحاسبة على ما في القلوب، نسخ بالآية التي بعدها في قوله: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] إلى آخر السورة، وهذا جاء عن ابن عباس .. وغيره.
[وقد قرأ هذه الآية ابن عمر] -كما ذكره الطبري - [فانتبه لهذا المعنى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فبكى حتى أخضلت دموعه لحيته، فذهب رجل كان عنده إلى ابن عباس وقال له: إن ابن عمر قرأ هذه الآية فبكى وأبكى من حوله ، فضحك ابن عباس] -وانظر كيف الفقه وتناوب الفقه واختلاف الفقه بين الناس، فـابن عمر يبكي و ابن عباس ماذا؟ يضحك، وإنما ضحك لطرافة الموقف- [وقال: رحم الله أبا عبد الرحمن ، لقد وجد الصحابة من هذه الآية مثل ما وجد هو، حتى أنزل الله تعالى خاتمتها، ورفع الإصر عن هذه الأمة، ونسخت هذه الآية] .
إذاً: من أهل العلم من قال: بأن ما دلت عليه هذه الآية منسوخ بما بعدها، وهذا متداول في كتب التفسير.
وعلى هذا القول نقول: إن مقصودهم بالنسخ ليس هو النسخ في اصطلاح الأصوليين، الذي هو رفع حكم بحكم آخر متراخ عنه يأتي بعده؛ لأن هذا كان قبل تقرير العلوم وتفصيلها، وإنما المقصود بالنسخ هو مطلق البيان، يعني: أن يرفع معنى وقع في نفوسهم من الآية، فهذا قد يطلق عليه النسخ، وهذا أجود أن نقول: إن الآية ليس فيها نسخ؛ لأن النسخ يعني إبطال دلالة الآية وحكمها، وهذا أمر صعب ينبغي ألا يقال به، إلا عند تعذر الأجوبة الأخرى، فنقول: إن الأقرب أن الآية ليس فيها نسخ بمعنى رفع الحكم، وإنما فيها نسخ بمعنى بيان الحكم، والآية باقية على حالها.
من معاني قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) العرض على الله
فقوله سبحانه: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284] تشمل عدة معانٍ:
يشمل أولاً: أن نقول: إن معنى قوله: ((يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284] أي: يعرضه عليكم، والعرض قد يسمى حساباً، كما قال سبحانه: ((فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا))[الانشقاق:8] قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذلك العرض ومن نوقش الحساب عُذِّب)؛ ولهذا قال بعده: ((فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ))[البقرة:284] فبين أن من أثر هذا الحساب أن يغفر لقوم ويعذب آخرون، هذا جواب.
من معاني قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) ما يصيب الإنسان في الدنيا من الهموم وغيرها
الجواب الثاني: أن نقول: إن من معنى الحساب في هذه الآية: ما يصيب الإنسان في الدنيا، وهذا صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: [إن الهمّ الذي يكون في قلب الإنسان من الهم بالمعصية أو غيره، أن الله تعالى قد يحاسبه عليه في الدنيا، فيصيبه بالهمّ أو بالغم أو بالحزن، أو بالشوكة يشاكها، حتى إن الإنسان يفقد غرضاً من أغراضه في جيبه فيجده في كمه]، يعني: هذه الروعة التي أصابت الإنسان عند فقد بعض أشيائه وأغراضه، أن هذا قد يكون على أمر هم به في قلبه، فهذا وجه.
من معاني قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) الخاطر يخطر على القلب
الوجه الثالث: أن يقال: إن ما يهم أو ما يكون في قلب الإنسان: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ))[البقرة:284] إن ما يكون في نفس الإنسان له درجات، من الدرجات: الخاطر، الذي يخطر على القلب، كون الإنسان يخطر على قلبه شيء من الخواطر، سواء كان هذا خاطراً عقدياً لا يرضاه، يتعلق بالله عز وجل أو بالملائكة أو الرسل أو الأنبياء أو الآخرة، ثم دفع هذا الخاطر، فإن هذا لا يضر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عفا لأمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل) فهذا حديث نفس أو خاطر، مثل ما يقع للإنسان في المنام، ونحن نعرف أن الحديث ذكر أن الإنسان قد يرى في منامه حديث النفس، فما يقع للإنسان في المنام، أو ما يقع للإنسان في اليقظة من الخواطر العابرة التي لا تستقر، فهذا لا يضر، وعلى الإنسان ألا يلتفت إليه.
فهذا معنى مما يقع في النفس وهو الخاطر.
من معاني قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) الوسواس وطرق علاجه
وقد يقع للإنسان ما هو أشد من ذلك وهو الوسواس، وهذا أيضاً لا يكلف به الإنسان، ولا يؤاخذ عليه، فإن الكثير من الناس تقع لهم الوساوس، وقد تقع لهم الوساوس في الدين، أو في العقيدة، أو في الطلاق، أو في النكاح.. أو في أمور كثيرة جداً، وكثيراً ما يسأل الناس عنها، وهذا الوسواس الذي يقع للإنسان هو نوع من الاكتئاب النفسي، الذي يصيب الإنسان؛ إما بسبب أمر موروث من الضعف الجبلي في النفس، موروث عن الأبوين أو أحدهما، أو بسبب حالة ألمت بالإنسان، أو بسبب حادث أو مصيبة نزلت به .. أو لغير ذلك من العوارض.
فمثل هذا الوسواس ينبغي للإنسان ألا يلتفت إليه ولا يسأل عنه، فإذا ضايقه يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقرأ الأدعية ولا بأس أن يراجع الإنسان عيادة نفسية، فإن بعض الأدوية والعلاجات الكيماوية.. وغيرها مجربة في تخفيف أثر وحدة الوسواس القهري، الذي يعتري الإنسان في عقيدته، أو حتى في عبادته من طهارة وصلاة.. وغيرها.
وكذلك يستفيد من الطبيب النفسي الحاذق: التوجيه والإرشاد والتعليم الذي يساعده، وليس عيباً أن يذهب الإنسان إلى الطبيب النفسي، كما يظن البعض أنه لا يذهب إليه إلا من به جنون، فإنه قل أحد من الناس إلا وتعتريه الحالة بعد الحالة، من الأشياء النفسية التي يحتاج الإنسان إلى مدافعتها وكما قيل:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة يواسيك أو يسليك أو يتوجع
فقد تجد من يعينك بخبرته، أو بعلمه، أو معرفته.. أو غير ذلك، فهذا مما يعرض للنفس أيضاً، ولا يؤاخذ عليه العبد، ولا ينبغي له أن يقلق منه ولا يخاف، وقد قال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم نحواً من هذا، قالوا: (إن أحدنا يجد في قلبه ما يتعاظم أن يتكلم به) حتى جاء في بعض الحديث أنهم قالوا: (إن أحدنا يجد ما لأن يحترق حتى يكون حممة أو فحمة، أهون عليه من أن يتكلم بهذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان، ذاك محض الإيمان، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) يعني: الشيطان، لا يوسوس للقلب الخرب، واللص لا يأتي إلى البيت الخرب، وإنما يأتي إلى البيت الذي فيه الكنوز حتى يحاول أن يسرقها، وهكذا الشيطان، فلا تقلق ولا تخف، اعتبر هذا دليلاً على الإيمان ومحض الإيمان، وصريح الإيمان، في قلبك.
من معاني قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) الهم بالمعصية
مما يقع في النفس أيضاً: الهم بالمعصية، أن يهم الإنسان بفعل معصية.
وهنا هذا الهم هل يؤاخذ عليه الإنسان أو لا يؤاخذ؟
فنقول: إن كان هذا الهم هماً قوياً مستقلاً، بحيث يكون كافياً لإيجاد المعصية ومباشرتها، ولكن حيل بين الإنسان وبينها بالعجز، مثل: إنسان أراد أن يسرق بيتاً وسقط من الجدار وانكسرت ساقه، فهذا الإنسان يؤاخذ أو لا يؤاخذ؟ يؤاخذ؛ لأنه حاول ولكنه عجز.
أو إنسان أيضاً: حاول أن يقع أو يخلو بامرأة، وجاء للمكان وتفرد وكذا، ولكن المرأة كانت تخدعه أو تضحك عليه، أو لم تأته، فهذا الإنسان يؤاخذ؛ لأنه هم وحاول وعمل، وهكذا قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي بكرة في البخاري (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه).
فانظر كيف جعلهما بمنزلة واحدة، هذا الآخر ما قصر، لكنّ الأول شجاع قوي، وهذا ضعيف لا خبرة له فَقُتِل، وإلا كلاهما خاض المعركة وحمل السلاح على وجه أخيه.
إذاً: كون الإنسان يهم بمعصية هماً جازماً، ثم يحال بينه وبينها بالعجز أنه لم يستطع، فالأصل أن الإنسان يؤاخذ على ذلك، على مجرد الهم الجازم، فإذا صحبه عمل ولو يسير فالمؤاخذة أعظم، بمعنى أن الإنسان هنا لم يترك المعصية إلا عجزاً.
بينما لو هم هذا الهم ذاته بالمعصية أو ما هو أكثر منه، ثم انكف عن المعصية؛ خوفاً من الله، فإنها لا تكتب عليه، وهذا من سعة فضله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس أيضاً وهو في مسلم : (من هم بمعصية فعملها فاكتبوها عليه سيئة واحدة، فإن هم بها فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، ثم قال الله سبحانه وتعالى: إنه إنما تركها من جرائي)، فدل على أن من ترك المعصية خوفاً من الله يكتب له أجر.
ومما يوضح هذا المعنى قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، وكيف أن أحدهم قال: (كانت لي ابنة عم، حتى إنه واعدها وقعد منها مقعد الرجل من امرأته، فقالت له: يا فلان اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام عنها وهو أشد ما يكون شوقاً إليها فذهب بعض أثر الصخرة عنهم أو ثلثها بسبب هذا)، دل على أنه عمل صالح، وأن الله تعالى غفر له ومواعدته إياها وابتزازه وإتيانه وخلوته؛ بسبب أنه تذكر مقام ربه عز وجل: ((وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى))[النازعات:40]؛ ولهذا قال الله سبحانه وتعالى عن يوسف الصديق قال: ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ))[يوسف:24]، والأقرب: أن الهم هنا هو هم النفس منه ومنها، وهنا يكون الإيمان ويكون اليقين: أن الشاب قوي وغريب وأعزب، ومع ذلك امرأة جميلة، وهي في مقام سيده ظاهر الأمر، وتدعوه إلى نفسها وتغلق الأبواب، وتقول: هيت لك، وتخيل الجمال والعطر والطيب والملابس، ومع ذلك يقول: ((إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ))[يوسف:23]، ثم يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ))[يوسف:24].
كتب لي قبل أسبوع أحد الشباب رسالة يقول: إني قرأت هذه الآية، واستخرجت منها دعاء، فكنت أقول: اللهم كلما هممت بمعصية فأرني برهانك، ويقول: أنا لا أعرف ما معنى (برهان ربه)، لكني كنت أدمنت الدعاء لربي: اللهم كلما هممت بمعصية فأرني برهانك، فيقول: سبحان الله! أصبحت كلما هممت بمعصية ظهر الموت كأنه أمامي، كأني أراه رأي العين، فأقلعت عن الذنب أو المعصية.
إذاً: إذا هم الإنسان بالمعصية وتركها لله لا تكتب عليه معصية، بل يكتب له أجر الإقلاع عنها والتوبة والإعراض، واستحضار مقام الله؛ لأنه تاب توبة يكتب له أجرها.
إذاً: تمحض أن ما يحاسب الله عليه العبد ويعاقبه عليه مما في نفسه، هو ما كان نية جازمة لفعل الشر والمعصية، لم يحل بين الإنسان وبينها إلا العجز -أنه حاول وعجز-، فهذا يؤاخذ عليه الإنسان، وكذلك ما كان من أبواب الاعتقاد، ما كان من العقيدة الفاسدة واليقين الفاسد في قلب الإنسان، الذي يخالف مقتضى الاعتقاد الصحيح، واستقر في قلب الإنسان استقراراً حقيقياً، وليس شكاً أو وسواساً أو خاطرة شيطانية كما ذكرنا.
إذاً: هذا البيان في الآية الكريمة، هو الذي تضمنته الآيات التالية، وإنما سماه بعض العلماء: نسخاً؛ لأن النسخ عندهم كان بمفهومه الواسع، ليس بمعنى رفع الحكم الشرعي، وقال بعضهم: إن هذا خبر، والخبر لا ينسخ، والواقع أن المسألة فيها كلام؛ الأخبار لا تنسخ عند الجمهور، ولكن هذا وإن كان خبراً، إلا أنه يتضمن الحكم؛ ولهذا الصحابة رضي الله عنهم لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: (كلفنا ما نطيق، والآن كلفنا بما لا نطيق)، فدل على أنهم كانوا يتوجعون ويتوجسون مما اقتضته هذه الآية، من محاسبتهم ومطالبتهم بأن يغيروا ما في نفوسهم وقلوبهم من الخواطر، التي لا سبيل لهم إليها، فنزلت الآيات التالية بعد ذلك لتبين أن هذا ليس هو المقصود.
والظاهر أن الآيات التي بعد ذلك لم تنزل مباشرة، وإنما تأخر نزولها سنة.. أو نحو ذلك، حتى قال الصحابة ما قالوا.
إذاً: المعنى الثاني في الآية: هو أن الله تعالى مطلع على ما في السماوات والأرض، وعلى ما في النفوس.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب
من معاني قوله تعالى (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله...) أن الله على كل شيء قدير
المعنى الثالث: قوله سبحانه: ((فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ))[البقرة:284] فقوله سبحانه: (( وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) إثبات للقدرة، فدلت الآية الأولى على ثلاثة معانٍ:
المعنى الأول: الملك، أن الله هو ملك ومالك ما في السماوات والأرض.
والمعنى الثاني: العلم، أن الله تعالى عالم بما في السماوات وما في الأرض.
والمعنى الثالث: القدرة، أن الله تعالى على كل شيء قدير، فالله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
دلالة قوله تعالى (فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) على سعة رحمة الله وعظيم مغفرته
وقوله سبحانه: ((فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ))[البقرة:284] هذا مؤشر يدل على سعة الرحمة، فإن المقام وإن كان مقام: (يحاسبكم به الله) إلا أن الله تعالى قدم المغفرة على العذاب، وهذا كثير في القرآن الكريم، وفي الحديث القدسي في البخاري .. وغيره: (إن الله تعالى قال: إن رحمتي غلبت غضبي -أو سبقت- غضبي) وهذا دليل على سعة رحمة الله وعظيم مغفرته.
وقوله سبحانه: ((فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ))[البقرة:284] أصبح ظاهراً لنا الآن، أن الله تعالى يغفر لمن يشاء، يغفر لمن وقعوا في الذنب والمعصية وتابوا، ويغفر لمن هموا وأقلعوا ولم يفعلوا، ويغفر حتى لمن وقعوا في بعض الذنوب والمعاصي ولم يتوبوا منها، فهم تحت مشيئته سبحانه، إن شاء عذّب وإن شاء غفر، ونحن نعلم أن من أهل المعاصي من يدخل النار، ولا أدل على ذلك من أحاديث الشفاعة، التي دلت على خروج عصاة الموحدين، فهو دليل على أن من أهل المعاصي والكبائر والذنوب المصرين عليها من يدخل النار، ومنهم من يرحمه الله تعالى فلا يدخلها أصلاً.
إشراقات في قوله تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه...)
ثم انتقل السياق إلى الآية الثانية فقال سبحانه: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ))[البقرة:285] وهذا فيه إشارة إلى موقف المؤمنين، لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تريدون أن تقولوا كما قال بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا، وظلوا يرددون ويقرءون هذه الآية حتى ذلت بها ألسنتهم)، وهذا دليل على أن العبد إذا أشكل عليه شيء من خبر القرآن أو السنة، عليه ألا يعجل، عليه أن يتأنى، وأن يكرر قراءة القرآن الكريم، فإن القرآن شفاء وعافية، وقد رأيت أن كثيراً من المسائل التي فيها إشكال، وتحدث عند بعض الشباب ارتباكاً وارتياباً، ولعل منها ما جاء السؤال عنه البارحة، فيما يتعلق بالقضاء والقدر، وهو من المعضلات، التي كما قال بعض الأئمة قال عبد القادر الجيلاني : (كل الناس إذا ذكر القدر أمسكوا، إلا أنا فإنه فتحت فيه لي روزنة، فنزعت أقدار الحق بالحق للحق).
المهم أن الإنسان قد تشكل عليه بعض المعاني، فلا تقلق من هذا الإشكال، ولا تعتن به عناية كبيرة، وحاول أن تنشغل بغيره، حتى يأخذ هذا الأمر قدره الطبيعي، فإن المشكل عند بعض الشباب -خصوصاً الطلبة- في مرحلة الدراسة الجامعية وما حولها، وأيضاً الآن في جوالي رسالة من إحدى الأخوات تقول: عندي مشكلات ومعضلات، إذا ما أجبت عليها، فإني أخشى على الأقل أن أفقد حبي للإسلام، إن لم أفقد ديني أصلاً.
فأقول: ينبغي على الإنسان ألا يبالغ في تحضير وتحضيب بعض الأشياء التي تشكل عليه، نعم قد لا يستطيع أن يدفعها بالكلية، ولا بأس أن الإنسان يقرأ ويتعلم ويسأل، هذا أمر طبيعي: (وإنما شفاء العي السؤال)، لكن بعض الناس يبالغ في هذه الأشياء، وتصبح تعيش معه وتستيقظ وتنام وتأكل وتشرب، يبالغ في تحضيبها وتحضيرها، حتى تسيطر على عقله وتفكيره، وتصبح أمراً عظيماً، حتى إن الحجج الواضحة قد لا تنفع معه، بينما لو قرأ وهدأ نفسه وروعه، ربما رجعت المشكلة إلى حجمها الطبيعي، وأصبحت الحجج كفيلة بإذن الله تعالى بإزالتها.
ومن هنا لما قرأ المسلمون هذه الآية وذلت بها ألسنتهم نزل التخفيف، ونزل البيان، فقال الله سبحانه: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ))[البقرة:285] وهذا فيه ثناء على مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الرسول هنا ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا))[الفرقان:30] هو محمد صلى الله عليه وسلم فقد آمن بما أنزل إليه من ربه، وفي ذلك شهادة من الله وثناء من الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في إيمانه بالله وفي دعائه لربه وتضرعه، ففيه إشادة بمقامه رسولاً يبلغ عن الله، وفيه إشادة بمقامه في مقام العبودية؛ لأن الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين، يدعون ربهم ويتضرعون إليه، فهو إذاً ليس معبوداً وإنما هو عابد لله عز وجل، فقال: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ))[البقرة:285].
إذاً: عندنا رب، إله يشرع ويُعبد، وعندنا رسول يتلقى ويؤمن، وعندنا شيء ينزل: ((بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ))[البقرة:285] وهو ماذا؟ الوحي والقرآن والسنة أيضاً: (إني أوتيت القرآن ومثله معه) حديث المقدام بن معد يكرب عند أبي داود ، وأيضاً هذا يدل على الملك الذي ينزل بالوحي.
تضمن قوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ...) الإيمان بالله ومسارعة الصحابة إلى الإيمان
إذاً: قوله: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ))[البقرة:285] تضمنت الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين، تضمنت الإيمان بالأركان الأربعة، ثم قال سبحانه: ((وَالْمُؤْمِنُونَ))[البقرة:285] يعني آمن الرسول وآمن المؤمنون، ولم يقل سبحانه: وآمن المؤمنون، وإنما جاء بها معطوفة على الرسول؛ لأن إيمان المؤمنين هو أثر من إيمان الرسول صلى الله عليه وسلم، فلولاه عليه الصلاة والسلام ما آمنوا، فبه هداهم الله تعالى من الضلالة، وعلمهم من الجهالة، وبصّرهم من العمى؛ فلذلك هم آمنوا به عليه الصلاة والسلام، وبما جاء به من ربه.
وفي ذلك أيضاً إشادة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهم المقصودون قصداً أولياً بقوله هنا: ((وَالْمُؤْمِنُونَ))[البقرة:285] وإلا لم يكن للكلام معنى، أنت لما تقول: قام القائمون، ونام النائمون، وأكل الآكلون، وشرب الشاربون، هذا تحصيل حاصل، مثل لو يقولون: طحن الطحين ونشر النشارة ما فيه جديد، وإنما قال: ((وَالْمُؤْمِنُونَ))[البقرة:285]يعني: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا معه، فشهد الله تعالى لهم بصدق الإيمان، فذلك إشادة بأصحاب محمد عليه الصلاة والسلام الذين ((.. آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ))[الأعراف:157].
ثم قال سبحانه: ((كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ))[البقرة:285] كل أحد من هؤلاء، يعني الرسول صلى الله عليه وسلم وكل أحد من المؤمنين ((آمَنَ بِاللَّهِ))[البقرة:285] يعني: بوجوده سبحانه وألوهيته وربوبيته، وما له من العظمة والجلال والجمال والكمال، والأسماء والصفات.
تضمن قوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ...) الإيمان بالملائكة وذكر خصائصهم
((وَمَلائِكَتِهِ))[البقرة:285] يعني: الإيمان بالملائكة وأسماء من سمى الله تعالى منهم كـجبريل و ميكال ، وعزرائيل من أسماء الملائكة؟
مداخلة: .......
الشيخ: لا، هذا ليس بصحيح فهذا لا يصح، وإنما هو مما شاع عند العوام أنه ملك الموت، وإنما اسمه ملك الموت: ((قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ))[السجدة:11] إسرافيل أيضاً من أسماء الملائكة.
أيضاً من الإيمان: أن يؤمن الإنسان بفضلهم، وأن يؤمن بصفاتهم كما جاءت في القرآن والسنة: ((لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ))[التحريم:6] أن يؤمن بخصائصهم، فمنهم من هو موكل بالجنة، ومنهم موكل بالنار، ومنهم موكل بقبض الأرواح، ومنهم الموكل بالقطر، ومنهم الموكل بالوحي، ومنهم الروح، وقد يكون هو جبريل : ((يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ))[النبأ:38]، ((فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا))[مريم:17] فهذا من الإيمان بالملائكة.
تضمن قوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ..) الإيمان بالكتب جملة وتفصيلاً
((وَكُتُبِهِ))[البقرة:285] وقرأها ابن عباس (وكِتابه) وهي قراءة سبعية، وسواء كانت (كتابه) أو (وكتبه) المعنى واحد؛ لأن المقصود الجنس، فأنت تقول مثلاً: الريال عند الناس كثير اليوم، ماذا تقصد بالريال؟ تقصد ريالاً واحداً أو تقصد جنس الدراهم؟ تقصد جنس الدراهم.
هكذا هنا تقول: (وكتابه) أو (وكتبه) المعنى واحد، المقصود: الإيمان بالكتب السماوية، تفصيلاً فيما فصّل وإجمالاً فيما أجمل، الإيمان بالقرآن تفصيلاً، الإيمان بـالتوراة ، بـالإنجيل ، بـالزبور ، بـصحف إبراهيم و موسى ، نؤمن بها وأن الله أنزلها على الرسل ونؤمن بما صح وثبت منها.
تضمن قوله تعالى (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ..) الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً
((وَرُسُلِهِ))[البقرة:285] أيضاً الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام، الذين اختارهم الله تعالى من البشر، وينزل عليهم الوحي، وقد سمى الله تعالى منهم من سمى، وقيل: عددهم مائة وأربعة عشر، وقيل: أكثر من ذلك، وقد سمى الله تعالى منهم عدداً، وذكر منهم أولو العزم من الرسل، وهم خمسة، فمن الرسل: إبراهيم و موسى و عيسى ومحمد و نوح .. وغير ذلك ممن سمى الله تعالى، فيؤمن الإنسان بهم تفصيلاً فيما فصِّل وإجمالاً فيما أجمل.
ثم قال سبحانه: ((لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ))[البقرة:285] يعني: نؤمن بالرسل كلهم جميعاً ولا نفرق بين أحد منهم وأحد آخر، يعني: نؤمن بهم جميعاً، وإن اعتقدنا فضيلة بعضهم على بعض، كما قال الله تعالى: ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ))[البقرة:253] كـموسى ، ((وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ))[البقرة:253]، وهكذا فضل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالخلة، ((وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا))[النساء:125] وفضّل الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة وبالختم، وبأنه سيد الرسل والأنبياء كما قال: (أنا سيد ولد آدم) إلى غير ذلك، فهكذا يؤمن الإنسان بالرسل كلهم جميعاً ولا يفرق كما فرق من كان قبلنا، فـاليهود يؤمنون بـموسى ، ولا يؤمنون بـعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، و النصارى يؤمنون بـموسى و عيسى ، ولكنهم لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم.
أما نحن المؤمنين المسلمين فنؤمن بالرسل كلهم عليهم الصلاة والسلام، حتى إن من أهل العلم كما ذكر ابن القيم من قد ينتبهون ألا يتكلموا في بعض من قيل: إنهم رسل، يعني: قد يكون من المشاهير عبر التاريخ من قال البعض: بأنه رسول، وعوام الناس لا يعرفون ذلك فيتجنبون أن يقعوا في شخصه وذاته؛ لأنه قد يكون رسولاً، ولكن اندرست رسالته وانقرضت، فهكذا المؤمنون لا يفرقون بين أحد من رسله.
معنى قوله تعالى (وقالوا سمعنا وأطعنا ..)
((وَقَالُوا))[البقرة:285] يعني: المؤمنون ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا))[البقرة:285] يعني ليس كما قال بنو إسرائيل.
وفي ذلك إشارة إلى معنيين مهمين:
المعنى الأول: السمع، وأن السمع يعني الاستماع إلى الوحي وتلقيه وتقبله؛ لأنه هو مصدر من أعظم مصادر المعرفة والعلم، بل إن الأمور الغيبية والدينية المحضة لا تعرف أصلاً إلا عن طريق السماع، يعني: عن طريق الوحي؛ ولهذا قال هنا: ((سَمِعْنَا))[البقرة:285] ففيه فضيلة العلم، وكما قلنا: القوة العلمية المعرفية هي أعز وأحسن ما يملكه الإنسان، ويفضل به في الدنيا وفي الآخرة.
الشيء الثاني: قولهم: ((وَأَطَعْنَا))[البقرة:285] وهذا يشير إلى الفضيلة العظيمة الأخرى وهي الفضيلة العملية، فإن العلم دليل العمل، وعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، وقد كان بعض السلف يقول: [هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل].
ولهذا قال هنا: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))[البقرة:285].
معنى قوله تعالى (غفرانك ربنا وإليك المصير)
قوله: ((غُفْرَانَكَ))[البقرة:285] هذا مصدر مثل السبحان والكفران، فهو مصدر وهو قائم مقام الفعل؛ ولهذا جاء منصوباً: ((غُفْرَانَكَ))[البقرة:285] كأنه يقول: اغفر غفرانك، أو اغفر لنا ربنا، نطلب غفرانك، نرجو غفرانك ربنا، وقد ناسب أن يقول هنا: ربنا؛ لأن الربوبية فيها مناسبة اللطف والعفو والمغفرة، فطلب القوم غفران ربهم جل وعز.
معنى قوله تعالى (وإليك المصير)
((غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))[البقرة:285] فختم الآية بالركن الخامس من أركان الإيمان: وهو البعث، فإنه قال: ((كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ))[البقرة:285] بقي أمر البعث من أركان الإيمان: لم يذكر، فختم به الآية في قوله: ((وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))[البقرة:285] فالمصير هنا: المرجع والبعث، على القول الراجح المشهور عند المفسرين.
فيكون بذلك اكتمل ذكر أركان الإيمان الخمسة التي كثيراً ما تذكر مجتمعة، كما في سورة النساء: ((وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا))[النساء:136] ويضاف إليها القدر بدليل خاص ((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ))[القمر:49].
إشراقات في قوله تعالى: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
ثم انتقل السياق إلى الآية الثالثة قال الله سبحانه: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286] وهذا خبر عام: (( لا يُكَلِّفُ )) إذاً: المسألة فيها تكليف؛ ولهذا كان العلماء والأصوليون يسمون الأحكام الشرعية: الأحكام التكليفية، وربما استندوا إلى مثل هذا النص: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286] أي: أن الله تعالى يكلف النفس وسعها، فالآية فيها نفي وإثبات، الإثبات: أن الله تعالى يكلف النفوس طاقتها: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ))[التغابن:16] هذا إثبات.
والنفي: أن الله تعالى لا يكلف النفوس ما ليس في طاقتها، وإنما يكلفها ما في وسعها، وقال هنا: ((نَفْسًا))[البقرة:286] وهذه نكرة في مقام النفي، يدل على أن الله تعالى لم يكلف لا الأمم السابقة من أتباع الأنبياء، ولا هذه الأمة فوق ما في وسعهم وطاقتهم، وإنما التكليف دائماً هو بما هو مقدور عليه ومطاق، وقد طال جدل الفلاسفة والمتكلمين، والأشاعرة ، والمعتزلة ، وعلماء الأصول في مسألة التكليف بما يطاق، والتكليف بما لا يطاق، مما لا حاجة إلى الخوض فيه، فيكفينا هنا البيان القرآني الواضح أن الله تعالى لا يكلف النفوس إلا وسعها، وكثير منهم يخلطون بين التكليف الشرعي والأمر القدري.
فيقولون مثلاً: كيف يكلف الله أبا لهب أن يؤمن، وقد أنزل الله تعالى فيه: ((سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ))[المسد:3]؟
فهذا نقول: هذا خلط بين الأمر الشرعي والأمر القدري، فإن الله تعالى كلف البشر، أمرهم شرعاً بالإيمان، ولكن سبق في علم الله أنه سبحانه علم أن منهم من يؤمن ومنهم من يكفر، فكان أبو لهب ممن حقت عليه كلمة العذاب: ((أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ))[الزمر:19]؛ ولهذا نقول: بعد نزول هذه الآية لم يخاطب بالإيمان؛ لأن أمره قد اتضح، وقد قال الله تعالى لـنوح عليه السلام: ((وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ))[هود:36]، فهذا أيضاً قضاء وقدر سابق من الله تعالى للقوم، الذين علم الله أن قلوبهم أشربت حب المعصية والكفر وأصرت عليه.
وأما التكليف الشرعي: فلا يكلف الإنسان إلا بما يطيق؛ ولهذا في صحيح البخاري حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) وهكذا فيما يتعلق بالطهارة: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال)، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم التيمم لمن لم يجد الماء، أو من شق عليه استعماله، أو خاف الضرر باستعماله.. وهكذا كل الأشياء، حتى إن الإنسان الذي لا يستطيع النطق، (الأبكم) الذي لا يتكلم تسقط عنه كل التكاليف اللسانية التي لا يقدر عليها، ويكفيه الإيمان بقلبه، وفعل ما يستطيعه بجوارحه من الأعمال والطاعات ..وهكذا.
فالإنسان لا يكلف إلا ما في وسعه وطاقته، وهذا المعنى معنى واضح ظاهر في التكاليف الشرعية والأوامر الشرعية، ويحتاج الإنسان إلى أن يتذكره؛ لأنه يتدين فيما بينه وبين الله تعالى بأمور كثيرة، هو يعلم أنه لا يستطيعها، والناس قد يرون أنه يستطيعها، أو يعاتبونه أو يؤاخذونه بها، فهنا الله تعالى يهدئ قلوب المؤمنين ويقول: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286]، والوسع: هو الشيء الذي يسع الإنسان، يعني: يقدر عليه وهي كلمة مثلثة الأول كما يقولون، يعني: (الواو) تنطق بالضم والفتح والكسر، فيقال: الوُسع والوِسع والوَسع، والمعنى واحد، والقراءة المشهورة بالضم: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا))[البقرة:286] يعني: قدرتها وطاقتها.
ما ورد من المعاني في قوله تعالى (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)
ثم قال سبحانه: ((لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))[البقرة:286] (لها) هذا دليل على أنه شيء لك في صفك، مثل أن تقول: عندي مال، لي مال وعلي دين: ((لَهَا مَا كَسَبَتْ))[البقرة:286] هذا لك: ((وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))[البقرة:286] يعني: من المعصية.
إذاً: لها الطاعة وعليها المعصية، لكن هنا الله سبحانه وتعالى قال: ((لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))[البقرة:286] تغير الفعل، وقد يرد في القرآن التعبير بالكسب عن الجميع: ((بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ))[الأنعام:129] يعني: خيراً أو شراً: ((تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ))[غافر:17]، ((كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ))[الطور:21].
إذاً: الكسب يطلق على الخير والشر، على الطاعة والمعصية، وكله كسب للعبد، لكن في هذا الموضع الوحيد في القرآن الكريم عبّر الله تعالى بقوله: ((لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))[البقرة:286].
ومن قديم وأنا أبحث عن الفرق بينهما، فوجدت بعض المفسرين يقولون: ((لَهَا مَا كَسَبَتْ))[البقرة:286] يعني: من الطاعة؛ لأن الطاعة الفطرة تنساق إليها، والنفس تميل إليها، فعبر بالكسب، بينما المعصية تحتاج إلى معالجة؛ ولهذا عبر بالاكتساب الذي فيه افتعال وتكلف، وهذا ذكره الزمخشري .. وغير واحد.
لكن وجدت أن هذا الجواب غير مرضي؛ لأن بعضهم عكسوا، وقالوا: إن المعصية سهلة على النفس، وداعية الشهوة والنفس والشيطان تسهلها، فالنفس إليها سريعة، بينما الطاعة هي التي فيها بعض المشقة والمعاناة، مثل: معاناة الصلاة، والمحافظة عليها في أوقاتها، أو القيام -قيام الليل-، أو قراءة القرآن، أو العلم.. فوجدت أن هذا المعنى لا يستقيم ولا ترتضيه الحجة، فوقع في بالي وأنا أتأمل السورة، هذا اليوم وقع في بالي معنى وسررت به، وزادني سروراً،
قلت: يعني: هذا معنى لم أجد من أشار إليه، وهو أن قوله: ((لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))[البقرة:286] لأنه ما يتعلق بالطاعة لها ما كسبت، يؤجر العبد حتى لو لم يعمل، بمجرد النية الطيبة يؤجر على الطاعة، وهذا من فضل الله، أنه يأجر الإنسان على نية الطاعة وعلى هم الخير، حتى لو لم يعمل، بينما المعصية لا يأثم عليها إلا إذا عملها، بينما لو نواها ولم يعملها، إما لأنه صرف النظر عنها، هذا لا يؤجر ولا يثاب ولا يأثم، ولو تركها لله أجر عليها، فلا يعذر على المعصية إلا إذا فعلها وباشرها وعالجها، فاقتضى المقام أن يقال: ((وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ))[البقرة:286]، وهذا المعنى معنى جميل ومما يؤكد صحته أنه متصل بالآية الأولى، فيما يتعلق بخوف الصحابة مما في نفوسهم، فالله تعالى هنا يبين لهم أن الأمر أعظم مما ظنوا، وأن الله تعالى يأجرهم على مجرد النوايا الطيبة في قلوبهم ولا يحاسبهم على ما في قلوبهم من الواردات والخواطر السيئة ما لم يعملوها، ففضله أعظم.
ثم وجدت الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قد أشار إلى هذا المعنى، وهذا زاد من قيمة هذا الكتاب عندي، فأنا كثيراً ما أوصي به الطلبة، وأقول: إن كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي من أفضل كتب التفسير؛ لأنه مختصر، وفيه معان لطيفة وإن كانت مجملة، لكن إذا تدبره الإنسان وجد فيه زبدة ما في كتب التفسير.
معنى قوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا)
ثم قال سبحانه: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] فانتقل السياق إلى صيغة الدعاء، وهنا لم يقل: وقالوا: ربنا لا تؤاخذنا، وهذا اصطلاح جارٍ في القرآن الكريم، كما في قوله سبحانه مثلاً في سورة آل عمران: ((وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا))[آل عمران:191] يعني: وقالوا: ربنا، أو ويقولون: ربنا، فهنا قال: ((رَبَّنَا)) يعني: يقول المؤمنون: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286]، وفي الصحيحين: (يقول الله تعالى: قد فعلت)، وفي الحديث الذي رواه أهل السنن من طرق كثيرة ومجموع طرقه تدل على أن للحديث أصلاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) ، فهنا قال: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] والمؤاخذة هي العقوبة، والأخذ كما قال: ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ))[هود:102] ((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ))[فاطر:45] فهنا قالوا: ((لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] يعني: لا تعاقبنا، وهذا يقتضي الدعاء، بألا يعاقبهم الله تعالى في الدنيا ولا في الآخرة.
فأما في الدنيا فإن الله تعالى قد يعاقب الإنسان، مثلما قلنا في قصة عائشة ، وأيضاً حديث أبي بكر وهو في الصحيح: ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ))[النساء:123] قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألست تحزن؟ ألست تنصب؟ أليس يصيبك اللأواء)، يعني: الإنسان قد يخفف عنه بعض ذنبه، بما يبتلى به في الدنيا، حتى الشوكة يشاكها، ولكن لا يؤاخذ المسلمون ولا يستأصلون استئصالاً، وقد قال سبحانه: (قد فعلت)، فيؤخذ من فائدة هذه الآية: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] أن الله تعالى لا يستأصل هذه الأمة، ولا يقضي عليها، ولا يبيدها، وإنما تظل هذه الأمة قائمة موجودة إلى أن يشاء الله تعالى، ولا ينزل عليها هلاك عام، وكذلك في الآخرة فإن الله تعالى قد وضع عنهم الآصار والأغلال.
معنى النسيان وأقسامه في قوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا)
قال: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا))[البقرة:286] النسيان نوعان: النوع الأول: النسيان الذي هو أن يعزب الشيء عن الذهن، نسي الشيء يعني: ما تذكره، فهذا أصلاً ليس محلاً للمؤاخذة، وليس داخلاً -والله أعلم- في الدعاء، كون الإنسان نسي في الصلاة سها، هذا لا يؤاخذ عليه أصلاً ولا يعاتب عليه، ولا يعاقب عليه في الآخرة.
وإنما المقصود هنا بالدعاء النوع الثاني من النسيان، الذي هو غفلة القلب، وفعل الإنسان شيء بالتعمد، كما قال الله سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا))[طه:115] مع أن فعل آدم كان عمداً الأكل من الشجرة، ليس على سبيل النسيان المطلق، وهكذا نقول: إن العبد إذا وقع في المعصية هذا شيء من النسيان، نوع من النسيان؛ ولهذا كان ابن عباس يقول: [إن العبد إذا زنى نزع الإيمان من قلبه حتى يكون فوق رأسه كالظلة ، فإذا تاب رجع إليه] ليس معنى ذلك أن الزاني يكفر، لا، ولا شارب الخمر يكفر، لا، وإنما المقصود أن الإنسان أثناء مقارفة الذنب يكون الإيمان ضعيفاً ومتأخراً، وإلا لو استحضر رقابة الله عليه، كما يستحضر أن والده يشاهده، أو أحداً من الناس يشاهده لأقلع وكف، فهذا معنى النسيان.
بيان الخطأ وأنواعه
وكذلك قوله: ((أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286] فالخطأ نوعان:
النوع الأول: الخطأ الذي يفعله الإنسان بغير تعمد، يعني: فعل شيئاً عن غير قصد، هذا لا يؤاخذ به الإنسان عند الله، وإن كان قد يؤاخذ به في الدنيا، كما في قتل الخطأ، ويلزمه تبعته في الدنيا، ولكن لا يؤاخذ به في الآخرة، وإنما المقصود بالخطأ الذي يدعو الإنسان ربه ألا يؤاخذه به هو تعمد فعل الخطأ، فالمعصية خطأ: (وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وقد تسمى خطيئة أيضاً.
فهنا قوله: ((أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286] يعني: ارتكبنا خطأً أو ارتكبنا خطيئة بالتعمد، فيسأل العبد ربه ألا يؤاخذه على ذلك، مع أن الآية من الأدلة على أن النسيان والخطأ لا يؤاخذ بهما العبد، الذي هو نسيان شيء مثلاً في أمر الصلاة أو غيرها، على سبيل عزوبه عن الذهن.
وضع الآصار والأغلال عن هذه الأمة والنهي عن تحمل الآصار والأغلال
قال: ((رَبَّنَا))[البقرة:286] وهذه ثانية: ((وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا))[البقرة:286]، ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286]، ((رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))[البقرة:286].
والحمل هنا معنوي، كأنه يحمل على ظهره؛ ولذلك نقول: إن الإصر قد يكون هو العهد والعقد والموثق الذي يثقل على الإنسان، كما قال الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ))[الأعراف:157] يعني: في الأمم السابقة، فهذه الأمة يدعونا الله تعالى: ألا يحمل عليهم إصراً من العهود والمواثيق، وقد قال الله: قد فعلت، ولكن الإنسان أحياناً قد يحمّل نفسه من الآصار والأغلال ما لم يحمله الله تعالى فيبوء بها، ومن ذلك -مثلاً- كون الإنسان يلتزم بعهد وميثاق ليس ملزماً له شرعاً، لا داعي لذلك؛ لأنه قد يعجز عنه، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ))[التوبة:75-76].
وقال سبحانه: ((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ))[النور:53] يعني: الزموا طاعة معروفة، فلا داعي أن الإنسان يلزم نفسه أحياناً بعهود ومواثيق لا يقدر عليها.
ومن ذلك أيضاً: موضوع النذر، كثير من الناس إذا عجز عن ترك معصية، أو عجز عن فعل طاعة والمحافظة عليها جعل على نفسه نذراً، إن عاد إلى التدخين، أو إلى فعل العادة السيئة.. أو إلى شيء من هذا، أن يكون عليه صيام شهر أو نفقة أو صدقة، هذا أيضاً مذموم؛ ولهذا السلف كانوا يكرهون النذر، ومنهم من قال: إنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر.
فكون الإنسان ينذر على نفسه شيئاً، إن فعل كذا أو ترك كذا، هذا أيضاً مذموم، وعلى الإنسان أن يجتهد في فعل الطاعة وترك المعصية، دون أن يتقحم مثل هذه الهلكات والدركات التي ربما يعجز عن تحملها وتفضي به أمور عظام، وعليه أن يستعين بالله، وأن يحمّل نفسه ما تطيق، ولا يحملها ما لا تطيق؛ ولهذا جاء مناسباً هنا أن يقول: ((وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))[البقرة:286]، فأيضاً لا تحمل على نفسك إصراً لم يحملك الله تعالى، وحاول أن تسوس وتقود نفسك قيادة حكيمة.
إذاً: من معاني الأصر العهد والميثاق والنذر والإلزام.
ومن معاني الإصر أيضاً: التكليف، وقد كلف الله تعالى الأمم السابقة بأشياء عظيمة، مثلاً: بنو إسرائيل قال لهم موسى : ((فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ))[البقرة:54] فكان من توبتهم أن يقتل بعضهم بعضاً، حتى ورد أنه قَتَل منهم في مقام واحد سبعين ألفاً.
وكذلك حديث أبي موسى : (أنه كان إذا أصاب ثوب أحدهم البول قرضوه بالمقاريض)، فكان هذا من التشديد ((كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ))[آل عمران:93] كذلك حرم عليهم أشياء، كما قال سبحانه: ((فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ))[النساء:160] فوضع الله الآصار والأغلال عن هذه الأمة، وجاء بالشريعة السمحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بعثت بالحنيفية السمحة) وهو عند أحمد و البخاري في الأدب ، فجاءت الشريعة سمحة فيها تسهيل، وهذا فيه نصوص عظيمة جداً، مثل هذه الآية الكريمة، ومثل قوله سبحانه: ((هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ))[الحج:78] ومثل ما نجده في تقريرات أهل العلم وتوسعوا فيه، من أن المشقة تجلب التيسير، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع، وأنه لا تكليف إلا بما يطاق.
فهذه الشريعة شريعة جعلها الله تعالى للناس كلهم، ليست الشريعة لأهل مكة ، ولا لأهل المدينة ، ولا لأهل نجد ، ولا لأهل السعودية ، ولا لأهل الجزيرة و الخليج ، وإنما شريعة للعالمين رحمة للعالمين، شريعة للشعوب والأجناس والأمم، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وثقافاتهم وطبقاتهم وعاداتهم وأمورهم؛ ولهذا جاء فيها التيسير، وجاء فيها الرحمة، وجاء فيها السعة، فهنا قال سبحانه: ((وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))[البقرة:286] وقال: قد فعلت، وضع الله الآصار عن هذه الأمة، وجعل فيها القواعد الكلية العامة التي تطبق في كل زمان ومكان بحسب ما يناسبها: ((كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا))[البقرة:286].
دعاء الله عز وجل من تحمل ما لا يطاق
قال: ((رَبَّنَا))[البقرة:286] أيضاً هذا دعاء للمرة الثالثة فيه تكرار كلمة (رَبَّنَا) ((وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286]?، وهذا قد يبدو فيه تكرار.
والواقع أن هذا أعم من الأول، وهو ختام هذه الدعوات الثلاث، فإن قوله: ((مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يشمل عدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به من التعبدات، التي لا يطيقونها ولا يقدرون عليها.
ويشمل عدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به من المشقات الفطرية، التي يصعب عليهم تجاوزها، ولهذا قال بعض السلف: من ذلك المحبة، وهذا مشاهد، يعني: أن بعض الناس يبتلى بالحب في قلبه، العشق، التوله فيقع في غرام فتى أو فتاة، ويصبح هذا الحب مسيطراً عليه كما نجد -مثلاً- في قصص التاريخ، من مثل قيس و ليلى و لبنى و عروة .. وغيرهم من العشاق، وما يسمون بالعشاق العذريين في شعر العرب، وفي شعر غير العرب، وأمم الأرض كلها، فإن الحب أحياناً سلطان قد يسيطر على قلب الإنسان، حتى يتدله الإنسان ويتوله، وأذكر أن شاباً أتاني قبل سنوات وهو يشتكي من حب لم يفضِ إلى فعل الفاحشة والحرام والشذوذ، ولكنه تعلق حتى إني لا زلت إلى هذه اللحظة أتذكر وجه ذلك الفتى، وكيف أنه مصفر كالورقة الذابلة من شدة الحمل الذي عليه، مع أن هذا الحب شيء ليس له جرم يلمس ولا يشاهد، ولهذا بعض الناس الذين ليس عندهم معرفة بأحوال البشر قد يسخر من هذا الكلام، أو يستهزئ به، أو يضحك حينما يسمعه، لكن هنا نقول: ((رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286]، وقد كان الشاعر يقول:
وحملت زفرات الضحى فأطقتها وما لي بزفرات العشي يدان
جعلت لعراف اليمامة أجره وعراف نجد منهما شفيان
فما تركا من رقية يعلمانها ولا شربة إلا وقد سقياني
فقالا شفاك الله والله ما لنا بما ضمنت منك الضلوع يدان
وحينما ترى أو تقرأ شيئاً من ذلك تجد؛ ولهذا سبحان الله في قوله سبحانه: ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا))[النساء:28] قال بعض السلف: ضعيفاً أمام النساء، وقد تجد الإنسان ملكاً عظيماً، أو قائد جيش هائل تجندل الرءوس أمامه، ثم يقع في حب أو هوى، فتجده ذليلاً مستسلماً.
فهذا من معنى قوله: ((وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286].
ومن ذلك أيضاً: تحميل الإنسان بعض التبعات، كما ذكرنا في الخواطر التي تهجم على القلب والنفس، فإذا قرأ هذا وعلم أن الله تعالى يقول: (قد فعلت)، عرف أن كل ما لا طاقة للإنسان به فهو لا يحمل ولا يحاسب عليه ، ومن ذلك أيضاً قوله: ((وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يعني: من عذاب الآخرة، فهو داخل في هذه الآية، فهو عذاب شديد كما قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا))[الفرقان:65] فمن ذلك هذا كله.
وقوله: ((مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] لا يعني أنه لا يستطيع أن يحمله ألبتة، فهو قد يحمله بمشقة وصعوبة، ولهذا الناس يقولون أحياناً: فلان أنا ما أطيق أنظر وجهه، وهو لا يقصد أنه لا يستطيع ولا يقدر، لكن يقصد أنه يبغضه، حتى إنه لا يتحمل ذلك أو يشق عليه، فقوله: ((مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يعني: ما به علينا مشقة عظيمة، ولهذا نقول: من دلالات هذه الآية أيضاً أن الأمور التي يكون فيها مشقة عظيمة على الناس، مرفوعة في الشريعة، وفيها تخفيف.
دعاء الله تعالى بالعفو والمغفرة والرحمة
ثم قال في بقية الدعاء: ((وَاعْفُ عَنَّا))[البقرة:286] ولاحظ هنا أنه ذكر ربنا ثلاث مرات، والعادة أن العلماء يقولون: إن تكرار الأمر إلى الثلاث فاضل، ولا يحسن الزيادة عليه، وهكذا هنا فقال: ربنا، ربنا، ربنا، ثم ذكر بقية الدعاء دون ذكر هذا الاسم الشريف قال: ((وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا))[البقرة:286] فطلبوا وسألوا العفو، والعفو: هو المسامحة عن الذنب.
((وَاغْفِرْ لَنَا))[البقرة:286] والغفر بمعناه، ولكن أصل الغفر: هو الستر، ومنه المغفر وهو الذي يوضع على الرأس في الحرب، وغفر الشيء يعني: ستره، ففيه طلب الستر هنا، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه وهو في البخاري : (إن الله تعالى يدني عبده المؤمن يوم القيامة، حتى يضع عليه كنفه، ثم يقول له: يا عبدي أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ يقرره بذنوبه، حتى إذا قرره ورأى أنه قد هلك، قال: يا رب! اغفرها لي، قال الله تعالى: أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)، فكان من إجابة الله تعالى لهذا الدعاء بالغفر أن يستر الله عباده في الدنيا، ولو أن الله تعالى فضح الناس بأمورهم، من يبقى منا في هذا المكان؟ على الأقل أيام الشباب والمراهقة والصبا، وأمور اختارها الإنسان، وأمور لم يخترها، وأمور لم يعها -لم يعقلها- ..وعادات وأشياء كثيرة جداً، ولكن فضله سبحانه وستره أُضْفِي وأُرْخِي علينا جميعاً، فله الحمد وله الشكر وله النعمة، وله الثناء الحسن، ونسأل أن يتم علينا نعمته بالعفو والعافية والستر في الدنيا والآخرة.
قال: ((وَارْحَمْنَا))[البقرة:286] ولاحظ بعدما قال: ((وَاعْفُ عَنَّا))[البقرة:286] قد يكون العفو عن ذنوب الإنسان المصر عليها، ومع ذلك الله يعفو عنه، ثم قال: ((وَاغْفِرْ لَنَا))[البقرة:286] قد يكون هذا لذنب استغفر العبد منه فغفر الله له، ثم قال: ((وَارْحَمْنَا))[البقرة:286] يعني: هذه زيادة، أعطنا رحمة وفضلاً منك سبحانك.
ولهذا يعني بعضهم يتوسع في هذا الجانب، مثلما يقول القائل:
فكثّر ما استطعت من الخطايا إذا كان القدوم على كريم
وهذا غلط؛ لأنه لا ينبغي أن يغتر الإنسان في هذا الجانب، والذنوب قد تجتمع على الرجل حتى تهلكه، وقد يختم له والعياذ بالله بسوء، وقد تكون سبباً في وقوع الإنسان في الخروج من الإيمان إذا أصر عليها.
ولهذا الله سبحانه وتعالى قال: ((وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ))[آل عمران:135]، فالمؤمن عنده ميزان، لا يسرف في تقحم المعاصي والذنوب والاستهانة بها، اعتماداً على رحمة الله، ولا يسرف أيضاً في تيئيس نفسه، وتيئيس الناس من الرحمة، بناء على تعظيم بعض الذنوب التي ربما يبتلى بها العبد.
المقصود بالمولى وذكر معانيه وطلب النصرة على الكافرين
ثم ختم الدعاء بقوله: ((أَنْتَ مَوْلانَا))[البقرة:286]، والمولى له معان عظيمة تزيد على ثلاثين معنى، من معانيه: السيد، ومن معانيه: الوالي، ومن معانيه: النصير.. وكل ذلك صحيح، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في معركة بدر يقول: (الله مولانا ولا مولى لكم)، ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ))[محمد:11] وكان قوله: ((أَنْتَ مَوْلانَا))[البقرة:286] تمهيداً لقوله: ((فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))[البقرة:286].
ففيه دعاء بالنصرة، ولاحظ أن الآيات السابقة كلها تتعلق بأمر الأمة، وعلمها، ومعرفتها، ودينها، وعقيدتها، ودعائها، وعبادتها، وفي الختام الله تعالى ذكر السور التي تحفظ به هذه الأمة وهو قوله: ((أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))[البقرة:286] الذين رفضوا الإيمان وأصروا على الكفر، بل وحاربوا المؤمنين وأخرجوهم من ديارهم، وظاهروا على إخراجهم، فدعا المسلمون ربهم أن ينصرهم عليهم، وكان هذا كما قلنا في المدينة ، بعدما قامت الدولة، وقامت سوق الجهاد، فكان هذا الدعاء مناسباً للمقام.
علاقة الآيات الأخيرة من سورة البقرة بأول السورة
وتلاحظ أن سياق هذه الآيات متصل مع أول سورة البقرة، ففي أولها ذكر الله تعالى المتقين ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ))[البقرة:3].. إلى آخر الآيات، وذكر المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وكانوا موجودين في المدينة ، فهنا الله تعالى عقّب على معنى قريب، فذكر المؤمنين وإيمانهم بالله، وما أنزل للرسول صلى الله عليه وسلم من ربه، والإيمان بالملائكة والكتب.. إلى غير ذلك، وذكر أيضاً: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284] إشارة إلى وجود المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وكان الأمر في ذلك وعيداً عليهم.
وهكذا تجد أن أول السورة وآخرها قد انتظمت في سلك واحد، وفي مثل هذه الآيات وغيرها مزيد من الإعجاز، ومزيد من الأسرار لمن تدبر وتأمل.
نسأل الله تعالى في خاتمة هذا المجلس المبارك ونقول: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))[البقرة:286].
حكم التلفظ بالتلبية عند الإحرام بالعمرة
السؤال: أحرم من أحرم من بيته ثم ذهب إلى العمرة، ونسي أن يتلفظ بالنية عند محاذاة الطائرة؟
الجواب: التلفظ بالنية سنة، ما دام نوى هذا يكفي.
الحرص على أداء العمل بأمانة مع الحضور في الوقت المحدد
السؤال: أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية، وتوجد هناك ورقة توقيع الحضور والانصراف يكتب فيها كالمعتاد وكنظام الحضور، بعض الموظفين يحضر متأخراً -مثلاً- (7:45) ويكتب (7:30)؟
الجواب: على الإنسان أن يجتهد في الحضور في الوقت المحدد، ويجتهد أكثر في أداء العمل؛ لأن الحضور ليس مقصوداً لذاته، وإنما مقصود لإنجاز العمل.
وهذه إذا كانت لا تضر المراجعين أبداً، وكان مسئولك فيها على اطلاع، واضطر إليها الإنسان على ألا تكون عادة.
الموقف من الشائعات عن مكونات (البيبسي كولا) في كونها من أجزاء الخنزير
السؤال: هل ما ورد أن (البيبسي كولا) مصنوعة من أمعاء الخنزير؟
الجواب: مثل هذه الأشياء تقال وتنشر في الصحف، لكن على الإنسان ألا يبني عليها أي حكم أو اعتبار.
طرق معالجة الكوابيس والأحلام المزعجة
السؤال: تعاني زوجتي من كوابيس وأحلام مزعجة، وكذلك يخيل إليها وهي مستيقظة أحياناً، وذلك بعد خروجي من المنزل للدوام؟
الجواب: عليكم بقراءة القرآن، يمكن يكون القرآن في المنزل بشكل مستمر، وأيضاً عليك أن تكون أنت لطيفاً مع زوجتك، وأوصي بأنه يمكن أن تكون هناك مراجعة لطبيب نفسي، قد تكون زوجتك عندها مثلاً غربة عن الأهل، لم تتكيف مع البيت.. إلى غير ذلك.
حكم العمل التسويقي مع شركة أمريكية
السؤال: معروض عليّ عمل تسويقي لشركة أمريكية ومتردد في ذلك؟
الجواب: هذا يعتمد على نوع النشاط والبضاعة التي تروجها هذه الشركة.
بعض الكتب المختارة من أصول الفقه
السؤال: أفضل كتاب في أصول الفقه؟
الجواب: والله الكتب كثيرة جداً يوجد كتاب علم أصول الفقه لـعبد الوهاب خلاف ، ويوجد الواضح في أصول الفقه للأشقر، ويوجد الوجيز في أصول الفقه لـعبد الكريم زيدان كلها طيبة.
كيفية التعود على قيام الليل
السؤال: كيف التعود على قيام الليل؟
الجواب: أن تقوم ولو شيئاً يسيراً قبل أن تنام، تصلي ما كتب لك حتى تصبح عادة.
معنى قوله (ذلت ألسنتهم بالقراءة)
السؤال: ما المقصود بقولك: ذلت ألسنتهم بالقراءة؟
الجواب: (ذلت) هذا حديث أبي هريرة يعني: اعتادت عليه وذهب التردد عنها.
تقويم الشيخ لتفسير ظلال القرآن لسيد قطب
السؤال: ما رأيك في تفسير سيد قطب في ظلال القرآن ؟
الجواب: والله تفسير عظيم ومفيد جداً، وأنا أقرؤه في مثل هذه الدروس، وحقيقة إن من أجمل إيجابيات هذا التفسير أنه يعطي المعنى المباشر، يعني: كثيراً ما تقرأ في كتب التفسير فتجد أنك تجد إعراباً، أو تجد بلاغة، أو تجد جدلاً، أو تجد خلافاً، في كثير من الأحيان يقول لي قلبي: ابحث عن كتاب تفسير يقدم لك المعنى الذي يريد الله أن يصل إلى قلبك وإلى عقلك، هذا هو المقصد الأعظم من القرآن الكريم.
وأعتقد أن تفسير الظلال يساعد على هذا مساعدة كثيرة، وإن كان تفسير ليس عميقاً في النواحي العلمية والمعرفية البحتة، وإن كان تقع فيه بعض الاجتهادات التي لا يوافق عليها رحمه الله، فالثناء على الكتاب لا يعني الثناء المطلق .
وقت قراءة الآيات الأخيرة من سورة البقرة
السؤال: هذه الآيات هل لو قرأها بعد العصر ليس من المساء؟
الجواب: المساء يكون بعد الزوال، ولكن هي في الليل، ورد: (من قرأ خواتيم سورة البقرة في ليلة كفتاه).
حكم قراءة (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ..) بعد الفاتحة في الصلاة
السؤال: ما حكم قراءة الآية في الصلاة مبتدئاً بعد قراءة الفاتحة: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286] إلى آخره؟
الجواب: لا بأس بذلك.
المتون المختارة للحفظ في الصغر .. حكم تكفير الرافضة
السؤال: نريد رأيك في تكفير الرافضة ؟ وما هي المتون التي تحفظ في الصغر؟
الجواب: المتون كثيرة جداً، ويمكن للإنسان يحفظ في كل علم متناً كمتن الأجرومية في النحو، والورقات في أصول الفقه.. وهكذا.
أما بالنسبة للشيعة أو الرافضة كما سماهم فلا شك أنه ينبغي أن يكون هناك تأن؛ لأنهم طوائف كبيرة وكثيرة جداً، وبينهم خلافات، حتى إن منهم من يكفّر بعضهم بعضاً، ومنهم من يكون عنده غلو، ومنهم من هو دون ذلك؛ ولهذا ينبغي أن يكون التكفير متصلاً بالوصف، فنقول مثلاً: من كان منهم أو من غيرهم يقول مثلاً: بأن القرآن محرف، أو يكفّر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أو يقول: إن جبريل خان الأمانة، أو يرمي أم المؤمنين عائشة بالفاحشة.. فهو كافر أياً كان، ومن كان لا يقول ذلك، ولكن يقع عنده تفضيل مثلاً علي على عثمان ، أو حتى تفضيل علي على الشيخين، أو الوقوع في بعض الصحابة، فهذا عنده خلل في عقيدته، وينبغي أن يصحح ويناصح، وعنده انحراف، ولكنه لا يكفر بذلك.
حكم قراءة أذكار الصباح والمساء بين الأذان والإقامة
السؤال: هل يصح قراءة أذكار الصباح والمساء بين الأذان والإقامة؟
الجواب: نعم، لا بأس.
حكم الصلاة في المسجد الذي في آخره قبر
السؤال: حكم الصلاة في مسجد في مؤخرته قبر؟
الجواب: يقول بعض أهل العلم: إن كان المسجد أولاً فالمسجد هو الأصل والقبر طارئ، وينبغي السعي في إزالته، وإن وجد غيره فلا يصلي فيه، وإن لم يجد إلا هو صلى فيه ولا يترك الجماعة.
الحقيقة الأسئلة كثيرة جداً مثل: بر الولدين، أو قيام الليل، نسيان الحفظ.. يعني كل سؤال يحتاج إلى محاضرة خاصة.
أثر السيئات اللاحقة على الحسنات السابقة
السؤال: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ))[هود:114] هل السيئات يذهبن الحسنات؟
الجواب: لم يرد هذا، بل الله تعالى لا يضيع عمل عامل، وقد جاء في حديث: (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) وهذا الحديث عندي فيه نظر في إسناده، وإن صح فهو يؤول بضرب من التأويل، مثل حديث: (الرجل المفلس الذي يأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا..) .. إلى آخر الحديث .
الاجتهاد في طلب الرزق الحلال
السؤال: أصبح تخير الحلال صعباً، فكيف أعرف بأن الأكل الذي آكله حلال؟
الجواب: يعني: اجتهد وسعك، ولا تألو، ولا توسوس.
حكم التصوير بالفيديو للذكرى
السؤال: ما حكم تصوير الرحلات البرية بالفيديو للذكرى؟
الجواب: يمكن السائل يعرف أنه لي رأي، ولكن أنا سمعت الشيخ عبد العزيز أمس يجيب قبل صلاة العشاء بجواب، وأكره أن يكون في مثل هذا المجلس ومثل هذه الدروس نوع من الاختلاف والمناكفة، وهذا يقول بقول وهذا يقول، بقول آخر، ولكني أقرر دائماً للإخوة كما قررنا أمس وقبله ودائماً، أن مسائل الفروع ينبغي أن يكون عند الناس فيها سعة وتأن واحتمال، وألا تضرب بعض الأقوال ببعض.
وهذا يقول: الدعاء لي بالثبات.
أسأل الله لي ولك ولجميع الإخوة والمسلمين جميعاً الثبات والتوفيق، إنه جواد كريم.
الحكمة من تقديم الإناث على الذكور في قوله تعالى (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور)
السؤال: يقول سبحانه: ((لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ))[الشورى:49] لماذا نكَّر الإناث وعرّف الذكور؟
الجواب: أما لماذا قدم الإناث؟ فلنفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية من التيمن بالذكر؛ ولهذا كان بعض الصحابة يقولون: [من يمن المرأة أن تبكر بأنثى]، يعني: أن يكون أول ما تلد أنثى، أما: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ))[الشورى:49] فهذا سؤال وجيه ويحتاج إلى تأمل.
كيفية التعامل في الحوار
السؤال: هل من طريقة في الحوار على من يثور في الحوار وإذا حاورته انقلب وكأنه ليس صديقاً لك؟
الجواب: هذه مشكلة، هذا بسبب عدم اللياقة وعدم الاعتياد، وقد يكون إنسان على خطأ، ومع ذلك يقع عنده الغضب، ومثل هذه الآيات الكريمة التي قرأناها تربي على مثل هذا المعنى: ((رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يقول أبو هريرة رضي الله عنه يقول: [ما تمنيت أن أكون في مسلاخ أحد إلا في مسلاخ جعفر بن أبي طالب ، أتيت إليه يوماً من الأيام وأنا جائع، فذهب بي معه إلى المنزل ودخل المنزل، فلم يجد شيئاً إلا قليلاً من السمن، فجاء به إلي وجلست أنا وإياه نلحس هذا السمن ونأكله] -وجعفر رجل كريم ومن عائلة كريمة مباركة- [وهو يقول:ما كلف الله نفساً فوق طاقتها ولا تجود يد إلا بما تجد].
فالسماحة واليسر في الأخذ والعطاء والتناول والقول والفعل مبدأ مهم.
الفضل الوارد في الأحاديث للآيتين الأخيرتين من سورة البقرة فقط
السؤال: هل الفضل الوارد في الأحاديث لآيتين أو لثلاث؟
الجواب: هو وارد لآيتين في الغالب.
تخريج حديث (أمتي هذه أمة مرحومة) .. بيان فضل سورتي الفاتحة والإخلاص
السؤال: ذكرتم بالأمس أن أفضل سورة هي الإخلاص، وفي صحيح البخاري حديث أبي سعيد : (لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن الكريم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) وذكرتم الليلة حديث: (أمتي هذه أمة مرحومة) وفي مناسبة سابقة أنه في صحيح مسلم ولم نجده فيه؟
الجواب: لا، هو في صحيح مسلم ضمن حديث طويل.
أما السورة فلا شك سورة الفاتحة هي أعظم سورة كما في هذا الحديث الذي ذكرته، والحديث نفسه ذكرناه في السياق، ولكن ورد في سورة.. قلت: إنه لم يرد في سورة الإخلاص لم يرد في فضل سورة في القرآن مثل ما ورد في فضل سورة الإخلاص، من أنها تعدل ثلث القرآن.
وجوب الوفاء بالنذر عند حصول الشيء المنذور لأجله
السؤال: لو قال الرجل: إن آتاني الله ألفي ريال لأتصدق بنصفها، فلما آتاه الله لم يتصدق؟
الجواب: أما إن قال: إن آتاني، فهذا ليس نذراً، أما إن نذر فعليه الوفاء بنذره.
حكم شراء جوال يحتوي على إنترنت
السؤال: ما حكم شراء الجوال المحتوي على إنترنت؟
الجواب: لا بأس بذلك.
حكم جعل كل آية فيها ذكر أسماء الله ورداً يومياً
السؤال: هل صحيح أن هناك قاعدة تقول: أن كل آية فيها الإكثار من ذكر أسماء الله الحسنى كآية الكرسي، وآخر سورة الحشر تصلح لأن تكون ورداً يومياً؟
الجواب: هذا ليس بلازم.
حكم الزيادة في الأذكار على العدد الوارد
السؤال: أيهما أفضل الاكتفاء بعدد ثلاث وثلاثين تكبيرة وتسبيحة أم الزيادة؟
الجواب: يعني: ورد في التسبيحات ثلاث وثلاثون سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ويكملها بمائة، وورد سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمسة وعشرين وخمسة وعشرين، وورد سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر إحدى عشرة فيكون المجموع ثلاث وثلاثين، وورد غير ذلك.. وهذا كله بحسب ما يتيسر للإنسان، وقد يكون الإنسان في شغل.
معنى قوله تعالى (إن الله لا يحب الكافرين)
السؤال: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)في مواطن عدة من القرآن، ولم يقل: إن الله يكره الكافرين؟
الجواب: يعني: لما يقول: (إن الله لا يحب)، هذا متضمن للكره، ولكن فيه إشارة أخرى؛ لأنه لو قال: يكره الكافرين، لم يكن فيه أكثر من معنى، لكن إذا قال: لا يحب الكافرين، ففيه دليل على محبته سبحانه لأضدادهم من أهل الإيمان.
من أسباب كثرة الفتن في آخر الزمان
السؤال: الحكمة في كون الفتن تكثر في آخر الزمان؟
الجواب: لأن الفتن هي من أفعال الناس، والناس في آخر الزمان تقل بركتهم، ويقل إيمانهم، وتكثر أقوالهم وآراؤهم، ويختلفون فتقع الفتن.
حكم تسديد قيمة الإقامة بواسطة الهاتف المصرفي
السؤال: هناك أناس عند الجوازات يقولون: عندما تريد إخراج إقامة عامل أو غيرها نسدد لك قيمة الإقامة في الهاتف المصرفي؟
الجواب: هذه تحتاج إلى تأمل.
عدم التزاوج بين الملائكة وذكر ما خلقوا منه
السؤال: ذكر الله سبحانه الملائكة ونعتقدهم، فهل الملائكة مع كثرتها تتزاوج؟
الجواب: لا، إنما خلقهم الله عز وجل كما ذكر من نور.
معنى (المقحمات) والأقوال في غفران الكبائر بالعبادات كالصلاة والطهارة والحج
السؤال: ما معنى المقحّمات، فهل هي من الكبائر؟
الجواب: المقحّمات تشمل الكبائر.. وغيرها، والعلماء بحثوا كما ذكره ابن رجب ..وغيره، هل مثل الصلاة والطهارة والحج تغفر بها كبائر الذنوب أم صغائرها؟ وفي صحيح مسلم قال: (ما لم تغشَ كبيرة، ما لم تؤتَ كبيرة) فاحتج بهذا من قال: إنه لا يغفر إلا الذنوب الصغيرة، وقال آخرون: تغفر الصغائر والكبائر، وهذا ذكره أيضاً ابن عبد البر .
وتوسط قوم وهو رأي وسط، فقالوا: إن هذا بحسب ما يقوم بحال العبد، يعني: قد يحج الإنسان حجاً يغفر به ذنبه كله صغيره وكبيره، إذا كمل حجه بأركانه وشروطه، وابتعد فيه عن اللغو والرفث والفسوق، وهكذا الصلاة وهكذا الطهارة، وقد يكون حج الإنسان حجاً ضعيفاً لا تغفر به إلا الصغائر.
الحرص على مدارسة العلم ونشره
السؤال: أنا طالب علم وعندي إمكانية لإلقاء دروس علمية، لكن أحياناً يأتي الشيطان بالمثبطات، فما هو الحل؟
الجواب: الحل أن تتدبر، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتبدأ ولو بالشيء اليسير حتى تكون عندك لياقة في الإلقاء.
فضل كفالة اليتيم وكيفية التعامل معه وضرورة الاهتمام به
السؤال: بفضل الله استقبلت أنا وزوجتي يتيماً في بيتنا..؟
الجواب: مبروك والله، هنيئاً لك هذا الفضل: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)..؟
ثم قال: وعمره ما يقارب الشهر، فهل أعمل له عقيقة؟ هل عليّ ذنب إذا كان والده وبعض الأهل لم يستحسنوا هذا العمل؟
الجواب: ليس عليك شيء، ولا تعمل له عقيقة، لكن أكرم هذا اليتيم واحرص على تربيته، وإياك أن توهم هذا اليتيم إن كان مجهول الأبوين أنك أبوه.. اجعله يعلم من فترة مبكرة أنه ليس أنت أبوه ولا زوجتك أمه، حتى لا يصدم بذلك فيما بعد، مع الحرص على حسن تربيته.
حكم من وقع في خطأ على أخيه وظن به سوءاً
السؤال: أنا شخص في الثانوية عندنا شخص في الصف ظن به أحد العلماء بأنه مرائي، وعندما أفهمناه بأن هذا خطأ استجاب لنا، فهل عليه شيء؟
الجواب: عليه أن يستغفر الله، ويستغفر لهذا الإنسان الذي ظن به سوءاً.
تفاوت الفضل بين سورة الفاتحة والإخلاص
السؤال: ألا ترى أن كون الفاتحة هي أم القرآن، وكونها ركناً أو واجباً من واجبات الصلاة أوسع من سورة الإخلاص؟
الجواب: هذا صحيح.
الفرق بين (الرحمن) و(الرحيم)
السؤال: ذكرتم الفرق بين (الرحمن) و(الرحيم)، فهلا وضحتم؟
الجواب: قلنا: بعضهم قال: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وبعضهم قال: رحمن رحمة عامة، ورحيم بالمؤمنين.
والذي اخترناه: أن الرحمن المقصود به هنا الإشارة إلى تعلق الصفة بالمخلوقين، من حيث أثر الرحمة على العباد، وأما الرحيم فالإشارة إلى كون الصفة صفة لله سبحانه وتعالى لازمة.
حكم تفسير القرآن بالرأي
السؤال: هل يدخل الشخص في حكم من يؤول القرآن بغير ما أنزل، إذا قال في تفسير بعض الآيات ما يفهمه منها؟
الجواب: إذا كانت الآيات واضحة، كما قال ابن عباس : [تفسير تعرفه العرب من لغاتها]، فبعض القرآن واضح، وبعضه يعرف بالرجوع إلى كتب التفسير، أما إذا كان فيه لبس فعلى الإنسان ألا يقول في القرآن برأيه.
معنى الإرادة في قوله تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم)
السؤال: ما حكم إرادة الذنب في الحرم؟ هل لكم من تعليق: ((وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ))[الحج:25]؟
الجواب: قد تكون هذه الإرادة داخلة فيما قصدنا، وقد يكون المقصود أنه أراد في الحرم إلحاداً، يعني: إساءة إلى الحرم، وإلا فالأقرب أن الحرم وغيره سواء.
تقويم الجماعات الإسلامية المعاصرة
السؤال: ما رأيك في الجماعات الإسلامية القائمة، وهل هي على خير؟
الجواب: نعم، نقول: ينبغي أن تكون الجماعات الإسلامية التي هي في الجملة على السنة أن تكون على خير، ولا يلزم من ذلك كمالها، وينبغي أن يحسن الظن بهم ويدعى لهم، ويصحح ما يوجد عندهم من خطأ، ويستغفر لهم، وهذا مما يجتمع عليه شمل الأمة، بدلاً من أن يتحولوا إلى شيع وأحزاب وطوائف.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
ثم وجدت الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله قد أشار إلى هذا المعنى، وهذا زاد من قيمة هذا الكتاب عندي، فأنا كثيراً ما أوصي به الطلبة، وأقول: إن كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي من أفضل كتب التفسير؛ لأنه مختصر، وفيه معان لطيفة وإن كانت مجملة، لكن إذا تدبره الإنسان وجد فيه زبدة ما في كتب التفسير.
معنى قوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا)
ثم قال سبحانه: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] فانتقل السياق إلى صيغة الدعاء، وهنا لم يقل: وقالوا: ربنا لا تؤاخذنا، وهذا اصطلاح جارٍ في القرآن الكريم، كما في قوله سبحانه مثلاً في سورة آل عمران: ((وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا))[آل عمران:191] يعني: وقالوا: ربنا، أو ويقولون: ربنا، فهنا قال: ((رَبَّنَا)) يعني: يقول المؤمنون: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286]، وفي الصحيحين: (يقول الله تعالى: قد فعلت)، وفي الحديث الذي رواه أهل السنن من طرق كثيرة ومجموع طرقه تدل على أن للحديث أصلاً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) ، فهنا قال: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] والمؤاخذة هي العقوبة، والأخذ كما قال: ((وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ))[هود:102] ((وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ))[فاطر:45] فهنا قالوا: ((لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] يعني: لا تعاقبنا، وهذا يقتضي الدعاء، بألا يعاقبهم الله تعالى في الدنيا ولا في الآخرة.
فأما في الدنيا فإن الله تعالى قد يعاقب الإنسان، مثلما قلنا في قصة عائشة ، وأيضاً حديث أبي بكر وهو في الصحيح: ((مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ))[النساء:123] قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألست تحزن؟ ألست تنصب؟ أليس يصيبك اللأواء)، يعني: الإنسان قد يخفف عنه بعض ذنبه، بما يبتلى به في الدنيا، حتى الشوكة يشاكها، ولكن لا يؤاخذ المسلمون ولا يستأصلون استئصالاً، وقد قال سبحانه: (قد فعلت)، فيؤخذ من فائدة هذه الآية: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286] أن الله تعالى لا يستأصل هذه الأمة، ولا يقضي عليها، ولا يبيدها، وإنما تظل هذه الأمة قائمة موجودة إلى أن يشاء الله تعالى، ولا ينزل عليها هلاك عام، وكذلك في الآخرة فإن الله تعالى قد وضع عنهم الآصار والأغلال.
معنى النسيان وأقسامه في قوله تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا)
قال: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا))[البقرة:286] النسيان نوعان: النوع الأول: النسيان الذي هو أن يعزب الشيء عن الذهن، نسي الشيء يعني: ما تذكره، فهذا أصلاً ليس محلاً للمؤاخذة، وليس داخلاً -والله أعلم- في الدعاء، كون الإنسان نسي في الصلاة سها، هذا لا يؤاخذ عليه أصلاً ولا يعاتب عليه، ولا يعاقب عليه في الآخرة.
وإنما المقصود هنا بالدعاء النوع الثاني من النسيان، الذي هو غفلة القلب، وفعل الإنسان شيء بالتعمد، كما قال الله سبحانه وتعالى: ((وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا))[طه:115] مع أن فعل آدم كان عمداً الأكل من الشجرة، ليس على سبيل النسيان المطلق، وهكذا نقول: إن العبد إذا وقع في المعصية هذا شيء من النسيان، نوع من النسيان؛ ولهذا كان ابن عباس يقول: [إن العبد إذا زنى نزع الإيمان من قلبه حتى يكون فوق رأسه كالظلة ، فإذا تاب رجع إليه] ليس معنى ذلك أن الزاني يكفر، لا، ولا شارب الخمر يكفر، لا، وإنما المقصود أن الإنسان أثناء مقارفة الذنب يكون الإيمان ضعيفاً ومتأخراً، وإلا لو استحضر رقابة الله عليه، كما يستحضر أن والده يشاهده، أو أحداً من الناس يشاهده لأقلع وكف، فهذا معنى النسيان.
بيان الخطأ وأنواعه
وكذلك قوله: ((أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286] فالخطأ نوعان:
النوع الأول: الخطأ الذي يفعله الإنسان بغير تعمد، يعني: فعل شيئاً عن غير قصد، هذا لا يؤاخذ به الإنسان عند الله، وإن كان قد يؤاخذ به في الدنيا، كما في قتل الخطأ، ويلزمه تبعته في الدنيا، ولكن لا يؤاخذ به في الآخرة، وإنما المقصود بالخطأ الذي يدعو الإنسان ربه ألا يؤاخذه به هو تعمد فعل الخطأ، فالمعصية خطأ: (وكل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وقد تسمى خطيئة أيضاً.
فهنا قوله: ((أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286] يعني: ارتكبنا خطأً أو ارتكبنا خطيئة بالتعمد، فيسأل العبد ربه ألا يؤاخذه على ذلك، مع أن الآية من الأدلة على أن النسيان والخطأ لا يؤاخذ بهما العبد، الذي هو نسيان شيء مثلاً في أمر الصلاة أو غيرها، على سبيل عزوبه عن الذهن.
وضع الآصار والأغلال عن هذه الأمة والنهي عن تحمل الآصار والأغلال
قال: ((رَبَّنَا))[البقرة:286] وهذه ثانية: ((وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا))[البقرة:286]، ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا))[البقرة:286]، ((رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))[البقرة:286].
والحمل هنا معنوي، كأنه يحمل على ظهره؛ ولذلك نقول: إن الإصر قد يكون هو العهد والعقد والموثق الذي يثقل على الإنسان، كما قال الله عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ))[الأعراف:157] يعني: في الأمم السابقة، فهذه الأمة يدعونا الله تعالى: ألا يحمل عليهم إصراً من العهود والمواثيق، وقد قال الله: قد فعلت، ولكن الإنسان أحياناً قد يحمّل نفسه من الآصار والأغلال ما لم يحمله الله تعالى فيبوء بها، ومن ذلك -مثلاً- كون الإنسان يلتزم بعهد وميثاق ليس ملزماً له شرعاً، لا داعي لذلك؛ لأنه قد يعجز عنه، وقد قال الله سبحانه وتعالى: ((وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ))[التوبة:75-76].
وقال سبحانه: ((وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ))[النور:53] يعني: الزموا طاعة معروفة، فلا داعي أن الإنسان يلزم نفسه أحياناً بعهود ومواثيق لا يقدر عليها.
ومن ذلك أيضاً: موضوع النذر، كثير من الناس إذا عجز عن ترك معصية، أو عجز عن فعل طاعة والمحافظة عليها جعل على نفسه نذراً، إن عاد إلى التدخين، أو إلى فعل العادة السيئة.. أو إلى شيء من هذا، أن يكون عليه صيام شهر أو نفقة أو صدقة، هذا أيضاً مذموم؛ ولهذا السلف كانوا يكرهون النذر، ومنهم من قال: إنه محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر.
فكون الإنسان ينذر على نفسه شيئاً، إن فعل كذا أو ترك كذا، هذا أيضاً مذموم، وعلى الإنسان أن يجتهد في فعل الطاعة وترك المعصية، دون أن يتقحم مثل هذه الهلكات والدركات التي ربما يعجز عن تحملها وتفضي به أمور عظام، وعليه أن يستعين بالله، وأن يحمّل نفسه ما تطيق، ولا يحملها ما لا تطيق؛ ولهذا جاء مناسباً هنا أن يقول: ((وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))[البقرة:286]، فأيضاً لا تحمل على نفسك إصراً لم يحملك الله تعالى، وحاول أن تسوس وتقود نفسك قيادة حكيمة.
إذاً: من معاني الأصر العهد والميثاق والنذر والإلزام.
ومن معاني الإصر أيضاً: التكليف، وقد كلف الله تعالى الأمم السابقة بأشياء عظيمة، مثلاً: بنو إسرائيل قال لهم موسى : ((فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ))[البقرة:54] فكان من توبتهم أن يقتل بعضهم بعضاً، حتى ورد أنه قَتَل منهم في مقام واحد سبعين ألفاً.
وكذلك حديث أبي موسى : (أنه كان إذا أصاب ثوب أحدهم البول قرضوه بالمقاريض)، فكان هذا من التشديد ((كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ))[آل عمران:93] كذلك حرم عليهم أشياء، كما قال سبحانه: ((فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ))[النساء:160] فوضع الله الآصار والأغلال عن هذه الأمة، وجاء بالشريعة السمحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بعثت بالحنيفية السمحة) وهو عند أحمد و البخاري في الأدب ، فجاءت الشريعة سمحة فيها تسهيل، وهذا فيه نصوص عظيمة جداً، مثل هذه الآية الكريمة، ومثل قوله سبحانه: ((هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ))[الحج:78] ومثل ما نجده في تقريرات أهل العلم وتوسعوا فيه، من أن المشقة تجلب التيسير، وأنه إذا ضاق الأمر اتسع، وأنه لا تكليف إلا بما يطاق.
فهذه الشريعة شريعة جعلها الله تعالى للناس كلهم، ليست الشريعة لأهل مكة ، ولا لأهل المدينة ، ولا لأهل نجد ، ولا لأهل السعودية ، ولا لأهل الجزيرة و الخليج ، وإنما شريعة للعالمين رحمة للعالمين، شريعة للشعوب والأجناس والأمم، على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وثقافاتهم وطبقاتهم وعاداتهم وأمورهم؛ ولهذا جاء فيها التيسير، وجاء فيها الرحمة، وجاء فيها السعة، فهنا قال سبحانه: ((وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا))[البقرة:286] وقال: قد فعلت، وضع الله الآصار عن هذه الأمة، وجعل فيها القواعد الكلية العامة التي تطبق في كل زمان ومكان بحسب ما يناسبها: ((كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا))[البقرة:286].
دعاء الله عز وجل من تحمل ما لا يطاق
قال: ((رَبَّنَا))[البقرة:286] أيضاً هذا دعاء للمرة الثالثة فيه تكرار كلمة (رَبَّنَا) ((وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286]?، وهذا قد يبدو فيه تكرار.
والواقع أن هذا أعم من الأول، وهو ختام هذه الدعوات الثلاث، فإن قوله: ((مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يشمل عدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به من التعبدات، التي لا يطيقونها ولا يقدرون عليها.
ويشمل عدم تحميلهم ما لا طاقة لهم به من المشقات الفطرية، التي يصعب عليهم تجاوزها، ولهذا قال بعض السلف: من ذلك المحبة، وهذا مشاهد، يعني: أن بعض الناس يبتلى بالحب في قلبه، العشق، التوله فيقع في غرام فتى أو فتاة، ويصبح هذا الحب مسيطراً عليه كما نجد -مثلاً- في قصص التاريخ، من مثل قيس و ليلى و لبنى و عروة .. وغيرهم من العشاق، وما يسمون بالعشاق العذريين في شعر العرب، وفي شعر غير العرب، وأمم الأرض كلها، فإن الحب أحياناً سلطان قد يسيطر على قلب الإنسان، حتى يتدله الإنسان ويتوله، وأذكر أن شاباً أتاني قبل سنوات وهو يشتكي من حب لم يفضِ إلى فعل الفاحشة والحرام والشذوذ، ولكنه تعلق حتى إني لا زلت إلى هذه اللحظة أتذكر وجه ذلك الفتى، وكيف أنه مصفر كالورقة الذابلة من شدة الحمل الذي عليه، مع أن هذا الحب شيء ليس له جرم يلمس ولا يشاهد، ولهذا بعض الناس الذين ليس عندهم معرفة بأحوال البشر قد يسخر من هذا الكلام، أو يستهزئ به، أو يضحك حينما يسمعه، لكن هنا نقول: ((رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286]، وقد كان الشاعر يقول:
وحملت زفرات الضحى فأطقتها وما لي بزفرات العشي يدان
جعلت لعراف اليمامة أجره وعراف نجد منهما شفيان
فما تركا من رقية يعلمانها ولا شربة إلا وقد سقياني
فقالا شفاك الله والله ما لنا بما ضمنت منك الضلوع يدان
وحينما ترى أو تقرأ شيئاً من ذلك تجد؛ ولهذا سبحان الله في قوله سبحانه: ((وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا))[النساء:28] قال بعض السلف: ضعيفاً أمام النساء، وقد تجد الإنسان ملكاً عظيماً، أو قائد جيش هائل تجندل الرءوس أمامه، ثم يقع في حب أو هوى، فتجده ذليلاً مستسلماً.
فهذا من معنى قوله: ((وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286].
ومن ذلك أيضاً: تحميل الإنسان بعض التبعات، كما ذكرنا في الخواطر التي تهجم على القلب والنفس، فإذا قرأ هذا وعلم أن الله تعالى يقول: (قد فعلت)، عرف أن كل ما لا طاقة للإنسان به فهو لا يحمل ولا يحاسب عليه ، ومن ذلك أيضاً قوله: ((وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يعني: من عذاب الآخرة، فهو داخل في هذه الآية، فهو عذاب شديد كما قال سبحانه: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا))[الفرقان:65] فمن ذلك هذا كله.
وقوله: ((مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] لا يعني أنه لا يستطيع أن يحمله ألبتة، فهو قد يحمله بمشقة وصعوبة، ولهذا الناس يقولون أحياناً: فلان أنا ما أطيق أنظر وجهه، وهو لا يقصد أنه لا يستطيع ولا يقدر، لكن يقصد أنه يبغضه، حتى إنه لا يتحمل ذلك أو يشق عليه، فقوله: ((مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يعني: ما به علينا مشقة عظيمة، ولهذا نقول: من دلالات هذه الآية أيضاً أن الأمور التي يكون فيها مشقة عظيمة على الناس، مرفوعة في الشريعة، وفيها تخفيف.
دعاء الله تعالى بالعفو والمغفرة والرحمة
ثم قال في بقية الدعاء: ((وَاعْفُ عَنَّا))[البقرة:286] ولاحظ هنا أنه ذكر ربنا ثلاث مرات، والعادة أن العلماء يقولون: إن تكرار الأمر إلى الثلاث فاضل، ولا يحسن الزيادة عليه، وهكذا هنا فقال: ربنا، ربنا، ربنا، ثم ذكر بقية الدعاء دون ذكر هذا الاسم الشريف قال: ((وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا))[البقرة:286] فطلبوا وسألوا العفو، والعفو: هو المسامحة عن الذنب.
((وَاغْفِرْ لَنَا))[البقرة:286] والغفر بمعناه، ولكن أصل الغفر: هو الستر، ومنه المغفر وهو الذي يوضع على الرأس في الحرب، وغفر الشيء يعني: ستره، ففيه طلب الستر هنا، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه وهو في البخاري : (إن الله تعالى يدني عبده المؤمن يوم القيامة، حتى يضع عليه كنفه، ثم يقول له: يا عبدي أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ يقرره بذنوبه، حتى إذا قرره ورأى أنه قد هلك، قال: يا رب! اغفرها لي، قال الله تعالى: أنا سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)، فكان من إجابة الله تعالى لهذا الدعاء بالغفر أن يستر الله عباده في الدنيا، ولو أن الله تعالى فضح الناس بأمورهم، من يبقى منا في هذا المكان؟ على الأقل أيام الشباب والمراهقة والصبا، وأمور اختارها الإنسان، وأمور لم يخترها، وأمور لم يعها -لم يعقلها- ..وعادات وأشياء كثيرة جداً، ولكن فضله سبحانه وستره أُضْفِي وأُرْخِي علينا جميعاً، فله الحمد وله الشكر وله النعمة، وله الثناء الحسن، ونسأل أن يتم علينا نعمته بالعفو والعافية والستر في الدنيا والآخرة.
قال: ((وَارْحَمْنَا))[البقرة:286] ولاحظ بعدما قال: ((وَاعْفُ عَنَّا))[البقرة:286] قد يكون العفو عن ذنوب الإنسان المصر عليها، ومع ذلك الله يعفو عنه، ثم قال: ((وَاغْفِرْ لَنَا))[البقرة:286] قد يكون هذا لذنب استغفر العبد منه فغفر الله له، ثم قال: ((وَارْحَمْنَا))[البقرة:286] يعني: هذه زيادة، أعطنا رحمة وفضلاً منك سبحانك.
ولهذا يعني بعضهم يتوسع في هذا الجانب، مثلما يقول القائل:
فكثّر ما استطعت من الخطايا إذا كان القدوم على كريم
وهذا غلط؛ لأنه لا ينبغي أن يغتر الإنسان في هذا الجانب، والذنوب قد تجتمع على الرجل حتى تهلكه، وقد يختم له والعياذ بالله بسوء، وقد تكون سبباً في وقوع الإنسان في الخروج من الإيمان إذا أصر عليها.
ولهذا الله سبحانه وتعالى قال: ((وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ))[آل عمران:135]، فالمؤمن عنده ميزان، لا يسرف في تقحم المعاصي والذنوب والاستهانة بها، اعتماداً على رحمة الله، ولا يسرف أيضاً في تيئيس نفسه، وتيئيس الناس من الرحمة، بناء على تعظيم بعض الذنوب التي ربما يبتلى بها العبد.
المقصود بالمولى وذكر معانيه وطلب النصرة على الكافرين
ثم ختم الدعاء بقوله: ((أَنْتَ مَوْلانَا))[البقرة:286]، والمولى له معان عظيمة تزيد على ثلاثين معنى، من معانيه: السيد، ومن معانيه: الوالي، ومن معانيه: النصير.. وكل ذلك صحيح، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في معركة بدر يقول: (الله مولانا ولا مولى لكم)، ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ))[محمد:11] وكان قوله: ((أَنْتَ مَوْلانَا))[البقرة:286] تمهيداً لقوله: ((فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))[البقرة:286].
ففيه دعاء بالنصرة، ولاحظ أن الآيات السابقة كلها تتعلق بأمر الأمة، وعلمها، ومعرفتها، ودينها، وعقيدتها، ودعائها، وعبادتها، وفي الختام الله تعالى ذكر السور التي تحفظ به هذه الأمة وهو قوله: ((أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))[البقرة:286] الذين رفضوا الإيمان وأصروا على الكفر، بل وحاربوا المؤمنين وأخرجوهم من ديارهم، وظاهروا على إخراجهم، فدعا المسلمون ربهم أن ينصرهم عليهم، وكان هذا كما قلنا في المدينة ، بعدما قامت الدولة، وقامت سوق الجهاد، فكان هذا الدعاء مناسباً للمقام.
علاقة الآيات الأخيرة من سورة البقرة بأول السورة
وتلاحظ أن سياق هذه الآيات متصل مع أول سورة البقرة، ففي أولها ذكر الله تعالى المتقين ((الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ))[البقرة:3].. إلى آخر الآيات، وذكر المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وكانوا موجودين في المدينة ، فهنا الله تعالى عقّب على معنى قريب، فذكر المؤمنين وإيمانهم بالله، وما أنزل للرسول صلى الله عليه وسلم من ربه، والإيمان بالملائكة والكتب.. إلى غير ذلك، وذكر أيضاً: ((وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ))[البقرة:284] إشارة إلى وجود المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وكان الأمر في ذلك وعيداً عليهم.
وهكذا تجد أن أول السورة وآخرها قد انتظمت في سلك واحد، وفي مثل هذه الآيات وغيرها مزيد من الإعجاز، ومزيد من الأسرار لمن تدبر وتأمل.
نسأل الله تعالى في خاتمة هذا المجلس المبارك ونقول: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ))[البقرة:286].
حكم التلفظ بالتلبية عند الإحرام بالعمرة
السؤال: أحرم من أحرم من بيته ثم ذهب إلى العمرة، ونسي أن يتلفظ بالنية عند محاذاة الطائرة؟
الجواب: التلفظ بالنية سنة، ما دام نوى هذا يكفي.
الحرص على أداء العمل بأمانة مع الحضور في الوقت المحدد
السؤال: أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية، وتوجد هناك ورقة توقيع الحضور والانصراف يكتب فيها كالمعتاد وكنظام الحضور، بعض الموظفين يحضر متأخراً -مثلاً- (7:45) ويكتب (7:30)؟
الجواب: على الإنسان أن يجتهد في الحضور في الوقت المحدد، ويجتهد أكثر في أداء العمل؛ لأن الحضور ليس مقصوداً لذاته، وإنما مقصود لإنجاز العمل.
وهذه إذا كانت لا تضر المراجعين أبداً، وكان مسئولك فيها على اطلاع، واضطر إليها الإنسان على ألا تكون عادة.
الموقف من الشائعات عن مكونات (البيبسي كولا) في كونها من أجزاء الخنزير
السؤال: هل ما ورد أن (البيبسي كولا) مصنوعة من أمعاء الخنزير؟
الجواب: مثل هذه الأشياء تقال وتنشر في الصحف، لكن على الإنسان ألا يبني عليها أي حكم أو اعتبار.
طرق معالجة الكوابيس والأحلام المزعجة
السؤال: تعاني زوجتي من كوابيس وأحلام مزعجة، وكذلك يخيل إليها وهي مستيقظة أحياناً، وذلك بعد خروجي من المنزل للدوام؟
الجواب: عليكم بقراءة القرآن، يمكن يكون القرآن في المنزل بشكل مستمر، وأيضاً عليك أن تكون أنت لطيفاً مع زوجتك، وأوصي بأنه يمكن أن تكون هناك مراجعة لطبيب نفسي، قد تكون زوجتك عندها مثلاً غربة عن الأهل، لم تتكيف مع البيت.. إلى غير ذلك.
حكم العمل التسويقي مع شركة أمريكية
السؤال: معروض عليّ عمل تسويقي لشركة أمريكية ومتردد في ذلك؟
الجواب: هذا يعتمد على نوع النشاط والبضاعة التي تروجها هذه الشركة.
بعض الكتب المختارة من أصول الفقه
السؤال: أفضل كتاب في أصول الفقه؟
الجواب: والله الكتب كثيرة جداً يوجد كتاب علم أصول الفقه لـعبد الوهاب خلاف ، ويوجد الواضح في أصول الفقه للأشقر، ويوجد الوجيز في أصول الفقه لـعبد الكريم زيدان كلها طيبة.
كيفية التعود على قيام الليل
السؤال: كيف التعود على قيام الليل؟
الجواب: أن تقوم ولو شيئاً يسيراً قبل أن تنام، تصلي ما كتب لك حتى تصبح عادة.
معنى قوله (ذلت ألسنتهم بالقراءة)
السؤال: ما المقصود بقولك: ذلت ألسنتهم بالقراءة؟
الجواب: (ذلت) هذا حديث أبي هريرة يعني: اعتادت عليه وذهب التردد عنها.
تقويم الشيخ لتفسير ظلال القرآن لسيد قطب
السؤال: ما رأيك في تفسير سيد قطب في ظلال القرآن ؟
الجواب: والله تفسير عظيم ومفيد جداً، وأنا أقرؤه في مثل هذه الدروس، وحقيقة إن من أجمل إيجابيات هذا التفسير أنه يعطي المعنى المباشر، يعني: كثيراً ما تقرأ في كتب التفسير فتجد أنك تجد إعراباً، أو تجد بلاغة، أو تجد جدلاً، أو تجد خلافاً، في كثير من الأحيان يقول لي قلبي: ابحث عن كتاب تفسير يقدم لك المعنى الذي يريد الله أن يصل إلى قلبك وإلى عقلك، هذا هو المقصد الأعظم من القرآن الكريم.
وأعتقد أن تفسير الظلال يساعد على هذا مساعدة كثيرة، وإن كان تفسير ليس عميقاً في النواحي العلمية والمعرفية البحتة، وإن كان تقع فيه بعض الاجتهادات التي لا يوافق عليها رحمه الله، فالثناء على الكتاب لا يعني الثناء المطلق .
وقت قراءة الآيات الأخيرة من سورة البقرة
السؤال: هذه الآيات هل لو قرأها بعد العصر ليس من المساء؟
الجواب: المساء يكون بعد الزوال، ولكن هي في الليل، ورد: (من قرأ خواتيم سورة البقرة في ليلة كفتاه).
حكم قراءة (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ..) بعد الفاتحة في الصلاة
السؤال: ما حكم قراءة الآية في الصلاة مبتدئاً بعد قراءة الفاتحة: ((رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا))[البقرة:286] إلى آخره؟
الجواب: لا بأس بذلك.
المتون المختارة للحفظ في الصغر .. حكم تكفير الرافضة
السؤال: نريد رأيك في تكفير الرافضة ؟ وما هي المتون التي تحفظ في الصغر؟
الجواب: المتون كثيرة جداً، ويمكن للإنسان يحفظ في كل علم متناً كمتن الأجرومية في النحو، والورقات في أصول الفقه.. وهكذا.
أما بالنسبة للشيعة أو الرافضة كما سماهم فلا شك أنه ينبغي أن يكون هناك تأن؛ لأنهم طوائف كبيرة وكثيرة جداً، وبينهم خلافات، حتى إن منهم من يكفّر بعضهم بعضاً، ومنهم من يكون عنده غلو، ومنهم من هو دون ذلك؛ ولهذا ينبغي أن يكون التكفير متصلاً بالوصف، فنقول مثلاً: من كان منهم أو من غيرهم يقول مثلاً: بأن القرآن محرف، أو يكفّر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أو يقول: إن جبريل خان الأمانة، أو يرمي أم المؤمنين عائشة بالفاحشة.. فهو كافر أياً كان، ومن كان لا يقول ذلك، ولكن يقع عنده تفضيل مثلاً علي على عثمان ، أو حتى تفضيل علي على الشيخين، أو الوقوع في بعض الصحابة، فهذا عنده خلل في عقيدته، وينبغي أن يصحح ويناصح، وعنده انحراف، ولكنه لا يكفر بذلك.
حكم قراءة أذكار الصباح والمساء بين الأذان والإقامة
السؤال: هل يصح قراءة أذكار الصباح والمساء بين الأذان والإقامة؟
الجواب: نعم، لا بأس.
حكم الصلاة في المسجد الذي في آخره قبر
السؤال: حكم الصلاة في مسجد في مؤخرته قبر؟
الجواب: يقول بعض أهل العلم: إن كان المسجد أولاً فالمسجد هو الأصل والقبر طارئ، وينبغي السعي في إزالته، وإن وجد غيره فلا يصلي فيه، وإن لم يجد إلا هو صلى فيه ولا يترك الجماعة.
الحقيقة الأسئلة كثيرة جداً مثل: بر الولدين، أو قيام الليل، نسيان الحفظ.. يعني كل سؤال يحتاج إلى محاضرة خاصة.
أثر السيئات اللاحقة على الحسنات السابقة
السؤال: ((إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ))[هود:114] هل السيئات يذهبن الحسنات؟
الجواب: لم يرد هذا، بل الله تعالى لا يضيع عمل عامل، وقد جاء في حديث: (إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) وهذا الحديث عندي فيه نظر في إسناده، وإن صح فهو يؤول بضرب من التأويل، مثل حديث: (الرجل المفلس الذي يأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا..) .. إلى آخر الحديث .
الاجتهاد في طلب الرزق الحلال
السؤال: أصبح تخير الحلال صعباً، فكيف أعرف بأن الأكل الذي آكله حلال؟
الجواب: يعني: اجتهد وسعك، ولا تألو، ولا توسوس.
حكم التصوير بالفيديو للذكرى
السؤال: ما حكم تصوير الرحلات البرية بالفيديو للذكرى؟
الجواب: يمكن السائل يعرف أنه لي رأي، ولكن أنا سمعت الشيخ عبد العزيز أمس يجيب قبل صلاة العشاء بجواب، وأكره أن يكون في مثل هذا المجلس ومثل هذه الدروس نوع من الاختلاف والمناكفة، وهذا يقول بقول وهذا يقول، بقول آخر، ولكني أقرر دائماً للإخوة كما قررنا أمس وقبله ودائماً، أن مسائل الفروع ينبغي أن يكون عند الناس فيها سعة وتأن واحتمال، وألا تضرب بعض الأقوال ببعض.
وهذا يقول: الدعاء لي بالثبات.
أسأل الله لي ولك ولجميع الإخوة والمسلمين جميعاً الثبات والتوفيق، إنه جواد كريم.
الحكمة من تقديم الإناث على الذكور في قوله تعالى (يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور)
السؤال: يقول سبحانه: ((لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ))[الشورى:49] لماذا نكَّر الإناث وعرّف الذكور؟
الجواب: أما لماذا قدم الإناث؟ فلنفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية من التيمن بالذكر؛ ولهذا كان بعض الصحابة يقولون: [من يمن المرأة أن تبكر بأنثى]، يعني: أن يكون أول ما تلد أنثى، أما: ((يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ))[الشورى:49] فهذا سؤال وجيه ويحتاج إلى تأمل.
كيفية التعامل في الحوار
السؤال: هل من طريقة في الحوار على من يثور في الحوار وإذا حاورته انقلب وكأنه ليس صديقاً لك؟
الجواب: هذه مشكلة، هذا بسبب عدم اللياقة وعدم الاعتياد، وقد يكون إنسان على خطأ، ومع ذلك يقع عنده الغضب، ومثل هذه الآيات الكريمة التي قرأناها تربي على مثل هذا المعنى: ((رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ))[البقرة:286] يقول أبو هريرة رضي الله عنه يقول: [ما تمنيت أن أكون في مسلاخ أحد إلا في مسلاخ جعفر بن أبي طالب ، أتيت إليه يوماً من الأيام وأنا جائع، فذهب بي معه إلى المنزل ودخل المنزل، فلم يجد شيئاً إلا قليلاً من السمن، فجاء به إلي وجلست أنا وإياه نلحس هذا السمن ونأكله] -وجعفر رجل كريم ومن عائلة كريمة مباركة- [وهو يقول:ما كلف الله نفساً فوق طاقتها ولا تجود يد إلا بما تجد].
فالسماحة واليسر في الأخذ والعطاء والتناول والقول والفعل مبدأ مهم.
الفضل الوارد في الأحاديث للآيتين الأخيرتين من سورة البقرة فقط
السؤال: هل الفضل الوارد في الأحاديث لآيتين أو لثلاث؟
الجواب: هو وارد لآيتين في الغالب.
تخريج حديث (أمتي هذه أمة مرحومة) .. بيان فضل سورتي الفاتحة والإخلاص
السؤال: ذكرتم بالأمس أن أفضل سورة هي الإخلاص، وفي صحيح البخاري حديث أبي سعيد : (لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن الكريم: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) وذكرتم الليلة حديث: (أمتي هذه أمة مرحومة) وفي مناسبة سابقة أنه في صحيح مسلم ولم نجده فيه؟
الجواب: لا، هو في صحيح مسلم ضمن حديث طويل.
أما السورة فلا شك سورة الفاتحة هي أعظم سورة كما في هذا الحديث الذي ذكرته، والحديث نفسه ذكرناه في السياق، ولكن ورد في سورة.. قلت: إنه لم يرد في سورة الإخلاص لم يرد في فضل سورة في القرآن مثل ما ورد في فضل سورة الإخلاص، من أنها تعدل ثلث القرآن.
وجوب الوفاء بالنذر عند حصول الشيء المنذور لأجله
السؤال: لو قال الرجل: إن آتاني الله ألفي ريال لأتصدق بنصفها، فلما آتاه الله لم يتصدق؟
الجواب: أما إن قال: إن آتاني، فهذا ليس نذراً، أما إن نذر فعليه الوفاء بنذره.
حكم شراء جوال يحتوي على إنترنت
السؤال: ما حكم شراء الجوال المحتوي على إنترنت؟
الجواب: لا بأس بذلك.
حكم جعل كل آية فيها ذكر أسماء الله ورداً يومياً
السؤال: هل صحيح أن هناك قاعدة تقول: أن كل آية فيها الإكثار من ذكر أسماء الله الحسنى كآية الكرسي، وآخر سورة الحشر تصلح لأن تكون ورداً يومياً؟
الجواب: هذا ليس بلازم.
حكم الزيادة في الأذكار على العدد الوارد
السؤال: أيهما أفضل الاكتفاء بعدد ثلاث وثلاثين تكبيرة وتسبيحة أم الزيادة؟
الجواب: يعني: ورد في التسبيحات ثلاث وثلاثون سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ويكملها بمائة، وورد سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمسة وعشرين وخمسة وعشرين، وورد سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر إحدى عشرة فيكون المجموع ثلاث وثلاثين، وورد غير ذلك.. وهذا كله بحسب ما يتيسر للإنسان، وقد يكون الإنسان في شغل.
معنى قوله تعالى (إن الله لا يحب الكافرين)
السؤال: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)في مواطن عدة من القرآن، ولم يقل: إن الله يكره الكافرين؟
الجواب: يعني: لما يقول: (إن الله لا يحب)، هذا متضمن للكره، ولكن فيه إشارة أخرى؛ لأنه لو قال: يكره الكافرين، لم يكن فيه أكثر من معنى، لكن إذا قال: لا يحب الكافرين، ففيه دليل على محبته سبحانه لأضدادهم من أهل الإيمان.
من أسباب كثرة الفتن في آخر الزمان
السؤال: الحكمة في كون الفتن تكثر في آخر الزمان؟
الجواب: لأن الفتن هي من أفعال الناس، والناس في آخر الزمان تقل بركتهم، ويقل إيمانهم، وتكثر أقوالهم وآراؤهم، ويختلفون فتقع الفتن.
حكم تسديد قيمة الإقامة بواسطة الهاتف المصرفي
السؤال: هناك أناس عند الجوازات يقولون: عندما تريد إخراج إقامة عامل أو غيرها نسدد لك قيمة الإقامة في الهاتف المصرفي؟
الجواب: هذه تحتاج إلى تأمل.
عدم التزاوج بين الملائكة وذكر ما خلقوا منه
السؤال: ذكر الله سبحانه الملائكة ونعتقدهم، فهل الملائكة مع كثرتها تتزاوج؟
الجواب: لا، إنما خلقهم الله عز وجل كما ذكر من نور.
معنى (المقحمات) والأقوال في غفران الكبائر بالعبادات كالصلاة والطهارة والحج
السؤال: ما معنى المقحّمات، فهل هي من الكبائر؟
الجواب: المقحّمات تشمل الكبائر.. وغيرها، والعلماء بحثوا كما ذكره ابن رجب ..وغيره، هل مثل الصلاة والطهارة والحج تغفر بها كبائر الذنوب أم صغائرها؟ وفي صحيح مسلم قال: (ما لم تغشَ كبيرة، ما لم تؤتَ كبيرة) فاحتج بهذا من قال: إنه لا يغفر إلا الذنوب الصغيرة، وقال آخرون: تغفر الصغائر والكبائر، وهذا ذكره أيضاً ابن عبد البر .
وتوسط قوم وهو رأي وسط، فقالوا: إن هذا بحسب ما يقوم بحال العبد، يعني: قد يحج الإنسان حجاً يغفر به ذنبه كله صغيره وكبيره، إذا كمل حجه بأركانه وشروطه، وابتعد فيه عن اللغو والرفث والفسوق، وهكذا الصلاة وهكذا الطهارة، وقد يكون حج الإنسان حجاً ضعيفاً لا تغفر به إلا الصغائر.
الحرص على مدارسة العلم ونشره
السؤال: أنا طالب علم وعندي إمكانية لإلقاء دروس علمية، لكن أحياناً يأتي الشيطان بالمثبطات، فما هو الحل؟
الجواب: الحل أن تتدبر، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وتبدأ ولو بالشيء اليسير حتى تكون عندك لياقة في الإلقاء.
فضل كفالة اليتيم وكيفية التعامل معه وضرورة الاهتمام به
السؤال: بفضل الله استقبلت أنا وزوجتي يتيماً في بيتنا..؟
الجواب: مبروك والله، هنيئاً لك هذا الفضل: (أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا)..؟
ثم قال: وعمره ما يقارب الشهر، فهل أعمل له عقيقة؟ هل عليّ ذنب إذا كان والده وبعض الأهل لم يستحسنوا هذا العمل؟
الجواب: ليس عليك شيء، ولا تعمل له عقيقة، لكن أكرم هذا اليتيم واحرص على تربيته، وإياك أن توهم هذا اليتيم إن كان مجهول الأبوين أنك أبوه.. اجعله يعلم من فترة مبكرة أنه ليس أنت أبوه ولا زوجتك أمه، حتى لا يصدم بذلك فيما بعد، مع الحرص على حسن تربيته.
حكم من وقع في خطأ على أخيه وظن به سوءاً
السؤال: أنا شخص في الثانوية عندنا شخص في الصف ظن به أحد العلماء بأنه مرائي، وعندما أفهمناه بأن هذا خطأ استجاب لنا، فهل عليه شيء؟
الجواب: عليه أن يستغفر الله، ويستغفر لهذا الإنسان الذي ظن به سوءاً.
تفاوت الفضل بين سورة الفاتحة والإخلاص
السؤال: ألا ترى أن كون الفاتحة هي أم القرآن، وكونها ركناً أو واجباً من واجبات الصلاة أوسع من سورة الإخلاص؟
الجواب: هذا صحيح.
الفرق بين (الرحمن) و(الرحيم)
السؤال: ذكرتم الفرق بين (الرحمن) و(الرحيم)، فهلا وضحتم؟
الجواب: قلنا: بعضهم قال: رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وبعضهم قال: رحمن رحمة عامة، ورحيم بالمؤمنين.
والذي اخترناه: أن الرحمن المقصود به هنا الإشارة إلى تعلق الصفة بالمخلوقين، من حيث أثر الرحمة على العباد، وأما الرحيم فالإشارة إلى كون الصفة صفة لله سبحانه وتعالى لازمة.
حكم تفسير القرآن بالرأي
السؤال: هل يدخل الشخص في حكم من يؤول القرآن بغير ما أنزل، إذا قال في تفسير بعض الآيات ما يفهمه منها؟
الجواب: إذا كانت الآيات واضحة، كما قال ابن عباس : [تفسير تعرفه العرب من لغاتها]، فبعض القرآن واضح، وبعضه يعرف بالرجوع إلى كتب التفسير، أما إذا كان فيه لبس فعلى الإنسان ألا يقول في القرآن برأيه.
معنى الإرادة في قوله تعالى (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم)
السؤال: ما حكم إرادة الذنب في الحرم؟ هل لكم من تعليق: ((وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ))[الحج:25]؟
الجواب: قد تكون هذه الإرادة داخلة فيما قصدنا، وقد يكون المقصود أنه أراد في الحرم إلحاداً، يعني: إساءة إلى الحرم، وإلا فالأقرب أن الحرم وغيره سواء.
تقويم الجماعات الإسلامية المعاصرة
السؤال: ما رأيك في الجماعات الإسلامية القائمة، وهل هي على خير؟
الجواب: نعم، نقول: ينبغي أن تكون الجماعات الإسلامية التي هي في الجملة على السنة أن تكون على خير، ولا يلزم من ذلك كمالها، وينبغي أن يحسن الظن بهم ويدعى لهم، ويصحح ما يوجد عندهم من خطأ، ويستغفر لهم، وهذا مما يجتمع عليه شمل الأمة، بدلاً من أن يتحولوا إلى شيع وأحزاب وطوائف.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق