الجمعة، 9 سبتمبر 2022

لمن يوجه أردوغان رسالته "قد نأتي فجأة ذات ليلة"؟

 لمن يوجه أردوغان رسالته "قد نأتي فجأة ذات ليلة"؟

ياسين أقطاي

وجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة قاسية جدًّا إلى اليونان، في خطاب ألقاه من ولاية سامسون بمناسبة مهرجان الفضاء والتكنولوجيا (تكنوفيست) الذي نظمه صهره سلجوق بيرقدار، المطور والمصنع للطائرات المسيرة، وقوبلت قسوة هذه الرسائل بمفاجأة وقلق كبيرين في كل من أوروبا واليونان، لأنه في هذا الخطاب صرح أردوغان علانية بأنه لن يتردد في فرض أي نوع من العقوبات ضد اليونان إن لم تلزم حدّها، وتم أخذ هذه التصريحات على أنها تحذير صريح بالتهديد، لأنه جاء في صورة دلالات تاريخية بعبارة "قد نأتي فجأة ذات ليلة، على حين غرّة" التي استخدمها في خطابه، وهي كلمة غنائية في تركيا، يتم بثها كثيرًا في الإذاعات قبل الحرب لإعطاء رسالة وتحذير للجانب اليوناني تعبيرا عن أن تركيا لم تكن تمزح قبل عملية قبرص العسكرية عام 1974.

أردوغان لم ينطق بهذه الكلمات فجأة لمجرد اتباع سياسة التوسع، ولكنه كان يقول هذا بسبب أخطاء اليونان المتكررة، فقد أدت مضايقات طائرات اليونان للطائرات الحربية التركية ثم بنظام إس-300؛ إلى رفع التوتر في العلاقات التركية-اليونانية لمرحلة جديدة

وزعم الجانبان اليوناني والروماني أن هذه الكلمات فارغة، ولم تأخذ في الاعتبار إمكانية اتخاذ تركيا خطوة جادة. وفي عام 1974 عندما قررت تركيا تنفيذ عملية قبرص، عندما تم إنقاذ المسلمين الأتراك في شمال قبرص من الاضطهاد اليوناني، تم بث هذه الأغنية على الراديو مرة أخرى، ولهذا السبب تحظى هذه الجملة بمكانة وأهمية، خاصة في العلاقات التركية اليونانية، ويمكن عدّ دلالاتها سيئة للغاية بالنسبة للجانب اليوناني.

استخدم أردوغان الجملة نفسها، كتحذير ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي اللذيْن هددا تركيا مؤخرًا على الأراضي السورية، وفعل ما قاله، وبالفعل دخل الجنود الأتراك 3 مرات في ليلة واحدة فجأة إلى الأراضي السورية، ولم يكتفوا بإلحاق إصابات كبيرة بالتنظيم الإرهابي، بل أنشؤوا أيضًا مناطق آمنة للسوريين خالية من الإرهاب، وهكذا نرى أنه عندما تستخدم تركيا هذه الجملة فإن هذه الأفعال كافية لإظهار أنها لم تعد مزحة، وأن القوة التهديدية لغناء هذه الأغنية تزداد كتهديد حقيقي.

لهذا السبب بالضبط استقبلت وسائل الإعلام اليونانية هذه الكلمات بذعر وقلق كبيرين؛ إذ بدأت تتهم تركيا بالعدوان كأن هجومًا قد وقع، واشتكت من تركيا لدول الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

ومع ذلك؛ فإن أردوغان لم ينطق بهذه الكلمات فجأة لمجرد اتباع سياسة التوسع، ولكنه كان يقول هذا بسبب أخطاء اليونان المتكررة، فقد أدت مضايقات طائرات اليونان للطائرات الحربية التركية ثم بنظام إس-300 (S-300) إلى رفع التوتر في العلاقات التركية اليونانية لمرحلة جديدة.

الرئيس أردوغان الذي حذّر أثينا بعبارة "توقفي عن تسليح الجزر، أنا لا أمزح" خلال المناورات العسكرية "أفسس 2022" التي أقيمت في إزمير في يونيو/حزيران الماضي؛ أرسل رسائل أوضح وأقسى بعد هذه المضايقات الأخيرة؛ فالمسألة بالطبع تتعلق بمحاولات "التسلح" اليونانية، التي لا تتوافق مع المعاهدات في الجزر؛ حيث كان شرط أن تكون هذه الجزر -التي تقع بجوار تركيا والتي قد تم منحها لليونان- غير مسلحة. ومع ذلك، تقوم اليونان بتنصيب أسلحة خطيرة في هذه الجزر القريبة جدًا من تركيا ولا تقوم بذلك فحسب، بل ترتكب أيضًا انتهاكات جسيمة ضد تركيا من وقت لآخر.

في الواقع، الجميع يعلم جيدًا أن مثل هذا التحدي الذي توجهه اليونان لتركيا لا يرجع إلى قوتها وشجاعتها، بل إلى أن هناك جهات فاعلة أخرى تريد استخدام اليونان كـ"دولة بالوكالة" ضد تركيا، مثلما تشن الحروب بالوكالة من خلال المنظمات الإرهابية، فاليونان تلعب أيضًا دورًا وكيلًا، مقابل أجر معين في هذه العملية، ربما بسبب صعوباتها الاقتصادية؛ لذلك تقوم تركيا بتقييم هذه القضية في هذا الاتجاه.

وكدولتين تستخدمان اليونان كوكيل؛ فإن لكل من الولايات المتحدة وفرنسا أسبابهما الخاصة لهذه الاستفزازات، فقبل ذلك لا تشعر فرنسا بالارتياح تجاه اكتساب تركيا السلطة في ليبيا وأفريقيا، لأن كلا الجانبين عانى مؤخرًا بشكل كبير، ويعدان تركيا السبب في ذلك.

التوتر الخطير الذي تحول إلى صراع في ليبيا الأسبوع الماضي وأودى بحياة أكثر من 30 شخصًا وقع بين مجموعات تعمل معًا ضد قوات حفتر، وتُعد "فرنسا" وراء هذا العمل، ولم تُخفِ إدارة ماكرون أبدًا انزعاجها من نشاط تركيا في ليبيا واكتسابها قوتها في جميع أنحاء أفريقيا؛ لذلك قد تخدم الحرب التركية-اليونانية (وهي إحدى أسرع الطرق لكبح تعاطف تركيا وأردوغان المنتشر في جميع أنحاء القارة الأفريقية) مصالح فرنسا في أفريقيا وأماكن أخرى بشكل عام.

كما أن ماكرون صرح -منذ فترة- بأن استمرارية تواصل تركيا مع روسيا (وهي الدولة الوحيدة في الناتو التي لم تقطع علاقاتها معها) يتعارض مع مصالح فرنسا، وفي هذه المرحلة لم يُخفِ الرئيس الفرنسي نيته لعزل تركيا عن الكتلة الغربية.

وبالمثل؛ ليس سرًّا أن الولايات المتحدة منزعجة بشكل خطير من خطوات تركيا المستقلة في سياستها الخارجية؛ فبالنسبة لأميركا يُقرأ هذا الوضع على أنه خروج من تركيا عن سيطرتها؛ لذلك يُعتقد أن الطريق لكبح جماح تركيا بالنسبة لهم هو حرب تركية-يونانية.

ويوجه أردوغان رسالته للقوى في هذه الخلفية عندما يقول "اليونان ليست محاورنا"، بينما يلقي خطابه في الذكرى السنوية لحرب الاستقلال التركية ضد اليونان، التي وقعت قبل 103 أعوام. وبذلك لم يطلب من اليونان فحسب، بل طلب أيضًا من القوى التي كانت وراء اليونان في ذلك الوقت تلقي رسالة الحدث قبل 103 أعوام، وكذلك اليوم.

التاريخ يعيد نفسه؛ فقبل 103 سنوات واجهت اليونان تركيا، رغم أنها كانت قوة لا يمكن أن تؤخذ على محمل الجد ضد الإمبراطورية العثمانية، إلا أنها تفعل الشيء نفسه اليوم، والدرس الذي ستتعلمه لن يختلف عما تعلمته من التاريخ.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق