غزوة حمراء الأسد الانتصار على جراح البدن والنفس لأجل دين الله 3هـ
لم تكن حمراء الأسد غزوة مستقلة، وإنما هي جزء من غزوة أُحُد، وصفحة من صفحاتها الهامة، إذ بات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفكر في الموقف بعد أحد، وأشفق من أن يعود جيش المشركين لغزو المدينة، وأحسّ بما يقاسيه أصحابه من مرارة الهزيمة في أحد، وما يشعرون به من إحباط، ولم يكن ذلك هو السبب الوحيد، فإن خروج النبي - صلى الله عليه وسلم ـ بجيشٍ مُثقل بالجراح هو خير رسالة للأعداء بأن المسلمين لا زالوا أعزّة قادرين على المواجهة، وأن جراحهم وآلامهم لا يمكن أن تعوقهم عن مواصلة الجهاد والقتال، ومن ثم عزم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن يقوم بعملية مطاردة الجيش المكي ـ رغم ما به هو أيضا من جروح ـ، وكان ذلك صباح الغد من معركة أحد، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة، وأمر بلالاً أن ينادي في الناس بضرورة التعجيل للخروج للجهاد، ولم يكن الأمر عامّاً لجميع المؤمنين، بل كان مقصوراً على أولئك الذين شهدوا معركة أحد بالأمس ..
وما كاد بلال ـ رضي الله عنه ـ يؤذن في الناس بالخروج للجهاد مرة أخرى، حتى تجمع أولئك الذين كانوا مع ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأمس، وقد أصابهم القرح، وأنهكتهم الجروح والآلام، ولم يسترح أحد منهم بعد، ومع ذلك انطلقوا جميعا خلف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطلبون المشركين، طلبا للنصر أو الشهادة في سبيل الله ..
قال ابن إسحاق : " كان أحُد يوم السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر من شوال: أذّن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس بطلب العدو، وأن لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس، فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له، وإنما خرج مرهباً للعدو، وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم " .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ والرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ واتَّقَوْا أَجْر عَظِيم }(آل عمران: 172)، قالت لعروةَ : يا ابنَ أُخْتي، كانَ أَبَوَاكَ منهم الزبير وأبو بكر ، لمَّا أَصاب نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - ما أَصاب يوم أُحد، فانصرف عنه المشركون خاف أَن يرجعوا، فقال: مَنْ يذهب في إِثْرِهِم؟ فانتدب منهم سبعون رَجُلا، قال: كان فيهم أبو بكر والزُّبَيْرُ ) رواه البخاري .وفي رواية: قال عُروة : قالت لي عائشةُ : ( أَبَوَاكَ واللهِ من الذين استجابوا للهِ والرسولِ من بعد ما أصابهم القَرْحُ(الجرح) ) .
وهذا رجل من بني عبد الأشهل يصور حرص الصحابة على الخروج للجهاد فيقول: " شهدت أحداً أنا وأخ لي فرجعنا جريحين، فلما أذن مؤذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخروج في طلب العدو قلت لأخي وقال لي: أتفوتنا غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ والله مالنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل، فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكنت أيسر جرحاً منه، فكان إذا غلب حملته عقبة ومشى عقبة (نوبة)، حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون " .
سار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة، فعسكروا هناك، وأقام فيها ثلاثة أيام، فلم يتشجع المشركون على لقائه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بإشعال النيران فكانوا يشعلون في وقت واحد خمسمائة نار، وذلك من قبيل الحرب النفسية على العدو .. وهناك أقبل مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسلم ـ، فأمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه ـ ولم يكن أبو سفيان يعلم بإسلامه ـ، فأدركه بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة فخذله، ونصحه بالعودة إلى مكة على عجل، فثنى ذلك أبو سفيان ومن معه ..
غير أن أبا سفيان حاول أن يغطي انسحابه هذا بشن حرب نفسية دعائية ضد الجيش الإسلامي، لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة ، فقد مر به رَكْب من عبد القيس يريد المدينة، فقال: هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبًا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة؟، قالوا: نعم . قال: فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكَرَّة(الرجعة)، لنستأصله ونستأصل أصحابه .فمر هذا الركب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو والمسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل ..
واستمر المسلمون في معسكرهم، وآثرت قريش السلامة فرجعوا إلى مكة ..
ووقع في أسر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل رجوعه إلى المدينة أبو عزة الجمحي، وكان شاعراً أسره المسلمون يوم بدر، ثم أطلقه الرسول - صلّى الله عليه وسلم ـ بغير فداء، رحمةً ببناته، واشترط عليه ألا يقف ضد المسلمين، فلم يحترم الرجل العهد، وقاتل مع المشركين في أحد، فوقف بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم ـ يطلب عفوه مرة ثانية، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ أمر بقتله، وقال كلمته التي صارت مثلاً: ( لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ) رواه البخاري .
عاد المسلمون بعد ذلك إلى المدينة بروح قوية متوثبة، مسحت ما حدث في أحد، فدخلوا المدينة أعزة رفيعي الجانب، قد أفسدوا انتصار المشركين، وأحبطوا شماتة المنافقين واليهود ..وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قول الله تعالى: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }(آل عمران من الآية:172- 175)..
لقد حققت غزوة حمراء الأسد هدفها، فقد أظهرت قدرة المسلمين وهم في أحلك الظروف على التصدي لخصومهم وأعدائهم، لأنهم إذا كانوا قادرين على متابعة التحرك العسكري خارج المدينة بقسم من قواتهم، فإنهم لا شك أقدر على مواجهة أعدائهم داخل المدينة، من اليهود والمنافقين وبقايا المشركين ..
كما أبرزت حكمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الذي أراد أن لا يكون آخر ما تنطوي عليه نفوس أصحابه الشعور بالهزيمة في أحد، فأزال بهذه الغزوة اليأس من قلوبهم، وأعاد لهم هيبتهم التي خُدِشت في أحد، ووضعهم على طريق التفاؤل والعزة والانتصارات، ثم قام بعد ذلك بمناورات وغزوات أعادت للمسلمين هيبتهم الكاملة، بل زادت فيها ..
كما أظهرت هذه الغزوة فضل أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسرعة استجابتهم لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الخروج للجهاد رغم ما بهم من جراح وتعب وآلام ..كذلك علمت غزوة حمراء الأسد ـ الصحابة ومن بعدهم ـ أن لهم الكرَّة والنصر على أعدائهم متى استجابوا لدعوة الله ورسوله، ونفضوا عنهم الضعف والفشل، وأن ما أصابهم بالأمس ـ في أُحد ـ إنما هو ابتلاء، ومحنة اقتضتها إرادة الله وحكمته، وأنهم أقوياء أعزة بطاعتهم لله، واستجابتهم لأوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
كذلك علمت غزوة حمراء الأسد ـ الصحابة ومن بعدهم ـ أن لهم الكرَّة والنصر على أعدائهم متى استجابوا لدعوة الله ورسوله، ونفضوا عنهم الضعف والفشل، وأن ما أصابهم بالأمس ـ في أُحد ـ إنما هو ابتلاء، ومحنة اقتضتها إرادة الله وحكمته، وأنهم أقوياء أعزة بطاعتهم لله، واستجابتهم لأوامر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
غزوة حمراء
متى كانت غزوة حمراء الأسد، وأين؟
8 شوال لسنة 3 هـ، وكانت بمنطقة حمراء الأسد 20 كم جنوب المدينة المنورة
أسباب غزوة حمراء الأسد
مطاردة قريش ومنعها من العودة للقضاء على المسلمين بالمدينة، ورفع الروح المعنوية للصحابة بعد غزوة أحد، ونكاية باليهود واعداء الله ممن فرحوا بما جرى للمسلمين بأحد
من قائد غزوة حمراء الأسد ومن حمل اللواء؟
الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل إن اللواء دفعه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وقيل لعلي بن أبي طالب. في المقابل كان هناك أبوسفيان بن حرب زعيم المشركين من قريش.
أحداث غزوة حمراء الأسد
نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو- وذلك صباح الغد من معركة أحد، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال، وقال: لا يخرج معنا إلا من شهد القتال، مستثنيا جابر بن عبد الله الذي خلفه أبوه بغزوة أحد على بناته، ورفض النبي خروج عبد الله بن أبي، لخديعته للمسلمين، واستجاب المسلمون على ما بهم من جراح شديدة لأمر الرسول، وقالوا: سمعا وطاعة
في يوم الأحد، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بات ليلة في المسجد، والصحابة في حراسته، فلما حانت صلاة الصبح، أمر النبي بلالا أن ينادي بأن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، وكانت الجراح فاشية، حتى أن بني عبد الأشهل كانوا كلهم جرحى، وجاءهم سعد بن معاذ، فرد أسيد بن حضير وكان به سبع جراحات يداويها فقال: سمعا وطاعة لله ولرسوله فأخذ سلاحه ولم يعرج على دواء جراحه، وكان هذا حال المقاتلين المسلمين وخاصة من بني سلمة، والذين وافوا النبي بجراحهم الغائرة عند بئر أبي عنبة، عليهم السلاح وقد صفوا أمامه، فلما نظر والجراح فيهم فاشية دعا لهم بالرحمة، وقد جاء عبدالله بن سهل وأخيه رافع، يزحفان بسبب ضعفهما بعد الحرب وعدم وجود دابة معهما، وكانت بطلحة تسع جراحات نساها لأجل الجهاد، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجروح في وجهه ومشجوج في جبهته ورباعيته ثد شظيت وهو متوهن بضربة ابن قميئة، فصلى بهم رجعتين بالمسجد، وقد خاطب طلحة بالبشرى بأنهم لن ينالوا من المسلمين كما فعلوا بأحد حتى يفتح الله لهم مكة، وانطلقوا لحمراء الأسد وكانوا يوقدون النار بالليل لإرهاب العدو، فكانت خمسمائة نار تشعل بوقت واحد.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ والرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ القَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ واتَّقَوْا أَجْر عَظِيم }(آل عمران: 172)، قالت لعروةَ : يا ابنَ أُخْتي، كانَ أَبَوَاكَ منهم الزبير وأبو بكر ، لمَّا أَصاب نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - ما أَصاب يوم أُحد، فانصرف عنه المشركون خاف أَن يرجعوا، فقال: مَنْ يذهب في إِثْرِهِم؟ فانتدب منهم سبعون رَجُلا، قال: كان فيهم أبو بكر والزُّبَيْرُ ) رواه البخاري .
وكان أبوسفيان بعد أن احتمى المسلمون بصخرة في جبل أحد قد تقدم من سفح الصخرة ونادى "أفي القوم محمد" ؟ ثلاث مرات لم يجبه أحد ، ونادى على أبي بكر وعمر، فلما لم يجيبوا صاح بأنهم قد قتلوا، فلم يتمالك الأخير نفسه وقال : "كذبت والله إن الذين عددتهم لأحياء كلهم" ثم صاح أبو سفيان "الحرب سجال أعلى هبل، يوم بيوم ببدر" فقال الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم "الله أعلى وأجل لا سواء ! قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
وقد جرى ما توقعه النبي حين أرسل عليا لنظر ما إذا كانت قريش تستعد لغزو المدينة، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة تلاوموا فيما بينهم، وقالوا لأنفسهم : لم تصنعوا شيئا أصبتم شوكة المسلمين وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم، ولكن معبد الخزاعي تصنع نصحهم قائلا أن محمدا يجمع لهم وأصحابه يتحرقون عليكم تحرقا مع من تخلف عنهم، فانهارت عزائم الجيش المكي وأخذهم الفزع والرعب
وقد أرسل أبو سفيان مع ركب من عبد القيس رسالة لنبي الله محمد أنهم يجمعون لهم، فنزلت الآية : { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } آل عمران 173
وخلال عسكرة المسلمين بحمراء الأسد، أقبل معبد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم- ويقال أنه ظل مشركا وإن كان ناصحا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف، فقال: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا ان الله عافاك- فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان فيخذله.
أقام الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد بعد مقدمه يوم الأحد الاثنين والثلاثاء والأربعاء شوال، ثم رجع للمدينة، وأقام الحد على قلة من الجواسيس والخونة ممن تجسسوا للكفار ومنهم أبو عزة الجمحي من أسارى بدر وقد حرض الناس بشعره على النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمين وخرج لمقاتلتهم في أحد، ومعاوية بن المغيرة بن العاص، جد عبد الملك بن مروان لأمه.
نتائج غزوة حمراء الأسد
لم يحدث قتال، وازداد رعب المشركين من المسلمين ففروا ولم يداهموا المدينة بعد أحد
ما الدرس المستفاد من غزوة حمراء الأسد؟
الإيمان يقوي عزيمة أهله؛ وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحب للشهادة ولقاء العدو، وكان على رأسهم نبي وقائد يشاركهم تحمل المحن لأجل الدعوة لدين الله، وقد علمهم النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم كيف يتغلبون على جرح النفس والبدن لأجل دين الله، وكان بحكمته كقائد قادر على قلب الانكسار لحلقة نصر جديدة.
المراجع:
"السيرة النبوية" لابن هشام 2/122 ، "السيرة الحلبية" فصل غزوة حمراء الأسد، "الرحيق المختوم" للمباركفوري ص 286، "زاد المعاد" 2/91
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
تمهيد:
الحَمْد لله رَب العَالمين، والصَّلاة والسَّلام على المبْعُوث رَحْمةً للعَالمين، وعَلى آله الطَّاهرين الطَّيبين، وأصْحَابه الغُرِّ الميامين.
وبعد؛ فشهر شوال من الشهور المباركة التي اجتهد فيها النبي ﷺ وأصحابه الكرام في نشر الدعوة الإسلامية في ربوع الجزيرة العربية، حيث وقعت في هذا الشهر الفضيل مجموعة من الأحداث، والوقائع، والبعوث، والسرايا في تاريخ صدر الإسلام منها: غزوة حمراء الأسد.
ولأهمية هذا الغزوة ارتأيت أن أفردها بهذا المقال للحديث عن تاريخ وقوعها، وسببها، وأحداثها، وما يستفاد منها من عبر.
وقبل الشروع في المقصود أعرف بحمراء الأسد:
وحمراء الأسد موضع: من المدينة على بعد ثمانية أميال عن يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة… كذا[1]. وتبعد منطقة حمراء الأسد بعشرين كيلومتر جنوب المدينة المنورة[2].
تاريخ الغزوة:
وقعت هذه الغزوة في السنة الثالثة من الهجرة النبوية في شهر شوال، قال ابن سيد الناس اليعمري:”غزوة حمراء الأسد وهي صبيحة يوم الأحد عند ابن إسحاق، لست عشرة مضت من شوال. وعند ابن سعد: لثمان خلون من شوال، من صبيحة أحد، والخلاف عندهم في أحد كما سبق”[3].
سبب الغزوة:
وسببها: أنه بعد انتهاء غزوة أحد وانصراف المشركين إلى مكة، تلاوم بعضهم أنهم لم يقضوا على الوجود الإسلامي بالمدينة المنورة، فقرروا الرجوع لملاقاة المسلمين من جديد ، فعلم بخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم، فقرر ملاقاتهم في حمراء الأسد.
قال ابن إسحاق:” وكانت خزاعة، مسلمهم ومشركهم عيبة نصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بتهامة، صفقتهم معه، لا يخفون عنه شيئا كان بها، ومعبد يومئذ مشرك، فقال: يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك، ولوددنا أن الله عافاك فيهم، ثم خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد، حتى لقي أبا سفيان بن حرب ومن معه بالروحاء، وقد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقالوا: أصبنا حد أصحابه وأشرافهم وقادتهم، ثم نرجع قبل أن نستأصلهم! لنكرن على بقيتهم، فلنفرغن منهم. فلما رأى أبو سفيان معبدا، قال: ما وراءك يا معبد؟ قال: محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما صنعوا، فيهم من الحنق، عليكم شيء لم أر مثله قط، قال: ويحك! ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى أرى نواصي الخيل، قال: فو الله لقد أجمعنا الكرة عليهم، لنستأصل بقيتهم: قال: فإني أنهاك عن ذلك، قال: والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيهم أبياتا من شعر…” [4].
ومر بأبي سفيان ركب من عبد القيس يريدون المدينة لأجل الميرة، فقال لهم:” فهل أنتم مبلغون عني محمدا رسالة أرسلكم بها إليه، وأحمل لكم هذه غدا زبيبا بعكاظ إذا وافيتموها؟ قالوا نعم، قال: فإذا وافيتموه فأخبروه أنا قد أجمعنا السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيتهم، فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد، فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل”[5].
أحداث الغزوة:
قال ابن سعد:” لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد مساء يوم السبت بات تلك الليلة على بابه ناس من وجوه الأنصار وبات المسلمون يداوون جراحاتهم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوم الأحد أمر بلالا أن ينادي أن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم، ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس، فقال جابر بن عبد الله: إن أبي خلفني يوم أحد على أخوات لي فلم أشهد الحرب فأذن لي أن أسير معك، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال غيره. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه، وهو معقود لم يحل، فدفعه إلى علي بن أبي طالب، ويقال: إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وخرج وهو مجروح في وجهه، ومشجوج في جبهته، ورباعيته قد شظيت، وشفته السفلى قد كلمت في باطنها، وهو متوهن منكبه الأيمن من ضربة ابن قميئة وركبتاه مجحوشتان، وحشد أهل العوالي ونزلوا حيث أتاهم الصريخ وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه، وخرج الناس معه فبعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد وهي من المدينة على عشرة أميال طريق العقيق متياسرة عن ذي الحليفة إذا أخذتها في الوادي، وللقوم زجل وهم يأتمرون بالرجوع وصفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك، فبصروا بالرجلين فعطفوا عليهما فعلوهما ومضوا ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى عسكروا بحمراء الأسد، فدفن الرجلين في قبر واحد وهما القرينان وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد، وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تبارك وتعالى بذلك عدوهم فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فدخلها يوم الجمعة وقد غاب خمس ليال وكان استخلف على المدينة عبد الله ابن أم مكتوم”[6].
ما يستفاد من الغزوة:
في هذه الغزوة تحققت مجموعة من المقاصد والغايات منها:
1-بيان مكانة الصحابة وفضلهم رضوان الله عليهم؛ لأنهم استجابوا لله ولرسوله حين دعاهم للخروج لهذه الغزوة؛ على الرغم من جراحهم بعد غزوة أحد. قال تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين احسنوا منهم أجر عظيم) [7].
قال القرطبي في المفهم :” أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رجع إلى المدينة من أحد بمن بقي من أصحابه، وأكثرهم جريح، وقد بلغ منهم الجهد، والمشقة نهايته، أمرهم بالخروج في أثر العدوِّ مرهبًا لهم، وقال: لا يخرجن إلا من كان شهد أحدًا، فخرجوا على ما بهم من الضَّعف والجراح، وربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشي، ولا يجد مركوبًا، فربما يحمل على الأعناق، كل ذلك امتثالٌ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم”[8].
2-محو آثار الهزيمة التي لحقت الصحابة رضوان الله عليهم في أحد، وقدرتهم على لملمت جراحهم، والعودة من جديد لقتال المشركين خارج أسوار المدينة، فازدادوا عزة وقوة مما جعل أعداءهم يحسبون لهم ألف حساب، وقد بين الله تعالى هذا الموقف في القرآن الكريم فقال: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم)[9]. وقد لخص هذا المغزى الدكتور علي الصلابي حين قال: ” ألا يكون آخر ما تنطوي عليه نفوس الذين خرجوا يوم أحد هو الشعور بالهزيمة “[10].
3-خروج الصحابة رضوان الله عليهم لهذه لغزوة كان له الأثر في رفع معنويات الصحابة، وبث الخوف في معنويات العدو قال ابن إسحاق:” وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مرهبا للعدو، وليبلغهم أنه خرج في طلبهم ليظنوا به قوة، وأن الذي أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم”[11].
4 – إعلام الصحابة رضوان الله عليهم أن ما أصابهم في ذلك اليوم إنما هو محنة وابتلاء اقتضتها إرادة الله وحكمته، وأنهم أقوياء، وأن خصومهم الغالبين في الظاهر ضعفاء[12].
هوامش المقال:
[1] معجم ما استعجم للبكري 2 /468
[2] معجم المعارك التاريخية ص: 198.
[3] عيون الأثر (2/ 57).
[4] سيرة ابن هشام (3 /67-68).
[5] سيرة ابن هشام (3/ 69).
[6] الطبقات الكبر (2 /49).
[7] آل عمران: 172.
[8] المفهم (6 /291-292)
[9] آل عمران: 172 – 173 – 174.
[10] السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (ص: 507).
[11] السيرة النبوية (3/ 66).
[12] السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث (ص: 507).
**********************
لائحة المصادر والمراجع:
- السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث، للدكتور علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة السابعة، 1429هـ/2008م.
- السيرة النبوية، لعبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، أبو محمد، جمال الدين ، تحقيق: مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث بطنطا، الطبعة الأولى، 1416هـ/1995م.
- الطبقات الكبرى، لأبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد، ت: إحسان عباس، دار صادر – بيروت، (د.ت).
- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، لأبي الفتح محمد بن محمد ابن سيد الناس اليعمري، ت: د. محمد العيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، مكتبة دار التراث، المدينة، ودار ابن كثير، دمشق، بيروت، (د.ت).
- معجم المعارك التاريخية، لنجاة سليم محمود محاسيس، دار زهران، عمان، الطبعة الأولى 1432هـ/2011م.
- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، لأبي عبيد عبد الله بن عبد العزيز البكري، ت: مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت. (د.ت).
- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي ت: محيي الدين ديب ميستو – أحمد محمد السيد – يوسف علي بديوي – محمود إبراهيم بزال الناشر: (دار ابن كثير، دمشق – بيروت)، (دار الكلم الطيب، دمشق – بيروت)، الطبعة: الأولى، 1417 هـ – 1996م.
راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق