بين مهسا وبوعزيزي
أخر كلام
في عام 1958 أحرقت مجموعة بسيطة من الفتيات بالكويت عباءاتهن، ولم يكن حرق العباءة في ذلك الوقت تعبيراً عن رفض قانون ملزم يفرض الحجاب «البوشية» والعباءة، بل كان حركة رمزية ضد نهج عادات وتقاليد قديمة متوارثة تكاد تكون في حكم إلزامية القانون، وكان حرق العباءة عملاً بسيطاً يرفض «الثوابت» الأبدية للعادات، فالزمن يمضي إلى الأمام، والتغيير والتطور هما سنّة الكون، يستحيل تغيير مساره أو تعديله، وقد تحدث انتكاسات رجعية بين الوقت والآخر، لكن النهاية هي حتمية حركة التاريخ.
85 مدينة إيرانية تجتاحها تظاهرات عنيفة يقودها شباب من الجنسين ضد ممارسات الشرطة الدينية التي سجنت الفتاة الإيرانية الكردية مهسا أميني، التي لم تكن ترتدي الملابس التي تفرضها سلطة الملالي بالقهر القانوني (لم تضع الشادور أو لبست بنطلوناً)، ماتت مهسا أثناء الاعتقال بسبب سوء المعاملة، أو ربما لمرض قديم كانت تعانيه زاد منه حالة القهر النفسي.
المتظاهرات حرقن الحجاب وقصصن شعورهن تحدياً للسلطة.
حالة بطولية رائعة يتمتع بها هذا الشعب الذي تجاوز في ثوريته ووعيه النظام الحاكم في الجمهورية الإيرانية، رغم كل قيود القمع التي يمارسها النظام، والتي منها محاولاته لحجب مواقع التواصل الاجتماعي واستعمال القوة.
بعض الجرائد الأجنبية قارنت حالة وفاة مهسا بقيام التونسي محمد البوعزيزي بحرق نفسه في تونس عام 2010، احتجاجاً على تعسف الشرطة ونظام الحكم الدكتاتوري لزين العابدين، وكانت تلك الشرارة التي انطلق منها الربيع العربي، وهي تسمية مقلقة مقيتة عند معظم أنظمة الحكم العربية في ذلك الوقت وحتى الآن، وانتهى هذا الربيع بتدخلات خارجية وتفجُّر كيانات طائفية وحروب أهلية ومآسٍ كبيرة، لكن يبقى هناك وجه شبه كبير بين مهسا وبوعزيزي في أنهما يمثّلان الرفض الإنساني لكل أنواع القهر؛ سواء كان من السلطة السياسية أو السلطة الاجتماعية حين تستغلها الأولى لإحكام قبضتها على الحكم.
إذا كانت الثورات تندلع بفعل أعمال شجاعة من أفراد، حسب تعبير «الإيكونوميست»، فقد يكون موت مهسا الشرارة لثورة سياسية - اجتماعية في إيران، وهذا يوم بعيد أمام قوة وبطش السلطة الدينية هناك، لكن يظل حرق «الشادور» عملاً ثورياً بمعنى الكلمة وليس رمزياً، وإذا حدث مثل هذا التغيير الثوري في أمة عريقة مثل إيران، فسيقود حتماً إلى تغيرات كبرى في المنطقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق