الخميس، 13 أكتوبر 2022

طموحنا إقامة الحكم الراشد للأمة

 طموحنا إقامة الحكم الراشد للأمة

د. حاكم المطيري 


سئلت، هل طموحكم في الخليج بإقامة الحكم الراشد تحويل الملكيات إلى ملكيات دستورية؟ أم تطمحون للخلافة الراشدة؟

فأجبت بالتالي

 ليس لنا طموح خاص وإنما الأمة وشعوبها -التي نحن جزء منها- تريد تغيير واقعها الذي فرضه عليها الاحتلال الغربي البريطاني الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى ١٩١٨م بمشروع سايكس بيكو، ثم ما فرضه عليها الاحتلال الأمريكي الروسي بعد الحرب العالمية الثانية ١٩٤٨م، هذا الاحتلال الذي يتجلى اليوم بأوضح صوره في الحرب الصليبية التي يشنها الطرفان لمواجهة الثورة العربية في كل ساحاتها، وقد رأت الأمة وشعوبها بعينها أكذوبة دولها العربية المستقلة، فليست سوى دول وظيفية تعبر عن إرادة المحتل الغربي الذي حدد حدودها ورسم خرائطها وتقاسم النفوذ عليها، وربطها بشكل مطلق به عبر اتفاقيات عسكرية وأمنية، وتحولت إلى سجن كبير للأمة وشعوبها؛ يقتل المحتل من يريد من شعوبها، ويهجر من يريد، ويحاصر من يريد، وينفي من يريد، ويسجن من يريد، وهي تتفرج عاجزة، من المحيط إلى الخليج!

وليس أمام الأمة وشعوبها مخرج من هذا التيه إلا:

١)-استعادة (مشروع الأمة الواحدة) الذي يعبر عن دينها وهويتها وإرادتها ووحدتها وسيادتها -وسادت به العالم ١٣ قرنا-

لتستظل من جديد تحت ظله كل شعوبها وقومياتها ومذاهبها ومكوناتها السياسية والمجتمعية، ويحقق لها العدل والأمن والكرامة والحرية،

بعد أن فشلت المشاريع القومية والوطنية، الوراثية والعسكرية، والحزبية العلمانية منها والإسلامية (السياسية والجهادية) أن تكون بديلا ناجحا عن (مشروع الأمة)

الذي تراجع خلال قرن كامل وتقدمت عليه كل تلك المفاهيم والمشاريع الدخيلة وفشلت عن تحقيق ما حققه (مشروع الأمة الواحدة) الذي جاء به الإسلام دين التوحيد!

٢)-مشروع (الخلافة الراشدة) كما أمر به النبي ﷺ أمته بقوله: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي»،

ولن تصل إلى تحقيق هذا المشروع على مستوى الأمة ما لم تستطع شعوبها أن تقيم دولة وحكومة راشدة في كل قطر من أقطارها أو في أكثرها؛

لتقوم هذه الدول الراشدة – فكرا وممارسة والتي اختارتها شعوبها واستعادت بها سيادتها- بتحقيق الوحدة فيما بينها؛

إذ لم تقم الخلافة الراشدة في الإسلام إلا بعد قيام دولة المدينة النبوية الهادية التي كانت أنموذجا في العدل والرحمة والمساواة،

وهو ما جعل أكثر العرب يدخلون في طاعتها وتحت سلطانها ويبايعون النبي ﷺ طوعا واختيارا؛

ليشاركوا جميعا في تحقيق التوحيد بكل تجلياته دينيا وسياسيا واجتماعيا ولغويا وثقافيا،

حتى صارت شعوب الشام والعراق ومصر تتطلع إلى العرب كمحررين لها من الاحتلال الغربي الروماني والشرقي الساساني!

وقد عاد العرب اليوم -كما الأمة كلها- لحالهم قبل الإسلام بتشرذمهم وجاهليتهم وتبعيتهم وخضوعهم للطغيان والاحتلالين الغربي والشرقي باسم النظام الدولي،

وما هو إلا احتلال دولي ويتحكم فيهم خصوصا في المنطقة العربية النفوذ العسكري المباشر الأمريكي الروسي الأوربي!

ولن تحل هذه الأزمة ملكية دستورية ولا دولة ديمقراطية تخضع للنفوذ الغربي وتستمد شرعيتها من اعترافه بها ودعمه لها؛

بل لن تحلها إلا دول راشدة تستمد شرعيتها وقوتها وسيادتها من اختيار شعوبها لها،

وتعبر عن دينها وهويتها وإرادتها وحريتها!

وهذا يحتاج من الأمة وأحرارها وأبرارها جهدا وجهادا وعملا دؤوبا تربويا وفكريا وسياسيا وعسكريا راشدا على مستوى النظرية الفكرية والممارسة السياسية!

ومن يشهد التحولات التي تشهدها المنطقة يدرك تماما أنها تمضي نحو الانعتاق من النفوذ الغربي

وهذا المخاض العسير هو تعبير عن ولادتها من جديد وهي تدفع اليوم فاتورة تأخرها في دفع ثمن حريتها من قبل

حين آثرت ورضيت منذ نصف قرن بالاستقلال الصوري والسيادة الوهمية تحت ظل النفوذ الأمريكي الغربي والروسي الشرقي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق