عرض كتاب “العلمانيون والإسلام”
تبقى معركة الإسلام مع العلمانية عنوانا للصراع بين الإسلام والنصرانية الغربية وأذنابها في بلادنا. وتبقى دلالة على غيبوبة الأمة أو صحوتها. ودلالة ثالثة على موازين القوة في المعركة الكبرى.
تعريف عام
تأليف: محمد قطب
الناشر: دار الشروق
الطبعة: الأولى، 1414 هـ – 1994 م
عدد الأجزاء: 1
عدد الصفحات: 103
أهم الأفكار التي تناولها هذا الكتاب
في هذا الكتاب وَضَّحَ الأستاذ محمد قطب، رحمه الله، وجهة نظر العلمانيين في الإسلام والديمقراطية، ولماذا يحاولون إبعاد الدين عن كل مناحي الحياة..؟ وهل يصلح النموذج العلماني أن يكون منهجًا للحياة في بلادنا..؟ ولماذا يحاول العلمانيون الفصل بين العقيدة والشريعة..؟ وما سبب تلك الحروب التي تُشن على الإسلام..؟ وما الهدف من ورائها..؟ وكيف استطاع العلمانيون أن يضعوا أفكارهم في عقول الشباب المسلم..؟
محتويات الكتاب
المقدمة
يتحدث الشيخ رحمه الله عن عداء العلمانيين لكل من ينادي بتحكيم الشريعة، وحشْدهم كل الجهود في سبيل ذلك وكأنهم بصدد خطر داهم يوشك أن يدهمهم، وفي سبيل تحقيق هدفهم تجدهم تارة مع الشيوعية حينما كانت لها السطوة والسلطان. وعندما انهارت لبسوا ثياب الديمقراطية، وصاروا ينادون بها كأنهم من دعاتها. وقد كانوا من ألدّ أعدائها حينما كانوا مع الشيوعية.
وتارة ينادون بالتعددية والحرية في ممارسة الحقوق السياسية، بينما كانوا للأمس القريب أعوانا للحكم العسكري الذي يكتم أنفاس الأمة، ويسحقها سحقا لا هوادة فيه.
ويزول العجب عندما ندرك أن المحرك لهؤلاء العلمانيين هو كراهيتهم للشريعة الإسلامية ونفورهم من تطبيقها، ومن ثم يتخذون مواقفهم في الموقع الذي يهاجم الإسلام والمسلمين.
الفصل الأول: أوربا وتجربتها مع الدين
يُلقي الشيخ الضوء على الحالة الدينية في أوروبا؛ فيقول: كانت تجربة (أوروبا) مع الدين تجربة صعبة إلى أقصى حد، كان الدين بالنسبة إليها ظلامًا وجهلًا واستبدادًا وانصرافًا عن عمارة الأرض، يقول تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد:27]. ووقر في حِسّ (أوروبا) من خلال تجربتها الخاصة أن هذا هو “الدين”؛ لذلك نفرت منه، ثم هاجمته وأبعدته عن واقع الحياة، وحبسته في نطاق ضيق في ضمائر الناس، إن بَقِيَ للناس ضمائر بعد أن أُبْعِدُوا عن الدين..! وأوروبا في هذا معذورة من ناحية، ولكنها من ناحية أخرى غير معذورة؛ معذورة في النفور من ذلك الدين والسعي إلى تقليص نفوذه ونزع سلطانه وحبسه في أضيق نطاق ممكن، بل نبذه والخروج عليه جهرة، ولكنها غير معذورة في أن يكون هذا موقفها من الدين عامة، الصحيح منه وغير الصحيح..!
لم تعرف أوروبا دين الله الحقيقي الذي أُنْزِلَ على “عيسى ابن مريم”، إنما عرفت صورة محرفة منه، هي التي أذاعها (بولس) ونشرها في ربوع الأرض وخاصة في أوروبا. وليس نحن المسلمين الذين نقول إن الدين الذي اعتنقته أوروبا لم يكن دين الله المُنَزَّلُ على “عيسى” عليه السلام؛ إنما يقوله مؤرخوهم وكتابهم، ويقوله كل من يعرف حقائق التاريخ. ولقد كان مدى التحريف هائلًا جدًا في ذلك الدين الذي اعتنقته أوروبا وظنت أنه دين الله. ولم يكن التحريف في مجال العقيدة وحدها، ولكنه وقع في أمر آخر لا يقل خطرًا عن العقيدة، هو فصل العقيدة عن الشريعة، وتقديم الدين للناس كأنه عقيدة فقط بغير تشريع..! وقد كان لهذا آثارًا بالغة في حياة أوروبا السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وكانت تلك هي نقطة البداية الخطيرة التي أدت إلى الطغيان الهائل الذي مارسته الكنيسة ورجال الدين على قلوب الناس، ولكن الأمر تطور بعد ذلك في القرن الرابع حين دخل “قسطنطين” في النصرانية لأهداف سياسية كما يقول المؤرخون، ومكّن للكنيسة ورجالها، بعد أن نجح في مزج دينها بأساطير الوثنية، وأمَّن سلطانه على الإمبراطورية التي كان النزاع الديني قد أوشك على القضاء عليها. ثم فرضوا سلطانًا فكريًا يحجر على العقول أن تفكر إلا بإذن الكنيسة، وفي الحدود التي تسمح بها الكنيسة..! وقد كان هذا بالنسبة للكنيسة ضرورة لازمة منطقية مع التحريف الذي حدث في ذلك الدين.
ثم لما بدأت العلوم تتسرب إلى أوروبا من العالم الإسلامي عن طريق الترجمة، وتجددت ما يمكن أن نسميه غزوًا فكريًا إسلاميًا جن جنون الكنيسة؛ ففرضت حجرًا على العلم، وأهدرت دم كل من يقول بكروية الأرض، أو أنها ليست مركز الكون، وهو العلم الذي نقله علماء النصارى الأوائل من مؤلفات العلماء المسلمين..!
لم يكن ذلك كل ما فعلته الكنيسة في تنفير الناس من ذلك الدين؛ فقد انقلب الدين على يد الكنيسة إلى عامل معوق عن الحياة، مضاد للعلم والحضارة والتقدم، مهمل للحياة الدنيا. وبعد كل ذلك، ليس العجيب أن تَفِر “أوروبا” من ذلك الدين وتتمرد عليه، بل العجيب أنها صبرت عليه كل تلك القرون. التي فيما بعد تمردها أطلقت عليها “القرون الوسطى المظلمة”..!
الفصل الثاني: الدين الحق
يذكر الكاتب، رحمه الله، أن ما ثارت عليه أوروبا ليس الدين المنزل من عند الله؛ فيقول:
إذا كانت تجربة (أوروبا) مع دينها هي تلك التجربة البئيسة التي انتهت بها إلى العلمانية؛ فإن دين الله ليس كذلك، ولم يكن كذلك حين أُنْزِلَ من عند الله، ولم يكن كذلك في التطبيق العملي في الواقع التاريخي.
الإسلام هو إسلام الوجه لله، وعبادته وحده دون شريك، واتخاذ أوامره وتعليماته منهجًا للحياة. وهذا الوصف لدين الله ليس خاصًا برسالة معينة من الرسالات السماوية، بل هو وصف لكل رسالة أُنْزِلَت من عند الله من لدن “آدم” و”نوح” إلى “محمد”، صلى الله عليه وسلم، ولكنه أشد ما يكون انطباقًا على الرسالة الخاتمة التي أُنْزِلَت على خاتم النبيين، صلى الله عليه وسلم، والتي تمت بها النعمة الربانية واكتمل الدين..
كل رسالة جاءت من عند الله كانت (عقيدة وشعيرة وشريعة ومنهج حياة). فأما العقيدة فلم تتغير على مدى الرسالات كلها، وليس من شأنها أن تتغير، وأما الشعائر من صلاة وصيام وزكاة فلم تتغير في عمومها، وإن اختلفت تفصيلاتها وهيئاتها من رسالة إلى رسالة عبر التاريخ، وأما الشرائع فقد اختلفت اختلافًا واسعًا بحسب أحوال الأقوام الذين أُرْسِلَ إليهم الرسل واحتياجاتهم حتى جاءت الشريعة المكتملة مع الرسالة الأخيرة، التي نزلت للبشرية كافة.
وإذا كان الإنسان قد خُلِقَ لعبادة الله؛ فالدين هو الذي يُبِيِّنُ له الطريق الصحيح لعبادة الله، وإذا كان قد خُلِقَ في الوقت ذاته للابتلاء فالدين يُبِيِّنُ له الطريق الصحيح للنجاح في الابتلاء؛ فليس للإنسان غِنًى عن الدين.
ثم إن الإنسان عابد بفطرته، سواء استقامت فطرته على الأصل الذي فطرها الله عليه أم انحرفت لسبب من الأسباب، ومع ذلك فتحديد معنى الدين قد أصبح ـ بسبب العلمانية المنتشرة في الأرض ولأسباب أخرى ـ قضية ذات أبعاد خطيرة، تعقد من أجلها الندوات وتؤلف الكتب، وتلقى المحاضرات، ويدخل قوم السجون، ويستشهد الشهداء.
هناك نقطة واحدة هي التي يتمسك بها العلمانيون في جدالهم كله، ويركزون عليها لِيَدَّعُوا صِحْةَ دعواهم في فصل الدين عن الدولة، وهي وجود الاستبداد السياسي على فترات متطاولة من تاريخ المسلمين. ووجود الاستبداد السياسي على فترات من تاريخ المسلمين حقيقة واقعة دون شك، إلا أن التاريخ السياسي للمسلمين ليس ظلامًا كله كما يدعي أعداء هذا الدين لِيُنَفِّرُوا أهله منه.
الفصل الثالث: الديمقراطية والإسلام
ويناقش في هذا الفصل قضيتين أساسيتين..
القضية الأولى: هي أنه إذا كان هناك خلاف بين الديمقراطية والإسلام ـ وهو كائن بالفعل ـ فأي شيء يجب على المسلم..؟ يأخذ بالديمقراطية أم يطبق الإسلام..؟
بعبارة أخرى: هل يعرض الإسلام على الديمقراطية لتقبل منه ما تقبل وترفض منه ما ترفض..؟ أم تُعرض الديمقراطية على الإسلام ليقبل منها ما يقبل ويرفض منها ما يرفض..؟
والقضية الثانية: هل يصلح النموذج الأوروبي ـ أي النموذج العلماني ـ ليكون منهجا لحياتنا، ولحياة البشرية..؟ وإذا لم يكن يصلح فما البديل..؟!
ثم يؤكد على وضوح القضية الأولى.. ويقول: إن كون الشريعة ملزِمة للمسلم، وكون التشريع بغير ما أنزل الله مُخرجا من الملة، قضية مجمع عليها من علماء الأمة جميعا، لم يشذّ أحد عنها، ولا يجرؤ أحد أن يشذّ.. لقد جعل الله المحك الذي يكشف نفاق المنافق ويخرجه من الإيمان الإعراض عن شريعة الله.
ثم يتعرض لشبهات العلمانيين بشيء من التفصيل.
وينتقل إلى القضية الثانية في هذا الفصل.. هل تصلح التجربة الأوروبية منهجا لحياتنا، ولحياة البشرية؟ وإذا لم تكن تصلح فما البديل؟!
إن العلمانيين يريدون أن يكون محك القبول أو الرفض هو الديمقراطية وليس الإسلام.
إن أوروبا معذورة حين تنادي بالديمقراطية وتصر عليها، لأنها لم تعرف في حياتها سوى نوعين من الحكم: الدكتاتورية والديمقراطية، وحسب تجربتها كل حكم غير ديمقراطي فهو معيب ومرذول.
أما المسلمون فهم في ميزانهم الخاص ـ الميزان الرباني ـ يوجد نوعان من الحكم: إما حكم الله، وإما حكم الجاهلية ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50]، ومن ثم فكل حكم غير حكم الله فهو حكم جاهلية، والديمقراطية حيث إنها ليست حكم الله فهي في ميزان الله جاهلية.
إن العلمانية حين تحصر الدين في دائرة الاعتقاد والعبادة، وتمنعه من الهيمنة على عالم السياسة، فتجعل الأمة هي مصدر السلطات، وهي التي من حقها التشريع؛ فهذا في الإسلام ليس له اسم إلا الجاهلية..!
فحين تجعل حق التشريع ـ أي التحليل والتحريم ـ للأمة من دون الله، فهي تقع في أحد أنواع الشرك الرئيسية؛ ومن ثم فهي جاهلية في ميزان الله.
الفصل الرابع: لحساب من يحارَب الإسلام..؟!
الحرب المحمومة التي تشن على الإسلام اليوم أوضح من أن يجادل فيها مجادل؛ حرب عالمية في كل مكان في الأرض. ويتحدث الكاتب فقط عن الحملات الموجهة ضد الإسلام ذاته، وبالذات ضد تحكيم الشريعة.
حين جاء الغزو الصليبي للعالم الإسلامي كان أول هَمٍّ له بعد الاستيلاء على أي بلد هو تنحية الشريعة وفرض القانون الوضعي بالحديد والنار، ثم التوجُّه لمعاهد التعليم لإغلاقها أو إجبارها على تغيير مناهجها الدينية، وذلك لأنهم يعلمون أن خطر الإسلام كامن في عقيدته التي تحث المسلمين على الجهاد، وتمنعهم من الاستكانة الى أعداء دينهم. وأن الإسلام ليس دينا منفصلا عن واقع الحياة يمارَس ساعة من النهار ثم تجري الحياة بعيدة عنه بقية اليوم؛ إنما هو ضارب بجذوره في كل تفصيلات الحياة، فهو ما يفتأ يذكّر المسلمين في كل لحظة، وكل عمل، وكل شعور أن هؤلاء الغزاة ليسوا منهم، إنما هم غزاة كفار يجب أن يُجْلَوا من أرض الإسلام.
لقد خطط الغزو الصليبي عن طريق الغزو الفكري، أن يصرفوا الناس عن الشريعة وتنفيرهم منها بحيث لا يفكرون في العودة إليها أبدا؛ فعمدوا الى مناهج التعليم وملؤوها بالسموم، وأحدثوا نمطا للحياة مغايرا للصورة الإسلامية ، يُبعدها عن الإسلام ويصبح غير قابل للتطبيق في دنيا الواقع بل يفسد رونق وبهاء هذا الواقع الجديد.
وإذا كان الغرب هو الذي نحَّى الشريعة الإسلامية من البلاد التي وطئتها أقدامه، والغرب هو الذي جنَّد طاقته كلها لمنع العودة إلى تطبيقها مرة أخرى في بلاد الإسلام؛ فأين العلمانيون..؟ وما موقفهم..؟
خاتمة .. المستقبل لمن؟!
وهو الفصل الخامس.. يقول الكاتب رحمه الله: إن الإسلام وحده هو الذي يملك أن يخرج البشرية من ظلماتها الحالية إلى النور. ليس البديل مزيدا من القوة المادية، ولا القوة العلمية، ولا القوة الحربية ـ وإن كان هذا كله من الأدوات اللازمة للتمكين في الأرض ـ ولكنه وحده لن يحل شيئا من مشاكل البشرية الحالية..!
البديل المطلوب هو القيم المفقودة في عالم اليوم، والتي يؤدي فقدانها إلى الأحوال السيئة التي تسود عالم اليوم. من الظلم السياسي والظلم الاقتصادي والفساد الخلقي والتمييز العنصري..
كل ذلك يرجع إلى سبب رئيسي واحد، هو استكبار الإنسان المعاصر عن عبادة الله واتخاذ إلهه هواه.
الإسلام هو المنهج الذي يُصلح الفساد الذي أنشأه البُعد عن منهج الله.
ولكن هذا المنهج لا يعمل وحده؛ إنما يعمل من خلال البشر الذين يؤمنون به فيحوّلونه إلى واقع يَشهده الناس بالفعل ويرون ما فيه من اعتدالات واستقامات في مقابل انحرافات الجاهلية واعوجاجاتها..
فمن يقوم بذلك اليوم؛ فينقذ نفسه وينقذ البشرية..؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق