الاثنين، 1 يوليو 2024

كيف مات حارس العمارة؟!

كيف مات حارس العمارة؟!

خواطر صعلوك



عبر التاريخ كان التعب مرتبطاً بالانهاك الجسدي... تعب الفلاحين في المزارع، وتعب المحاربين في الساحات، وتعب المسافرين للحج من الديانات السماوية الثلاثة الذين كانوا يتحمّلون معاناة الرحلات الطويلة، ثم تطور المفهوم عبر الزمن ليشكّل أيضاً تعب أصحاب المهن في إدارة شؤون الدول، ثم دخلت على خط التاريخ ومنحنيات الجغرافيا مصطلحات مثل السعرات الحرارية والفيتامينات وعلاقتها بالتعب...

أما اليوم في عصر التضخم التكنولوجي والتوسع العمراني وظهور الأطباء النفسانيين وحبوب منع القلق، فقد شهدت مفاهيم مثل الملل والاكتئاب والتعب وفقدان الشغف والإرهاق والإجهاد أبعاداً جديدة في تاريخ البشرية، وكما يحدثنا الخواجة جورج فيغاريلو، فإن الاحتراق النفسي هو آفة حارتنا اليوم وهو احتراق ناجم عن «تعب تحقيق الذات»، وعن توتر مستمر بين الذات المتضخمة لدينا وبين القيود المتعددة المهنية والاجتماعية والتي لا يمكن الإفلات منها...

لقد أصبحنا نؤكد من خلال مصطلحاتنا اليومية المتداولة بيننا على شعور مطول بالعياء أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط على مستوى الأفراد بل –ويا للهول- على المستوى المؤسسي، فأصبحنا نسمع عن التعب السياسي والتعب الديموقراطي، والتعب البرلماني، والتعب الإداري!

أول من اقترح وصف الاحتراق النفسي المهني هو السيد هربرت فرويدنبرغر، في عام 1980، ليوضح المسافة التي لا يمكن التغلب عليها بين المثل العليا والأهداف غير القابلة للتحقق، تلك التي يحملونها في أذهانهم، وبين السد المنيع من تحقيقها... حتى يحدث الانهماك والانهيار النفسي المهني / الشخصي، تماماً مثلما حدث لأبي حمادة، صاحب العينين الزرقاوين والذي كان يطمح أن يكون أكثر حرّاس العمارات كفاءة وقدرة على مواجهة التعاقدات الصعبة مع طاقة غير محدودة لعمليات الكنس والتنظيف والمسح وتلبية احتياجات السكان، مع زيارة يومية لثلاثة وأربعين شقة للتأكد من أن كل شيء على ما يرام، وقد كان يبحث عن «شيء» غير قابل للتحقق، حتى جاء اليوم الذي أدرك فيه أن «المالك» لن يرقيه درجة واحدة، فأدرك أن شيئاً ما فظيعاً قد حدث له، وتأرجحت أفكاره بين اضطراب الشريان التاجي والحمق، وان كل السكان ولو اجتمعوا فلن يكتبوا شيئاً غير الذي كتب الله له...

وفي يوم الأحد صعد على سطح البناية وظل واقفاً حتى يوم الأربعاء بلا ماء أو حركة، وظل هكذا حتى تحوّل لشجرة كتب أحدهم تحتها 
«لقد تم تدمير تقدير الذات حيث تحول لشخص غير قادر على التركيز في العمل، والدماغ والجسم أحياناً يتزحلقان، ولم تعد الآلة تستجيب، فقرّر أن يتحول لشجرة تستفيد منها الطيور في الصيف»... 

ولا أدري عزيزي القارئ هل أحدثك عن التعب أو عن القدر؟!

أصبحنا نسمع عن قصص جديدة فرضت نفسها عن معاناة أولئك الذين يكون الخوف من عدم الرضا هو هاجسهم الأول، وأولئك الذين تعبوا من المقارنات في «السوشيال ميديا»، وأولئك المتعبون جسدياً ونفسياً طوال الوقت.

أهداف غير قابلة للتحقق، هذه هي كلمة السر في الاحتراق النفسي أو قل إن شئت «الاختراق النفسي». والغريب في تاريخ البشرية أنها توسع من مفهوم التعب الجسدي والنفسي والوهمي أمام تقليل المساحات في مفهوم السعادة والجمال حيث يتم قولبته باستمرار. وكل ما لم يذكر فيه اسم الله...أبتر.

Moh1alatwan@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق