الاثنين، 8 يوليو 2024

ما بين “مجاهد كراجة” و “سلمة بن الأكوع” .

 ما بين “مجاهد كراجة” و “سلمة بن الأكوع” 

د . عزالدين الكومي


بعد طوفان الأقصي لفت نظري تغير اهتمامات شبابنا المسلم ، وتغير مفاهيمهم وتطلعاتهم بشكل جذري .
فقد جلست إلى طفل صغير فقلت له : ما هي أمنيتك عندما تكبر؟ فظننت أن يقول لي : أن أكون طبيباً أو مهندساً .. على عادة جيلنا – جيل النكسة !! – لكنه فاجأني برده حين قال : أريد أن أكون مثل أمير الظل البطل عبدالله البرغوثي فك الله بالعز أسره .
الشاهد أنه لم تعد الرموز الملهمة لشبابنا اليوم هي ميسي ورونالدو ونيمار وغيرهم .
لأن معركة طوفان الأقصى أظهرت رموزاً جديدة مثل : المقاتل الأنيق ، وقائد معركة الساعات السبع ، والشهيد الساجد ، وغيرهم !! .
ومع اندلاع معركة طوفان الأقصى قام أحد المجاهدين في الضفة الغربية بإشعال معركة فردية استمرت 9 ساعات ، مما استلزم تحريك سلاح الجو الصهيوني لملاحقته !! .
كان ذلك في صبيحة يوم الجمعة 23 من مارس الماضي ، عندما واجه الشهيد ” الصائم المشتبك” جحافل الاحتلال المدعومة من الجو ، إنه المجاهد الشهيد بإذن ربه “مجاهد بركات منصور كراجة” الذي أذاق جيش الاحتلال الأمرّين قبل اغتياله بصاروخ غادر من طائرة مروحية من الجو بعد أن عجز جيش الاحتلال عن مواجهته في معركةٍ تواصلت لسبع ساعاتٍ كاملة !! .
[ ] وكان الشهيد “مجاهد بركات منصور كراجة” قد نفذ عملية استهدفت حافلة للمستوطنين في الطريق بين قريتي “دير إبزيع” و “كفر نعمة” غربي رام الله، ثم مع قوات صهيونية فأصاب منهم سبعة جنود ونجح في الانسحاب إلى منطقة جبلية خالية من السكان .
واستمرت ملاحقته لساعات، فشل خلالها جيش الاحتلال في الوصول إليه، إلا بقصفه بصاروخ من الجو بطائرة مروحية.
ثم قام جيش الاحتلال – بعد هزيمته – بمحاصرة منزل والده، لاستجواب أفراد عائلته .
رحم الله الشهيد بإذن ربه ورضي الله عنه كما رضي على من قبله من المجاهدين الشهداء .
يُذكر أن الشهيد “مجاهد بركات منصور كراجة” 32 عاما، من بلدة “دير ابزيع” كان من عناصر حركة فتح ، وضابطاً سابقاً في الحرس الرئاسي الفلسطيني، ولكنه استقال قبل حوالي عشر سنوات، وقد نال حظه من السجن والاعتقال في سجون الاحتلال .
وقد أعلن جيش الاحتلال أن “كراجة” غادر منزله بعد منتصف الليل بقليل، وأطلق الطلقة الأولى عند الساعة 5:15 صباحًا ، أي أنه جهز المنطقة لمدة 5 ساعات تقريبًا، وبنى مواقع إطلاق النار والسواتر الصخرية التي ستحميه لاحقًا.
‏وكان مسلحا بعبوة ناسفة محلية الصنع، ويرتدي سترة عالية الجودة، وجهز نفسه بحوالي 70 – 80 رصاصة لأسلحة القناصة، وكان مستعدًا لمعركة طويلة وكبيرة”.
وأثناء محاولات اغتياله .. انفجرت بالقرب منه ما لا يقل عن 3 طائرات انتحارية ولم تصبه مباشرة، وتمكن من مواصلة القتال .
وكانت شجاعة الشهيد الصائم منقطعة النظير ، فقد أثبت عجز جيش الاحتلال وجبن جنوده ، وقد طبق كل فنون القتال وأساليبه وتقنياته في ضرب جنود جيش الاحتلال كما فعل الصحابي الجليل “سلمة بن الأكوع في معركة “ذي قرد” حيث قاتل بمفرده سرية قوامها ٤٠ فارسًا .
فهناك أوجه شبه بينهما من حيث الشجاعة والثبات والتحمل واستخدام الأساليب القتالية المتنوعة ضد العدو .
يقول رضي الله عنه : “خرجت أنا ورباح غلام النبي – صلى الله عليه وسلم – بظهر النبي – صلى الله عليه وسلم “أي إبل” ، وخرجت بفرس لطلحة ، فأغار “عبد الرحمن بن عيينة” على الإبل فقتل راعيها ، وطرد الإبل هو وأناس معه في خيل.
فقلت : يا رباح أقعد على هذا الفرس ، فألحقه بطلحة ، وأَعلِم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقمتُ على تلٍّ ثم ناديت ثلاثا : يا صباحاه ، واتبعت القوم ، فجعلت أرميهم ، وأعقر بهم ، وذلك حين يكثر الشجر ، فإذا رجع إلي فارسٌ .. قعدت له في أصل شجرة ثم رميته ، وجعلت أرميهم وأقول : أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع ، وأصبت رجلا بين كتفيه، وكنت إذا تضايقَتِ الثنايا علوت الجبل فردأتهم بالحجارة ، فما زال ذلك شأني وشأنهم حتى ما بقي شيء من ظهر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلا خلَّفْتُه وراء ظهري واستنقذته .
ولم أكتفِ بذلك بل ظللت أطاردهم وأرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخِفُّون منها .
وعند الضُحى أتاهم عيينة بن بدر مدداً لهم ، وهم في ثنية ضيقة، ثم علوت الجبل، فقال عيينة : من هذا ؟ قالوا : لقينا من هذا البرح ، ما فارقَنا بسَحَرٍ إلى الآن ، فقال عيينة ليقم إليه نفرٌ منكم ، فصعد إليه أربعة، فقال لهم سلمة رضى الله عنه : أتعرفوني؟ قالوا : ومن أنت؟ قال : أنا ابن الأكوع ، والذي أكرم وجه محمد – صلى الله عليه وسلم – لا يطلبني رجل منكم فيدركني، ولا أطلبه فيفوتني ، فما بَرَحْتُ حتى نظرت إلى فوارس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتخللون الشجر ، وإذا أولهم الأخرم الأسدي، وأبو قتادة، والمقداد، فَولَّى المشركون ، فأخذت بعنان فرس الأخرم وقلت له : لا آمن أن يقتطعوك فاتَّئِدْ – تمهل- حتى يلحقك المسلمون ، فقال: يا سلمة : إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق والنار حق .. فلا تَحُلْ بيني وبين الشهادة ، فخليت عنان فرسه ، ولحق بعبد الرحمن بن عيينة، فقتله عبد الرحمن وأخذ فرسه ، فلحق أبو قتادة بعبد الرحمن فقتله أبوقتادة وأخذ فرسه ، وخرجت أعدو في أثر القوم وهم يعرضون قبيل المغيب إلى شعب فيه ماء يقال له : “ذو قرد” فأبصروني أعدو وراءهم ، فعطفوا عنه وأسندوا في الثنية، وغربت الشمس ، فألحق رجلا ، فأرميه ، فقلت : خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع” .
وقد أخذ سلمة رضى الله عنه وسام الشرف من الدرجة الأولى من النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال صلى الله عليه وسلم بعد هذه السرية : “خير فرساننا أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة” .
فقد استردَّ سلمة رضى الله عنه الإبل وغَنِمَ 30 رمحاً، و30 برداً، وأخذ خيل قتلاهم ، وسلبهم وقاتل في ظروف صعبة .
وقد أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم سهم الراجل والفارس جميعا.
ثم أردفه وراءه على العضباء وهم راجعون إلى المدينة.
والأمة الإسلامية اليوم أحوج ما تكون لأمثال “سلمة” رضي الله عنه وأمثال “مجاهد كراجة” رحمه الله ، فقد استخف بها أعداؤها، وأصبحت مستباحة مهيضة الجناح عندما تركت الجهاد في سبيل الله .
ورحم الله الإمام مالكا يوم قال: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
د/عزالدين الكومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق