الأربعاء، 17 يوليو 2024

بالأمر.. كُن فاسداً لتسكت عن فساد الكبار!

بالأمر.. كُن فاسداً لتسكت عن فساد الكبار! 

شريف عبدالغني


ربما لم يتوحّد أسيادنا الذين في قصور السلطة العربية، أطال الله أعمارهم ونصرهم على من يعاديهم، سوى في أمرين..

الأول ترك أهلنا في غزة يُذبحون، والذين بقوا أحياء منهم يُشرَّدون ويُجوّعون؛ إذ إن الظاهر لنا – نحن الرعية- أن نفراً من تيجان رؤوسنا من شرق الأمة إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، يتلذذون بما يحدث وكأنهم يشاهدون فيلم “أكشن” يقوم فيه مَثَلهم الأعلى نتنياهو “رمز القوة والسيطرة” بقتل وإبادة كل من يقول “لا”؛ فهم ينظرون إلى “حماس” وفصائل المقاومة على أنها فصائل معارضة لـ “حكومة شرعية” مقرها تل أبيب، ويرون أن وجود فصائل مقاومة في المنطقة يُشكل خطراً عليهم أنفسهم، ويتخوفون من أن تمتد “عدوى” التمرد على “حكومة نتنياهو الشرعية المنتخبة” من قِبل هذه الفصائل إلى الشعوب العربية، فتتمرد على حكوماتها “الشرعية.. غير المنتخبة”!

أما الأمر الثاني الذي نجح سادتنا في تحقيق الوحدة فيه، فهو إبعاد الشعوب عن الشأن العام، لتنشغل في سباق الجري وراء لقمة العيش، ففي ظل الغلاء الذي يعم معظم أوطان الأمة، لم يعد الصراع السياسي والفكري يشغل بال الناس إلا نسبة ضئيلة من عموم عشرات ملايين العرب.

أبناء “الأمة الواحدة ذات الرسالة الديكتاتورية الخالدة”، لا يتكلمون في صراعات السياسة إلا إذا كانوا يتزلفون لحكامهم، فهذا هو المسموح وذاك هو السقف؛ لذلك هربوا من الواقع والقمع المغموسين فيه بالعمل الإضافي لتلبية متطلبات من يعولون، وإذا وجدوا وقتاً للاهتمام بالشأن العام، فإنهم يتجنبون أي صراع لا يحبه ولاة الأمور، ويفرّغون طاقاتهم في الصراع الكروي بين أندية الكرة، أو زيجات وطلاقات وتقاليع أهل الفن.. نجحت الأنظمة المتعاقبة على معظم دول العالم العربي في شغل الناس بمثل هذه الصراعات التافهة، ولعبت الحكومات لعبة خبيثة، حيث عملت بدأب على نشر ثقافة الفساد بين عموم الناس.

كثيرون يتحدثون وينتقدون انتشار ظاهرة الرشاوى على امتداد الوطن العربي الكبير، لكنهم لا يذكرون الأسباب التي تؤدي إلى استشراء الرشاوى بين صفوف الموظفين؛ إذ إن كثيراً من الحكومات ترفع الأسعار بينما تظل الرواتب ثابتة، وحتى لو زادت الأخيرة فإنه يقابلها ارتفاع التسعيرة لكثير من السلع الأساسية أضعافاً مضاعفة، فماذا يفعل أصحاب الدخول المحدودة لمواجهة هذه الزيادة؟!

السُلطة في الدول الديكتاتورية تترك المواطن يتكسّب مثلما يريد، كل واحد وشطارته، الموظف يرتشي، عنصر المرور يمد يده، التاجر يغشّ، رجل الأعمال يسرق، المدرس يمصّ دم أولياء الأمور عبر الدروس الخصوصية، الصحفي يعمل لحساب المصدر الذي يُعطيه لا لحساب جريدته والقراء!. أما السبب فهو أن السُلطة الفاسدة على مدار التاريخ، تعمل على إفساد الشعوب حتى تغض النظر عن فساد الكبار.. عندما تكون فاسداً ستسكت عن فساد رئيسك في العمل، وهو لن يستطيع النطق بكلمة أمام فساد المسؤول الأعلى، وهكذا ندور في الحلقة نفسها حتى نصل إلى “الرؤوس الكبيرة”! الكل يسكت، الكل يتربح، وشعار الجميع “لا تعايرني ولا أعايرك.. الفساد طايلني وطايلك”!

لو قدّر الله، وانصلحت أحوال أمتنا وعرفت الشيء المسمى “ديمقراطية”، فإن أي مسؤول عربي مُنتخب مستقبلاً سيرث تركة ثقيلة جداً.. في أميركا يسأل المواطن زميله: أنت “جمهوري” أم “ديمقراطي”؟ نسبة إلى الحزبين الكبيرين هناك؛ أما في عالمنا العربي المأزوم فالسؤال: أنت “مدريدي” أم “برشلوني”؟.. تحب نانسي أم تفضل هيفاء؟.. “مرتشٍ” أم تستدين؟!

لذلك، لن يستطيع أي حاكم عادي مواجهة هذا الميراث العفن.. الأمة بحاجة إلى “حكماء” بحق وحقيق، وليس على شاكلة “الحكماء” إياهم، كما يطلق عليهم إعلامهم الأهطل.. مطلوب حكماء جادون، يقيمون مجتمعات خالية من الأمراض والفساد والجهل والخرافة، حكماء يعيدون “المواطن عربي” مُسالماً لا مُستسلماً.. شجاعاً لا خانعاً.. قائداً لا خاضعاً.

عندما تكون السلطة جاهلة جهولة، فإن أبواقها تخرج من طينتها نفسها.. 
هؤلاء الجهلاء هم سادة الساحة العربية حالياً، بشكل يؤكد أن أمتنا انحدرت حتى طمع فيها “الرويبضة”، ووصلت لـ”السنين الخداعات”، التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً في وصفها: “يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة”.. قالوا: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال:”الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”. رواه الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما.

من أراد أن يعرف رويبضة العصر الحالي، فليعصر على نفسه شادر ليمون ويتابع إعلام أمتنا الخالدة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق