الحُرِّية أثمن من الخُبز!
يروي الإغريقِ القُدماء حكايةً تدورُ على ألسنةِ الحيوانات مفادها أنَّ ذئباً قد ضَمُرَ حجمه، وظهرتْ عظامُ صدره، لأنَّ الكلاب كانتْ بارعة جداً في إبعاده عن الأغنام!
فالتقى يوماً بكلبٍ تبدو عليه الصحة والسُمنة، فقال في نفسه: لو أنَّ لي قوةً لمزّقتُه بأسناني وأكلتُه.
ولما رأى عَجزه، وقلةَ حيلته، أقبلَ على الكلبِ يمدحه قائلاً: تليقُ بك هذه الصحة والقوة يا حارس القطيعِ الأمين!
فقالَ له الكلب: بإمكانكَ أن تصيرَ مثلي، اُترُكْ هذه الناحية من الغابة، وتعالَ أَقِمْ عندنا، حيثُ الطعامُ وفير!
فقالَ له الذئب: وما الطعامُ هناك؟
فقالَ له: ألذُّ الأطعمة، وعظامُ الدجاج، وطبطبةٌ على ظهركَ من يدِِ السيِّد!
سالَ لُعابُ الذئبِ من كلامِ الكلب، وقررَ أن يمضيَ معه، وأثناء المسيرِ لاحظَ أثراً في رقبةِ الكلب، فقالَ له: ما هذا؟
فقالَ الكلب: هذا أثرُ السلسلةِ التي يربطُني بها سيدي.
فقالَ الذئب: إذن، لستَ حُراً في الرواحِ والمجيء!
فقالَ الكلب: أحياناً، ولكن لا يهم ما دمتُ أحصلُ على كلِّ شيء.
فقالَ له الذئب: إني أختارُ الجوعَ مع الحريةِ على السُّمنةِ والسلسلة!
امضِ في طريقك، العبيدُ لن تفهمَ أبداً أن الحريةَ أثمن من الخُبز!
الحريةُ أثمنُ من الخُبز!
هذه ثاني أجمل مقولةٍ قرأتُها عن الحرية، أما الأولى فقول عُمر بن الخطاب لعَمرو بن العاص: يا عَمرو متى استعبدتُم الناس وقد ولدتهم أُمهاتهم أحراراً؟!
تسابقَ ابنٌ لعمرو بن العاص وهو يومذاكَ أمير مصر مع قبطي، فسبقه القبطيُّ، فجلدَه وقال له: أتسبقُ ابن الأكرمين؟!
ولأنَّ الظُلم مُر، واستعباد الناس لا يُستساغ،
يأتي القبطي من مصر إلى المدينةِ ويرفعُ شكواه إلى الفاروقِ الذي يُرسِلُ في طلبِ عمرو وابنه، فلمَّا حضرا بين يديه ناولَ درته للقبطي وقال له: اِضربْ ابن الأكرمين!
ثم قالَ لعمرو: يا عمرو متى استعبدتُم الناس وقد ولدتهُم أمهاتهم أحراراً؟!
ما جاءَ هذا الدين إلا ليُحرِّر الناس، ليُحرِّرهم من استعبادِ الآخرين لهم أولاً، ومن استعبادِ أنفسهم لهم ثانياً، فالإنسانُ بلا دينٍ عبدٌ لغرائزِهِ ومُيُولِهِ وأطماعِهِ، ولا شيء يُؤدِّبُ هذه الغرائز إلا الدين، لهذا نجدُ الإسلامَ العظيمَ يقفُ وسطاً مُعتدلاً بين أولئكَ الذين أطلقوا غرائزَ الإنسان، وبين أولئكَ الذين كبتوها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق