الأربعاء، 10 يوليو 2024

من "خُد دِي" إلى "خُد دُول"!

 من "خُد دِي" إلى "خُد دُول"!

أحمد عبد العزيز


في لحظة غضب وتبكيت (وما أكثر لحظات غضبه على المصريين وتبكيته لهم) قال الجنرال المنقلب: "والله العظيم أنا ما لقيت بلد.. أنا ما لقيتش بلد.. أنا لقيت أي حاجة.. وقالوا لي خُد دي".. تصفيق حاد من الحضور، وأغلبهم من العسكريين!

كيف صفق هؤلاء "القادة" في هذا الموقف الذي يستوجب الغضب؟ لا أعرف.. ألم يشعروا بالإهانة؟ غالبا لا.. لم يشعروا بالإهانة؛ ذلك لأنهم معتادون عليها داخل المعسكرات، من الأعلى رتبة تجاه الأقل رتبة!

مصر لم تكن يوما دولة هزيلة، حتى وهي تحت الاحتلال.. غير أن عسكر يوليو الخمسينيات جعلوا منها دولة هزيلة بالفعل، ثم "أشباه دولة" حسب وصف الجنرال المنقلب، ثم أمست على يده المخضبة بدماء المصريين "أي حاجة" أو "دي"، وفي سبيلها إلى أن تكون "خرابة" تتناثر فيها بعض الواحات الغناء المغلقة على "الإيجيبتيين"!

وبما أن الدول يحكمها رجال، فإن "دي" التي يحكمها "ده" ليست لها إلا "دول"، وهو ما كان..

ففي الدول، يبحث رئيس الوزراء المكلف عن الكفاءات؛ كي ترتقي بالدولة، وتسهر على خدمة مواطنيها.. أما في "دِي" فيبحث مقاول الهدم المكلف بالبحث عن "دول" في قوائم المزوِّرين، والفاسدين، وأصحاب السوابق؛ ليستكملوا تدمير "دي" ونهب ما يمكن نهبه منها، مجاملة، أو ترضية، أو مشاركة!

يبحث رئيس الوزراء المكلف عن الكفاءات؛ كي ترتقي بالدولة، وتسهر على خدمة مواطنيها.. أما في "دِي" فيبحث مقاول الهدم المكلف بالبحث عن "دول" في قوائم المزوِّرين، والفاسدين، وأصحاب السوابق؛ ليستكملوا تدمير "دي" ونهب ما يمكن نهبه منها


فمن المعلوم بالضرورة، أن على المتقدم أو المكلف أو المختار لشغل وظيفة حكومية استخراج ما يُسمى "صحيفة الحالة الجنائية" التي يطلق عليها المصريون "فيش وتشبيه".. مش عارف ليه! ولا بد أن تكون هذه الصحيفة خالية من أي مانع (جنائي أو أخلاقي) يحول دون تولي الشخص الوظيفة.. ولأن وظائف "دول" في "دي" هي الهدم وليس البناء، والتخريب لا التعمير، فقد كان الجنرال المنقلب ومقاول الهدم المكلف يبحثان عن ذوي الصحف الجنائية "السوداء"، باعتبار الموانع الجنائية والأخلاقية (في عُرفهما) من مسوغات التوظيف في مناصب "دي" العليا!

"ده" مزوِّر شهادات ودرجات علمية، يبقى وزير التعليم! و"ده" تجسس على مواطنيه في ألمانيا، وحرامي، وسبَّاب، وشتَّام، يبقى وزير الخارجية! و"ده" لص تمت إدانته قضائيا، يبقى وزير الطيران المدني التي ارتكب في أروقتها جرائمه! و"ده" عضو مجلس إدارة مجموعة طلعت مصطفى التي ابتلعت أراضي مصر وتملكتها بالأمر (العسكري) المباشر، يبقى وزير المالية، و"دِي" عضو في مجلس إدارة بنك أبو ظبي (الإماراتي) تبقى وزيرة التخطيط والتعاون الدولي.. و"ده" لا يعرف سوى "تمام يا فندم"، و"أوامر يا فندم"، فيستحق أن يكون "وزيرين"؛ فيظل زيرا للنقل مكافأة عن "تمام يا فندم"، ويعين وزيرا للصناعة، مكافأة عن "أوامر يا فندم"، ونائبا لرئيس الوزراء "بونص"!

فماذا تتوقع من "دول"؟! أكيد مزيدا من تدمير "دي" وتخريبها، وهذا هو المطلوب "إنجازه"!

سيكولوجية العاملين بالجهات السيادية

المدة القصيرة التي قضيتها في رئاسة الجمهورية سمحت لي بالتعرف على سيكولوجية العاملين بالجهات السيادية، مع وجوب التنويه إلى وجود استثناءات من هذه القاعدة "المستقرة"، وعلى رأس هذه الاستثناءات الرئيس الشهيد محمد مرسي وفريقه الرئاسي، وقد بات ذلك من الحقائق التي لا تقبل النقاش أو الشك..

يبدو هؤلاء (من بعيد) أشخاصا ذوي هيبة، فضلا عن وقع مسمياتهم الوظيفية على الأذن الذي يبعث (تلقائيا) على التقدير والاحترام، ويُخيَّل إليك أن هؤلاء هم حماة البلاد، والأمناء عليها، والمتفانون في خدمتها، وما أن تتعامل معهم عن قرب حتى يتبدد هذا الانطباع، وتتلاشى هذه الصورة "المثالية"؛ لتظهر صورة قاتمة لا تسر إنسانا محبا لوطنه!

إنهم عبيد السلطة.. متمرسون على الطاعة العمياء.. رضا المسؤول غايتهم.. يقظون أو متيقظون على مدار الساعة، ليس لخدمة الوطن، وإنما خشية الوقوع فيما يستوجب غضب السلطة الأعلى، ومن ثم فقدان الوظيفة المرموقة، والمركز الاجتماعي، والمستقبل "الواعد".. نشيطون حتى وهم مرضى، مبتسمون وهم في قمة الغضب! هذا السلوك لا يتحلون بها إلا أمام السلطة الأعلى، أما أمام مَن دونهم وظيفيا، فلا تسمع منهم سوى الفاحش من القول!

هؤلاء يشعرون أنهم دفعوا ثمنا باهظا جرَّاء وجودهم في مواقعهم العليا.. دفعوا من كرامتهم حتى لم يعد لديهم رصيد منها.. دفعوا من استقرارهم العائلي حتى تفسخت أسرهم، دفعوا من راحتهم حتى أصابتهم الأمراض التي لا شفاء منها.. إنهم يتطلعون بشغف إلى اللحظة التي يعوضون فيها هذا الثمن الباهظ الذي يتحول إلى خسارة فادحة في حال إبعادهم عن دولاب السلطة! وإذا ما حانت لحظة "التعويض" فإن "السرقة" هي أول ما يفكرون به؛ لأن الراتب الحكومي هزيل جدا مقارنة بتطلعاتهم وأحلامهم، وبما أنفقوه من أعمارهم وراحتهم واستقرارهم.. وللسرقة ألف ألف باب، ولا ينجيهم من الفضيحة والمحاسبة إلا قربهم من رأس النظام!

هؤلاء يؤدون بأجسامهم صلاة المسلمين، أما قلوبهم فمعلقة بإلههم المتربع على عرش السلطة.. فهو الذي يضر وينفع، ويرضى ويسخط، ويُعطي ويمنع، ويرحم ويُعذب، ويُبعد ويُقرِّب.. أما الله الذي يصلون له، فهذا إله الآخرة الذي سيغفر لهم كل خطاياهم إذا كان لهم خطايا من الأساس، وكيف يكون لهم خطايا ونبيهم العظيم مكيافيللي يقول: "الغاية تبرر الوسيلة"؟! أما النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فهذا يكفيهم الصلاة عليه بضع مرات في اليوم؛ لينالوا شفاعته يوم القيامة!

فلا تنتظروا خيرا (أبدا) من هكذا بشر..

هل من سبيل إلى الإصلاح؟

سبيل الإصلاح معروف، غير أن الوصول إليه والسير فيه مكلف، بل مكلف جدا.. لذا، يكتفي الجميع (إلا من رحم الله) بالحديث عن الإصلاح، وضرورة الإصلاح، وحتمية الإصلاح..

سبيل الإصلاح معروف، غير أن الوصول إليه والسير فيه مكلف، بل مكلف جدا.. لذا، يكتفي الجميع (إلا من رحم الله) بالحديث عن الإصلاح، وضرورة الإصلاح، وحتمية الإصلاح

طيب يا عم المصلح لماذا لا تصلح؟ فيجيبك بلسان الحال: ومَن يحكم إذا دفعتُ حياتي أثناء سعيي "الجاد" نحو الإصلاح؟ ماذا استفدت؟ أأموت ليحكم غيري؟ هل أنا غبي أو مجنون؟ صلِّ ع اللي هيشفع فيك..

ويواصل بلسان الحال، والمقال: عليك أيها الإسلامي أن تتصدي (بكل ما أوتيت من إمكانات) للسلطة الغاشمة المستبدة، فإن مت فأنت شهيد، وإذا بقيت حيا فأنت سجين، أو مطارد، أو منفي، وهذا جهاد في سبيل الله، وأنت سيد العارفين.. وإذا سقطت هذه السلطة المستبدة، فالحكم خالص لي؛ لأن وجودك في الحكم سيثير حنق وحساسية الغرب والصهاينة، وستصبح مصر محل تهديد، وهذا أمر لا تقبله ولا يرضيك، وأنت الذي حدثتنا كثيرا عن الإيثار والتضحية والإخلاص.. أما إذا أصررت على الاحتكام للشعب وصندوق الانتخاب، فلن نتردد في استدعاء الجيش (مرة ثانية وثالثة) لإنقاذ مصر من الفاشية الدينية..

يا عزيزي.. أنا معارض ليبرالي علماني "كيوت".. أغازل أمريكا والغرب، وأتلقى الدعم من كل حدب وصوب، وأناكف ياسر جلال، وأكتب بعض المنشورات على سبيل التسلية؛ أهنئ هذا، وأعزِّي ذاك، وأحكي تاريخي "النضالي" مع ذينك.. وهذا جهد لو تعلمون عظيم!

ليس لها من دون الله كاشفة..

x.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق