الأربعاء، 2 أكتوبر 2024

رؤية غير عاطفية.. لاغتيال حسن نصر الله

 إضاءات سياسية مصيرية


 رؤية غير عاطفية.. لاغتيال حسن نصر الله

مضر أبو الهيجاء

من نافلة القول إن إسرائيل -اليد الأمريكية الضاربة- لا يمكن أن تتجاوز الرؤية والأوامر الأمريكية في عملياتها المفصلية.

إن خطوة تصفية قائد حركة حماس الشهيد إسماعيل هنية -رحمه الله-، وعملية تفجير 5000 جهاز بيجر بقيادات ونخب وعناصر حزب الله اللبناني -ذوي الدور الإجرامي-، ثم قتل القاتل حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية ببيروت، لم تتم إلا ضمن الإرادة والتعاون والتنسيق وبأوامر أمريكية.

أمريكا التي نجحت في الالتفاف على ثورات الشعوب العربية من خلال المشروع الإيراني وأذرعه القتالية -وعلى رأسها حزب الله الذي أحدث منعرجا مؤلما في الثورة السورية لصالح إسرائيل-، ومن خلال تنظيمات داعش وأخواتها -التي أتلفت العراق والشام-، ومن خلال بعض الأنظمة والجيوش العربية -كجيش مصر والنظام الإماراتي-، ومن خلال الثورات المعاكسة التي قادتها المشاريع العلمانية -الحالة التونسية والتركية-، ومن خلال اختراق الأجسام الثورية -وما أكثرها-.. قد انتقلت لمرحلة إعادة ترتيب دول المنطقة بعد أن فككتها وضعضعت قواها الرسمية والشعبية والثورية، فهيأت بذلك أخصب أرضية.

لم تقتل أمريكا حسن نصر الله لذاته، ولم يقتل السيد الذي أزهق لبنان لأجل دوره الموهوم في نصرة القضية الفلسطينية -كما يظن أصحاب الطرح السياسي الاسلامي العاطفي، والعليل في أفهامه وتصوراته تجاه قضية فلسطين- وإنما جاء قتله كمدخل لاستكمال ضعضعة لبنان واضعافه في سياق استكمال تهيئة إقليم الشام -تماما كما حصل نفشه وتقويته لأجل هدم سورية وتفكيكها وافشال ثورتها وقد حصل ونفذه-، وذلك للانتقال نحو إعادة ترتيب وتقسيم جديد جيوسياسي لدول المنطقة وأعراقها وطوائفها، بالشكل الذي يضمن تفجير الصراعات الداخلية والبينية على نحو فظيع ومخيف محدثا لتلف عظيم لم تشهده دول المنطقة وشعوبها بعد!

إن إسرائيل التي تسعى بشكل حثيث إلى إعلان يهودية الدولة بعد التغيير الديمغرافي لسكان فلسطين من خلال تهجير اهل غزة والضفة وتموضع واسع للمستوطنين، لن تحظى بتلك الفرصة وتضمن بلورتها إلا في حال نشوء دويلات طائفية وتقسيمات عرقية واثنية في محيطها العربي، وهو جزء أساسي من المشروع الأمريكي الصهيوني في المرحلة القادمة، لاسيما بعد أن قامت دولة الملالي -خلال أربعة عقود- بتفتيت العراق واليمن والشام على أساس طائفي، وهي ماضية دون هوادة في استكمال هذا الدور نحو دول الخليج العربي، قبل أن تنتقل إلى مصر والمغرب وتركيا.

وكما أن إسرائيل تشكل اليد الضاربة للمشروع الأمريكي، والمنفذ البارع للمهمات القذرة واللاأخلاقية، فإن دولة ملالي إيران ستبقى المكون الأقوى فاعلية والأقل كلفة -من جميع النواحي- لتحقيق التفتيت الثقافي في دول الخليج وعموم الدول الاسلامية كباكستان وتركيا، لاسيما وقد نجحت ببراعة منقطعة النظير منذ حلول الخميني في طهران -برعاية أمريكية- بصرف صراع الشعوب عن إسرائيل والصهيونية، لتصبح قبلته احتراب طائفي يهرق الدماء والثروات، وتنتهي معه الأحلام الوحدوية، والتي تشكل شرطا لمواجهة المشروع الغربي الصهيوصليبي.

إن اغتيال حسن نصر الله يشكل منعرجا في مستقبل لبنان وبداية قبح واستعلاء للصهاينة، لكنه لن يخرج مطلقا عن الخطوة الأمريكية، وهو ما استوعبته جيدا طهران، فتحول الملالي من ذئاب وضباع يقتلون العرب والمسلمين إلى فئران وضباع أمام جيش إسرائيل، مدركين الاستحقاقات الجديدة والمنعرجات الحديثة للسيد الذي سلمهم مفاتيح طهران وبسط نفوذهم بشكل مدروس في العراق واليمن والشام.

إن نتيناهو القبيح أمريكي الهوى والسياسة وبلا دين، سيصبح المؤسس الثاني لدولة الكيان الإسرائيلي، وذلك إن بقي إلى حين تشكيل سورية الثانية-العقدة الأهم في المنطقة-، وقد أشرت في مقالي قبل الطوفان بعدة شهور عن قرب حلول أمريكا في المنطقة وتشكيلها لسورية الثانية، بديلا عن سورية الجديدة والتي كان سيبنيها الثوار الأحرار، وقد نجحت أمريكا وروسيا وإيران في افشالها ودهورة أوضاع شعبها.

إن صمت بشار الأسد وإصرار الأمريكان على وجوده وتسويقه على المستوى الرسمي العربي والتركي، يشير إلى موقف قادم مطلوب منه، والأرجح أنه سيكون له دور هام في انجاز المخطط الأمريكي بتقسيم المنطقة طائفيا وعرقيا.

وبكلمة يمكن القول أن المشروع الأمريكي القادم لإعادة ترتيب دول وشعوب المنطقة وفق تصوره الطائفي الذي أثبت فاعليته بحرف بوصلة الأمة وتشتيت طاقاتها وهدر مواردها، وبعد ما حققه في غزة وأنجزه في لبنان يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة ستكون ركيزتيها المشروع الاسرائيلي بعد ضبط ايقاعه، والمشروع الإيراني الشيعي بعد تهذيب أطرافه وتقليم أظفاره لتخليصه من ارثه الثقيل ليتمتع بمرونة أكبر، وهو ما التقطه آية الله الخامنئي فأعلن عن ولائه واستعداده بمصطلح الصراع الدائم بين الجبهتين الحسينية واليزيدية، ليصار إلى تسييده الى جانب إسرائيل في المنطقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق