الأربعاء، 2 أكتوبر 2024

مصائر شعوب المسلمين في أيدي السفهاء

 إضاءات منهجية حركية سياسية

 مصائر شعوب المسلمين في أيدي السفهاء


مضر ابو الهيجاء

إن مصائر الناس ودماءهم -التي تقررها وترسمها خياراتهم السياسية والجهادية- لا تقل قيمة عن أموالهم في التوجيه القرآني العظيم، وباعتبار النظر لأحكام السفيه في التصرفات المالية في جميع المذاهب الفقهية.

إن شكل ومدى الصلاحيات الممنوحة لكثير من قيادات العمل الإسلامي النافذة جر ويلات على الأمة، وهي نتيجة طبيعية لعدم وعي حكم السفه وغياب الرشد والمسؤولية في التصرفات السياسية وقصرها على البعد المالي، الأمر الذي غيب الحكمة والرشد المطلوب في قضايا الأمة المصيرية.

وإن من عظمة القرآن الكريم أنه وصف الأموال بكلمة قيما في قوله تعالى ( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما )، ومما لا شك فيه أن قيمة الدماء والأرواح مقدمة على قيمة المال في الشرع الصحيح والعقل السليم، وهو ما اعتبره علماء المقاصد في سلم المقاصد الخمسة حيث سبق مقصد حفظ النفس مقصد حفظ المال.

وإذا كان السفه المالي بالاصطلاح الفقهي هو نقص الحكمة والرشد في التعامل مع الأموال باعتباره قيما، أي مقيما وله قيمة معتبرة شرعا وعقلا، فإنه من باب أولى التوقف أمام السفه السياسي الذي يمس دماء الناس ويهدرها في شكل تضحيات وعبث بلا نتائج راجحة ولا هي موازية لأنهار الدماء!

إن من حجر ومنع السفيه حق التصرف المطلق بأمواله تجاوبا مع أحكام الشريعة واعتبارا للعقل السليم، من باب أولى أن يحجر ويمنع السفيه السياسي من الصلاحيات النافذة وتبوأ المناصب ومواقع القرار من حيث الأصل.

إشكاليتنا الكبيرة في أعمالنا الدعوية والسياسية والحركية، كما الجهادية الواجبة والمشروعة والعظيمة، هي أن كثيرا من السفهاء في تناول قضايا الشأن السياسي وقضايا الشأن الإسلامي العام قد ارتقوا إلى مناصب رفيعة وتمكنوا من مواقع القرار، وامتلكوا صلاحيات نافذة مكنتهم من الافتئات على الأمة وهدر طاقاتها وأموالها ودمائها عبر اتخاذهم لقرارات سفيهة -بالمعنى الاصطلاحي القرآني-، وفي النهاية كانوا هم سببا في رسم مصائر الشعوب وأحوال الأمة البائسة!

المصيبة الكبرى تبدو واضحة جلية وكارثية عندما يكون السفهاء قادة في حركات لها رواج، إذ ينبري طابور من العلماء والدعاة المغيبين سياسيا – وعلى وجه الخصوص علماء التنظيم العصبويين- بتشريع ومدح تصرفات وقرارات السفهاء من القيادات، وتبرير النتائج الكارثية لخياراتهم الفاسدة، متحدثين بشكل مغلوط عن أشكال صبر الأنبياء، ومستحضرين لذلك دينا من آيات وحديث وسيرة النبي الحكيم والأمين محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الراشدين، ولكنه استحضار لصحيح الدين منزوع من السياق ومفارق للتنزيل الصحيح، وذلك بهدف تسريع وتجويز ما قام به القلة والثلة المقصودة من القيادات! 

أما إن قام بنفس الفعل غيرهم من الحركات والتنظيمات فهو متهم في فهمه مطعون في دينه أو من الخوارج ولديه ارتباطات مشبوهة!!! ولا بأن هذا منهج عقلي وسلوك حركي يشير إلى عمق المصيبة التي ورثناها بعد رفع العلماء.

إن كثرة المدعين ممن يلبسون ثوب العلماء -رغم فقر عقولهم ونضوب تجاربهم وصغر أعمارهم- تشير نحوهم وتدل عليهم أخطاؤهم في التنزيل رغم إصابتهم في عرض صحيح الدين وتجملهم في استعراض التاريخ، وهؤلاء هم سبب بلاء في تجارب العرب والمسلمين المعاصرة، وهم اليوم المقصودين من قبل المشاريع والقنوات والأنظمة التي تمنحهم المنابر ليقودوا الشعوب الثائرة إلى المهالك والسجون القاتلة، ولتتمكن من خلالهم القوى والمشاريع والأنظمة المعادية جز العشب وتفتيت الأنوية الواعدة وتدمير القوى الثائرة.

إن معركة الأمة الواجبة في كل حين -وهي في زماننا هذا أوجب- هي معركة وعي ورشد وإدراك، لاسيما وشعوب الأمة تثبت وتبرهن في كل المحطات -كما الثورات العربية الأخيرة- أنها لا تبخل بالجهود بل تقدم أكثر من المطلوب، لكنها تبوء بالفشل والخسران، فيما يبدأ وعاظها بسيمفونية الأحزان والنشيد، وقبل أن تلتئم جراحنا نعيد التجربة الكارثية بلا وعي من جديد!

كل الحب والتقدير ووجوب التناصح والإتباع لمن بقي من العلماء يقوم بدور النبيين في الدعوة والإصلاح والتغيير والجهاد والبناء، لا يخشى في الله لومة لائم، ولا يخفت صوته بسبب عصبية لتنظيم أو حرص على إطار ومكتب وجيه ومنبر رفيع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق