الجمعة، 11 أكتوبر 2024

روح صوّر فيديو... و ارقص!

 خواطر صعلوك

روح صوّر فيديو... و ارقص!






حاول جميع من في الديوانية أن يخبره الحقيقة... ولكن لم يكن فيهم أحد يجرؤ على قولها.

فكما قال تشيخوف «الأغنياء تجد دائماً بجانبهم المتعيشين، والفن والعلم كذلك». فقد كان صاحبنا من المتعيشين على الفن رغم أنه بعيدٌ عنه كل البعد.

فإلى جانب كونه موظفاً في وزارة، كان كاتباً يسعى إلى تحقيق الشهرة بكل «الحبر» الذي يمتلكه في العالم.

طبع مجموعته القصصية الأولى ولم تحقق النجاح الذي يسعى إليه، وكتب مقالين في صحيفة، وطلب من كل أصدقائه أن ينشروا المقالة في السوشيال ميديا، ورغم ذلك لم يتردد اسمه «في كل مكان» كما كان يعتقد أو يرغب!

حضر التجمعات والملتقيات الثقافية والأدبية، واشترك في ورش عمل للكتابة الإبداعية، وحفلات توقيع الكُتب، وتواجد في كل معارض الكتاب، وحاول أن يوسع علاقاته بالكُتاب، وأن يُرسل مسودات أولى إلى العديد منهم، وانشأ مدونة خاصة لم يزرها سوى عدد قليل من القراء.

لم تصل به الكتابة إلى أي طريق، فاتجه إلى التمثيل. ولم يصل به التمثيل إلى أي طريق، وأصبح مثل شخص معصوب العينين، يبحث في حجرة كاملة الظلام عن قطة سوداء،غير موجودة في الحجرة... فحاول أن يشنق نفسه ثماني مرات في ليلة واحدة بمناشف السرير، وعندما فشل في ذلك أيضاً، تحول إلى ناقد فني، وفتح مكتباً لكتابة السيناريو، ثم فتح دار نشر، واشترى حقوق نشر لروايات عربية ومترجمة، لكُتاب يسعون للشهرة أيضاً وراهن عليهم، وأرسل سيناريوهات، لشركات عدة، وكانت ترفعه أحقاف وتخفضه أحقاف... ولكن لم يصل به كل هذا إلى أي طريق.

الأسبوع الماضي، اشتد النقاش بينه وبين صديقنا عبدالعزيز، في الديوانية، فقال له عبدالعزيز ضمن كلام كثير «أنت مدعي ثقافة، وتسعى للشهرة... روح صور فيديو وارقص فيه تصير مشهور من باجر، لا تزاحم الكُتاب و المثقفين في مجالهم».

لم يتفاجأ صاحبنا مما قاله عبدالعزيز، بل ابتسم ابتسامة ساحرة ومهيبة في الوقت نفسه، وتوجه إلى الباب بخطوات لا تقل جمالاً عن ابتسامته، ثم قال وهو ينظر لي تحديداً رغم أني لا ناقة لي ولا جمل في هذا النقاش «أحياناً يكون الصمت في موضعه، أبلغ من المنطق في غير موضعه».

لا أدري لماذا شعرت، أنه في تلك الليلة كان في أعمق حالاته الثقافية والأدبية، وأن تجربة السنين هذبته وشذبته وجعلته شخصاً مثقفاً مستنيراً حقاً، وأن كلام الآخرين لن يثنيه عن هدفه حتى ولو اختلف الجميع معه.

لُمت عبدالعزيز، على قسوته في العبارة معه، وعدت للبيت وأنا أشعر بالحزن... في الصباح أرسل لي عبدالعزيز رسالة على «الواتس أب» عبارة عن فيديو يرقص فيه صاحبنا المثقف المستنير محاطاً بالكتب والروايات مع إعلان عن ورشة بعنوان «التداوي بالكتابة الراقصة»...

كل ذلك كان لا يستحق سوى شيئاً واحداً وهو ترديد عبارة «سبحان الله» لأكثر من مرة. 

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.

moh1alatwan@

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق