الخميس، 11 أكتوبر 2018

سيد قطب ... سلام عليك

سيد قطب ... سلام عليك

سيد قطب ... سلام عليك
نشر في 11-أكتوبر- 2006
تمر هذه الأيام الذكرى المئوية لميلاد العملاق الجدلي سيد قطب، وقد مرت علينا في شهر آب ذكرى استشهاده وإعدامه على يد نظام جمال عبد الناصر عام 1966، ما كنت ممن عاصروا الأستاذ سيد قطب ومرحلته الثرية، ولكني عرفته في كتاباته وظلاله ومعالمه، كما أني شاهدته في بيانه الراقي ونتاجه الغزير وأنفاسه وإبداعاته، وأصبح لسيد مكانة في القلب ومنزلة في الخاطر، وكلما تذكرت كلمات عبد الحميد كشك عن إعدامه ومظلمته وثباته وصموده النوعي أمام الإغراء والترهيب، أكبرت سيد قطب وأحببته، لقد تنمط سيد قطب في عقول الناشئة المسلمة كشجرة باسقة وكلحظة عزة وكرامة، وكان الشباب المسلم يرى فيه طول القامة والعبقرية والإخلاص والحامل لمشروع الدولة المسلمة بشموليتها وحتميتها. 
يالسخرية التبعية، يحتفلون في عالمنا بالعندليب والسندريلا والإمبراطور، ويمرون عن سيد قطب المثقف والأديب والناقد والعلم والمفكر — يمرون — عنه كأنه لم يكن، ويجيء السؤال الذي تستدعيه طرائق الموضوعية والإنصاف، هل يعلم المصريون أن سيد قطب مفكر له اجتهاداته ورؤيته وأنه لا يحاسب عن تأويلات مقولاته واتجاهاتها التفسيرية، وهل يعلم الناس أن سيد قطب قد بدأ حياته بكتاب عنوانه (مهمة الشاعر في الحياة) عام 1936، وهل يدرك هؤلاء أن سيد قطب تنبأ بعبقرية نجيب محفوظ الروائية، وهل يعلم المسلمون أن ما يثار حول سيد من افتراء وافتئات عليه هو استدعاء للرواية الأمنية الناصرية، وللتبعية الغربية، وللحقد الدفين على المشروع السياسي الإسلامي. 
من يعرف سيد قطب في كتاباته وصيرورته الفكرية والثقافية، يدرك استحالة أن يكون العملاق سيد قطب زعيماً تنظيمياً انقلابياً كما أتهم في زمن عبد الناصر وأعدم لذلك، فرحابة أفق سيد قطب وحريته وشموليته، وتنوعاته المعرفية، ومكانه الفوقي في التنظير للظاهرة الإسلامية ولمشروعها نحو الدولة والنظام، يمنعه عقلاً ونقلاً أن يؤطر نفسه بتنظيم سري، ولكن خشية نظام عبد الناصر، من اتساع شعبية سيد قطب، وانتشار أدبياته ومشروعه، هي التي دفعت بعبد الناصر نحو إعدام سيد ورفض كل الوساطة التي حاولت أن تمنعه من تنفيذ حكمه الظالم والجائر، والذي أعطى لسيد شهادة حسن سلوك ثقافية، التي بدورها ـ حسن السلوك- أعطت الحياة لكلمات سيد وأفكاره وأثبت أن الثورة الناصرية مأزومة، وهذا ما ترجم عملياً في هزيمة 1967. 
وكما يقول رضوان السيد، فقد عرف الإخوان المسلمون علماء وأدباء وأساتذة و وعاظ في صفوفهم، لكنهم لم يعرفوا كاتباً بحجم سيد قطب، فهو صاحب البيان الرائع الساحر، الذي تحدث عن الإسلام، وأسس لسياسة الدين، وهو الذي أكد أن الإسلام يملك رؤية شاملة للحياة والوجود والإنسان والدولة، وقد عالج المسألة وفق مفهوم الحاكمية وتوحيد الألوهية، ناهيك عن دوره في تشكيل الحافز والمحرك للعمل وعدم الركون للواقع. 
إنك إذا قرأت لسيد قطب، تلمس الخلق الإنساني الدمث، الذي كان جوهر شخصية سيد، وعندها لا تصدق افتراءات العنف الأعمى المزعوم والمتهم به سيد قطب، وإذا ما أردت أن تدع كتابه جانباً، لا تستطيع، لأنك تشعر أنه يخاطبك بالذات وأن عليك الاستجابة، كتاباته ذات حجة ومنطق ومعرفة، وهذه الإحيائية القطبية عانت من إشكالات سوء الفهم والتعجل والتربص بها، ولكنها قد استثمرت إخوانياً في التسويق والحشد للحركة، فسيد قطب عنوان أبيض اللون، يجلب الشباب والانتباه. 
إن إحيائية سيد قطب، وقراءته للإسلام، هي محل اجتهاد ومعالجة وجدل، حتى إن الإخوان المسلمين، وهم الذين يعتبرون الأحق بسيد وتراثه، عالجوا إحيائية سيد ولغته الثورية، باتجاهين متناقضين، فتراهم يستخدمونه في المجادلة والمحاججة للذين يخالفونهم من متغربين وإسلاميين، وتراهم في حركتهم السياسية يستبعدونه لغايات تجنب الصدام مع المجتمع أحياناً ومع النظام السياسي أحياناً أخرى. 
لقد ظُلم سيد قطب، لأنه مثقف كبير، وكاتب ملتزم، وجريء في طرحه، طهراني السلوك والفكر، ـ ظُلم ـ حين تم إنزاله منزلة الفقيه وعالم الحديث، و وضِع عند البعض على مقصلة التحري والتحرش الثقافي، وتم تتبع زلاته بغير سلوك موضوعي وعلمي، وكيلت له التهم (من منظر للعنف، لفاسق، لكافر)، ولكن يبقى سيد قطب بقراءته للإسلام محل جدل وحوار، سيما أن نجم أدبياته تسطع حيناً وتخبو حيناً آخر، وذلك وفق الحالة السياسية والمعرفية السائدة في المشهد الإسلامي. 

في ذكرى وفاة واستشهاد العملاق سيد قطب، تبقى مبيعات كتبه هي الأعلى والأكثر في عالمنا الإسلامي، ويبقى لسيد مريدوه ومحبوه، ويبقى سيد عنواناً للإسلام السياسي وللدولة الإسلامية التي يرغب بها كثير من الشباب كحل لأزمات العصر، وتبقى ذكرى إعدام سيد قطب لحظة إعادة إنتاج لتراثه وللراغبين بالسير على نهجه، وتبقى كذلك الحاجة ضرورية وملحة لإنصاف سيد والتعامل مع كمثقف ومنتج ومبدع للمعرفة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق