اغتيال خاشقجي.. الصحفي محب الكتابة وطالب الحرية (بورتريه)
عربي21- علي سعادة
لم يكن يريد أن يصنف "معارضا منفيا"، وكانت مهمته واضحة جدا، هي الكتابة وأن يكون صحفيا. كان يشعر أن من واجبه أن يكتب ما يرى أنه الحقيقة حول ماضي بلاده وحاضرها ومستقبلها.
كان "نزيها مخلصا"، و"كان يتعذر شراؤه"، كان يعبر "عما في خاطره"، وكان "واضحا في ما يقول"، بحسب الصحفي والكاتب البريطاني ديفيد هيرست.
نأى بنفسه عن حمل صفة "المنشق السعودي"، بل أنه كان يعتبر نفسه مواليا، وابن المؤسسة السعودية، فهو صحفي وخبير في السياسة الخارجية، وكان حتى وقت قريب ضمن دائرة الديوان الملكي.
كان "نزيها مخلصا"، و"كان يتعذر شراؤه"، كان يعبر "عما في خاطره"، وكان "واضحا في ما يقول"، بحسب الصحفي والكاتب البريطاني ديفيد هيرست.
نأى بنفسه عن حمل صفة "المنشق السعودي"، بل أنه كان يعتبر نفسه مواليا، وابن المؤسسة السعودية، فهو صحفي وخبير في السياسة الخارجية، وكان حتى وقت قريب ضمن دائرة الديوان الملكي.
يعود أصل جمال خاشقجي إلى المدينة المنورة الواقعة في منطقة الحجاز، وبحسب عدد من أبناء الأسرة، فإن العائلة التي تنحدر من أصول تركية استوطنت المدينة منذ نحو 500 عام، وتحديدا في الفترة بين عامي 1591 و1687.
وخاشقجي مفردة تركية و(أوزبكية) أيضا، تعني صانع الملاعق (كاشيق أو خاشوقة كما تلفظ في بعض مناطق الشام والعراق أيضا)، وإضافة (جي، ji) آخر الاسم تدل على المهنة أو الصنعة، مثل مخزنجي وسفرجي في اللغات التركية والأوزبكية.
ويتردد أن العائلة من أصول أوزبكية أو من أصول تركية، وبعضهم ينسبها إلى تركستان الشرقية (تقع في الصين الحالية) والتي تعد موطن الترك الأصلي.
تلقى جمال خاشقجي، المولود في المدينة المنورة في عام 1958 ، علومه في جامعة "ولاية إنديانا" الأمريكية. عمل في بداية مسيرته في صحيفة "سعودي جازيت"، ثم مراسلا لعدد من الصحف العربية في الفترة ما بين عامي 1987 و 1999.
وأُرسل لتغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في صورة وهو يحمل سلاحا رشاشا ومرتديا وزيا أفغانيا. لم يقاتل خاشقجي في النزاع، لكنه أظهر تعاطفا مع قضية "المجاهدين" في الحرب في الثمانينيات ضد الاتحاد السوفياتي، التي مولها السعوديون ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه".
وأجرى مقابلات مع زعيم "تنظيم القاعدة"، أسامة بن لادن، في أفغانستان والسودان، ما نسبب له على الأرجح بوصفه "صديق ابن لادن" في بعض وسائل الإعلام السعودية والعربية والغربية. لكنه ما لبث أن ابتعد عن ابن لادن في التسعينيات، بعدما أصبح هذا الأخير يدعو إلى أعمال عنف في الغرب.
في عام 1999، عين نائبا لرئيس تحرير صحيفة "أراب نيوز"، ثم تولى رئاسة تحرير صحيفة "الوطن" السعودية، انتقل بعدها للعمل مستشارا إعلاميا للسفير السعودي في لندن وفي واشنطن الأمير تركي الفيصل حتى عام 2007.
عاد بعدها إلى رئاسة تحرير "الوطن" التي لم يستمر فيها طويلا فقد يترك منصبه من جديد في عام 2010 بعد أن اختاره الأمير الوليد بن طلال ليقود جهود تأسيس قناة "العرب" الإخبارية التي انطلقت في عام 2013 قبل أن تغلق أبوابها بعد يوم واحد على انطلاقتها، بعدما بثت مقابلة مع شخصية معارضة.
على أثر انتقاده لوصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، وبأن فوزه يشكل عامل خوف للسعودية، غاب خاشقجي نحو عام عن الكتابة، بعد أن أصدرت وزارة الخارجية السعودية بيانا، تقول فيه إن آراءه لا تمثل المملكة.
فترة التوقف عن الكتابة كانت قصيرة نسبيا فقد غرد خاشقجي في عام 2017، قائلا: "أعود للكتابة والتغريد، الشكر لمعالي وزير الإعلام لمساعيه الطيبة، والشكر والولاء متصلان لسمو ولي العهد لا كسر في عهده قلم حر ولا سكت مغرد".
وكان أول ما كتبه الهجوم على نظام عبد الفتاح السيسي بمصر، بعدما نشر تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" عن "تعذيب السجناء"، وكتب خاشقجي: "ما يجري في مصر مؤلم. السكوت عليه غبن. الدفاع عنه سقوط".
وربما يكون هذا المقال سببا إضافيا في منعه من الكتابة من جديد، فقد قررت صحيفة "الحياة" اللندنية فصله بسبب "تجاوزاته"، مشيرة إلى أنه "كان واضحا في التشكيك في الإصلاحات التي تشهدها المملكة العربية السعودية والطعن فيها، والعمل على الإساءة لها من خلال المقالات التي كتبها في صحف عالمية".
لم يختلف سابقا مع الحكومة السعودية في كثير من القضايا الكبرى، فقد أعلن عن دعمه للحرب التي يقودها "التحالف العربي" بقيادة السعودية في اليمن.
ومثله في ذلك مثل العديد من المحللين "العرب السنة"، كان يظن أن إيران تمادت في تدخلها في العالم العربي السني، وأنه حان الوقت لأن تقوم السعودية بصدها.
وكان من المدافعين عن عقوبة الإعدام، وأيد الحملة على الفساد التي قادها الأمير محمد بن سلمان، كما أيد الجهود المبذولة لتنويع الموارد وخصخصة قطاع النفط حتى يصبح قطاعا مستقلا.
كان لديه أكثر من 1.6 مليون متابع على "تويتر"، وهو معلق معروف على التلفاز وفي الصحافة المكتوبة.
غادر السعودية في أيلول/ سبتمبر عام 2017 إلى منفى اختياري في أمريكا خوفا من الاعتقال، حيث واصل الكتابة وانتقاد السياسة السعودية. وفي مقال سابق له كتب العام الماضي، قال إنه ترك السعودية من أجل "رفع صوته".
وأضاف أن "عدم فعل هذا هو خيانة للذين يقبعون في السجن، وأستطيع رفع صوتي عندما لا يستطيع الآخرون ذلك".
كان يرى بوجود طريق واحد يتوجب على المملكة أن تسلكه في القرن الحادي والعشرين ألا وهو "الانفتاح ببطء على ديمقراطية تترأسها ملكية دستورية تتراجع من المشهد بالتدريج".
وكان كتب في صحيفة "غارديان" البريطانية في آذار/مارس الماضي: "يستحق ولي العهد الثناء على برنامجه الإصلاحي في الداخل. لكن في الوقت ذاته، لم يسمح (…) بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات التي يجريها".
وتابع: "يبدو أنه ينقل البلاد من التطرف الديني التاريخي، إلى تطرفه القائل: "عليكم أن تقبلوا بإصلاحاتي".
خاشقجي كتب بشكل منتظم مقالات رأي في صحيفة "واشنطن بوست"، مشيرا إلى أن هذه المقالات حولته إلى منبوذ داخل الحكومة السعودية، واتهمه المدافعون عن بن سلمان بتلقي أموال من جهات أجنبية لتشويه سمعة المملكة.
وفقد أثر خاشقجي، وهو أحد الأصوات المنتقدة للسياسات السعودية منذ تسلم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منصبه في حزيران/يونيو عام 2017، بعدما دخل قنصلية بلاده في اسطنبول يوم الثلاثاء في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الحالي للحصول على مستندات زواج.
وبعدما أصرت الرياض على مدار أكثر من أسبوعين على القول إنّه غادر القنصلية بعيد وقت قليل على دخوله إياها، أكدت فجر السبت الماضي أنه فارق الحياة داخل مبنى القنصلية إثر شجار و"اشتباك بالأيدي" بينه وبين عدد من الأشخاص الذين توجهوا إلى تركيا خصيصا لمقابلته، بعد "ظهور مؤشرات تدل على إمكانية عودته للبلاد".
وبحسب بيان رسمي سعودي، فإن المشتبه بهم حاولوا "التكتم على ما حدث والتغطية على ذلك (..)، والتحقيقات في هذه القضية مستمرة مع الموقوفين على ذمتها، البالغ عددهم 18 شخصا من الجنسية السعودية".
وفي السياق ذاته صدر أمر ملكي بإعفاء أحمد عسيري نائب رئيس الاستخبارات العامة من مهامه، وبإعفاء المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني من منصبه.
الرواية السعودية راقت للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي قال إنه لا يعتقد أن القيادة السعودية "كذبت عليه"، مشيرا إلى أن أطرافا ثلاثة شاركت في التحقيقات السعودية.
وأضاف أنه يعتقد أن الإعلان الذي أصدرته السعودية بشأن خاشقجي "خطوة أولى جيدة وخطوة كبيرة".
لكن ترامب يواجه أصواتا غاضبة ومؤثرة داخل الولايات المتحدة ومن أعضاء في حزبه وفي مجلس الشيوخ ، فقد قال السناتور الجمهوري لينزي جراهام على تويتر: " أقل ما يمكن أن أقوله هو إنني متشكك في الرواية السعودية الجديدة بشأن السيد خاشقجي".
بدوره قال النائب الديموقراطي في لجنة الاستخبارات آدم شيف إن :"الزعم بأن خاشقجي قتل خلال شجار مع 15 شخصا أرسلتهم السعودية لا يتمتع بمصداقية على الإطلاق".
وقال: "يجب محاسبة السعودية، و إن امتنعت الإدارة عن قيادة جهود المحاسبة ينبغي على الكونغرس ان يقود".
بدوره طالب النائب الجمهوري مايك كوفمان المجتمع الدولي أن "يدين استخدام المنشآت الدبلوماسية كغرف تعذيب من قبل دول مارقة".
من جهته قال السيناتور الأمريكي بوب كوركر إن رواية السعودية حول خاشقجي "تتبدل يوميا ولا نفترض أن روايتهم الأخيرة ذات مصداقية".
لكن أين هي جثة خاشقحي بالضبط، آخر الأخبار هو ما صدر عن النائب العام السعودي الذي أعلن أن خاشقجي توفي إثر شجار وقع في القنصلية السعودية في اسطنبول.البيان السعودي لم يذكر شيئا عن مكان جثة خاشقجي، وما حدث للجثة بعد وفاة صاحبها؟
ورغم أن تركيا لم تتهم أحدا بمقتل حاشقجي إلا أنها تواصل التحقيقات ففريق التحقيق التركي "يعمل على فحص عينات من الحمض النووي لخاشقجي"، بحسب مسؤول تركي.
وتوقع محققون أتراك "معرفة مصير جثة خاشقجي خلال فترة غير طويلة على الأرجح" .
ربما لن نعرف أبد أين هي جثة خاشقجي، ولكن بما أن هناك أسماء وردت كمشتبه بهم فهم بالتأكيد، أمام الضغط الدولي على الرياض، قد يعلنون عن مكان جثته وكيف تصرفوا بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق