الخميس، 25 أكتوبر 2018

حكاية لقاء لم يتم مع الملك عبد الله

حكاية لقاء لم يتم مع الأمير/ الملك عبد الله

المفكر الإسلامي الدكتور محمد عباس

·الدكتور محمد عباس

.... صدمة حدثت لي شخصيا منذ ١٦ عاما يختلط فيها الهزل بالجد والمحزن بالمضحك.. هذه الصدمة تتعلق بمشروع لقاء لم يتم مع ولي العهد السعودي الأمير ثم الملك عبد الله.
وبرغم أن اللقاء لم يتم، إلا أنني أوصلت إليه ما أريد قوله عن طريق أحد معاونيه المقربين.. الذي جاءني يعتذر باسم ولي العهد عن طلب اللقاء لانشغاله الشديد في لقاء ضيوف أجانب.. وفيما بعد.. كي يكتمل التناقض .. ويتسع الخرق.. اكتشفت أنه يوم اعتذر عن لقائي.. و التي كنت أزمع فيه مطالبته بإعلان الجهاد ولو بدون معارك بالطريقة الذكية للخليفة المظلوم السلطان عبد الحميد.. كنت أزمع ذلك.. وكان جلالته.. يلقي بآخر ثمالة للقضية .. إذ كان في نفس اليوم يجتمع بـ: "فريدمان".. تمهيدا لإطلاق مبادرته المشئومة التي قدمها إلى مؤتمر قمة بيروت..
خلاصة ما قلته للمعاون أن المملكة في خطر شديد و أنها مستهدفة للتفتيت.. ليس بسبب أحداث 11 سبتمبر .. ب.. و أنها إن استسلمت ستتفتت.. و إن قاومت ستتفتت.. وليس أمامها سوي سبيل واحد.. هو إعلان الجهاد.. أن يحتمي الأمير بالسعوديين.. و أن يحتمي السعوديون بأهل الجزيرة.. و أن يحتمي أهل الجزيرة بالعرب.. و أن يحتمي العرب بالمسلمين.. وأن يقدم المسلمون للعالم ما افتقده.. الضمير والأخلاق والمعاملة.

(ملحوظة: المقال منشور منذ ١٦ عاما وقد تمت إزالته من مئات المواقع التي كانت تنشره)

رابط: https://drive.google.com/…/1r9_j5xlWMtf_lJ4lhNjo77kgB…/view…


@drmohamadabbas
نظرا لمذبحة الإنترنت التي تمحو الكتابات الإسلامية فقد محيت مقالتي "حكاية لقاء لم يتم مع الأمير عبد الله" من معظم المواقع حيث محيت كليا أو جزئيا- وهذا رابط تجدون فيه المقالة كاملة:

حكاية لقاء لم يتم مع الملك عبد الله د محمد عباس

حكامنا ليس عندهم الا الوحشية والعبودية والمذلة..  تجار الضجيج باعة السراب .. صناع العذاب..

" يوسف معكرون"

احذروا يا أهل فلسطين: مبارك أقوى من شارون وبوش وبوتن!!

المملكة السعودية لم تعد عربية والجزيرة العربية لم تعد سعودية!!..


أقسمت أن أروي


مهزلة الاغتيال تكرار لتمثيلية المنشية
حكاية لقاء لم يتم مع ولي العهد السعودي..
رسالة أخيرة للرئيس مبارك..
***
بقلم د محمد عباس

ما أشد الألم الذي يفري القلب..
وما أصعب الكتابة..
تنوء الكلمات فتكبو كلما حاولتْ النهوض.. وتنزف الحروف  وتسقط الجمل صرعى.. لا بسبب ضعف في خير لغة أنزلت للناس..  بل لأننا نستعمل الكلمات فيما لا يجوز لنا أن نستعملها فيه.. و لأننا نفعل ذلك فإننا نشعر بالعجز المطلق.. تماما كمن يستعمل الورق لقطع الحديد أو القلم للكتابة على الهواء أو من يحاول السير بقدميه على الماء أو أن يحلق بذراعيه في الفضاء...
كيف أستعمل الكلمات للكتابة عن حكام لن تزحزحهم عن خياناتهم آلاف المقالات.. وهم لا يحتاجون إلى أي مقال.. بل إلى تضافر مجهود مباحث الأموال العامة ومباحث أمن الدولة والمخابرات وكوكبة أمينة من رجال الشرطة التي لم تتحول بعد إلى عصابات وقطاع طرق.. عصابات لم تتفرغ إلا للتعذيب وانتهاك الأعراض وقتل من يقول ربي الله... كوكبة شرطة فعلا  تلقي القبض على هؤلاء الحكام  دون أي انقلاب ولا قوانين استثنائية لتقديمهم إلى محاكم عادية لا أشك أن الحكم عليهم فيها سيكون بالإعدام.
نعم..
الإعدام قصاصا لمن قتلوهم دون وجه حق..
والإعدام قصاصا لمن أعدمهم رجاله بعد إحالتهم إلى قضاة أمليت عليهم الأحكام..
والإعدام تعزيرا  على جرائم ارتكبوها لا يحيط بها الحصر..
والإعدام حرابة على ترويعهم للأمة..
والإعدام خيانة.. خيانة لم يحدث مثلها في التاريخ..
خيانة الله ورسوله والمؤمنين..
خيانة الأمة.. والدولة.. والوطن..
العمالة المباشرة للأعداء الله والاتفاق معهم على هدم أركان الإسلام وابتداع إسلام مزر مهجور..
والإعدام ردة.. نعم ردة عن لا إله إلا الله محمد رسول الله.. والولاء لأعداء الله والبراء من المسلمين.
 وقد قصدت أن يكون هذا الأخير في الكتابة رغم أنه الأول في المعنى..
فهل تغني ملايين الصفحات عن ذلك.
وهل تغني  هذه المقالات عن مواجهة كلاب الشيطان حطب جهنم بوش ورامسيفيلد وتشيني وشارون وبلير أم أن موقفا جماعيا أو نصف جماعي أو ربع جماعي.. موقفا يقول فيه أي حاكم عربي: كلنا استشهاديون  وأنتم مجرمون عنصريون لصوص سفلة ولن نستسلم أبدا وسنرضى بطرفين للمعادلة : ألف شهيد طاهر منا مقابل كل نافق نجس منكم.. وسنرى لمن تكون الغلبة..
هل تغني المقالات؟..
هل تشبع الكلمات جائعا..
أو تروي المعاني عطشانا..
أو ترد المقالات شرفا انتهك وعرضا اغتصب وكرامة تمزقت..
هل تغني الكتابة..
بل هل تنجح حتى في فضح ما يحدث..
والإجابة كلا.. فلا هي تستطيع وسط الحصار فضحه.. ولا هي تستطيع بعد الفضح منعه..
إنني لا أغمط الكتابة حقها.. وهي ضرورية إذا كان لها تأثير أو استجابة.. لكنها إن كانت بديلا عن الفعل لتبديد الطاقة .. أو للإيهام بأن الكاتب فعل ما عليه حين كتب وأن القارئ كذلك فإن الأمر كله لا يعدو التنفيس. . لينفجر التساؤل:
- ما جدوى الكتابة؟..
انظروا إلى العراق وكيف يُمزّق.. وكيف تضرب أقوى قوة في العالم بجحافل جيشها قبيلة هنا وعشيرة هناك كي تغير من موازين القوى فيتسنى لها أن تختار أشد الخونة خيانة.. وأكثر اللصوص سرقة.. و أكفر الكفار كفرا و أخسهم خسة.. و أكذبهم قولا.. و أفجرهم خصومة.. و أنذلهم تصرفا .. و أسوأهم خلقا.. و أبعدهم عن الإيمان بأي شئ إلا ذواتهم ..  ليحكموا العراق..
وليس مجرد أمريكا وبريطانيا وإسرائيل..
بل إن لص البنوك أحمد شلبي هو الآخر كون جماعاته المسلحة لتغتال قيادات في المجتمع العراقي بغض النظر عن اتجاهاتها لتغيير موازين القوى..
أحمد شلبي الذي يوجد مستنسخ منه الآن في كل عاصمة عربية ينتظر الوقت الذي يغتال فيه كبار المسئولين وضباط الأمن، تماما كما حدث لرجال السافاك والشاة في إيران.. حين قُتلوا و ألقيت جثثهم للكلاب.. ولست أدري كيف يفكر رجال الأمن في العالم العربي في هذا.. وإن كانوا باليقين كله قد فقدوا الخشية من الله.. أفلا يخشون مما يمكن أن يحدث لهم ولعائلاتهم في الدنيا.. على يد الشلبي المصري والسعودي والأردني.. الخ..
نعم.. منتهى التعسف لتسليط الضوء في اتجاه وفرض التعتيم على اتجاه آخر.. وصناعة نجم من اللاشيء وقتل نجوم موجودة وقلب وقائع ونشر افتراءات ودحض حقائق وتلميع أقلام مأجورة وقصف أقلام مقهورة.. واستئجار صحف وإغلاق أخرى.. وكل ذلك من أجل صناعة وصياغة النخبة الحاكمة العميلة الجديدة..
وذلك هو ما يحدث في العراق – وفي فلسطين أيضا -  الآن تحت أبصارنا..
وذلك بعينه ما حدث في أفغانستان بالأمس القريب..
وهو بعينه ما حدث في الأمس البعيد  على يد فرنسا في الجزائر ولبنان وعلى يد بريطانيا في مصر والهند والعراق و..و..و..
وكان كل ذلك لتشكيل النخب الحاكمة بالنار والدم..
بالكذب وبالخيانة..
ذاك ما نراه الآن رأي العين.. يتحرك أمامنا ويتخلق ويتجسد..
ألم نصرخ طيلة  قرن على الأقل لكي نلمح أو نشير أو نثبت أن السلطة في العالم الإسلامي كله قد تكونت بنفس الطريقة..
أقوى جيوش الصليبيين في العالم بمعونة اليهود هي التي رسمت الحدود وخلقت الدول واختارت الزعامات وشكلت الحكومات..
في كل عالمنا الإسلامي..
بلا استثناء..
من علم ومن جهل..
من أدرك ومن لم يدرك..
من استمتع بالخيانة ومن قبلها غصبا.. ومن غرته الأماني فحاول أن يناور فنالوا منه وطرهم  ثم سحقوه..
الجميع بلا استثناء..
هانحن أولاء نرى التجربة الحية تجيب وتؤكد تكشف وتفضح: كيف وصل هؤلاء الذين يحكموننا الآن إلى الحكم؟!..
لقد وصلوا جميعا بنفس الطرق.. بلا استثناء..
وتلك حقيقة يجب علينا أن نحسم أمرنا فيها كي نتوقف عن التفاخر بهذا أو التنابز بذاك ولندرك أن الحكام جميعا طينة واحدة..
كل الحكام كذلك..
مهما اختلفت المظاهر فكل الحكام كذلك..
كلهم نبتوا في محاضن الصليبية والصهيونية..
وعلى سبيل المثال .. فما من نظام عربي واحد وما من حكومة واحدة كان مشروعها الرئيسي مقاومة العدوان الصهيوني الصليبي على فلسطين..
إنني لا أقول هذا انتقاما من نظام هنا أو تشفيا في حكومة هناك..
ولكن الواقع الذي يجب أن نتجرعه مهما كانت مرارته هو أن الشرط الواضح الذي وضع أمام كل حكومة عربية بل و إسلامية بلا استثناء كثمن لاستمرارها في الحكم كان:
1-   لا للإسلام.
2-    لا للشيوعية.
3-    البترول خط أحمر.
4-   أمن إسرائيل خط أحمر.
ولقد قبلت كل الحكومات هذه الشروط منذ البداية..
نعم منذ البداية..
وما خيبة الأمل الهائلة التي تسحق الأمة الآن إلا بسبب تأخرها في اكتشاف الخيانة نصف قرن أو يزيد.
إن ما أرجوه من القارئ ألا يخدع نفسه..
كانت هذه الشروط هي شروط بريطانيا والدول الأوروبية على كمال أتاتورك كي يسمحوا له بالحكم..
وكانت ذات الشروط على الملك عبد العزيز..
وعلى جمال عبد الناصر..
و..
و..
و..
***
جملة اعتراضية قصيرة: - بالنسبة للشيوعية بالذات لعب بها الغرب بمهارة، فقد كان ضروريا لكي يعرف العالم العربي بشاعة الشيوعية أن تكون بعض دوله شيوعية، وأن تشتبك مع غيرها لاستنزاف الطرفين، بل وكانت المخابرات الأمريكية هي التي تنفق على مؤتمرات الشيوعيين ورائدات تعهير المرأة-.
وأكرر.. كل الحكومات العربية بلا استثناء قد قبلت هذه الشروط منذ أكثر من نصف قرن..
و أكرر:
على رأس هذه الحكومات  حكومة المملكة السعودية والحكومة المصرية قبل الثورة وبعدها.. بل لقد أصبح واضحا الآن ومكشوفا أن المخابرات الأمريكية – كيرميت روزفيلت ومايلز كوبلاند – قد شجعت انقلاب 23 يوليو لأن حكومة الملك والأحزاب كانت أضعف من أن تلتزم بالشروط الأربعة.
***
الصدمة التي تعانيها الأمة الآن  أنها خدعت طيلة الحقب الماضية.. وظنت أن ما ألمّ  بحكامها هو العجز لا التواطؤ، والقصور لا الخيانة، و أنها حين تكتشف حقيقة ما جرى إنما تكتشفه بعد أن تيقن الآخرون أنه لم يعد لاكتشافها قيمة.
***
نعم..
ماذا يفيدك الآن أن تكتشف اسم  من قتل جدك.. ومن سلب شرف عمتك.. ومن سرق أرض أبيك..
ضاعت العلامات وضاعت الطرق..
وضاع الحق..
ضاع لأن من كان عليهم المطالبة به  تواطئوا مع الأعداء ضد الأمة..
أما رجال الأمة فقد خُدعوا فانخدعوا.. وكُذِبوا فصدّقوا..
وعندما اكتشفوا الحقيقة كان الوقت قد فات لعمل أي شئ..
وكانت الشتلات تترعرع في تربية الخيانة لا يرويها إلا الحرام والدنس.
***
نعم كل الحكومات العربية قد تربت وزرعت شتلاتها في محاضن الصليبية الصهيونية..
وليس الحكومات فقط ..
بل كل النخبة الحاكمة..
وفقدان هذه النظرة الشاملة هو الذي يسبب صدماتنا وانكسار آمالنا أملا بعد أمل.
فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في جمال عبد الناصر وثورة 23 يوليو..
فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في المملكة العربية السعودية.. بل إن مراجعة التاريخ لكشف موقف المملكة ضد عودة الخلافة كان كفيلا بألا نصدم لكننا نسينا..
نعم ..
فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في باقي النظم العربية كلها..
وفقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب الفجيعة في الفرق بين المقال والأفعال في قضية فلسطين..
و فقدان هذه النظرة الشاملة هي سبب صدمة حدثت لي شخصيا منذ عامين ونصف العام  يختلط فيها الهزل بالجد والمحزن بالمضحك.. هذه الصدمة تتعلق بمشروع لقاء لم يتم مع ولي العهد السعودي الأمير عبد الله.
وبرغم أن اللقاء لم يتم، إلا أنني أوصلت إليه ما أريد قوله عن طريق أحد معاونيه المقربين.. الذي جاءني يعتذر باسم ولي العهد عن طلب اللقاء لانشغاله الشديد في لقاء ضيوف أجانب.. وفيما بعد.. كي يكتمل التناقض  .. ويتسع الخرق.. اكتشفت أنه يوم اعتذر عن لقائي.. و التي كنت أزمع فيها مطالبته بإعلان الجهاد ولو بدون معارك بالطريقة الذكية للخليفة المظلوم السلطان عبد الحميد.. كنت أزمع ذلك.. وكان جلالته.. يلقي بآخر ثمالة للقضية .. إذ كان في نفس اليوم يجتمع ب: "فريدمان".. تمهيدا لإطلاق مبادرته المشئومة التي قدمها إلى مؤتمر قمة بيروت..
خلاصة ما قلته للمعاون أن المملكة في خطر شديد و أنها مستهدفة للتفتيت.. ليس بسبب أحداث 11 سبتمبر .. ب.. و أنها إن استسلمت ستتفتت.. و إن قاومت ستتفتت.. وليس أمامها سوي سبيل واحد.. هو إعلان الجهاد.. أن يحتمي الأمير بالسعوديين.. و أن يحتمي السعوديون بأهل الجزيرة.. و أن يحتمي أهل الجزيرة بالعرب.. و أن يحتمي العرب بالمسلمين.. وأن يقدم المسلمون للعالم ما افتقده.. الضمير والأخلاق والمعاملة.
سوف نعود إلى التفاصيل في أجزاء تالية من هذا المقال..
***
وعندما علم المحيطون  بما فعلت كانوا بين مشفق ومرتعب حتى أن عددا منهم قاطعني خوفا من أنني سأكون تحت مراقبة شديدة.
البعض الآخر لامني بشدة متسائلا عما دفعني لهذا.. وقلت لهم أظنه أفضل الأمراء السعوديين بعد الملك فيصل.. وكان رأي معظمهم على النقيض تماما من ذلك..بل عبر بعضهم عن دهشته الشديدة لأنني لا أعرف ذلك.
كنت أظنه أفضل الأمراء.. رغم مجموعة من القواعد  الذهبية وضعتها لنفسي لا تكاد تخيب.. من هذه القواعد أن حكامنا : ما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أسوأهما.. و أن كل حاكم أسوأ من سابقة.. و أنه لم يعد يتغلب واحد من النخبة الحاكمة على رفاقه إلا لأنه أشد خسة وحقارة ودناءة وخداعا ونفاقا ونكثا بالعهد.
***
إنني أنبه القارئ أنني في هذا المقال أترك لتداعي الأفكار الحر أن يأخذ مداه.. لا ليفقد المقال تماسكه.. بل على العكس.. ليترابط أكثر و أكثر.. لأنه لا يمكن – على سبيل المثال فهم موقف المملكة السعودية من أفغانستان إلا في ضوء تنصل الملك عبد العزيز من الخلافة.. ولا يمكن فهم موقف مبارك من المسلمين إلا في ضوء الاتفاق المبرم بين عبد الناصر والمخابرات الأمريكية:
لا للإسلام
لا للشيوعية
لا لتهديد إسرائيل..
النفط خط أحمر..
ثم افعل بعد ذلك ما شئت..
وصدّقهم الطاغوت وصدَقهم.. فنالوا منه وطرهم.. ثم انقلبوا عليه.. وسحقوه بعد أن تمكن – لا غفر الله له -  من إحداث تحول حاسم في موقف الجماهير .. تحول وضع فيه الغشاوة على أعين الأمة فحجب عنها الإسلام الحقيقي وقدم لها مسوخا باسم الإسلام.. ولست أدعي براءة الأمة.. فهذه الأمة ذاتها هي التي سمحت للمقامر السكير المجاهر بترك الصلاة والصوم: سعد زغلول بقيادتها.. وهذه الأمة هي التي سمحت للملك عبد العزيز أن يقدم شكل دولة الإسلام بلا جوهر الإسلام وبلا سنامه ويتنصل من الخلافة ومسئولياتها.. وهذه الأمة هي التي سمحت أيضا لمرتدين وشواذ ومجانين وخونة أن يحكموها..
سمحت.. وما تزال..
وإنني هنا أعود إلى حادث المنشية المبتدع لتقديم عبد الناصر كنجم بعد أن تهاوت سمعته ( والقارئ يذكر أنه في يوم الحادث نفسه كانت الجماهير في صوان الاحتفال تهتف ضده إلى أن أخرجهم الأمن ووضع مكانهم جماهير تتبعه (- عمال مديرية التحرير)..
أعود إليه..
و أذكر القارئ أنني حذرت من تكرار ذات الأمر في المملكة العربية السعودية..
ولست أدافع عن القذافي عليه من الله ما يستحق.. بل لعل بغضي له يزيد عن حكام العرب جميعا.. فموقع الرجل الإليكتروني يجهر بالكفر.. كما أن فتوى الشيخ بن باز تدمغه به.. ودعنا الآن من درجة الجنون أو الحماقة أو الخيانة أو تدمير الأمة أو الخسة والحقارة والدناءة والخداع والنفاق ونكث العهد..
دعنا من كل ذلك الآن – ولا تثريب .. فالولايات المتحدة راضية وسعيدة بكل ذلك-..
دعنا منه..
لأننا هنا نتصدى لأمر آخر: وهو اتهامه بتدبير مؤامرة اغتيال ولي العهد السعودي.. نتصدى لهذا الأمر ليس بمجرد النفي بل بالسخرية والازدراء والمرارة..
لا لأن الرجل أحكم أو أعقل من أن يفعل ذلك أو لأن دينه يردعه وخلقه يمنعه..
لا.. ليس الأمر أيا من ذلك..
فالرجل قرر منذ زمن أن يترك عبادة الله إلى عبادة الأمريكان.. و أشك أنه عبد الله في أي يوم..
وهو يدرك قدر الأمير عبد الله عندهم..
فلا يمكن أن يمسه بسوء ( إلا إذا أمره الأمريكيون بذلك).
فرية الاغتيال إذن تخضع لنفس ظروف حادث المنشية..
أمير أو ولي عهد أو ملك تدنت شعبيته وافتضح عجزه ويلزمه تدبير حادث يشعل تعاطف الجماهير معه ويعيد إليه شعبيته.
***
نعود إلى موضوع الدعوة..
كان ذلك منذ عامين ونصف العام، حين فوجئت بالملحق الثقافي في السفارة السعودية في القاهرة يعرفني بنفسه و يدعوني لحضور احتفالات الجنادرية.
في الأحوال العادية أعتذر عن مثل هذه الدعوات، عزوفا، وتعففا، وحياء، وزهدا، وترفعا، و أحيانا اشمئزازا.
لكن كلمة "الدعوة" كان لها وقع رهيب في أذني.. وقع لا يتعلق بهذه الدعوة بالذات، ولا بالجنادرية، وإنما يعود إلى ربع قرن مضى، حيث آخر عهدي بالجزيرة العربية، بعد زيارة السادات للقدس، في عام 1977. وكنت قد عملت هناك خمسة أعوام – كطبيب-  حيث عاصرت الفترة الأخيرة من حكم الملك فيصل، الحاكم العربي الوحيد الذي يستحق في نهاياته الاحترام ( ولست غافلا عن موبقات البدايات).
وفي عودتي تلك، منذ أكثر من ربع قرن، كنت ثائرا وحزينا، وكنت أدرك أن القشرة الظاهرية للحكم الإسلامي في شبه الجزيرة إنما هي تخدير للعالم الإسلامي، تخدير يصرفه عن السعي إلى وحدة حقيقية للأمة الإسلامية، بل وشرعت في ذلك الوقت في كتابة كتاب لم أتمه، وكان عنوانه: دور المملكة السعودية في هدم الأمن الإسلامي.
كنت مستفزا بالفارق بين الواقع والمثال.. وكنت غاضبا لأن الدولة التي تحوي قبلة المسلمين تجعل من المسلمين فيها مواطنين من  الدرجة الثانية.. وكان معروفا أن المواطن الأول في المملكة السعودية ( أحذف كلمة "العربية" عامدا متعمدا.. فالمملكة السعودية لم تعد عربية كما أن الجزيرة العربية لم تعد سعودية) ..أقول أن المواطن الأول هناك هو من يحمل الجنسية الأمريكية، والمواطن الثاني هم أفراد العائلة المالكة، والمواطن الثالث هم الأوروبيون، والمواطن الرابع هم العراقيون ( كان للعراق مهابة شديدة  آنذاك للدرجة التي كانت الأخبار تتناقل أن السفير العراقي لا يدخل على الأمير إلا بعد أن يدفع الباب بحذائه.. وهو إن حدث سوء أدب على أي حال) ثم يتلو ذلك باقي الجنسيات حتى القاع حيث المصريين فاليمنيين.
كان هذا الوضع مستفزا، فالدولة التي عليها أن تكون النواة كي تجمع كانت تفرق..
وكان لي لقاء أيامها مع فضيلة الشيخ الإمام محمد الغزالي في منزله  بمكة المكرمة- حيث كان يعمل أيامها-  فكشف لي الكثير من عيوب الحكام والأمراء وعلماء السلاطين.. مما زاد من غضبي.
الحاصل أنني في ذلك الوقت وقعت في معصية عجيبة لا أملك لها تفسيرا، فقد أقسمت ألا أعود إلى هناك أبدا إلا مدعوا.. ( يخجلني أن أقول ذلك، لكنه ما حدث) وقد كان علىّ أن أحنث بقسمي و أكفر عن حنثي ، لكنني لم أفعل، ولست أدري كيف احتمل القلب الصدئ أن يمكث ربع قرن دون اكتحال بمرأى الكعبة وزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم..
وبررت بقسمي.. وطيلة ربع قرن لم توجه إلىّ دعوة – لم أكن في الواقع أتصورها أبدا-.. لكنها في نفس الوقت لم تغب عن ذاكرتي يوما واحدا.. كانت كما وصف الحسن البصري رضي الله عنه الموت: يقين لا شك فيه شبيه بشك لا يقين فيه.
كان الأمر أشبه بحلم يقظة لا ينفك أبدا.. ولا يحدث أبدا.. ولا يُنسى أبدا..
حلم يقظة من نوع تلك الأحلام التي تتسلط علىّ أعواما وراء أعوام.. تحركها وتحددها صروف الزمن.. فمن حلم يقظة أملك فيه قنبلة نووية أهدد بها الغرب الفاجر فأراه يبتلع وحشيته وخسته ويعود إلى ادعاء الرقة والإنسانية.. إلى حلم آخر أكون فيه حيث الحجر يقول يا مسلم خلفي يهودي فاقتله فأذهب و أقتله.. إلى حلم ثالث أعاصر فيه عودة دولة الخلافة الراشدة .. ثم يأتي زمن تنكمش فيه حتى الأحلام ليقتصر الأمر على رغبة مشبوبة في رصاصة في جبهة الدجال بوش.. أو قنبلة تمزق الخنزير رامسيفيلد.. أو لهيبا يحرق كلب الشيطان شارون.. أو بئرا للدنس يغرق فيها نصف الرجل بلير.
اجتمع النقيضان..
ربع قرن لم أتصور فيها أن توجه إلىّ دعوة..
وأيضا.. ربع قرن لم أتصور ألا توجه إلىّ دعوه..!!
وربع قرن لم أنس فيها قط موضوع الدعوة..
وطيلة ربع القرن لم أذهب..
لذلك..
عندما تلفظ الملحق الثقافي بكلمة "دعوة" أحسست بمس الصاعقة..
ما أكرمك وما أحلمك..
ما أكرمك و ما أحلمك ..
ما أكرمك وما أحلمك..
ومن أكون أنا حتى تبر بقسمي..
سبحانك.. جل وعلا شانك..
***
ربما، لولا تلك الخلفية لاعتذرت على الفور..
لكنني أدركت أنها الدعوة التي طلبتها..
تمالكت نفسي و أنا من الروع في غاية، وقلت للملحق:
-   أظن أن هناك خطأ في الاسم و أنكم لا تقصدونني.. إنني غير منضم لأي عصابة من عصابات أشباه المثقفين .. لست دجالا ولا مشعوذا ولا حامل مبخرة، ولا أنا منافق ،  وليس لدي شك أن كل الذين يسمح لهم بأي درجة من درجات الظهور لابد أن يكون منتميا بشكل أو بآخر إلى هذه العصابات. ثم أنني أنبهك من البداية لشيء هام.. وهو أني قلمي غير معروض للبيع بأي ثمن.
ورد الرجل بأنه متأكد من الاسم ومن الدعوة.. فعدت أقول له:
-   إنني لست معارضا لنظام الحكم في مصر فقط.. بل إن معارضتي لنظامكم لا تقل عنفا.. و آرائي في حكامنا وحكامكم منشورة.. أنا لا أرفض الدعوة.. بل إنني أسعد بها كثيرا لغير السبب الذي قد يخطر ببالك.. لكنني في نفس الوقت لا أريد أن أذهب لأكتشف أنني دعيت على سبيل الخطأ و أن المقصود كان سواي.
وبدا أن الرجل بدأ يفقد ثقته، فراح يراجع معي بياناتي، وكانت صحيحة، إلا أنني عاجلته بالقول:
-         أحد  كتبي الهامة: " إني أرى الملك عاريا" .. ولم أكن أقصد مليكنا فقط!!..
وهنا فقد الرجل يقينه وتزلزل فقال متلعثما:
-         أمهلني ثلاثة أيام أعود فيها إلى الرياض لأستوثق.
و أمهلته .. وتذكرت ما حدث من اعتذارات متعددة كان أحدها اعتذارا عن لقاء الرئيس مبارك.
فمنذ عشرة أعوام، كنت أكتب سلسلة من المقالات في صحيفة الشعب المصرية، والتي  لم تكن قد صودرت بسيف الطاغوت بعد،  الطاغوت الذي ما يزال يفخر بأنه لم يقصف قلما ولم يصادر صحيفة!! .. وكان عنوان المقالات: "من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك".. ( وقد نشرت بعد ذلك في كتاب).. وجاء – من جهاز سيادي من يعدني بلقاء مع الرئيس في اليوم التالي بشرط التوقف عن سلسلة المقالات فاعتذرت.
***
بعد ثلاثة أيام عاد الملحق الثقافي ليخبرني أنه استوثق من أنني المقصود بالدعوة. وسألني إن كان لي مطالب خاصة فأجبته أن لي مطلبان : أولهما إتاحة أداء العمرة وزيارة المدينة المنورة فأجاب أن ذلك بند ثابت في برنامج الدعوة  لجميع المسلمين من ضيوف المؤتمر . وسألني عن مطلبي الثاني فقلت له:
-         أطلب تدبير لقاء مع الأمير عبد الله.
واعتذر الرجل أن الوقت الضيق لن يتيح له أمرا كهذا و أنني يمكن أن أدبره مع سكرتارية المؤتمر في الرياض، ثم استحثني لإرسال الأوراق إليه لبدء الدعوة.
***
الدعوة..
***
من تابع مقالاتي القديمة  أو كتبي الأولى سيتذكر أنني ذهبت إلى المملكة العربية السعودية في أوائل عام 73 في ظرف غريب ، حين رأيت رؤيا كان فيها من يخبرني بأن الرسول صلى الله عليه وسلم مستاء لأنني لم أذهب، و أجبت في الرؤيا و أنا من الفزع والدهشة في غاية: لكنه لم يطلبني، فأجابني بإجابة لما أكد أفهم معناها.. كانت الإجابة : "فرق بين الطالب والمطلوب"..
***
هل كان المعنى أنني أقل من أن أكون مطلوبا فعلى أن أحرص على أن أكون طالبا..
هل يعني أن علىّ أداء واجب محدد في الدفاع عن قضية : "لا إله إلا الله محمد رسول الله".. و أنني مطلوب من أجله..
لكن شأني أقل من ذلك و أهون..
لم أفهم حينها.. ومر ثلاثون عاما.. لتجئ الدعوة الجديدة بعد قسم كان علىّ أن أحنث فيه..
لماذا نسيت أنى طالب لا مطلوب؟..
لماذا ابتعدت..
لماذا ابتعدت ربع قرن..
نعم
كنت بعيدا.. وأظنني قريبا..
 فلما اقتربت اكتشفت كم أنا بعيد..
وكلما اقتربت ابتعدت..
أقترب فأبتعد.. أقترب فأبتعد.. أقترب فأبتعد.. حتى لتمر علىّ أوقات أوقن فيها بالهلاك.. ولم أكن كغريق يرده الموج إلى الأعماق كلما اجتهد وجاهد كي يقترب من الشاطئ..  بل كنت رغم ما أظنه اجتهادا وجهادا أكتشف أن الشاطئ لم يكن قريبا أبدا..كان الخطأ خطئي.. وقد ضللت الطريق.. وكان الأمان بعيدا.. ورحت أنا الأحمق أخيل لنفسي – ربما كي أنشد الاطمئنان – أنه قريب.. كان الخيال خيالي..  و لكنني كنت دائما بعيدا.. وكان البعد – فوق خطورته -  ذنبي لا ذنب سواي.. وكانت المسافة فوق قدرتي على الاجتياز.. وكنت نملة صغيرة حقيرة تافهة قد تسحقها في أي لحظة قدم  أوتطيرها نسمة ريح.. وكان على النملة اجتياز قفار وراءها قفار ولم يكن أمامها أي أمل إلا أن يتغمدها الله برحمته وعونه.
نعم..
كنت كلما ظننت الاقتراب أكتشف أن البعد أكثر مما تصورت..
كنت كالأعمى الذي لا يرى الحفرة إلا بعد أن يقع فيها..
أو كالأعشى الذي يخدعه بصره الضعيف فيحسب أن الهاوية أمامه ضحلة الأغوار.. فكلما قوي بصره واشتد اكتشف أنها بلا قرار..
وكنت كالجاهل الذي ظن أنه يستطيع أن يرقى إلى السماء بسلم..
أو كالأبله الذي راح يمد أصابعه كي يمسك بها القمر..
وكلما حددت البصر غامت الرؤية..
وكلما تلمست الأمن زاد الخوف.. أو نشدت الاطمئنان زاد الرعب..
وكلما علمت أكثر جهلت أكثر.. فرحت آسى على إيمان المساكين..
وطفقت أدرك كل يوم أكثر من كل يوم أن الأمر جد لا هزل..
جد لا هزل..
جد لا هزل..
***
بعد الحرب الفاجرة الكافرة على العراق عام 91 كنت قد أدركت عمق الهاوية، كشفتها لي رحمة الله الذي هداني لقراءة  محمود شاكر ومصطفى صادق الرافعي ومحمد قطب وسيد الشهداء في زماننا – بإذن الله – سيد قطب.. و أيضا على عزت بيجوفيتش ومحمد أسد والمودودي.. وعشرات وعشرات .. ولقد غسل هؤلاء نتاج ربع قرن من الثقافة الصحيحة التي اختلطت بالثقافة المزيفة تحت وهم الموضوعية والانفتاح على الثقافات والحضارات.
وكنت حينذاك.. في بداية التسعينات أتمثل قول الشهيد العظيم سيد قطب  في كتابه  " معالم في الطريق" أثاب الله قائله ولعن قاتله:
" إن حكاية فصل " العلم " عن " صاحب العلم " لا يعرفها الإسلام فيما يختص بكل العلوم المتعلقة بمفهومات العقيدة المؤثرة في نظرة الإنسان إلى الوجود والحياة والنشاط الإنساني ، والأوضاع ، والقيم ، والأخلاق ، والعادات ، وسائر ما يتعلق بنفس الإنسان ونشاطه من هذه النواحي .
إن الإسلام يتسامح في أن يتلقى المسلم عن غير المسلم ، أو عن غير التقي من المسلمين ، في علم الكيمياء البحتة ، أو الطبيعة ، أو الفلك ، أو الطب ، أو الصناعة ، أو الزراعة ، أو الأعمال الإدارية والكتابية .. وأمثالها . وذلك في الحالات التي لا يجد فيها مسلماً تقياً يأخذ عنه في هذا كله ، كما هو واقع من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم ، الناشئ من بُعْدِهم عن دينهم ومنهجهم وعن التصور الإسلامي لمقتضيات الخلافة في الأرض - بإذن الله - وما يلزم لهذه الخلافة من هذه العلوم والخبرات والمهارات المختلفة .. ولكنه لا يتسامح في أن يتلقى أصول عقيدته ، ولا مقومات تصوره ، ولا تفسير قرآنه وحديثه وسيرة نبيه ، ولا منهج تاريخه وتفسير نشاطه ، ولا مذهب مجتمعه ، ولا نظام حكمه ، ولا منهج سياسته ، ولا موجبات فنه وأدبه وتعبيره … إلخ ، من مصادر غير إسلامية ، ولا أن يتلقى عن غير مسلم يثق في دينه وتقواه في شيءٍ من هذا كله.
إن الذي يكتب هذا الكلام إنسان عاش يقرأ أربعين سنة كاملة . كان عمله الأول فيها هو القراءة والاطلاع فـي معظم حقول المعرفة الإنسانية .. ما هو من تخصصه وما هو مـن هواياته .. ثم عاد إلى مصادر عقيدته وتصوره . فإذا هو يجد كل ما قرأه ضئيلا ًضئيلاً إلى جانب ذلك الرصيد الضخم - وما كان يمكن أن يكون إلا كذلك - وما هو بنادم على ما قضى فيه أربعين سنة من عمره . فإنما عرف الجاهلية على حقيقتها ، وعلى انحرافها ، وعلى ضآلتها ، وعلى قزامتها … وعلى جعجعتها وانتفاشها ، وعلى غرورها وادعائها كذلك !!! وعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يجمع المسلم بين هذين المصدرين في التلقي !!!
ومع ذلك فليس الذي سبق في هذه الفقرة رأياً لي أبديه .. إن الأمر أكبر من أن يفتى فيه بالرأي.. إنه أثقل في ميزان الله من أن يعتمد المسلم فيه على رأيه ، إنما هو قول الله – سبحانه - وقول نبيه صلى الله عليه وسلم .. نحكِّمه في هذا الشأن ، ونرجع فيه إلى الله والرسول ، كما يرجع الذين آمنوا إلى الله والرسول فيما يختلفون فيه .
يقول الله - سبحانه - عن الهدف النهائي لليهود والنصارى فـي شأن المسلمين بصفة عامة :
{ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } … [ البقرة : 109 ] .
{ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ } ... [ البقرة :  120 ]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } ... [ آل عمران : 100 ]
ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الحافظ أبو يعلى عن حماد عن الشعبي عن جابر - رضي الله عنهم :
" لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا ، وإنكم إما أن تصدقوا بباطل ، وإما أن تكذبوا بحق ، وإنه والله لو كان موسى حياً بين أظهركم ما حلَّ له أن يتبعني " .
وحين يتحدد الهدف النهائي لليهود والنصارى في شأن المسلمين على ذلك النحو القاطع الذي يقرره الله سبحانه ، يكون من البلاهة الظن لحظة بأنهم يصدرون عن نية طيبة في أي مبحث من المباحث المتعلقة بالعقيدة الإسلامية ، أو التاريخ الاسلامي ، أو التوجيه في نظام المجتمـع المسلم ، أو فـي سياسته أو اقتصاده ، أو يقصدون إلى خير ، أو إلى هدى ، أو إلى نور … والذين يظنون ذلك فيما عند هؤلاء الناس - بعد تقرير الله سبحانه - إنما هم الغافلون !".
***
مع الشهيد سيد قطب .. أتمني أن أتوقف عن كتابة مقالي لأواصل نقل كتابه لكم يا قراء..
ولاحظوا أنني بدأت الكتابة المركزة عن الشهيد العظيم منذ ستة شهور وسط ظلام تعتيم لا يبدو له صبح..
ومن ذلك الحين انطلقت كلاب الصيد المدربة لمواجهة أي تأثير لأي كلمة حق تقال في الشهيد العظيم..
سنتجاوز سريعا عن محاولات قناة الجزيرة..
ولكننا نركز على صلاح عيسي في صحيفة  القاهرة..
صلاح عيسي .. صياد المياه العكرة.. وصاحب باقة الشيطان المهاجمة للشيطان كلما هلك منهم واحد أتي بمن يحل محله..
صلاح عيسي الذي يتحدث الكاتب المتميز محمد إبراهيم مبروك عنه فيقول: " ولكن منذ عامين فقط أدرك الماركسي القديم الأستاذ صلاح عيسى بذكاء لا يحسد عليه مدى ما يمكن حصده من ثمار خلال توظيف جمال البنا لتوجهات التيار العلماني الذي ينتمي إليه. ليس فقط استغلالا لاسم الرجل الذي يرتبط بأخوته للإمام حسن البنا أو حتى لصفة المفكر الإسلامي الملتصقة به. ولكن وقبل كل ذلك لأنه فهم مشكلة الرجل ومن هنا أتاح له الفرصة عبر صحيفته "القاهرة" أن يقول كل ما يريده، بل وكل ما يريده  صلاح عيسى أيضا. وحتى إلى هذا الحد فليست هناك مشكلة ذات بال. فالجريدة تكاد تكون حكرا على العلمانيين وأما توزيعها فحدث عنه ولا حرج[1]. وبعض الإسلاميين الذين كانت تفزعهم آراء وفتاوى البنا في أول الأمر سريعا ما صاروا يقرؤونها من باب الطرائف والعجائب ولكن يبدو أن هذا الأمر ذاته أثار غضب الأستاذ البنا وعناده فقرر أن يعلن في الآونة الأخيرة عن أفكار أشد حدة وإثارة مثل كون الإسلام دينا علمانيا وانه ليس دينا ودولة وبطلان الجهاد في الإسلام وأن الحضارة الأمريكية حضارة رائعة رغم لوثاتها وأن على المسلمين أن يطوروا عقائدهم ومناهجهم الدينية استجابة لطلب بوش والإدارة الأمريكية. وبذلك حقق للتيار العلماني وللقوى التي يخدمها أكثر مما يريدون."
ثم يواصل الأستاذ مبروك فضحه للاثنين:
" ومن ثم فمن غير المعقول مطالبة الناس بالتخلي عن إيمانهم ذاته إرضاء للغرب وإن كان هذا يرضي أشد الرضا دعاة العلمانية عندنا ومن هنا كان التقاء الهدف بينهم وبين الأمريكيين. ولهذا ينشط أمثال جمال البنا في الدعوة للاستجابة لمطالب الأمريكيين في تغيير المناهج الدينية ويعلن الرجل للإسلاميين أنه ليس أمامهم الآن سوى قبول دعوته لما يقدمه لهم من إسلام بلا إسلام. أي إسلام بلا قواعد ولا شرائع ولا أحكام بل مجرد بعض الشعائر بحسب المزاج والطلب.. ومن ثم فإنه يرى أن المعترضين على هذا الطلب الأمريكي "لن يعسر عليهم أن يأتونا بنصوص من أقوال الفقهاء توقع عقوبة الموت على المرتد وتقرر مصادرة كل فكر مختلف.. ولن يعسر عليهم أن يقدموا نصوصا عن دونية المرأة وفرضية الحجاب عليها وتحريم المناصب العليا.. أما الحدود من قطع يد السارق ورجم الزاني فإنها بالطبع ستكون في صدارة ما يقدمون" (القاهرة: 10 سبتمبر 2002). والدليل على أنه يعلن للإسلاميين بل للمسلمين عامة أنهم ليس لهم سوى قبول ما يتفضل علينا به من إسلامه العجيب هو أننا لن نستطيع الدفاع عن أنفسنا تجاه الأمريكيين لأن ما يعترضون عليه "هو بالفعل أقوال أئمة المذاهب وفقهاء السلف الصالح فإذا أعادته المؤسسات الدينية فإن ذلك سيكون مصداقا لاتهامات الأمريكيين وهذا هو المأزق الذي سيجد فقهاؤنا أنفسهم فيه وكانوا في غنى عنه ومخلص منه لو" وأقف هنا وأقول : لو ماذا؟ لو ألغينا عقولنا واعتقدنا أن الإسلام الذي يقدمه جمال البنا ومن يقف وراءه من غلاة العلمانيين الحاقدين له أدنى علاقة بالإسلام. ذلك الإسلام الذي بلا تفسير ولا سنة ولا قواعد للحكم ولا جهاد في سبيل الله ولا حد ردة ولا حد زنى ولا حد سرقة ولا قصاص ولا حجاب ولا صلوات خمس وإنما صلاتان فقط ولا شعائر ذبح ولا شعائر ذكر ولا أي شيء على الإطلاق من قواعد الدين وأحكامه وهذا الذي يكمل به كلمة لو فيقول" لو أخذوا بما عرضناه مرارا وتكرارا وما سجلناه في "نحو فقه جديد" و"الإسلام وحرية الفكر وعشرات الكتب الأخرى" . وربما لو كان البنا قد أعلن عن علمانيته بوضوح لما أثار اهتمام أحد ولفات على العلمانيين ما يحققونه الآن من ثمار انتشار هذه الأفكار الشاذة. ولهذا انصب اهتمامنا هنا على تجريد أفكاره من تلك الصفة الإسلامية بوجه خاص وتقديم الأدلة والبراهين على ذلك ليكون التركيز على نفي هذه الصفة هي المهمة الأساسية لمن يواجهون بمثل تلك الأفكار من قبل بعض المدعين من العلمانيين استنادا على جمال البنا."[2]
***
لا أملك إلا أن أضيف بعد كلمات مبروك القيمة أن الأزهر أصر تقريره عن كتابات جمال البنا الأخيرة بأنها إنكار للمعلوم من الدين بالضرورة و أنها كفر يوجب الاستتابة.
***
كان جمال البنا أحد إبداعات صلاح عيسى الذي أطلق نكرة آخر يسود الصفحات تلو الصفحات  في صحيفته يقول أن الإسراء كان للمدينة المنورة وأن لا علاقة له بالقدس الشريف و أن علينا أن نتركها لليهود بما فيها لتنتهي المشكلة!!..
صلاح عيسى.. الشيوعي بالأمس.. والأمريكي اليوم.. والصهيوني غدا.. وعضو مجلس الحكم بعد غد..
صلاح عيسى الذي أوجع قلوبنا ذات يوم بحديثه عن أنماط التعذيب الوحشية المجرمة التي عانى منها في سجون عبد الناصر.. أنماط التعذيب التي لم تكن تسمح لمعتقل إلا بالصراخ.. حين اجتاح طوفان الدنس الهادر الجيش والشرطة والنيابة والقضاء جميعا.. ولتتصوروا أن المجرم جمال سالم الذي كان يحاكم البطل الشهيد سيد قطب كان يقول:
- لا يهمني أن تتزوج ابنتي يهوديا أو أمريكيا[3].
 صلاح عيسى انطلق أو أُطلق ليحاصر ما يمكن أن يكون قد تسرب من حصار الشيطان حول الشهيد العظيم فانطلق ليمارس نوعا مما أسميه:
"الكتابة الفاسقة للتاريخ"..
ذلك أنه ينشر الكذب بقلب بارد وبلا ضمير.. وتخيلوا معي أنه يجعل المرجع الذي يرجع إليه ويقيس عليه هو محاضر تحقيقات النيابة..
سوف نتحدث يوما عن المستشار على جريشة الذي كتب يقول أن التعذيب الحيواني المجنون المجرم الذي تعرض له كان شديد الإيلام.. لكن ألمه كان أكثر حين استدعي للمرة الأولى أمام وكيل نيابة صغير السن ( وكان هو مستشارا)  فوجده يدوس القانون بقدميه.. وللمرة الأولى رغم كل أنواع العذاب ينفجر المستشار في البكاء.. و أمام وكيل نيابة في عمر أبنائه..
مثل هذا الوكيل هو ما يجعله صلاح عيسى مرجعا..
ولقد حدثتكم عن المذيع حمدي قنديل حين كان يذهب إلى السجن الحربي ليحصل على تأييد من الإخوان للثورة.. وكان المعتقل يأتي من أمام وكيل النيابة أو الضابط نازف الجسد ممزق الروح من فرط العذاب بعد أن وعدهم بأن يقول ما يريدون كي يتخلص من التعذيب ولو لبرهة.. لكنه حين يذهب إلى حمدي قنديل يرفض أن ينطق بما يريدون فيصرخ حمدي قنديل:
-         تعالوا شيلوا القرف ده..
وهو يقصد أن يأخذوه لمزيد من التعذيب كي يقول ما يريدون..
تحت مثل هذا التعذيب يرص صلاح عيسى مراجعه..
وغفر الله لحمدي قنديل جرائمه فقد اعترف بها و أبدى ندمه في أحد البرامج كما قال لي بعض من استمع إليه.
وكان يمكن أن نعذر صلاح عيسى  بالجهل.. وهو جاهل و لو علم.. و أن نفترض أنه من السذاجة بحيث يفترض النيابة في وضعها المتخيل المثالي لا في واقعها الوحشي الإجرامي الذي تحدثت عنه حيثيات أحكام نهائية.. أقول كان يمكن أن نعذره بالجهل.. وهو جاهل و لو علم..  لكنه هو بنفسه قد تعرض للتعذيب في الاعتقال كشيوعي.. وتعرض لبعض هذا التعذيب .. ويعلم كيف كان يدلي باعترافاته و أي نوع من وكلاء النيابة كان يتعامل معه.. ويعلم أكثر مما يعلم أي واحد آخر أن ما يكتبه وكيل النيابة منبت الصلة بالواقع. بل هو ما يمليه وكيل النيابة كي يحبك الأدلة المزورة ويحاصر بها الضحية، فهناك، كانت وما زالت الأحكام تصدر أولا، ثم تلفق لها التحريات المناسبة وتحقيقات النيابة التي تلف الحبل حول عنق المتهم.
***
نعم..
عذب صلاح عيسى مع الشيوعيين ورأي بعينيه و أحس.. ويعرف الحقيقة جيدا.. ومن شاء فليرجع إلى مقاله في كتابه مثقفون وعسكر: أضغاث أحلام..
وهنا يجب أن نفرق بين تعذيب الإخوان المسلمين والوفديين والشيوعيين.
كان تعذيب الوفديين هو الأخف.. إذ لم يكن الوفد يشكل منافسا حقيقيا للسلطة وكان المطلوب مجرد  الترويع  للابتعاد.. وبمجرد ممارسة القليل من العنف ضد موكب للنحاس باشا انسحب فورا من الحياة العامة.
تعذيب الإخوان كان نوعا آخر.. كان هو الأعنف.. وكان يهدف ليس إلى الترويع كما حدث مع الوفديين.. بل إلى الاستئصال.. الاستئصال الكامل بالإبادة والإعدام والتحطيم النفسي.. ولم يكن من بداخل السجن هم المقصودون وحدهم .. بل كان المجتمع الواسع هو المستهدف أساسا .. كان المقصود أن يعرف المجتمع أن أي محاولة لاتباع الإسلام كما أراد الله له أن يكون سوف تقابل بهذا النوع من البطش الشديد.
من السحق..
والتعذيب حتى الموت..
والتشهير..
والإعدام الجسدي والمعنوي..
ولقد ذكرت من قبل، مدى التأثير الهائل لهذا التعذيب، ولا نجحد فضل الذين صبروا، ولولا صبرهم لانتهت الدعوة لقرون، لكننا نتناول نوعا آخر لنرصد التأثير عليه، النوع الذي هُزم واستسلم، فالبعض قدم طلبا رسميا للتحول إلى النصرانية، والبعض الآخر، ومنهم واحد من قيادات خانت الدعوة مقابل أن تكون شاهد ملك ( في قضية 65)، هذه القيادة ترك الصلاة و أفطر في رمضان، بل وتحول – ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم – إلى شاذ جنسيا و أخذ يعلن ذلك كي يقنع أجهزة الأمن بصدق توبته.
تعذيب الشيوعيين كان نوعا آخر..
كان ترويضا..
كانوا يعاملونهم كما تُعامل القرود..
يضربونها بالسياط ثم يأمرونها بالرقص فترقص [4].
نعم..
كانوا يدربونهم كما تدرب حيوانات السيرك ليكونوا قادرين على أي فعل مهما بدا شذوذه أو نبت غرابته..
كانت المشكلة مع الإخوان المسلمين هي مشكلة العقيدة.. كان ممتزجة في قلوب العديد منهم امتزاج الدم.. وكانت مغروسة في الجسد انغراس القلب والأحشاء.. بحيث لا يمكن انتزاع العقيدة قبل انتزاع الروح..
هذه المشكلة لم تكن موجودة مع الشيوعيين ( وعندما أقول الشيوعيين فإنني أقصد المعنى الأوسع للعلمانيين جميعا ) .. كانوا بلا عقيدة.. وكان المطلوب هو تحويلهم إلى تلك القرود التي تضرب بالسياط لترقص.. كان المطلوب أن يقتنعوا بأن الحاكم هو ربهم الأعلى ولا رب لهم سواه.. وكان المطلوب هو القضاء على أي نوع من الكرامة الإنسانية داخل ذواتهم.. واستئصال أي إمكانية للاعتراض.. كان المطلوب أن يكونوا كلاب صيد شرسة يفعلون ما يفعلونه الآن تماما ..
نعم..
يفعلون ما يعلونه الآن من مطاردة وحصار أي توجه يعارض الحاكم.. ولا بأس أحيانا بتمثيل أدوار المعارضة..
باختصار دخل العلمانيون إلى السجون وهم كافرون بالله..
وخرجوا منه وقد كفروا بالإنسان أيضا..
و أصبحوا لا يؤمنون إلا بالحاكم..
هو الآمر الناهي..
هو منبع الخطر والقوة..
هو – أستغفر الله العظيم – يحيي ويميت..
هو يعين ويفصل..
هو يعذب ويعفو..
فإذا كانوا لا يعرفون الله أصلا فلماذا لا يعبدون الحاكم إذن..
لقد كان هذا جليا بحيث لا يكاد يحتاج إلى إثبات.. فبعد فترة الترويض.. خرجوا من السجن إلى المناصب القيادية ليس في مصر فقط بل في العالم العربي كله .. و إلى الآن..
أما الأغرب فهي أن انتقالهم إلى المناصب القيادية لم يقتصر على عهد عبد الناصر فقط.. بل استمر في عهد نقيضه السادات.. كما استمر في عهد نقيضيهما مبارك.. والأغرب والأغرب أن ذلك لم يقتصر على مصر بل انتشر في العالم العربي كله.. وبصورة مذهلة.. ويكفي أن بلدا كالسعودية .. وهو آخر بلد كان المتصور فيه أن يوجد الصحافيون العلمانيون .. لم يكتف بمجرد الوجود بل انتقلوا إلى مرحلة السيطرة ثم حصار المسلمين.
***
هل يتصور القراء على سبيل المثال أن تنشر الصحف السعودية غزلا وتشببا في ملحد سعودي مثل عبد الله القصيمي؟ ( وبالمناسبة فهو من أساتذة سيد القمني وخليل عبد الكريم وجمال البنا .. وكان من أساتذة خالد محمد خالد قبل أن يدركه الله برحمته فيتوب..)..
كان ذلك منذ أكثر من نصف قرن.. وجاهر الرجل بإلحاده ليفضح أنصاره..
ولقد ذهلت على سبيل المثال عندما وجدت كاتبا كنت أحترمه هو الدكتور محمد صالح المسفر – عليه من الله ما يستحق-  يقول عنه:
استأذن الأستاذ الجليل الشيخ عبد الله القصيمي[5] رحمه الله في استعارة عنوان أحد كتبه " العالم العربي ليس عقلا "  ليكون عنوانا لهذه المحطة مع التعديل غير المخل والحق أن شيخنا رحمه الله قد اكتشف قصور العقل عند بعض ولاة الأمر فينا منذ زمن ليس بالقصير، وألف عدة كتب في شأن ذلك العقل وقصور الأداء والإدراك ولكن لم يلتفت إلي كتب شيخنا إلا قلة قليلة من أهل القلم .
محمد صالح المسفر حزين لأن قلة قليلة هي التي التفتت إلى كتب القصيمي القيمة..
سوف نقرأ عما قليل بعضا مما أعجب هذا المسفر في القصيمي..
لكننا قبلها نقرأ جزءا مما كتبه الشهيد العظيم  سيد قطب عنه  :
( لله درك أيها الشهيد العظيم.. أنت مذهل في كل شئ.. ولقد كشفت خبيئة الملحد حتى بعد أن انخدعت فيه قامات عملاقة كالشيخ رشيد رضا وعباس محمود العقاد.. وهو إذ يكشفه يضع المنهاج الذي يكشف عبيد الشيطان جميعا بدءا بصحيفة المقطم وانتهاء بالقاهرة و أخبار الأدب!!)..
نعود إلى ما قاله الشهيد العظيم عن القصيمي الذي يتباكى المسفر حزنا على من لم يقرأه:
" هذا رجل (يقصد القصيمي) ينافق،  يريد أن يطعن الطعنة في صميم الدين خاصة، ثم يتوارى ويتحصن في الدين،  وينكر ما قد يفهمه القارئ من بعض النصوص ومن روح الكتاب كله, وراء النصوص. (...) ثم هذا رجل يسرق أفكار غيره بالنص , وينكر أن يكون قد قرأ شيئا عن هذه الأفكار. (...) هذا رجل  تنقصه الجرأة علي أن يقول ما يريد أن يقول ، وإذن فلا حرية فكر و لا خطر على حرية الفكر ؟إنما هي دعوة خبيثة ملتوية ضد الدين , وبخاصة الإسلام وضد الروح والخلقية في النفس والضمير؟ (...) هنا رائحة ما ؟ (...) رائحة شئ ما شئ غير نظيف ..
***
سوف يفتضح شأن القصيمي بعد فضح الشهيد له بسنوات.. لن يفضحه أحد.. سيفضح هو نفسه عندما ينطق بالكفر البواح الذي سنورده بعد سطور..
دعنا الآن من أقصى درجات الرقة من الحكومات السعودية  في التعامل معه عبر نصف قرن..
دعنا من دعمه ماليا..
وحراسته من الاغتيال..
وعلاجه في الخارج على حساب الأمير طلال بن عبد العزيز..
ورعاية أبنائه..
واستمرار الحوار معه حتى مات..
ولم يقسم الأمير عبد الله ولي العهد أبدا أنه سيطارده ولو ثلاثين عاما حتى يقضي عليه و أنه لن يتحاور معه أبدا..
بالعكس ..
استمر التحاور والرعاية حتى الموت عام 96..
فعل تعرفون يا قراء بعض ما يقوله القصيمي هذا..
إنه يقول: في غلاف كتابه الوجه الآخر[6] :
( إن الإنسان المثل الذي يجب أن يكون هو زنديق العقل قديس النفس والأخلاق ، هو العاصي المتمرد المحارب بتفكيره )
ويقول تحت هذا العنوان ( في غار حراء لم أجد الإله ولا الملاك ) :
( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر . دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..! أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ ! ذهبت إليه إلى الغار غار القرآن المغلق والهادم لكل غار قبله ولكل غار بعده لأنه يجب أن يكون هو كل غار وآخر غار والغائر والغيور من كل غار ..! ذهبت إلى الغار الذي ولد وورث وعلم ولقن وألف وحرض وخلد أقسى أقوى أغبى واجهل وأدوم إلهيات ونبوات وديانات ووقاحات ووحشيات !
(...)..
لقد مات هذا الغار ... لقد مات بأسلوب الانتحار لأنه أوحى إلى الإنسان العربي .. إلى النبي العربي ما أوحى .. ماذا أوحى إليه ؟ هل تستطيع كل الحسابات والإحصاءات أن تحصي أو تحسب الخسران الذي أصاب الحياة والإنسان من هذا الوحي والإيحاء ؟
ويقول الكافر المجرم القصيمي تحت عنوان ( لماذا يسارع المتخلفون إلى الدخول في الإسلام ؟)
يقول :
( أعلن النبي محمد أنه آخر الأنبياء وانه بمجيئه قد اغلق أبواب السماء لئلا تتصل بالأرض أو تتحدث إليها بالأسلوب الذي تحدثت به إلى الأنبياء بعد أن قرأ ورأى وعرف ضخامة وفظاعة عدوان السماء على الأرض وتشويهها لها بإرسال من تسميهم بالأنبياء إليها .. بعد أن عرف قبح عدوان الأنبياء على الأرض لمعرفته بقبح عدوانه هو عليها . فالنبي محمد يعني إعلان خطيئة مجيء الأنبياء والنبوات وإعلان التوبة الصادقة الحاسمة من ذلك مع كل الاعتذار إلى الحياة التي ما أقسى أطول ما تعذبت وتشوهت وقبحت وتقبحت وجهلت ورذلت ونذلت وهانت وحقدت أبغضت بمجيئهم ومجيئها أي بمجيء الأنبياء والنبوات !
(...)...
هل يمكن تصديق بأن وثنية التوحيد هي اضخم الوثنيات وبان جميع الوثنيات لا تستطيع أن تنافس الوثنية التي جاء بها نبي التوحيد محمد معلما ومنفذا لها ؟(...)..  احتلال الإله لعقولنا افدح أنواع الاحتلال .
هذه بعض النصوص التي ضمنها القصيمي كتابه ( هذا الكون ما ضميره ؟)
***
إنني أنبه القارئ أنني حذفت الكثير الكثير مما لم يطاوعني قلمي على نقله من سباب قذر مجرم في الإسلام وفي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وفي القرآن الكريم..
ثم إنني أعتذر عما نقلت من هذا السفيه الفاجر عليه لعنة الله..
وما كنت لأذكر هذا الشيطان الرجيم لولا أن الحداثيين والعلمانيين المجرمين في بلادنا  لا يجرءون في معظم الأحيان أن يهاجموا الدين مباشرة كما فعل ذلك الكافر.. فيكتفون بمديح القصيمي بما يعني اشتراكهم معه في الفكرة دون تحمل المسئولية .. وهؤلاء يستحقون الفضح باستمرار..
انظروا مثلا إلى الشاعر  الخسيس أنسي الحاج ( وهو من نفس فصيلة أدونيس والماغوط) وهو يقول عن القصيمي  أنه:
" ليس مفكّراً يشرح نظريات، إنه القاموس العربي وقد استحال صراخاً ضد التزوير، بمعناه التاريخي، ضد القمع والتخلف والسدود كلها. هذا الرجل القادم من الصحراء، السعودي المقاتل كلّ شيء، الرافض كل شيء، الحر في وجه كل شيء، يتكلم كالشهيد الحيّ. ماذا يريد؟ يريد أن يفرّغ الدنيا العربية من نفسها ويؤلفها على الحرية، والعقل والكرامة. كُتُبُه فضيحة تاريخية. فضيحة أن يكون العالم العربي قد ظلّ حتى الآن خالياً من عبد الله القصيمي. فضيحة، عبد الله القصيمي، تفضح ألوف ماسخي الكلمة العربية كل يوم من المحيط إلى الخليج. اقرءوا القصيمي. لا تقرءوا الآن إلاّ القصيمي. يا ما حلمنا أن نكتب بهذه الشجاعة! يا ما هربنا من قول ما يقول! يا ما روضنا أنفسنا على النفاق، وتكيفنا، وحطمنا في أنفسنا الحقيقة، لكي نتقي شر جزء مما لم يحاول القصيمي أن يتقي شر قوله في كتبه. ويهجم على الكلمة هجوم البائع الدنيا بكلمة. وتقتحمك كلماته التي لا تتوقف اقتحام الحريق المتصاعد. ضد كل شيء.
***
السعودية سوف تطرد القصيمي لكنها تعامله بكل رحمة.. وسمو ولي العهد لم يقرر مطاردته ثلاثين عاما ولا حتى ثلاثة أعوام.. رغم أن الرجل قد عاش طويلا في عهده (مات في أوائل 96) حيث أصدرت عنه مجلة " إبداع" التي كان يرأس تحريرها التنويري الشيطاني   أحمد عبد المعطي حجازي، ملفاً خاصا . وشارك في الملف الكاتب سيد القمني في مقالة بعنوان"عبد الله القصيمي.. صوت صارخ في البرية" والكاتب حسن طلب في مقالة بعنوان"عبد الله القصيمي.. قطرة الشك في صحراء اليقين" والكاتبة البحرينية فوزية رشيد مقالة بعنوان"بعد رحيله، كبرياء التاريخ في مأزق".. والكفر ملة واحدة..
سوف يكون القصيمي  أيضا ضيفا عزيزا على النظام الناصري ومن سنة 59 سوف يبث سمومه من صالونه في المنيل في لقاء أسبوعي.
***
لقد أطلت في الحديث عن القصيمي لأن الكثيرين من الشباب اليوم لا يعرفونه..
ولقد كانت معرفتي به – على سبيل المثال – ترياقا حماني من كاتب كالمسفر عندما قرأت إعجابه به..
و إن أنس لا أنسي رسالة قارئ مسلم في أمريكا.. كتب إلي يقول أنه كان يكرهني بشدة حتى دون أن يقرأ لي.. بل كان يتجنب القراءة لي.. وذات يوم كان يبحث ببرنامج جوجل عن موضوع متعلق بنوال السعداوي حيث كان شديد الإعجاب بها.. وفوجئ بكتابتي عنها.. فراح يقرأ دهشا .. وتطورت قراءاته حتى أصبحت نوال السعداوي وما تمثله أبغض الأشياء إلى قلبه..
نعم ..
أنا حريص على كتابة التفاصيل كي أكشف مواقع الحيات السامة وكيف الوقاية من سمومها..
وقد كان هذا بعينه ما فعلته مع كاتب أردني هو خيري منصور حين كتب يمتدح الكافر المجرم خليل عبد الكريم (بحكم فقهي من الأزهر) ..
وهو أيضا أحد مسوخ صلاح عيسى..
صلاح عيسى الذي جند صحيفته بل وكره لتشويه الإسلام وتشويه أبطاله و لإدانة الشهيد العظيم سيد قطب معتمدا محاضر نيابة حمدي قنديل وحمزة البسيوني كمرجعية..!!
لقد كتبت لكم قبل ذلك كيف تناول صلاح عيسى ( مولى عميد المباحث صلاح محيسن) العلامة محمود شاكر بالسخرية والكذب.. وفي نفس المقال تحدث عن حمزة البسيوني بوله يشبه العبادة.
ولم يذكر صلاح عيسي كيف كان المجرم الجاهل جمال سالم يحاكم الشهيد.. ولا هو ذكر شيئا عن جرأة الشهيد  النادرة أمام ما يسمون بالقضاة ، فلقد خلع قميصه أمام المحكمة وقال بسخرية: انظروا يا قضاة العدالة!!.. نحن نريد أن نسأل ، آينا أحق بالمحاكمة والسجن نحن أم انتم? إن لدينا وثائق أنكم عملاء للمخابرات الأمريكية ، وبدأ يسرد الوقائع والوثائق التي تصمهم بالخزي وتسمهم بالصلات المشبوهة بكافري -السفير الأمريكي آنذاك- مما اضطر جمال سالم أن يرفع الجلسة ويغلق المحاكمة.
وأودع سيد قطب ليمان طره (السجن الذي يضم المئات من شباب الإخوان) ، ولقد شهد بأم عينيه مذبحة الإخوان في ليمان طره عندما فتحت الحكومة الرشاشات على الإخوان حيث قتل من عنبر واحد ، واحد وعشرون من شباب الإخوان والتصقت لحومهم بالحائط ، ومن شاء الاستزادة فليقرأ  كتاب (أقسمت أن أروي لروكس معكرون.[7])
لم يذكر صلاح عيسى شيئا عن ذلك..
لم ينقل من كتاب يوسف معكرون هذا قوله:
" لماذا يتحدث حكام القاهرة عن العزة والكرامة والحرية وليس عندهم إلا الوحشية والعبودية والمذلة .. تجار الضجيج باعة السراب .. صناع العذاب .."
ولا هو نقل منه:
"لقد قدر لي أن أكون الإنسان الوحيد الذي شهد هذه المحنة الفظيعة .. وخرج من السجن .. ومن سجون الجمهورية العربية المتحدة وحدودها جميعا ليتصل بالعالم الحر ."
تجاهل صلاح عيسى ذلك لكننا لن نتجاهله ..
سنتحدث عنه..
كما أنني أقدم للقراء في نهاية هذا المقال هدية ثمينة مكثت شهورا حتى عثرت عليها.. ألا وهو النص الكامل لكتاب " أقسمت أن أروي" لسجين جنائي مسيحي  لبناني حضر مذبحة طرة فأقسم أن يكتب عن الإجرام الذي شاهده بعينيه و أن يروي المأساة.
لقد عثرت على الكتاب بعد جهد جهيد.. وجمعته وها أنذا أهديه لكم يا قراء مناشدا أن تنشروه على أوسع نطاق فقد نفدت كل طبعاته من الأسواق والكل يستشهد به لكن لا أحد يجده.. لذا أناشد القراء أن ينشروه في كافة المواقع.. خاصة وأن الكتاب صغير جدا، فهو في طبعته الأصلية 37 صفحة من القطع الصغير.
والكتاب في حد ذاته هام.. يزيده أهمية أن كاتبه – الذي لا أعرف أي شئ عنه- ليس كاتبا و أغلب الظن أنه كان سجينا جنائيا . والرجل ليس مفكرا بالتأكيد.. ثم أنه مسيحي.. وذلك كله يستبعد أي شبهة لأي تعاطف مع المسلمين.
لقد أدرك يوسف معكرون أنه ربما يكون الشاهد الوحيد على جرائم السلطة في مصر والتي تتم بمنتهى الخسة والكذب، حيث تقوم السلطة، وخاصة رجال الأمن بأكثر الجرائم بشاعة و أشدها خسة ثم يتهمون الضحايا بأنهم هم الجناة ويلفقون الأدلة على ذلك[8]. وكان الدافع النبيل الذي دفع يوسف معكرون لكتابة هذا الكتاب أنه ظن أن السلطة الباطشة الغاشمة المجرمة التي قتلت  من الإخوان المسلمين21 في دقائق غير من ماتوا بالإهمال  أو بعدم تقديم العلاج في الأيام التالية. ظن يوسف معكرون أن الباقين جميعا سيقتلون،  و أنه لن يبقي منهم من يخرج حيا حتى يروي حقيقة ما حدث، فكان حرصه على كتابة شهادته للتاريخ و قسمه على أن يرويها..
في ذلك الوقت كان الطوفان الدنس يجتاح كل شئ.. ووجد من المفكرين والكتاب والصحافيين بل والشيوخ من راحوا يباركون بكل خسة وحماسة خطوات الثورة المباركة وفي نفس الوقت يرمون أعداءها بكل نقيصة.
وجد من المجرمين من يفتي بأن مذبحة طرة واجب..
ووجد من يفتي بأن الإخوان المسلمين خوارج.. و أن حربهم أهم من حرب إسرائيل..
ووجد..
ووجد..
ووجد..
وكان طوفان الإعلام الدنس الهادر لا يترك ثغرة لأي كلمة حق يمكن أن تنفد من جدران الباطل..
أما لماذا أذكر ذلك كله الآن فلأنه أصلا يجب ألا ينسى أبدا.. ثم أنني أشم في الإعلام الحكومي السعودي نفس الرائحة النتنة التي شمها الشهيد سيد قطب في عبد الله القصيمي..
أشم رائحة الإعلام الصهيوني والصليبي والناصري..
أشم رائحة الباطل..
أشم رائحة من ليس معنا فهو علينا..
أشم رائحة الشيطان حمزة البسيوني والمجرم جمال سالم والسفيه الدجوي..
أشم رائحة مطاردة تستمر ثلاثين عاما ودون أي إمكانية لحوار..
الحوار لفريدمان وشارون وبوش ورامسيفيلد..
الحوار لفتح القواعد السعودية لضرب العراق..
الحوار لإغلاق  المؤسسات الخيرية لخنق الفلسطينيين..
الحوار لكل ذلك.. لكن لا حوار مع إخوتنا و أبنائنا أبدا..
وقد كان هذا بالضبط هو موقف حكامنا في مصر..
ليس – فيما أعتقد – بسبب خلل عقلي ولا مرض وراثي..
و إنما لتنفيذ أوامر محددة سبق التعهد بها .. أما المقابل فهو الاستمرار في الحكم وعدم التفتيت ..
***
لو أنني كنت أعلم منذ عامين ونصف العام ما أعلمه اليوم ما طلبت لقاء ولي العهد الأمير عبد الله أبدا..
***
نعود إلى الدعوة التي خاطبني ملحق السفارة السعودية بشأنها.
منذ عام 1978 كنت أشتاق إلى الحج والعمرة.. لكنني كنت قد ربطت نفسي بحماقة بقسم ما كان لي إلا أن أنكثه..  و كنت أواسي نفسي بأنني أديت الفريضة مرتين، أما العمرة فقد قمت بها عشرات المرات.
وكان ثمة إحساس يخجلني ويخيفني.. وهو أن عدم مجيء " الدعوة " يعني أنني ملفوظ.. تلفظني مكة أو المدينة كما يلفظ الحديد الخبث..
وكان هناك أيضا سبب آخر.. ففي تلك الفترة كنت أهاجم السياسة السعودية بضراوة.. وكنت أتوقع رفض طلبي لتأشيرة الحج أو العمرة.. وكنت أخشى من خلط لن أستطيع التمييز فيه.. فلو أنني تقدمت بطلب تأشيرة للحج أو العمرة فهل سأفسر رفض طلبي بسبب غضب الله عليّ أم بسبب غضب السلطات السعودية!!.
***
قبل أن أتطرق للأحداث العاصفة التي صاحبت طلبي لتحديد موعد مع ولي العهد، ومندوبه الذي أرسله للالتقاء بي، وما صاحب ذلك من أحداث عاصفة، أدلف إلى الجزء الأهم، الجزء الذي فرحت  بالدعوة لأجله.. أداء العمرة وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم..
***
واجفا مرعوبا ذهبت..
كنت خائفا ألا أخاف..
كنت خائفا أن يكون قلبي قد من الصخر..
وكان العام السابق شديد القسوة.. كان غزو أفغانستان وسقوط الحكومة الوحيدة التي يمكن أن تسمى حكومة إسلامية حقيقية منذ قرون.. كانت وليدا يحتاج الرعاية كي ينمو فذبحوه.. وكانوا ينظرون إلينا نحن العرب كسند وكمنبع .. ولم يدركوا أننا قد فقدنا عروبتنا و أخشى أن أقول جل ديننا منذ زمان طويل.. كانوا يمدون أيديهم طلبا للعون.. وسارع العرب وعلى رأسهم السعودية ومصر بمد أيديهم .. لا للعون .. بل لتقييدهم تمهيدا للذبح.
وكنت مذبوحا من الألم.. وكنت قد كتبت ذلك في كتابي" بل هي حرب على الإسلام"  وتلك كانت أحد أسباب دهشتي من الدعوة.
كنت مذبوحا من الألم بعد سقوط كابل وانسحاب طالبان واكتشافي أن مصر والسعودية كانتا من حملة ألوية المشركين....
وكنت أدرك كم أنا محتاج لمن أقترب منه شبرا فيقترب مني باعدا ليهدهد ألمي ويكون بلسما لجروح قلبي وقروح روحي..
وكانت الدعوة..
ووجدت نفسي في المدينة ثم في مكة..
كنت أقول لنفسي: لو بكيت بصدق نجوت.. لو بكيت نجوت.. لو بكيت نجوت..
وكنت أخشى أن تكون دموعي قد جفت..
وفي الحرمين كان الموقف واحدا..
كان الرعب..
والإحساس بالذنب ..
والتقصير..
والخوف من أن أُلفظ أو أن أطرد كما يطرد الحديد الخبث..
كنت أتساءل:
-         ماذا لو لم أحس حرارة اللقاء.. ويا ويلي لو لم أحسه..
في الحرمين..تكرر نفس الموقف..
عندما تفتت القلب وبكى فغرقت في بحر من الدموع..
***
فجأة .. قفز من عالم النسيان إلى ساحات الذاكرة موقف..
كان ذلك منذ أكثر من ربع قرن.. كان الله قد رزقننا بابنتي الأولى.. مكثت معنا في المملكة عامين ثم اضطررنا لإرسالها لمصر.. وعندما عدنا بعد عام لم تعرفنا.. أنكرتنا.. كانت تنظر إلينا في انزعاج واستنكار للغريبين اللذين يقتحمان حياتها بإصرار  وتلوذ بجدتها هربا من أمها و مني.. بعد أيام ذهبت بعيدا.. وراحت تنظر إلينا في دهشة وغضب.. وبدا كما لو أنها تذكرت.. و أنها غاضبة منا.. لماذا هجرناها.. لماذا ابتعدنا عنها.. وفجأة انفجرت في البكاء.. وقلت لنفسي وقد ملأني البشر:
-         لقد انفكت الأزمة..
وصدق ظني..
هل كنت أكرر موقف ابنتي ..
أمام الحرمين..
هل كانت الدموع كافية لغسل الوحشة و إذابة الهجر..
عندها..
وعندي..
لكن الفارق أنها – على وجه ما - كانت مجنيا عليها..
وكنت الجاني في الحالتين..
***
بعد أن استقر بنا المقام، راح المضيفون يقولون أن مهرجان الجنادرية ذلك العام يرتدي ثوبا جديدا، ففي كل عام يُدعى إلى ذلك المهرجان مائة وخمسون مدعوا من شتى أنحاء العالم. وكانت العادة أن يكون أكثر من نصفهم من المصريين، وقال أحد المضيفين في شبه اعتذار:
-         كان معظم المدعوين من العلمانيين.. وكان بعضهم من المجاهرين والمفاخرين بكفرهم..
وراح أحدهم يحكي عن يوسف إدريس حين صاح في ليلته الأولى:
-         ما هذا.. ألا يوجد نساء.. ولا خمر..
وقال المضيف:
-         تدارك المسئولون أيامها فنقلوه إلى مكان آخر..
ثم أضاف ساخرا:
-          ولست أدري إذا ما كانوا قد قدموا له حلا للمشكلتين أم لا.
وواصل مضيف آخر:
-   هذا العام نسير على فلسفة أخرى أكثر انحيازا للإسلام.. فلم ندع من يجاهر بالكفر.. ثم أننا اقتصرنا على دعوة سبعة فقط من مصر التي جاوز تكاثر العلمانيين فيها مرحلة الخطر.. نعم سبعة فقط بدلا من سبعين أو ثمانين ( مع استثناء شخصيتين لم يدعوا بصفتهما مصريين هما الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور عمرو موسى..)..
طفحت في قلبي مرارة تتساءل:
- لن يفرحني أنكم لن تدعوا المجاهرين بالكفر بعد الآن بل يحزنني أنكم دعوتموهم من قبل..فلماذا؟.. لمصلحة من؟..
***
انقضى اليوم الأول في التعارف وسوف أعتذر عن إيراد أية أسماء لأسباب لابد أن القارئ سيفهمها..
***
كان مما فرى كبدي أن جاءني شاعر شهير جاوز السبعين من عمره يطلب وساطتي عند أجهزة الأمن في مصر لاستعادة ديوانين للشعر له عندما اعتقلوه عام 1954 .. واستولوا على مخطوط الديوانين .. و أنه لم يكف طيلة هذا الوقت عن طلب الوساطة .. بعد أن غادر مصر بعد الإفراج عنه عام 57.. بعد أن عاصر مذبحة ليمان طرة..
ولست أدري لماذا لم يغضب أولئك القوادون الذين غضبوا لما يقولون أنه مصادرة لكتاب لنوال السعداوي ( والكتاب لم يصادر ولكنها طريقة القوادين للترويج، فالأزهر أصلا لا يملك حق مصادرة الكتب) ..
لست أدري لماذا لا يتوسط هؤلاء القوادون  للشاعر الكبير عند أجهزة الأمن.. وعلاقتهم بها وثيقة .. فهم أبناؤها وغلمانها.
لم يُصادر أي كتاب لنوال السعداوي.. العجوز الشمطاء القبيحة وجها وفكرا.. والتي ارتكبت كل أنواع الموبقات والجرائم كي تحتفظ بالأضواء حول نفسها.. العجوز الشمطاء التي تجاهر بأنها ضد الدين وضد الله – تعالى الله- وأنه – غفرانك ربي-  لا يجب اتباع الرسول في الخطأ.. وأن  عمرو خالد و خالد الجندي مثل النساء القبيحات.. ( أرجو من القارئ أن ينظر إلى صورة وجهها ليضحك)..   و تواصل نوال السعداوي  أن: (الحجاب) مفروض للجواري.. و تتساءل  لما لا أتزوج أربعة؟  وتقول بئس ما تقول: " (ربنا) لا دخل له بالسياسة لأنني لا أستطيع أن أعارضه...  و: " (الحج) و (الصلاة) بالطريقة الحالية (غلط) .. و تقبيل الحجر الأسود (وثنية).. وأنا مع الدعوة إلى إسقاط البند المتعلق بالدين من الدستور المصري " الإسلام هو الدين الرسمي أو الرئيسي لمصر "، و أطالب  بمنع الختان للرجال .. وأطالب "بالمساواة في الميراث بين الرجال والنساء".
و قد اعتبر مفتي مصر (السابق)  الشيخ نصر فريد واصل في تعليق  منشور[9] أن إنكار نوال للمعلوم من الدين "يخرجها بالضرورة عن دائرة الإسلام"..  لأنها باختصار تتهم الله بالجهل والظلم!!.. وقال في تصريحات نشرتها مجلة آخر ساعة: هذه الافتراءات علي دين الله ورسوله ليست وليدة اليوم وإنما بدأت من صدر الإسلام الأول وقال بها المنافقون الذين دخلوا في الإسلام رياء ثم نكصوا علي أعقابهم وكادوا للدعوة ورسولها.. وبالأمس القريب تكررت نفس الدعاوى وقال أحدهم: بالنقد التاريخي للقرآن.. وأنكر أحدهم السنة جملة وتفصيلا. وها هي تنكر كل المعلوم من الدين بالضرورة .. وتحدث فضيلته عن أن:  الاستعداد للانحراف الخلقي والعقدي رابط مشترك بينهم جميعا.. المنافقون دائما مشكلة تتحدي العالم الإسلامي ولقد كانوا ولا يزالون أشد خطرا علي الإسلام والأمة ولعل سورة المنافقون التي جاءت في القرآن الكريم تفضح أساليب المنافقين الرخيصة: ' قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون، اتخذوا أيمانهم جنه فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون' .... إن هذا الطابور الطويل في تاريخ الدعوة الإسلامية أما أن يكون جاهلا بما يقول.. أو منافقا عليم اللسان وسواء كان هذا أو ذاك فهم أشد خطرا علي المجتمع لأنهم يثيرون الفتن في المجتمع ويعتدون علي الأمن الاجتماعي وأمن الدولة وأنا أقول أن أمن الدولة يبدأ من أمن الدين والعقيدة فإذا ما تعرض أمن الدين لخطر فإن أمن الدولة في مهب الريح.
وفي إجابة عن سؤال:  هل تعتقد أن أيادي خفية وراء هذه الأفكار المتطرفة والمخرفة؟! أجاب فضيلته:
- أنا في رأيي أن هذه الكارثة وراءها عاملان مهمان:
الأول : الاستعداد النفسي وسوء التربية.. فلو تأملت هؤلاء وفحصتهم ستعرف أن خلفياتهم النفسية لا تبشر بالخير.. وأن مناخ التربية الذي عاشوا فيه مناخ سيئ جدا.
والثاني : قطعا هناك استقطاب دائما لمثل هذه العناصر الجاهزة نفسيا لتشويه أفكارها السيئة أصلا ودعم الأفكار المستهدفة ثم الدفع بهذه العناصر لتلقي حجرا علي المجتمع.. وهم أما طلاب شهرة زائفة.. وإما وراءهم دعم مشبوه وهم مجرد أدوات تحركها مؤسسات خارجية حاقدة أو ناقمة علي الإسلام والمسلمين.
و أضاف  فضيلته قائلا : أنظر إلى الدكتورة وهي تحرض نساء البشرية علي الخلاعة والمجون والعري وهي تقول لهن ما هذا الحجاب الذي يفرضه الإسلام عليكن إنه الرجعية والعبودية والاستذلال..! محض افتراء وسوء قصد وفهم لا تقول به إلا من لا تعرف حلاوة العفة وطهارة السيرة والسريرة.. فالحجاب في شرعنا فريضة ثابتة بالقرآن والسنة.(...) إنني لا أنزعج من مثل هذه الأفكار الشاذة وهذه الآراء المناهضة لتعاليم الإسلام الحنيف بل إنني أعدها ظاهرة صحية تدل علي متانة الإسلام وعمق جذوره.. فالأفاكون من قرون خلت وهم يحاولون اقتلاع الإسلام من جذوره ولكن هيهات .. هيهات .. لأفكار بالية تهب رياحها علينا من حين لآخر أن تبلغ مرادها.. وعلي الذين ينطحون الصخر أن يريحوا أنفسهم ويستمعوا بقلوبهم إلي وعد الله بحفظ دينه 'إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون'
***
مازلنا مع نوال السعداوي التي تفتخر في كتاب لها أظن عنوانه : مذكرات طبيبة بالتفاصيل الدقيقة :  كيف كانت تتلمس الأسباب كي تصرف خادمتها استعدادا للقاء عشيقها..
تغضب السعداوي – عليها من الله ما تستحق- عندما يناديها أحد: يا " حجة" ؟ ، وتقول في ذلك:
- نعم .. لا أحب أن يناديني أحد بهذا اللقب ، لأنني لم أحج و لن أحج ، بإمكاني أن أحج و أنا في شرفة بيتي ، و عملي و كتبي هي صلاتي ، تقربي لله هو تقربي للعدل و الحرية ، و ليس بالنصوص و التفسيرات ، هذه سياسة[10] .
وفي موضع آخر  تنكر السعداوي التعذيب  الذي تعرض له الإخوان في عهد عبد الناصر .. وتلقي بحجتها الدامغة:
- زوجي د/ شريف حتاتة مكث 10 سنوات في السجن في عهد عبد الناصر و خرج دون خدش.
 ولقد كذبت وهي تعلم أنها كاذبة لأن للدكتور شريف حتاتة كتاب اسمه: العين ذات الجفن المعدني .. ويقصد بها كوة الزنزانة حيث عاش أهوال التعذيب ويرويها في ذلك الكتاب.. كما يروي مقتل شهدي عطية و آخر لا أذكر الآن اسمه..
لكننا كي نكمل السمات الرائعة لهذه العائلة الكريمة لابد أن نعرج على اعترافات الزوج ( د شريف حتاته) في كتاب آخر هو : " النوافذ المفتوحة" حيث يعترف بأنه كان في طفولته يتواطأ مع خادمهم الشاب الأسود القوي حين كان يتحرش به جنسيا.  ثم يقدم تبريرا لشدة عدائه لليهود ولإسرائيل حيث كان عالي الصوت في انتقاده لهم دائما. يعترف شريف حتاتة بأنه كان يفعل ذلك كي يغطي على سر دفين في حياته. سر كان يشعر أنه يجلب له العار.. ذلك أن جدته كانت يهودية. وكان يشعر أنه كلما كان أشد حدة في العداء لإسرائيل، كان السر الدفين عصيا على الكشف أكثر.
***
بسبب الخروج على الإسلام طبقا لشهادة المفتي ، فإن نوال السعداوي، الطبيبة التي تحمل دبلوما فقط( درجة أقل من الماجستير) تعمل أستاذا في جامعة ماين بشمال غربي الولايات المتحدة الأمريكية .. وتحصل على جائزة  كاتالونيا الدولية في دورتها الخامس عشرة، وقيمتها تقارب المليون جنيه.. حيث قالت – بمنتهى الصراحة والوقاحة-  لوكالة الأنباء الأسبانية " في" أن نيلها جائزة كاتالونيا الدولية في دورتها الخامسة عشر "يعطيني الحماس لمواصلة انشقاقي وإبداء انتقاداتي".
وتذكروا يا قراء أن السفيه علاء حامد حصل على جائزة مماثلة و أيضا لمجرد جرأته على الدين. وكذلك السفيه بائع البوية صلاح محسن ( و الأخير هذه المرة ليس من صبيان صلاح عيسى بل من غلمان جمال الغيطاني الذي أفرد له مساحات واسعة في أخبار الأدب)..
***
نريد أن نترك العائلة " الشريفة" لكن ليس قبل تناول الطريقة المهيبة التي عرضت بها صحيفة الحياة للفرية المزعومة عن مصادرة كتابها:
القاهرة - محمد صلاح     الحياة     2004/05/29
"طالما أن الحكومة تتحدث عن الإصلاح ولا تنفذه, وما دام هناك من ينافق الإسلاميين, ويسعى إلى تملقهم حتى داخل المؤسسات الرسمية وبينها الأزهر, فإن مطاردة المبدعين ستستمر"...
ثم في عنوان آخر:
اتحاد الكتاب يدين قرار الأزهر مصادرة رواية نوال السعداوي..
ثم تعود الحياة لتنشر:
القاهرة - محمد صلاح: اتسعت المواجهة بين الكتاب المصريين من جهة وبين الأزهر من جهة أخرى على خلفية قرار أصدره "مجمع البحوث الإسلامية" الأسبوع الماضي بمصادرة رواية الكاتبة نوال السعداوي "سقوط الإمام", واستخدم اتحاد الكتاب المصريين, في بيان أصدره أمس, عبارات حادة في وصف خطوة الأزهر وقرارات "المجمع" في شأن التعاطي مع الإبداع.
***
هذا الدوي الإعلامي أيضا ذو رائحة نتنة..
رائحة الصليبيين والصهاينة..
ولم تنشر صحيفة الحياة بعد ذلك تصريحات وزير العدل من أن الضبطية القضائية الممنوحة إنما هي تجديد لهذه الضبطية منذ أكثر من نصف قرن لإشراف على المصاحف أساسا خوفا من أخطاء غير مقصودة أو تحريف مقصود  ثم على الكتب التي تورد الأحاديث الموضوعة ( الموضوعة وليس الضعيفة) .. وأن هذه الصلاحية لا تمتد لأي كتب أخري..
صحيفة الحياة السعودية لم تنشر ذلك..
بل واصلت التحريض على الإسلام..
صحيفة الحياة .. السعودية..
ولقد كشف المرحوم جلال كشك هذه النوعية الخسيسة من التصرفات التي يقوم بها العلمانيون.. حيث يقومون بأنفسهم – عن طريق وسيط -  كما فعل العشماوي وفرج فودة – بإبلاغ الأزهر عن كتاب من كتبهم مع سؤال إذا ما كان هذا الكتاب يتفق مع الإسلام.. تماما كما تذهب أي زانية مثلا لتسأل إذا كان الزنا يتفق مع الإسلام.. وفي الحالتين لابد أن تأتي الفتوى بالنفي.. فيطير هؤلاء بمثل هذه الفتوى إلى صحف كالحياة – السعودية – كي تدير لهم حملتها الإعلانية ضد الإسلام كله..
والأمر يحتوي على استغفال هائل للقراء خدمة للصليبيين والصهاينة..
فبعيدا عن الإسلام.. إن المصادرة عملية يقوم بها رجال الشرطة بناء على حكم قضائي..
فهل سمعتم قط يا قراء على تعدد مثل هذه الحملات الغوغائية بصدور حكم قضائي واحد بمصادرة أي كتاب من هذه الكتب؟..
أو هل سمعتم قط عن حكم آخر بإلغاء الحكم الأول وعودة الكتاب المصادر إلى الصدور..
لم يحدث ذلك أبدا .. لأن العملية كلها كذب محض وعملية حقيرة وراءها تحالف صحف أمن الدولة وكتاب أمن الدولة ومخابرات أمن الدولة.. الدولة الأمريكية.. ومحاولة  لترويج كتب العلمانيين خاصة عندما يشعرون أنهم كأي زانية عجوز.. بارت أسواقهم .. فيحاولون استعادة الأضواء بأي طريقة و بأي ثمن..
و أكرر.. و أؤكد.. في كل الحالات لم يصادر كتاب واحد.. على الإطلاق.. لكنها الخسة والعمالة.
من الطبيعي أن يخطئ أى واحد فيعتذر ( مثلما فعل حسنين كروم في القدس العربي)  أو حتى يتجاهل الأمر خجلا.. لكن هناك من يكذب مع سبق الإصرار والترصد.. يكذب وهو يعلم أنه يكذب لغرض في نفسه..
في أخبار الأدب كان الموضوع الرئيسي هو هذه الفرية..
فلماذا؟ لماذا؟ لماذا؟.
حتى قناة الجزيرة سارت في نفس الدرب النجس..
***
وقبل أن نترك نوال السعداوي أنبهكم إلى مستنسخ منها اسمها "هويدا طه" تحتفل بها الصحف العلمانية كبيرا .. إذ أنها تكرر نفس الاسطوانة المشروخة الدنسة لفحيح أفاعي الغرب عن أن المسلمين المساكين مشغولون بعذاب القبر والثعبان الأقرع.. ( طريقة مبتكرة لصرف الأنظار عن التعذيب في أبو غريب العراقي والمصري)  تجاهلت – عليها من الله ما تستحق – أنه في الوقت الذي سجل فيه القوميون الذين تنتمي إليهم أعلى نسبة في تسجيل الهزائم ونتائج لم يصل إليها سواهم في الفرار من ميادين المعارك وترك أسلحة بالمليارات غنائم للأعداء ثم تفتيت الأوطان بعد القيام بالمهمة الرئيسية التي أوكلها الصليبيون والصهاينة إليهم .. ألا وهي تحطيم أي تجمع إسلامي واعد بالنصر وتشويه الإسلام ذاته..  وحتى في حدود الموضوع الذي تتناوله فقد جهلت الجاهلة أن جل خطباء المساجد الآن تابعون للدولة وموظفون فيها و أن مواضيع خطبهم تحددها مباحث أمن الدولة..
نعم..
هكذا بلا لبس ..
أقولها لأن ما حدث في مصر بالأمس يحدث في العالم العربي اليوم.. و أن ما يحدث فيها اليوم سيحدث في العالم العربي غدا..
مباحث أن الدولة هي التي تحدد الخطباء وموضوع الخطب..
يساعدها.. أو على الأقل يعمل تحت إمرتها وزير أوقاف لا بارك الله له ولا عليه ولا فيه.. وزير أوقاف يترك خطباء جهلة فعلا يخطبون ويطارد الدعاة.. لن أذكر عمرو خالد.. بل أذكر الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ الكبير العلامة الشهير بالأزهر  الذي منع من الخطابة في مسجد عزام .. منع لأنه ليس حاصلا على ترخيص بالخطابة من الأوقاف.. والترخيص في الأساس من المباحث وما الأوقاف إلا محلل ديوث.
والأمر لا يتعلق بفرد بل بعشرات الآلاف.. حتى أن ارتقاء المنبر أصبح جريمة أمن دولة..
هل تلاحظون يا قراء تبادل الأدوار:
الأزهر  - بعد تطويره !!-  يخرج خطباء معظمهم جهلة و الدعوة بالنسبة لهم وظيفة لا قضية دعوة وجهاد.. وظيفة ينفذون في سبيلها وبمقتضاها  ما تأتي به الأوامر أيا كانت غير مدركين أن الرئيس الذي ينفذون أوامره ليس سوى واحد من العرائس المتحركة اللاتي تتحرك بالريموت كنترول.. يحركها الصليبيون واليهود و إن لبسوا أقنعة الأوقاف أو المباحث..
وهؤلاء يشكلون وجها بائسا للدعوة لكنهم أفضل من غيرهم على أي حال.. وهم من الناحية الأخرى يشكلون أقلية .. فبعد أن استولى عملاء الصليبيين والصهاينة على الأوقاف تقلصت ميزانية المساجد التي أصبحت تصرف من الميزانية العامة فلا تجد إلا الفتات..
أغلبية الخطباء إذن ليسوا من خريجي الأزهر.. ولا يصدر الترخيص إلا لمن يرضى النظام والأمن والأوقاف عنه..
انتبهوا يا قراء..
لم يكن ذلك كله أخطاء متراكمة..
بل كان هدفا محددا ومقصودا دبر وخطط في أوكار المخابرات الأمريكية ونفذته أجهزة الأمن المصرية وتنفذه الآن أجهزة الأمن السعودية .. والعالم الإسلامي كله..
كان المخطط والمستهدف أن تكون الخطب في المساجد منفرة  جاهلة غوغائية مليئة بالأحاديث الموضوعة يلقيها خطاب جهلة سمح بهم ولم يسمح بسواهم جهاز الأمن الباطش الجبار..
خطاب مساجد يتحدثون – بأحاديث موضوعة ربما شارك في وضعها لنفس الأسباب لواء بمباحث أمن الدولة منذ ألف عام-  عن الثعبان الأقرع الذي لا تعرف هويدا طه – كما تقول ساخرة – إن كان يوجد نوع آخر بشعر..
يتحدث الخطباء الذي تكتب لهم أجهزة الأمن خطبهم عن مثل هذا التعذيب لكنهم لا يتحدثون أبدا عن التعذيب الذي تقوم به أجهزة أمن الدولة.
 وعند هذا الحد ينتهي جهد ضابط الأمن.. ليبدأ دور مثقفي أمن الدولة  كنوال السعداوي وهويدا طه و مئات و ألوف..
نعم..
مثقفي أمن الدولة..
إذ يقومون بمهاجمة هذا النموذج المشوه البشع الذي اصطنعته أجهزة الأمن كي يكون نموذجا للإسلام..[11]
وأجهزة الأمن أذل و أقل من أن تشوه الإسلام كل هذا التشويه..
لكنها لم تكن سوى دمى في أيدي الصليبيين والصهاينة.
وبنفس الطريقة كان مثقفو أمن الدولة أقل و أذل من أن يشوهوا الإسلام لولا أنهم – أيضا - دمى في أيدي الصليبيين والصهاينة.
نفس المنهج الصليبي الصهيوني..
يمنع كل خطيب يمكن أن يمارس الخطابة فعلا كي يتسنى اتهام الخطباء جميعا..
ويمنع كل مفكر أو كاتب  يمكن أن يدافع عن الإسلام فعلا  كي يتسنى اتهام الإسلام نفسه..
يجرد المفكرون المسلمون من أقلامهم وتصادر صحفهم بل ويسحقون سحقا  كما لو كانت أقلامهم صواريخ و مقالاتهم أسلحة دمار شامل.. في عملية موازية لما تفعله أمريكا و إسرائيل بنا وبدولنا..
وكان آخر ما نشرته هويدا طه  في القدس العربي سخرية مباشرة من القرآن:
"نحن نستمع في كل زقاق لأشرطة كاسيت، تقسم العالم إلى فسطاطي إيمان وكفر، وتحرض الناس علي كراهية (الأغيار) وتردد أننا (خير أمة أخرجت للناس)! الخوف أن يستمر هذا الوهم في رؤوسنا، حتى نجد أنفسنا ـ أقل من ـ أن نوصف بخير أمة... أخرجت للجرذان!"..
***
وما أريد أن أضيفه، أنك لو رفعت اسم أي واحد من أدعياء الوطنية والقومية، من القوميين والعلمانيين و أدعياء الحداثة، لو رفعت اسم أي واحد منهم أو منهن ووضعت اسم رامسيفيلد أو كونداليزا رايس لما اختلف الأمر.
أي واحد منهم..
ابتداء من الخائن ربيب نابليون: المعلم يعقوب إلى محمد على إلى الطهطاوي.. إلى تلاميذ اللورد كرومر إلى طه حسين إلى القصيمي إلى لويس عوض ومحمد سعيد العشماوي وفرج فودة والقمني وصلاح فضل  وتركي الحمد والراشد – وما هو براشد- وجابر عصفور والغيطاني وعيسى والقعيد و.. و.. و..[12]..
ولعله من المناسب هنا أن نستعيد بعضا من مقالة مدوية للكاتب فهمي هويدي كشف فيها عن أن أحد المسؤولين في أحد الأجهزة الرقابية أبلغه أن هناك "مؤسسة صحفية واحدة تضم 120 شخصا، تجاوز رصيد كل واحد منهم خمسة ملايين جنيه مصري ( الدولار الأمريكي يعادل 3.9 جنيهات مصري).وحرص هويدي على أن يؤكد أن عبارة "الصحفي المليونير" لم تكن واردة في مصر على مدار تاريخها، إلا أن هذه العبارة أضيفت للقاموس خلال السنوات الأخيرة، رغم أن انضمام أي صحفي – كما يقول هويدي – إلى نادي المليونيرات في الظروف العادية لا يمكن أن يتحقق له من أي باب من أبواب الحرفة إذا كان شريفًا بطبيعة الحال.[13]
هؤلاء الخونة المستأجرون اللصوص هم الذين يطلق لهم الحبل على غاربه..
أما الشهيدان الشيخ أحمد يسن وعبد العزيز الرنتيسي فإن هناك وزبرا فاسقا فاجرا في حكومة إحدى الدول العربية أصدر منشورا رسميا إلى خطباء المساجد بتجنب الحديث عن الشهيدين..
الحديث عن بطولة الشهداء ممنوع لكن اتهامهم بالإرهاب مسموح به.
و أن الصورة التي يحاول هؤلاء المجرمون إضفاءها على الإسلام هي نفس التصور الصليبي الصهيوني له..
الأمر ليس اختلاف وجهات نظر.. وإنما خيانة..
وليس اجتهادا في الدين بل انقلابا على الدين..
وليس نوعا من الإيمان بل الكفر بعينه..
نعم ..دعنا من الكلمات المنمقة والتظاهر..
وتأملوا ما كتبه واحد من كبارهم وهو الدكتور  حسن حنفي[14] : " نحن مجموعة من الأفراد لو اصطادونا لتم تصفيتنا واحدا واحدا، ولذلك أرى أن أفضل وسيلة للمواجهة هي استخدام أسلوب حرب العصابات. اضرب واجري. ازرع قنابل موقوتة في أماكن متعددة تنفجر وقتما تنفجر ليس المهم هو الوقت. المهم أن تغير الواقع والفكر. ولذلك يسمونني (المفكر الزئبقي ). لا أحد يستطيع أن يمسك علي شيئا. الجماعات الإسلامية تراني ماركسي. الشيوعيون يرون أني أصولي. الحكومة تتعامل على أنني شيوعي إخواني.."
هل تريدون صراحة أكثر من هذا..
لن أخذلكم..
ولنقرأ هذه الفقرة لكافر منهم ينعى عليهم التقية و أنهم لم يهاجموا الإسلام مباشرة ليثبتوا أنه دين زائف و أن نبيه ادعى القرآن على الله.. يقول الكافر:
" إن الإسلاميين نجحوا منذ تأسيس دولتهم في فرض الإسلام على الناس والمجتمع بقوة السيف وصوروه عبر التاريخ وبذلك السيف انه لا يمكن الشك بالإسلام ونبيه وكتابه المقدس، وهنا كان مكمن نجاحهم وقوتهم . واصبح الخوف الذي صنع بالإرهاب جزء من البنية الفكرية والاجتماعية للإنسان والمجتمع حتى اصبح جزء من بنية الحركات التي تدافع عن حرية التفكير والنقد . ويمكن أن نصنفه إحدى الأسباب التي منعت جميع الحركات الردايكالية في تاريخ المجتمعات العربية و منذ حروب الردة وانتهاء بالحكومات العربية التي تحكم بأبواق رجال الدين وبركاتهم وبالسيف الذي ورثوه عن الدولة الإسلامية  من أن تفصل نفسها عن الإسلام تجنبا من بطش ممثلي الإسلام ."(...) وان الذي حكم على صلاح محسن بالسجن لمدة ستة اشهر مع وقف التنفيذ لأنه لا يؤمن بالإسلام ليس تيار الإسلام السياسي فقط بل إسلام الدولة المصرية معا. وان الذي طلق حامد نصر أبو زيد من زوجته ليس تيار الإسلام السياسي فقط بل إسلام الدولة معا. وان الذي دفع أن يصدر بيان تحريض على قتل خليل عبد الكريم وصاحب الدار الذي نشر الكتاب بكل استهتار وصفاقة ليس منظمة الجهاد الإسلامي ولا إخوان المسلمين بل جبهة علماء الأزهر حامي وحارس النظام السياسي في مصر  ".. الخ من الأمثلة .
***
نعود إلى الدعوة لمؤتمر الجنادرية..
بعد الاستقبال الحافل.. وفي اليوم الثاني أو الثالث كنت قد تعرفت برئيس الهيئة المسئولة عن استضافتنا وطلبت منه تحديد موعد للقاء ولي العهد.. فرحب بطريقة أشعرتني أن الأمر ليس صعبا.
وكنا نحضر الحفلات يوما بعد يوم.. وكنت في انتظار تحديد الموعد.
***
ذات يوم اصطحبونا إلى معرض لتطور الطيران في المملكة.. وكان مرشدنا في الجولة طيارا سعوديا كبيرا.. وكان معنا – من الضيوف العرب – أحد خبراء الاستراتيجية المرموقين في العالم العربي ( سوف أخرج عن تحفظي هذه المرة لخطورة الموضوع لأقول اسم هذا الخبير: إنه الدكتور أو الجنرال يسن سويد.. القائد العسكري اللبناني السابق والخبير الاستراتيجي المعروف) ..
أخذ الدكتور يسن سويد يسأل الطيار السعودي عن تفاصيل مواصفات الطائرات المعروضة بالأصل أو بالنموذج أو بالصور..
بدا الطيار السعدي سعيدا بوجود من يتجاوب معه في هذا الجمع المثقف الذي لم يتصور أن يجد فيه هذه الثقافة العسكرية الرفيعة.. ومع استمرار الجولة بدا أنهما تحولا إلى صديقين حميمين حتى كأنما غفلا عن باقي المجموعة فما من صوت غير الدكتور الجنرال يسأل  والطيار السعودي يجيب في نشوة وفخر..
ووصلنا إلى قمة التطور في تاريخ الطيران السعودي..
إلى طائرات الأواكس..
وراح الدكتور الجنرال يسأل بنفس طريقته السابقة أسئلة تبدو ناعمة لا يحركها إلا الفضول أو الرغبة في المعرفة..
عرفنا على سبيل المثال إمكانيات هذه الطائرة..
عرفنا أن ثمنها يفوق المليار دولار..
و أن ملاحيها – فيما أذكر-  أربعة معهم أربعة مساعدين..
و أنه في الثمانينيات كان كل ما تملكه الولايات المتحدة من هذه الطائرات 18 طائرة.. كان أربعة منها في تركيا و أربعة في السعودية .. بالإضافة إلى طائرتي صهريج "ك. سي ـ 135" التي تساعد على إبقاء طائرات "أواكس" في الجو لفترات طويلة ( 22 ساعة بدلا من 11 ساعة).
راح الرجلان يتحاوران بمتعة أن طائرات تركيا كانت تغطي الاتحاد السوفياتي كله و أن طائرات السعودية تغطي العالم العربي كله وبعضا من الدول الإسلامية..
كنا نتابع الحوار في فتور فلم تكن معلوماتنا تتيح لنا تتبع تفاصيله.. و إلا فكيف نتابع تعليقات الجنرال و أسئلته عن تردد رادار الأواكس بالميجاهيرتز.. وعن ارتفاعها.. والمدى الذي تغطيه بمئات الكيلومترات.. وقطر الهدف الذي تستطيع اكتشافه وكيف تطورت البرمجيات لتقلل ذلك القطر من عشرين مترا إلى بضعة سنتيمترات وعلى بعد 55 ميلا بحريا.. وعن قدرة الطائرة على التعامل مع ستة أنظمة منها: كشف الأهداف المنخفضة جداً، والأهداف العالية جداً، ونظام الصمت الراداري لمراقبة أي إرسال راداري وتحديد موقعه. و  يستطيع الرادار تحديد مواقع أجهزة التشويش الرادارية المعادية. يقوم بجمع كل المعلومات من أجهزة  الرادار السلبي ليكون بالإمكان كشف وتحديد حوالي 400 هدف معادٍ وتوجيه حوالي 85 طائرة مقاتلة صديقة في وقت واحد.
***
كان الطيار السعودي يتحدث بفخر شديد لأن بلاده بسبب مكانتها هي أحد البلاد القليلة في العالم الذي يمتلك هذا النوع من الطائرات التي تستطيع  كشف إطلاق أي صاروخ في منطقة الشرق الأوسط حيث ترصد وتسجل مكان وتوقيت إطلاق الصاروخ المعادي، وتبلغ بذلك، وفي وقت واحد، إلى مراكز القيادة والسيطرة الأرضية وطائرات الإنذار المبكر (أواكس) أو (E&C) والتي توجه الطائرات أو الصواريخ بالمنطقة لقصف الصواريخ المعادية في موقعها وقبل انتقالها إلى مواقع أخرى. وذلك خلال ما بين 2 إلى 3 دقيقة من لحظة إطلاق الصواريخ المعادية (منهم 0.6 - 1 دقيقة إنذار) والباقي أوامر بتوجيه المقاتلات نحو الهدف، لاسيما وأن أقصى زمن يستغرقه الصاروخ سكود للوصول إلى هدفه عند أقصى مدى لا يزيد عن 4 دقائق.
وفجأة تبدلت ملامح الدكتور ياسين سويد..
بدا كنسر استدرج فريسته بعيدا فراح ينقض عليه بالأسئلة انقضاض الصواعق الحارقة:
-   لكن العرب فقط هم الذين يملكون صواريخ سكود بالمنطقة.. أما إسرائيل فلديها صواريخ متطورة..
و أمن الطيار السعودي متوجسا.. لكن الجنرال لاحقه:
- المساعدون السعوديون.. هل يقومون بأعمال الملاحة؟..
- بل بعمليات تكنولوجية..
- هل يستطيعون وحدهم التعامل مع الطائرة أو هل يسمح لهم وحدهم بقيادتها؟
-... م م م لا..
- هل يستقبلون المعلومات التجسسية التي تحصل عليها الطائرة؟؟..
- بالتأكيد..
- أين؟.. في الطائرة نفسها أم في مراكز التحكم الأرضية؟..
-...
إن الطائرة ترسل بيانات التجسس مشفرة  إلى مركز باكلي في الولايات المتحدة، فهل يوجد عندكم في السعودية مراكز مماثلة؟..
-         لا.. نعم .. بالتأكيد.. الأمر ليس بهذه البساطة ... الولايات المتحدة دولة صديقة..و..
وهنا التفت الجنرال نحونا قائلا:
-   يوجد مركزين فقط في العالم لاستقبال البيانات وحل شفرتها.. مركز باكلي هذا في ولاية كولورادو في الولايات المتحدة.. ومركز النقب في لإسرائيل .. وهو يتلقى البيانات في نفس اللحظة.. ولدي كل من المركزين مفتاح الشفرة  التي لا تكون للبيانات أية قيمة بدونها.. ربما كان الطيار السعودي يقصد أنهم يتلقون البيانات مشفرة.. وهي في هذا الحال بلا أي قيمة .. سوى قيمة المهزلة..
 إن الطائرة تبث بياناتها للمركزين معا.. في إسرائيل و أمريكا.. لم يراعوا حتى خاطرنا فيستقبلوها في أمريكا ثم يرسلونها لإسرائيل.. لا .. ترسل لإسرائيل في نفس الوقت..!!
وهنا كاد الطيار السعودي يسقط من هول المفاجأة... ليس مفاجأة المعلومات فمن الطبيعي أنه يعرفها.. لكن من مفاجأة مواجهته.
بحزم قائد عسكري متمرس أنهى الجنرال هجومه فجأة كما بدأه فجأة..
ولم يكن بحاجة لأن يشرح لنا شيئا عن  الحمار يحمل أسفارا.. ويدفع المليارات لشراء أسلحة مهمتها الوحيدة حماية إسرائيل.
انتهت الجولة على الفور.
***
بعد يومين أو ثلاثة جاء اللواء المسئول عن استضافتنا ليعتذر نيابة عن الأمير ولي العهد بسبب انشغاله.. لكنه وعد بأن يرسل إلىّ أحد أقرب المعاونين إلى ولى العهد.. وفهمت من حديثه عنهما أن العلاقة بينهما كالعلاقة بين هيكل وعبد الناصر.
***
قبل أن أتناول المساوئ فإنني أعود إلى مكة والمدينة لأمتدح الجهد الجبار المبذول في نظافة وصيانة الحرمين.. وهو جهد أشك أن أى دولة عربية أخرى أن تقوم به ( وجزى الله آل بن لادن خيرا فقد كان لهم في ذلك سهم وافر)..
الجهد هائل بل شك .. ومشكور بلا شك..
دعك مما استفزني من درجة فخامة معمارية و إنفاق هائل على الرخام والنحاس كان المجاهدون أولى بها أما جلال الحرمين ففي القلب دون رخام أو نحاس..
دعنا من ذلك.. ولنشكر مرة أخرى الجهد الهائل المبذول..
غير أن شعورا غلابا سيطر علىّ أن دوائر أمريكية أو على الأقل عقولا أمريكية أو متأمركة  تشارك بشكل أو بآخر في تشويه مناسك العمرة والحج ( الذي أديته بحمد الله للمرة الثالثة في العام التالي) وهذا موضوع طويل أريد أن أكتب فيه كثيرا من أيامها لكن الكوارث المتلاحقة لا تترك لي الوقت أبدا..
حول الحرمين .. وفي منى وعرفات ينتشر الباعة بنفس الطريقة التي يصورنا الغرب بها حيث السحر والشعوذة والمخدرات.. مساكين يبيعون أشياء معظمها مقلد أو مغشوش.. وكلها مستورد من بلاد غير مسلمة.. بينما كان يمكن لموسم الحج أن يكون أعظم سوق إسلامية في العالم.. وأن عدم إنشاء هذا السوق لا يعود إلى أن المملكة عاجزة عن إنشائه بل لأن إنشاءه أحد الخطوط الحمراء التي وضعتها أمريكا..
أظن من الخطوط الحمراء إذن رمي الجمرات ( كنت على وشك الموت اختناقا هناك)  ودرجة النظافة في منى..
إن الذي استطاع أن يدير نظافة  الحرمين  بكل هذه الكفاءة لا يعجز عن إدارة شئون المناسك الأخري.. كي لا تكون في هذه الصورة المسيئة لإسلام والمسلمين.. وقد كان قلبي يتمزق و أنا أرى الفجيعة في عين مجموعة من السياح الأمريكيين يخوضون وسط  القاذورات في منى.. ومجموعة كندية منها نساء و أطفال يصعدون إلى الجبل لاهثين في الطريق من رفات إلى منى.. وذلك لكي يقضوا حاجتهم في الخلاء[15]..
والمجال لا يتسع الآن..
لكنني أشك أن كثيرا من مشاق الحج ليس  سببها العجز بل نصائح عقل أمريكي بشكل أو بآخر.
نفس العقل الذي رفض الخلافة في ثلاثينيات القرن الماضي.. لم يرفضها فقط.. بل فر منها فرار السليم من الأجرب.. وليت المثل كان يصلح معكوسا.. لكنه إن لم يصلح لفظا فإنه يصلح معنى..
نفس العقل الذي يقدم القرابين البشرية قربانا إلي بوش..
نفس العقل الذي يقسم أنه سيحارب أهله ثلاثين عاما دون حوار.
والعقل الذي قدم الخلافة ثمنا لاستقراره في الحكم في الثلاثينيات يقدم أبناء شعبه الآن قرابين.. نعم قرابين بشرية إلى بوش لعله يرضى عنهم ويمنحهم فرصة الاستقرار في الحكم فترة أخرى..
***
كان عددنا كما سبق أن ذكرت 150 ضيفا.. وكان عددنا يصل بالمدعوين السعوديين إلى خمسمائة مدعو.. وكنا ندعى في معظم الأيام للغداء في قصر أمير وللعشاء في قصر أمير آخر..
وفي كل قصر كانت قاعة الجلوس تتسع للعدد كله..
كذلك قاعة الطعام..[16]
***
رأيت بذخا هائلا لا يكاد يوصف..
ولكم استفزني.. ولكنني أترفع عن الخوض فيه تعففا وحياء..
***
لقد زرت كثيرا من بلاد العالم.. وفي برامج كثير من تلك الدول كانت زيارة دور الأوبرا والمسارح.. وعلى العموم فلست خبيرا في ذلك.. لكن أكبر مسرح شاهدته في حياتي كان في الرياض.. سألت كم استعمل فقيل ليلة واحدة.. سألت كم تكلف فقيل أكثر من مليار.. فسألت نفسي في يأس لو أن هذا المليار منح "لحماس" فهل كان حالنا يكون هذا الحال؟!..
***
التقيت بالعديد من المفكرين العرب وببعض السعوديين..
أدركت أن السعودية على وشك الانفجار..
ربع قرن من الغياب جعلت ملاحظتي أكثر حدة..
النظام كما هو .. أو على الأحرى تدهور على وجهين: الوجه الأول انحدار حقيقي.. والوجه الآخر انكشاف ما كان مستورا وافتضاح ما كان مخفيا..
ومن الناحية الأخرى كانت درجة الوعي عند السعوديين عامة وعند المثقفين منهم على وجه الخصوص قد ازدادت زيادة مذهلة.. أنبأتني بحتمية التصادم والانفجار.
***
كان مما أزعجني أيضا وضع لم أتصوره أبدا و أنا الذي عشت في المملكة أعواما قبل ذلك..
وهو أن اللغة الإنجليزية تكاد تكون لغة التعامل..خاصة في الأسواق والسوبر ماركت.. بدونها فعلا لا تستطيع أن تتعامل.. مع زيادة خطيرة في أعداد الأجانب من غير العرب ومن غير المسلمين.. لم يحدث هذا بهذه الصورة إلا في عهد ولى العهد الذي طالما بشرونا بأنه محب للعرب والعروبة..!!..
ترى ماذا كان سيحدث لو لم يكن يحبنا؟!..
الحمد لله على كل حال..
***
كان ظني في ولى العهد حسنا لكن من التقيتهم كانوا على النقيض تماما..
***
نبهني كثير من السعوديين : كمثقفين وأساتذة ومواطنين وحتى سائق التاكسي إلى شيوع العلمانية والإلحاد في الصحافة والتلفاز وسكوت الدولة عنهم .. وكان بعض المثقفين يرى أن هؤلاء العلمانيين هم الوجه الآخر للسلطة.. وللشرطة.. وبهم تكرس الدولة موقفها العلماني ..كي يرضى عنها اليهود والنصارى..!! ..
***
وفي أحد الأيام طلب مني اللواء ألا أغادر الفندق.. وفي المساء جاءني أحد المساعدين المقربين من  ولي العهد كما قيل لي..
أخذت أحدثه ثلاث ساعات..
كنت قد أنهيت كتابي " بل هي حرب على الإسلام" لتوي وكانت المعلومات حديثة والمراجع قريبة والوثائق ما تزال في الذاكرة حية..
ولم يحدث ما أخشاه..
ذلك أنني يا قراء – أحيانا – أعزم على الحديث إلى أحد في موضوع ما.. فإذا بي أفاجأ بعزوف في نفسي وصدود في قلبي  ينعكس على بياني فإذا بي عزوف عن مجرد الكلام .. وفي أحيان أخرى أكون متدفقا بطريقة تدهشني أنا نفسي..
في ذلك اليوم كانت حالتي: من النوع الثاني..
قلت للرجل أنني سأحدثه بصراحة مهما كانت الصراحة جارحة.. فالأمر يتعلق بالدين.. وبالأمة.. من ناحيتي.. ومن ناحية ولي العهد فإنه يمكن أن يتعلق بحياته..
حدثته عما كتبته في مقالات بعد ذلك – وقبله- عن مخطط شارون - بوش لتقسيم العالم الإسلامي و على رأسه السعودية..
حدثته عن المصيبة الفادحة والخطأ الهائل الذي ارتكبه ولي العهد باستدعاء القوات الأمريكية.. وكان شريكه في ذلك الرئيس مبارك.. ودعنا الآن من أنه موقف كان وما زال وسيظل يستوجب المحاكمة.. وأن هذا الواجب لا يسقطه –شرعا إلا عدم الاستطاعة ومخافة الفتنة- لكن.. في الوقت نفسه.. فإن أمتنا .. التي تصل بها الطيبة لحد الغفلة.. يمكن أن تتسامح و أن تنسي مع أول بادرة لاحتمال عودة الحاكم إلى الصراط المستقيم.
قلت له أن منطلقي في الحديث هو الدين والعقيدة.. هو لا إله إلا الله محمد رسول الله.. و أنني أحب و أتمنى أن يكون ذلك هو منطلق ولي العهد.. فإذا كان ذاك.. فبها ونعمت.. وإن لم يكن فليعتبر حديثي نصيحة براجماتية له للمحافظة على عرشه..
ولم يكن هذا ازدواجا في التفكير ولا نفاقا..
بل تطابق المشروعان..!!
المشروع العقدي..
والمشروع البراجماتي..
ورحت أشرح للرجل فكرتي..
إنني أعارض سياسات ولي العهد كلها وبعنف شديد.. لكنني لا أملك أبدا إلا الاعتراف للرجل بأنه مسلم..
وكونه مسلما هو بالضبط خطيئته الكبرى بالنسبة لأمريكا.. خطيئته التي لا غفران لها أبدا..
إن ادعاءات الأمريكيين عن الديموقراطية والحرية وتحرير المرأة والشفافية وحقوق الإنسان كل ذلك ليس إلا أدوات عمليات النصب والاحتيال التي تقوم بها.. وكأي نصاب محتال فهي لا تكشف عن سريرتها أبدا.. إنها تضغط وتستدرج حتى تصل إلى ما تريد..
نعم..
الديمقراطية ليست طريق السلامة الذي ينجينا من المهالك.. بل هي طريق الهلاك نفسه.. نعم هي طريق الهلاك القديم نفسه بعد أن غيروا اسمه من الحضارة والقومية والليبرالية والتنوير.. فكلما اكتشفنا الخداع والضلال في اسم بدلوه بآخر..
وانظروا كيف أصبح المسخ الليبي ديمقراطيا ومرضيا عنه بمجرد أن سلم سلاحه وارتمي تحت أقدام إسرائيل.
رحت أؤكد للرجل أنه حتى و إن صدقت النوايا فإن المنظومة الغربية طريق الهلاك – ومنها الديمقراطية – فما بالنا إذا لم تكن النوايا صادقة..
في هذا الوضع فإن ما نظنه الملاذ الآمن هو بنفسه الفخ الذي سيقضي على البقية الباقية فينا..
ورحت أحلل  للرجل كل عنصر من هذه العناصر.. فالديموقراطية على سبيل المثال ليست كتلة مصمتة.. ليست سورة الفاتحة التي نحفظها وينتهي الأمر.. لأنك لن تجد فاتحة تختلف عنها في أى كتاب و أي مكان ( الخلاف ممكن في طرق الشرح والتفسير)..
قلت للرجل أنه كان دور المملكة السعودية قبل أي بلد آخر أن ترفض في شمم وكبرياء الاستدراج إلى فخ المصطلحات هذا.. فلماذا نلجأ إلى الديموقراطية ولدينا الشورى.. ولماذا نرفع رايات – مجرد رايات – حقوق الإنسان وعندنا حرمة الإنسان أكثر من حرمة الكعبة.. كان على السعودية أن تقف لتوقف الانهيار.. أن توقف تقبلنا لمصطلحات الغرب وأن تفضحها وتعريها حتى لا ينخدع بها الناس..
سوف نبتعد عن تفسيرات قد لا يقتنع بها البعض عن دور الديموقراطية في المؤامرة اليهودية لإفساد العالم.. فقد كانت طبقة الإقطاعيين والأرستقراط قد وصلا من الفساد الروحي والأخلاقي إلى غايته. وكان من المستحيل انتشار هذا الفساد إلى الرعاع.. ومن هنا جاءت فكرة الديمقراطية.. دعنا من ذلك.. ولكن لنضع في اعتبارنا أن الإقطاع ومقدمات الرأسمالية والرعاع كانت جميعا هي التربة التي نبتت فيها الديمقراطية.. ولم تكن هذه البيئة موجودة في الإسلام.. فلا رعاع و إنما خير أمة أخرجت للناس.. ولا إقطاعيين و إنما مترفين فاسقين يدانون ولا يحسدون..
قلت للرجل أنني منزعج أشد ما يكون الانزعاج من تركيز الإعلام السعودي الرسمي أو المعارضة المصنوعة ( وهي أكثر تبعية للنظام و أكثر خدمة له  حتى من أركان النظام نفسه) على قضايا كالديمقراطية وحرية المرأة .. فالمقصود بإثارة هذه القضايا هو تفتيت وتفكيك المجتمع المسلم.. ورحت أسأله هل لديه أي احتمال لأن تكون أمريكا تقصد بالعالم الإسلامي خيرا؟.. وأجاب الرجل بالنفي.. فسألته: فلماذا نبتلع الطعم إذن.. ورحت  ألقي مزيدا من الضوء مسترشدا بكتابات  العلامة الأستاذ محمد قطب الذي يشرح لنا عوار الفكرة وخطورة قبولها ابتداء[17] .
***
يقول الأستاذ محمد قطب : في العالم الإسلامي كُتاب و مفكرون و دعاة مخلصون مخدوعون في الديمقراطية , يقولون : نأخذ ما فيها من خير و نترك ما فيها من شرور.. ( من المحزن أن من هؤلاء عالما وفقيها كالدكتور يوسف القرضاوي غفر الله له ... م ع )..  يقولون : نقيدها بما أنزل الله , و لا نبيح الإلحاد و لا نبيح التحلل الخلقي و الفوضى الجنسية .  إنها إذن لن تكون ديمقراطية , إنما ستكون الإسلام !!  إن الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب ؛ إنها تولي الشعب سلطة التشريع , فإذا اُلغي هذا الأمر أو قيُد بأي قيد , فلن تكون هي الديمقراطية التي تقوم اليوم بهذا الاسم .  و اسألوا الديمقراطيين , قولوا لهم : نريد أن نحكم بما أنزل الله , و لا يكون للشعب و لا ممثليه حق وضع القوانين إلا فيما ليس فيه نص من كتاب أو سنة و لا إجماع من علماء المسلمين .  قولوا لهم : نريد أن ننفذ حكم الله في المرتد عن دينه , و حكم الله في الزاني و السارق و شارب الخمر ...  قولوا لهم : نريد أن نلزم المرأة بالحجاب و نمنع التبرج و نمنع العري على الشواطئ و في الطرقات , و نريد في الوقت ذاته أن نكون ديمقراطيين !! اسألوهم و انظروا ماذا يقولون !  سيقولون على الفور : إن هذه ليست الديمقراطية التي نعرفها ؛ ففي الديمقراطية يُشرع الناس في جميع الأمور , لا يلتزمون في شيء منها بغير ما يريده الشعب ـ نظريا على الأقل , و إن كانت الحقيقة أن الرأسماليين هم الذين يُشرعون من وراء الستار ـ . سيقولون : إن الديمقراطية لا تتدخل في الحرية الشخصية للأفراد , فمن شاء أن يرتد عن دينه فهو حر , و من شاء أن يتخذ صديقة أو خليلة , فهو حر , و من شاءت أن تكشف عن صدرها أو ظهرها أو ساقيها , فهي حرة , ما لم يشتك الزوج .
سيقولون : ابحثوا عن اسم آخر لما تريدون ...... اسم غير الديمقراطية !
فإذا كان كذلك , فلماذا نصر نحن على تسمية نظامنا الذي نريده باسم " الديمقراطية " , لماذا لا نسميه " الإسلام " .
هذا هو الإسلام , و هذه هي الديمقراطية في نظر الإسلام .
و من ثم فلا سبيل إلى مزج الإسلام بالديمقراطية , و لا سبيل إلى القول بأن الإسلام نظام ديمقراطي , أو أنه يتقبل النظام الديمقراطي أو يسايره لمجرد وجود شبه عارض في بعض النقاط .
إن هذا الالتقاء العارض بين الديمقراطية و الإسلام في الحقوق و الضمانات و في مبدأ الشورى , لا يجوز أن ينسينا حقيقتين مهمتين :
الحقيقة الأولى : أنه لا ينبغي لنا ـ من الوجهة العقدية ـ أن نقرن النظام الرباني بنظام جاهلي , فضلا عن أن نحاول سند النظام الرباني بنسبته إلى النظام الجاهلي , أو أن نتصور أننا نمتدح النظام الرباني بأن نقول , إنه يحمل نقط التقاء مع النظام الجاهلي.
إنها الهزيمة الداخلية تندس إلى أفهامنا دون أن نحس , و تجعلنا نعتقد أن النظام الرباني في حاجة إلى دفاعنا عنه و تبريره ؛ كما تجعلنا نعتقد أننا نمتدح النظام الرباني , بأن نقول للناس , إنه يحتوي على الفضائل التي تحتوي عليها النظم السائدة .
الحقيقة الثانية : أن هذا الشبه العارض في بعض النقاط , لا يجوز أن ينسينا الفارق الضخم في القاعدة , إن القاعدة التي يقوم عليها الإسلام تختلف اختلافا جذريا عن القاعدة التي تقوم عليها الديمقراطية .
في الإسلام يُعبد الله وحده دون شريك , و تحكم شريعة الله عنوانا على التوحيد , و تحقيقا له في عالم الواقع ؛ و في الديمقراطية يُعبد غير الله , و تحكم شرائع البشر عنوانا على عبادة غير الله و توكيدا لها في عالم الواقع .
و في الإسلام يُزكى الإنسان ليحتفظ بإنسانيته في أحسن تقويم , و في الديمقراطية, يُنكس الإنسان فيهبط أسفل سافلين .
تلك فروق جوهرية في القاعدة , فما قيمة اللقاء العارض في بعض النقاط أيا كانت القيمة الذاتية لتلك النقاط ؟!
***
رحت أنهج منهج العلامة محمد قطب في كشف عوار حقوق الإنسان.. فهل تشمل هذه الحقوق الإنسان العربي المسلم؟.. أم أن المطلوب فقط فهو حق المسلم في أن يرتد..
إنهم يدسون رجالهم – الذين يكمنون تحت جلدنا ويتحدثون بألسنتنا- يدعون بدعوة الكفر ثم يأمروننا بتقبل هذا الكفر واعتباره حقا من حقوق الإنسان..
إنهم يتحدثون عن تحرير المرأة وهم لا يقصدون إلا تعهيرها وهدم الأسرة..
و..
و..
و..
***
قلت للرجل:
هناك خطأ قاتل عند الحكام السعوديين.. فلا ريب أنهم يقولون لبعضهم البعض:
- نحن أصدقاء أمريكا في المنطقة منذ ستين عاما.
بينما يقولون لأنفسهم:
-         نحن خدم أمريكا في المنطقة منذ ستين عاما.
ولن يطرح أحد أبدا التساؤل الساذج:
-         في مصلحة من هذه العلاقة؟..
السعوديون يظنون أن الإجابة في صفهم، ولأنها لمصلحة أمريكا، فعلى أمريكا إذن أن تدفع الثمن، و أن يصحب هذا الثمن الامتنان. ولعل بعضهم يقول: لن تستطيع أمريكا الاستغناء عن خدماتنا أبدا ، لقد طوعنا لهم العالم الإسلامي بل و أدخلنا المخابرات الأمريكية كطرف رئيسي فاعل في كل المنظمات الإسلامية.
قلت للرجل أن هذا التصور قاتل..
وهو قاتل للأسرة السعودية الحاكمة..
أما مكمن الخطأ في التصور فيقبع في اعتبار أمريكا شخصا طبيعيا.. ولست أقصد بالطبيعي أنه سوي، إنما أقصد لصا طبيعيا طبيعته كطبيعة اللصوص.. أو قاتلا كالقتلة.. لكن ما تمتاز به أمريكا عن هؤلاء هو فكرة في صميم فلسفتها، في الحداثة والقطيعة المعرفية، في إنكار الماضي وجحوده، و إن كان السعوديون يرون أنهم خدموا السياسة الأمريكية في العالم طيلة ستين عاما.. فماذا يدفع الأمريكيين إلى تحمل وطأة هذا الجميل وتحمل أعباء المطالبة الدائمة بثمنه، ثمن التفريط في الأمن الإسلامي وشعب الجزيرة،  الذي غفلت عنه الأسرة الحاكمة في السعودية – وفي العالم العربي كله- أن أمريكا كالشخص السيكوباتي الذي يغتصب امرأة، فإن كانت هذه المرأة شريفة فإنه لابد قاتلها، و إذا أرادت أن تطلب لنفسها أكثر من حقوق عاهرة عجوز فإنه ينكل بها  بل ويستبعدها حتى يأتي بأخرى يبدأ معها منذ البداية.. عاهرة أخرى لا تحس أنها تدينه أو أن لها حقوقا سابقة عليه.. أمريكا المجرمة – شعبا وحكومة تفعل ذلك..
هل تستطيع الحكومة السعودية أن تبدأ من جديد مع أمريكا.. أن تنسي خدماتها طيلة ستين عاما لتبدأ من جديد.. ولتتفانى في خدمتها ستين عاما أخري تصل بعدها إلى نفس النهاية..
قلت للرجل: إنني أعرف أن قطاعا هاما في الأسرة المالكة ليس عندهم مانع من ذلك.. بل يسعون إليه ويحبذونه..
ولكنهم حتى لو حبذوه وسعوا إليه فإن كثرة عدد الساعين ستفشل مخططات الجميع..و أن أمريكا تفضل ما هو أكثر و أهم من العميل.. أمريكا تريد أمريكيا لا يحمل الجنسية الأمريكية ليحكم.. تريد الأمير بندر مثلا للسعودية.. وتريد سعد الدين إبراهيم لمصر [18]..
هذا مزاد للخيانة سيربح فيه الأخس والأكفر والأخون..
وهنا مكمن الخطر على الدين والدنيا أبدا..
***
قلت للرجل : أنت تعلم ما تفعله أمريكا برجالها.. وكيف تخونهم وتنكل بهم..
وتعرف أيضا أن أمريكا لم تكن أبدا إنسانية ولا رحيمة ولا شفوقة.. ولنراجع على سبيل المثال ما فعلته في الفليبين قبيل القرن العشرين وفي اليابان عندما انتهت الحرب فعليا ولكن كان عليها أن تروع العالم بالسلاح النووي.. بمنتهى الوحشية.. إلا أن امتلاك الاتحاد السوفيتي للسلاح نفسه جعل الوحش الأمريكي يطبق فمه على أنيابه ويخفي مخالبه.. حتى انهار الاتحاد السوفيتي فعاد يبرزهما من جديد.
قلت للرجل أن المخطط الأمريكي هو ذات المخطط البريطاني الفرنسي الألماني الإيطالي الأسباني الهولندي البرتغالي السوفيتي الروسي.. و هو مخطط صليبي يهدف القضاء على الإسلام.
و أن ولى العهد أمامه عدة طرق: أحدهما أن يسلم لهم بكل ما يريدونه.. وهو في هذه الحالة خاسر لا محالة.. لأنه مهما كان الأمر.. فإنه يوجد في الأسرة المالكة من هو مستعد لتقديم تنازلات أكثر من تلك التي يقدمها ولي العهد.. فهو إذن لابد خاسر في هذا المزاد..
المزايدة في العمالة والخيانة لن تفيد إذن.
الطريق الآخر أن يناور.. إنه يظن نفسه صديقا ويتعامى عن أنه مجرد عميل..  و يظن نفسه قد تحول من صديق (عميل) إلى ند .. مثل جمال عبد الناصر..و مثل.....
سوف يسحقونه سحقا..
إن السياسة الأمريكية نفسها مسئولة عن التغرير بالحكام و إيهامهم بأنهم أصدقاء لا عملاء.. و أنداد لا خدم وعبيد.
الأمر بين.. ولكننا نتعامى.. ذلك أن أي داعر يريد أن يغتصب امرأة لن يبادر بالذهاب إليها قائلا : "تعالىْ حتى أغتصبك"  بل إنه ينسج شباكه حولها وينصب أحابيله حتى تقع في الشرك.. وساعتها لن تفيدها صرخاتها مهما استغاثت.. بل إن هذا الداعر لن يكف بعد ذلك عن التنكيل بها  لممانعتها في البداية..
الطريق الثالث أن يلتزم بالحد الأدنى من الثوابت التي تحميه من غضب شعب الجزيرة عليه.. والميزان هنا دقيق جدا و أي خطأ سيترتب عليه الوقوع في الهاوية.. بل إنني أرى أن الوقوع في الهاوية محتم.. لأن أمريكا ستلعب على هذه النقطة بالذات.. سوف تدفع ولي العهد للإقدام على تصرفات تستفز شعبه.. وتضغط هي عليه من ناحية وتضغط عليه ردود فعل شعبه من ناحية أخرى.. حتى ينسحق هو بين الطرفين .. وتكون أمريكا قد استهلكته في إضعاف شعبه وسحقه ليرضى بأي ملك أو رئيس بعد ذلك يعينونه عليهم.
هذا الحل الأخير هو أخسر الحلول جميعا .. فالخاسر فيه هو ولي العهد وشعب الجزيرة كله.. قلت له: ستشتعل الحرب الأهلية في المملكة.. ورجوته أن يصدقني و أن يعود إلى مقالاتي  عام 91 و أنا أصرخ و أتوسل إلى حكام مصر والسعودية أن الوحش الأمريكي سيستعملهم كمخالب له ثم لن يلبث حتى ينقض عليهم..
قلت له أن الحوادث قد صدقت جميع ما ذهبت إليه..
***
قلت للرجل:
 أن كثيرا من الأمور كان مستغلقا علىّ حتى تنبهت إلى تأمل سياسة الأمن في الدول العربية..
ماذا يفعل الأمن مع قوى المعارضة؟..
في إجابة هذا السؤال تكمن أسرار التعامل الأمريكي مع دولنا..
قلت له أنني طالما تأملت في مرجعية التعذيب الحيواني البشع المجنون الذي يمارس في كل بلادنا العربية وعلى رأسها مصر والسعودية..
فليس للتعذيب أي مرجعية في الإسلام أو في العروبة..
وليس له إلا مرجعية جاهلية قاصرة ومقصورة على العبيد  لم تصل في قسوتها ووحشيتها إلى ما يحدث الآن فقد كان أبو جهل يخجل من الاعتداء على النساء أو اقتحام البيوت..
قلت له أنني اكتشفت أن مرجعية التعذيب كلها غربية صليبية.. و أن كعبة رجال الأمن في العالم العربي كله هي أمريكا..
وقلت له أنني قبل أحداث 11 سبتمبر كنت أجري بحثا عن أدوات التعذيب وصناعتها فإذا بي أفاجأ أن 90% منها صناعة أمريكية..
بعد 11 سبتمبر أجريت هذا البحث مرة أخرى فإذا به قد اختفى بالكامل من على الشبكة العنكبوتية[19].
إننا لو تأملنا سياسة الأمن مع قوى المعارضة سنقرأ كيف تعاملنا أمريكا.
ماذا تفعل أجهزة الأمن..؟..
إنها تدعي أنها تحافظ على أمن البلاد ( وهي في الواقع تهدد أمن البلاد لمصلحة الحاكم)..
و إنها تدعي الرقة والدماثة والعقل والحكمة والهدوء.. بينما هي على عكس ذلك تماما تماما.
إنها ترصد الواقع وتحلله وتتأمله في صمت وهدوء.. غير أن صمتها ذلك ليس سلبيا.. فهي لا تكف عن زرع عملائها وسط المعارضين.. هؤلاء العملاء يظنون أنهم يخدمون أوطانهم.. وهؤلاء العملاء يحاولون دائما الاستيلاء على الأحزاب المعارضة والهيئات العامة والنقابات من الداخل.. فإذا فشل العملاء تم اتهامها باحتضان الإرهاب ويتم تجميدها .. إنه بالمفهوم الأمريكي محور شر على المستوى المحلي..
إن جهاز الأمن يترك حناجر صارخة و أقلاما زاعقة لكنها لا تقول شيئا.. تماما كالديموقراطية التي تسمح بها أمريكا... يتركها كديكور ضروري و كمؤسسات إفساد في المجتمع.
ثم إن جهاز الأمن يطلق كلابه لتشويه الشرفاء.. نزع الهيبة مقصود.. الربط ما بين الشهداء والمجرمين وما بين الجهاد والجريمة.. و إغماض الأعين بالكامل عن جرائم الحكومات.
بعد هذا كله وبعد فشل التشهير يأتي دور التزوير..
فإذا فشل التزوير بدأ دور كلاب الصيد البشرية في تدبير المؤامرات وتدبيج التهم واإحالة إلى المحاكم الاستثنائية..
إن جهاز الأمن الباطش الجبار هذا يترك أحيانا بعض القوي لتتحرك في المجتمع.. وهو يفعل ذلك لأغراض متعددة أهمها أن يجتذب معارضي النظام إلى نطاق العلنية لتسهل مراقبتهم.. والثاني لرشوة الغرب الديوث الذي يعرف الاصطناع والادعاء والزيف فيتصنع الاقتناع بالمظاهر ويصمت.. أما الأهم فهو أن تستنفد هذه القوي كل طاقاتها في بناء هياكلها لينقض عليها الأمن مرة واحدة فيهدم جميع ما بنت.. ولتستغرق  إعادة البناء عقودا تتلوها نفس الهجمة البربرية من جهاز الشيطان الباطش الجبار.
***
ثم أن هذا الجهاز الباطش الجبار لا يعتمد علي سياسة رد الفعل.. إنه لا ينتظر فعل قوي المجتمع كي يرد عليها.. بل إنه يعتمد سياسة الأفعال سابقة التجهيز.. إن لديه عشرات السيناريوهات والبدائل .. فإذا فشل طريق لجأ إلى آخر.. ولكن العلاقة بين هذه الطرق ليست اعتباطية بل يحكمها منهج دقيق وتصور شامل.. يستهدف في النهاية تدمير أي قوة في المجتمع تمثل أي نوع للخطر أو احتمال الخطر على الحاكم..
كما أن الخطة الجهنمية لهذه الأجهزة أنه لا يكاد يسمح لأحد أن يعين في مكان إلا بموافقتها.. بل إنها هي التي تحدد كل النخبة.. من رؤساء الجامعات إلى الوزراء إلى معظم الشخصيات الرئيسية في المجتمع.
وتقتضي الخطة الجهنمية أيضا تحطيم إرادة الفعل عند قوى المعارضة بطريقة:
" لو لم تفعلوا ذلك ما صار الأمر كذلك"..
لو لم تهاجموا الحاكم لما اضطهدناكم..
لو لم تكتبوا عن الوليمة ما صادرنا صحفكم..
لو لم تفعلوا..ما فعلنا..
والنهاية المنطقية لهذا المنهج هو أن تصاب الإرادة عند القوى المعارضة بالشلل فلا تفعل أي شئ خوفا من رد الفعل الصاعق..
وهذا كله فكر سقيم.. لأن جهاز الأمن الباطش الجبار الغبي لديه أهداف محددة وخطة لابد أن تنجز لتحطيم الأمة وشل إدارتها.. وهو سيستغل الأسباب إن وجدت وسيصطنعها إن لم توجد..
***
قلت للرجل : كي تفهم سياسة أمريكا معنا راقب وافهم سياسة أجهزة أمننا مع قوى المعارضة.. فإن مايحث لهذه هو بعينه ما يحدث لتلك.
ذلك أن منهج  كل أجهزة أمننا في العالم العربي هو منهج صليبي .. وكل قيادات الأمن قد تلقت تدريبا في بلد من بلدان الغرب خاصة أمريكا..
***
وقلت للرجل أن الدائرة تبدو مغلقة في الحالتين ولا سبيل أبدا لكسر الطوق..
وهذا صحيح إذا استمرت شروط المعادلة كما هي..
ولكنها تنكسر إذا غيرنا شروط المعادلة..
ولقد وصلنا في تحليلنا السابق أن أي حاكم عربي – ومنهم الأمير عبد الله-  ستقتله أمريكا إذا قاوم وسيقتله شعبه إذا استسلم.. و أن من مصلحة أمريكا أن يطول الصراع بين كل حاكم وشعبه كي ينهك كل طرف منهما الآخر..
وهذا يعني أن المقاومة تعني الموت..
وكذلك الاستسلام يعني الموت..
***
كيف نكسر الدائرة إذن؟..
قلت للرجل أن أمريكا تستطيع أن تسحق السعودية سحقا.. لكن هل تستطيع سحق العالم الإسلامي؟..
ماذا لو فوجئت أمريكا بولي العهد يقول مقالة الملك فيصل أنه في سبيل الدين لا مانع عنده من العودة إلى الخيام والرعي.
ماذا لو فوجئت أمريكا بولي العهد يقول أنه لا يمثل نفسه ولا عائلته ولا بلاده و إنما يمثل المسلمين جميعا..
ماذا لو أعلن ولي العهد أن المسلمين قد ارتكبوا إثما هائلا بعدم إقامة الخلافة .. وأنه – من مكة – يعلنها..
ماذا لو نادي ولي العهد المسلمين في العالم أن يهبوا للدفاع عن دينهم..
لقد كانت فرائص بريطانيا العظمى ترتعد عندما يهددها السلطان عبد الحميد بإعلان الجهاد.. وكان السلطان عبد الحميد عليه رحمة الله أكثر ما يكون ضعفا.
ماذا لو اعترف ولي العهد بأنه أخطأ و أنه يتوب إلى الله مما ارتكبه من جرائم في حق الله وفي حق الدين وفي حق الأمة..
ماذا لو قال ولي العهد أن الدين خط أحمر.. وفلسطين خط أحمر.. وفرض الشذوذ والعهر خط أحمر.. وفرض السلاح علينا بمئات المليارات كي نحارب به شعوبنا خط أحمر ولن يتكرر..
***
واصلت الحديث متدفقا وبدا لي الرجل مقتنعا بكل ما أقول وهو يشكرني بحرارة ويعدني أن يعيد كل ما قلته على مسامع ولي العهد في نفس الليلة.
***
ظهر اليوم التالي استقبلنا ولي العهد في قصره في دعوة على الغداء وصافحنا فردا فردا..
أحسست وهو يصافحني كما لو كان ينظر إلىّ نظرة اعتذار.. لكنني ضحكت من نفسي كثيرا بعد ذلك.. و أول ضحكي كان في المساء.. في مركز خدمة الضيوف.. حين وجدت الضيوف جميعا بلا استثناء قد التقطت لهم صورة كبيرة  أثناء مصافحة ولي العهد وقد أرسلت لكل ضيف صورة – و أحيانا أكثر – لهذه المصافحة..
وكان هناك استثناء واحد لم ترسل له صورة..
وكان هذا الاستثناء يتعلق بي..!!
***
وفي نفس اليوم بدأت المعاملة تتغير.. فالمسئولون عن الضيوف يتجنبونني.. ولم أتنبه في بداية الأمر لذلك.. كما أنني لا أحب أن أتصور لنفسي أهمية متخيلة.. ببساطة إنهم مشغولون وقد قاموا بواجبهم في الترحيب وانتهى الأمر.. فماذا تريد منهم أكثر من ذلك..
***
قبيل انتهاء المؤتمر بعدة أيام قررت الرحيل إلى المدينة المنورة – وهو ما سبق الحديث عنه في بداية المقال – فذهبت إلى المسئول عن الضيافة.. فذهلت عندما فوجئت به يعتذر عن تدبير العمرة والزيارة.. و أنه كان يستطيع أن يفعل ذلك حتى الأمس أما اليوم فقد جاءتهم تعليمات بوقفها لاقتراب موسم الحج.
استولى علىّ شعور جارف بالخوف لا بالغضب..
خشيت أن تكون المدينة المنورة تلفظني ومكة المكرمة تأبى زيارتي..
ارتجت نفسي رعبا..
وعبر الرعب عن نفسه في غضب:
-         لا أريد منكم تدبير الزيارة .. سأذهب وحدي..
-   نحن آسفون.. فأنتم ضيوفنا .. ولكل منكم أهمية في بلده .. ونحن لا نتحمل أن يصيبكم سوء ولو بالصدفة ( حادث طريق أو حادث اغتيال مثلا).. لذلك فنحن مسئولون عنك حتى مغادرة المملكة..
قلت له:
-         هل تعني أنك تمنعني من العمرة..
قال:
-          لا أقصد ذلك.. وربما استطعنا تدبير ساعتين أو ثلاث تؤدي فيها العمرة..
قلت :
-         والمدينة..
قال:
-         نحن آسفون..
فقلت له:
-   إذن لا أريد منكم أي استضافة.. سأذهب وحدي وأدبر أمري.. ولست محتاجا حتى إلى تذكرة الطائرة..
-         آسف.. قلت لك أننا مسئولون عن أمنك.
فصرخت في وجهه:
-         أضيف أنا أم أسير..
-         بل ضيف ولكن هذا هو النظام ولك أن تعود على الرحب والسعة بعد انتهاء موسم الحج.
***
انفجر غضبي مخفيا خوفي.. فقلت له:
-         هناك سبيل واحد لمنعي من الذهاب إلى المدينة.. وهو أن تلقوا القبض علي..
***
أعددت أمري وحجزت في الطائرة..
وكما قلت للقارئ لم أكن أريد أن أتخيل لنفسي أهمية لا تستحقها.. فلم أربط بين رسالتي الشفوية لولي العهد وما يحدث..
في مطار الرياض فوجئت بأحد الكتاب من ضيوف الجنادرية معي.. وقد رتبوا له رحلة للزيارة والعمرة..!!
في المطار.. أذن المؤذن لصلاة الصبح  .. وقلت له: هيا بنا لصلاة الصبح.. فإذا بي أفاجأ بقوله:
-         لكنني لا أصلي..
ونظرت إليه بذهول متسائلا في صمت فواصل:
-         أنا أذهب إلى مكة والمدينة كقيمة تاريخية.. كسائح..
ولم ألقه مرة أخرى..
***
في المدينة.. كان حجز غرفة في فندق صعبا.. وكنت أحمل حقيبتي و أبحث حتى أصابني الجهد.. فاستأذنت صاحب فندق أن أترك عنده الحقيبة حتى أجد مكانا..
في أول فندق ذهبت إليه بلاحقيبة وجدت غرفة لخمسة أيام..
.. أظن أنه كان هناك من يتعقبني ويأمر الفنادق بعدم الحجز لي..
كنت أريد أن أقيم في المدينة أسبوعا.. فذهبت في اليوم الرابع إلى فندق مجاور .. ووجدت معظم غرفه خالية فاستأجرت غرفة لمدة أربعة أيام أخري.. وفي اليوم التالي أخذت حقيبتي وذهبت .. وإذا بي أفاجأ أن الفندق ألغي الحجز..
كنت حزينا..
لكنني قلت لنفسي: استقبلتك المدينة ولم تلفظك.. يلفظك نظام الحكم.. و أنت لا تستطيع مقاومة جهاز الأمن الجبار الباطش. ثم أن افتضاح أمر لقاء ولي العهد بالكاتب الأمريكي توماس فريدمان والذي كان هو الآخر أحد ضيوف مهرجان الجنادرية قد جعلني أنظر إلى ولي العهد نظرة أكثر واقعية.. وفوق ذلك فإنه يفسر ما يحدث لي..
***
طلبت من الفندق أن يحجز لي مكانا في طائرة جدة.. وكنت متخوفا ألا أجد مكانا فموسم الحج قد اقترب جدا.. ولكن الحجز كان ميسرا بأكثر مما توقعت..
أديت العمرة.. وفي مطار جدة طلب منى مندوبوا الخطوط السعودية أن أكتب طلبا لصرف فارق التذكرة الذي لم أستعمله من الرياض إلى جدة.. فأبيت.
***
***
لقد كنت حريصا يا قراء أن أسرد عليكم كل ذلك لأنه جزء من التاريخ من ناحية.. ومن الناحية الأخري لكي أؤكد لكم أن التحليل العقلي المنطقي الهادئ  كان يؤكد أن ما يحدث في السعودية الآن سوف يحدث..
و أن الأمور ستتطور إلى حرب أهلية ينهك فيه الطرفان كل منهما الآخر.. لينتهي بمملكة ممزقة تكمل أمريكا تمزيقها ..
كنت واثقا من أن ذلك سيحدث..
وكنت أقرأ ما يحدث في المملكة مستعيدا ما حدث في مصر في بداية الخمسينيات .. وكتبت عن حادث المنشية.. وكيف تم تلفيقه وتدبيره.. وكتبت عن التعذيب في السجون المصرية آنذاك..
كتبت مثلا ما قاله الشيخ الجليل عمر التلمساني:
" هل يعقل أن يعذب إنسان حتى بعد صدور الحكم بإعدامه  . هل يعقل أن تدبر وتنفذ مجازر جماعية لمن صاروا مسجونين مثل مذبحة ليمان طرة التى صدر بشأنها حتى الآن أربعة كتب . إن خبراء التعذيب الشيوعيين والغربيين الذين استقدمهم السفاح الأكبر لم يذهبوا الى هذا الحد من النذالة والسفالة فى معاملة الخصوم إن تعليق المعتقلين عرايا وبأساليب بشعة . إن الزنزانه رقم 24 والتى عمقها متر ملىء بالماء والتى يترك بها المعتقل أياماا فيصاب بالإنهيار العصبى لعدم النوم .. النفخ . كما جاء فى كتاب " أقسمت أن أروى . لقد عشت هول المعركة " للكاتب اللبنانى  روكس معكرون "
 هتك أعراض النساء والرجال . تعذيب الرجال عن طريق امتهان آدميتهم ورجولتهم وكرامتهم وتسميتهم بأسماء النساء . تطبيق أساليب الحرب النفسية ونظرية بافلوف الشيوعى لغسيل المخ فى السجون والمعتقلات كما ذكرها المجرم صلاح نصر رئيس مخابرات عبد الناصر . اعتقال 120 فردا فى كل حجرة صغيرة بصورة لا إنسانية بل ولا حيوانية لشهور طويلة . هذا قليل من كثير إستعمال الكلاب والصعق بالكهرباء والبقاء فى الماء والتعليق بصورة مؤلمة والضرب بالعصى والكرابيج وإرغام المعتقلين أن يضرب بعضهم بعضا . وأن يسب بعضهم بعضا لقد ترتب على ذلك انتشرت الأوبئة والأمراض وأصيب البعض بالجنون ."
سيجد القارئ في نهاية هذا المقال النص الكامل لكتاب  " أقسمت أن أروى . لقد عشت هول المعركة " للكاتب اللبنانى  روكس معكرون ".. وقد كتبه عن مذبحة طرة..
و أظن كثيرا من المذابح مثلها يحدث في أرض الجزيرة..
وما أقصده من ذكر وقائع هذه المذبحة أن أظهر مدى إجرام السلطة والشرطة والنيابة وقدرتهم على قلب الوقائع..
لقد طال المقال وعلىّ أن أختتم. وسوف أؤجل تفاصيل أخرى عن مذبحة طرة إلى المقال القاد إن شاء الله.. وكلها تصب في نفس الاتجاه: إجرام السلطة والشرطة والنيابة.
***
 لقد اعتصر الألم قلبي و أنا أرى قائدا مفكرا يتحدث  في قناة الجزيرة عن النهب المنظم والسرقات الصارخة التي يقوم بها الأمريكيون في العراق على مستوى أحط العصابات و أخسها. لإن مصانع لم تفتح تلكفت الملايين تباع بعدة مئات من الدولارات.. والدبابة الضخمة التي تحتوي على أربعين طن من الحديد تباع بسعر الحديد الخردة: 25 دولارا للطن.. أى أن الدبابة التي يصل ثمنها إلى مليون دولار تباع بألف دولار.. ناهيك عن عمليات السرقة المباشرة من بيوت المعتقلين.
أقول أن الألم قد اعتصر قلبي و أنا أقارن ذلك بما كتبه اللأستاذ الدكتور جمال حشمت عضو مجلس الشعب السابق فكان من بين نصائحه لمن يتوقعون الاعتقال ألا يحتفظوا في منازلهم بأموال سائلة ولا حتى بمجوهرات زوجاتهم لأن رجال المباحث سيستولون عليها ولن يعيدوها أبدا.[20]
قبل ذلك أيضا كان العميد حمدى البطران قد قال كيف يوزع رجال المباحث ممنلكات الإسلاميين الذين يقتلونهم كغنائم توزع فيما بينهم وكيف كانوا يوصون بألا تذكر في محاضر الضبط أية مبالغ كي يتسنى لهم الاستيلاء عليها.
و إنني أذكر هذا الآن – والألم يعتصر قلبي- منتقيا من بين آلاف الصفحات صفحات قليلة كتبها الدكتور محسن العواجي والدكتور سعيد بن زعير عن التعذيب وبطش الشرطة وظلمها وظلامها وخياناتها لله ولرسوله وللمؤمنين.. وعن اشتراك القضاء في كل هذا.. بل لقد امتلأت عيناى بالدموع و أنا أقرأ قول العواجي أن مايسمى زورا وبهتانا بالمحاكم الشرعية في الجزيرة جعلته يتمني لو أنهم يحالون إلى محاكم عسكرية..
***
آه ..
يا لوجع القلب.
إنني أعرف أن ما حدث في مصر منذ خمسين عاما هو ما يحدث الآن في المملكة العربية السعودية..
ولو أن علماء الدين وقفوا أيامها كرجال لردوا الظالم عن ظلمه ..
ولو استشهد العشرات منهم .. فقد كانت دماؤهم ستحيي الأمة..
***
يا أهل الجزيرة..
أنتم الآن في عام 1954..
هزيمة 1956 في الطريق..
وكارثة 1967 توشك أن تحيق بكم.. لن يستغرق الأمر عامين أو عشرة أعوام فقد تقاصر الزمان واختلف.. ويأتي زمان آخر يكون الشعب فيه قد فقد كل قوته وكل حيويته .. كما حدث لنا في مصر..
يا أهل الجزيرة: سيستفحل التعذيب وسيزيد التزوير وستتغول الشرطة أكثر وسيزداد الأمراء حماقة ونهبا وسيجعل الشواذ وزراء والقوادون قادة والملحدون كبار مفكرين..
يا أهل الجزيرة.. وأخص العلماء: قفوا كرجال..
لقد كتب لي أحد القراء من أرض الجزيرة يعاتبني على كلمة قلتها في حق الشيخ عايض القرني.. و أنا فعلا عاتب عليه وعلى كل من يصف المجاهدين بأنهم خوارج..لأنه في اللحظة التي يتهمهم فيها بهذا الاتهام يقر بأن الطرف الآخر أمير المؤمنين..
ولقد كان بمصر في أعوام 54 و65 شيوخ سوء قبحهم الله جعلوا من الطاغية ولي أمر و أميرا للمؤمنين وجعلوا من المجاهدين إخوانا للشياطين..
نعم ..
يجب على العلماء في أرض الجزيرة أن يتدخلوا لحقن الدماء.. ولكنهم يجب أن يستمعوا للطرفين معا لا لطرف واحد.. و أن يغلظوا على الظالم فيهما أيا كان..
***
إنني أنتقي من المنشور في الشبكة الإليكترونية – موقع الساحة - مقتطفات كتبها من ينعت نفسه بأنه واحد من المطلوبين .. فيقول:
" أنا أحد المطلوبين في الجزيرة وهذه حقيقتنا بعيداً عن إعلام آل سعود  
من الذي تغير نحن أم ال سعود .. من الذي تغير فكره .. نحن أم هم ؟
من الذي تغير وبدل التوحيد بمعونة الصليبيين بمعاونتهم ضد حرب أفغانستان التي راح ضحيتها أكثر من 20000 ألف مسلم بقنابل أمريكا ! .. نحن لم نتغير ولم يلوث فكرنا.  نحن تغيرنا طرأ بعد تغير آل سعود من الاسلام لمعونة الصليب .. هل تريدوننا لا نواجه آل سعود بعدما ظهر منهم موجب الخروج وهو موالاة أمريكا لهدم دولتين افغانستان والعراق .. لأجل كراسيهم .. من الذي قرب العلمانيين الملاحدة إلا ولي العهد وجعلهم مستشارين لحرب الاسلام ونشر الفكر العلماني ..
قولوا عنا ما تشاؤون .. لكن لا تنسوا أنكم تأخذون الحقيقة من طرف واحد وهو تلفزيون آل سعود .. لقد أصبحت الساحة تمثل القناة الولى السعودية .. بعد إعتقال كل شريف فيها .. لذا لن انتظرمنكم ثناءً ..!
أجيبوني عن هذه الحقيقة - وهي قتل أكثر من ثلاثين ألف مسلم في أفغانستان والعراق بيد أمريكيا بمعونة كاملة من آل سعود - :
قال مسشار ولي العهد للشئون الخارجية في صحيفة الوطن العدد 797 الخميس 5 ديسمبر 2002 ما نصه بالحرف الواحد :
 ( المملكة العربية السعودية شريك كامل في هذا التحالف. وقد أصدر مكتب منسق مكافحة الإرهاب تقريراً في 21 مايو 2002م بعنوان "أشكال الإرهاب العالمي" نص على أن: "المملكة العربية السعودية أعادت تأكيد التزامها بمكافحة الإرهاب وتجاوبت بشكل إيجابي مع مطالب بإجراءات فعلية لدعم جهود التحالف ضد تنظيم القاعدة وطالبان. ) .
انظروا :
 ( وتجاوبت بشكل إيجابي مع مطالب بإجراءات فعلية لدعم جهود التحالف ضد تنظيم القاعدة وطالبان. ) .
قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز مجموع الفتاوى والمقالات 1/274:
 ( وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة ، فهو كافر مثلهم .) .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اسمعوا وأطيعوا ما لم ترو كفرا بواحاً)
فإن عجزتم أيها الكتاب عن الحق فلا تقولوا الباطل وتعينوا آل سعود ليستمروا بوضع يدهم مع يد الصليبيين لقتل المسلمين، فإن عجزتم عن المواجهه فلا تغالطوا وتقلبوا الحقيقة ..
الاعلام بيدآل سعود وأمريكا صورنا أننا خوارج قرامطة كفار لكن هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً، والتاريخ يكتبه المنصفون والمزورون سيطويهم الزمن .. ولا تنسوا أيام الحجاج وهو مسلم الكل يقول له مؤيداً : أقتل هؤلاء الخوارج .. لكن التاريخ يكتب الحقيقة ... الآن فمن المجرم الظالم الحجاج أم الذين خرجوا عليه؟ أين تدليس الحجاج وزمرته وإعلامه ..؟!
هكذا التاريخ يعيد نفسه مع آل سعود الذين يفوقهم الحجاج باسلامه ورحم الله الشيخ حمود العقلاء حينما قال الحقيقة وقال : آل سعود بريئون من الاسلام !!
نحن نضحي بدمائنا وأرواحنا لأجل الوقوفة بوجه الصليب ومن والاة محاولة لصدهم عن الكفر واحتلا الديار وسفك الدماء المسلمة بقنابل عنقودية امريكية ووقود سعودي من أراضي مسلمة .
مسلم على منهج أهل السنة والجماعة بريء من عقيدة الخوارج والمرجئة، ونرى وجوب السمع والطاعة للوالي (المسلم) وعدم الخروج عليه مهما ظلم وبغى ما دام مسلماً، وأما الكافر نرى جواز ذلك إذا رأينا القدرة عليه كما هي عقيدة اهل السنة
عضو تنظيم القاعدة ومن المطلوبين في جزيرة العرب"
***
ما أريد أن أقوله أننا يجب أن لا نحكم لمفقوءة عينه قبل أن نرى خصمه فقد تكون مفقوءة عيناه..
وما أريد أن أقوله هو أنه لا يمكن أن يكون هناك خوارج في أي بقعة من بقاع العالم الإسلامي الآن.. لسبب بسيط وجوهري .. هو أن الحاكم المسلم المبايَع لا يوجد..
ما أريد أن أقوله.. أننا على استعداد – لمجرد الجدل ودحض الحجة – أن نصدق من يتهم أبناءنا بأنهم خوارج..
سنقول لمجرد الجدل أنه على صواب إن كان قد صدق فيما يتهمهم به..
لكن ينفجر في وجوهنا سؤال آخر..
سؤال آخر مروع ورهيب:
فماذا إن كانوا هم الصادقين..
نعم..
ماذا إن كانوا هم الصادقين..
***
أليس غريبا أن المجاهدين في العراق هم الذين أوقفوا مشروع الاحتلال الأمريكي .. فلولا الجهاد البطولي في العراق لكانت سوريا والسعودية  مستعمرات أمريكية الآن..
أليس غريبا أن المجاهدين  في الجزيرة العربية يشكلون الآن عنصرا رئيسيا في الدفاع عن ولي العهد و عائلته.. ذلك أن أمريكا ستفكر ألف مرة قبل محاولة غزو السعودية ما دام مثل هؤلاء المجاهدين موجودين ومستعدين في كل وقت لبذل أرواحهم.
***
ولقد علمت أن ولاة الأمر في الجزيرة .. ولاة الأمر الذين منعوا القنوت على الأمريكان والإسرائيليين أمروا به على المجاهدين..
كما علمت أن خطباء المساجد في معظمهم رفضوا الاستجابة..
وبدرت مني ضحكة أمر من العويل و أنا أقول:
-         لماذا امتنعوا .. لماذا لم يقنتوا على الظالم..
وتذكرت تلك الطرفة – ويقال أنها واقعة حقيقية- عن متهم بجريمة قتل.. وصبيحة النطق بالحكم وقفت أم المتهم إلى جوار محاميه وهي لا تكف عن الدعاء لابنها أن يظهر الله الحق كي ينال البراءة..
بعد أن كررت الدعاء مرات ومرات نفد صبر المحامي فانفجر فيها صارخا:
-         ادعي له بالبراءة فقط.. لأنه إن ظهر الحق فسيحكمون عليه بالإعدام..
فاقنتوا ياخطباء المساجد في أرض الجزيرة وسيعلم الظالمون أي منقلب ينقلبون.

***
***
***



حاشية

بوش
وقف بوش يقول جملة من أعجب الجمل، إذ يقول بعد صدور تقرير لجنة أمريكية مستقلة أقرت عدم وجود دلائل على صلة العراق بالقاعدة.. : إنني ما زلت أقول أنه كانت هناك صلات بين العراق والقاعدة لسبب بسيط هو أنه كانت هناك صلات بين العراق والقاعدة..
الجملة أشبه بالنكتة..
وهي أشبه بأن تقول:
إن جورج بوش حمار لسبب رئيسى واحد هو أنه حمار!.
الفارق فقط: هو أن الجملة الأولي خطأ بينما الثانية صحيحة..
" هناك من سيقشعر  جلده غضبا لوصف بوش بالحمار ناسيا أن عضو برلمان انجليزى وصف تاتشر بأنها كلبة.. ثم أن صاحب الجلد الرقيق هذا لم يتأثر على الإطلاق لما حدث في " أبو غريب".
***
حاشية
فلسطين

يا فلسطين الحبيبة..
إياكم..
مصر بحالتها الراهنة أقسى عليكم من إسرائيل..
لقد عجزت إسرائيل معكم.. وعجزت أمريكا في العراق.. وعجزت روسيا في الشيشان.. عجزوا جميعا أن ينجزوا ذلك الإنجاز الباهر للرئيس مبارك.. لقد كانت مهمته كمهمة من كانوا يمهدون المعتقلين للتحقيق في سجن :أبو غريب..
أن يصلوا بهم قبل التحقيق إلى الانهيار التام حتى يسلموا بكل ما يريد منهم الأمريكان..
ولقد فعل مبارك هذا مع ليبيا .. ومع السودان بصورة مباشرة..
وهاهو يوشك على الوصول إليكم يا فلذة الكبد في فلسطين..
مبارك فعل ما لم يفعله سواه في العالمين..
سحق الأمة..
سلب روحها..
عزلها عن أمتها..
ألم أقل لكم أنه أقوى من بوش وشارون وبوتن..
فإياكم..
إياكم..
إياكم..
***
حاشية

قناة الجزيرة

أرجو من أحد المهندسين في الفضائيات أن يرشدني إلى ضبط ترددات قناة الجزيرة فقد حدث بها اختلال جسيم .. وهو اختلال من أغرب ما يكون.. فالصورة ممتازة.. وكذلك الصوت.. والمذيعون هم نفس المذيعين.. والبرامج ذات البرامج.. ونشرات الأخبار تأتي في نفس الوقت..
وقد يتساءل القراء:
- فما المشكلة إذن..
و أجيب:
- المشكلة في المحتوى .. ورغم أن ما يقوله المذيعون هو تقريبا نفس ما كانوا يقولونه.. إلا أن روحا شيطانية تتلبس القناة .. روح شيطانية تكاد تشير إليهم قائلة: هؤلاء من الإرهابيين فلا تصدقوهم.. روح ربما ترجع إلى التوتر الذي يعيشه المذيعون من أوامر مزرية ( مثل تلك الأوامر التي أشرنا إليها بعد ذكر الشهيدين العظيمين أحمد يسن وعبد العزيز الرنتيسي) .. أوامر تكبل المذيعين.. وربما كان ذلك بسبب البرامج المساعدة أو اللحن.. أو تغير الاتجاه العم للقناة.. أو شخصية رئيسها..   إن القناة تقترب شيئا فشيئا من تلك العقلية التي اعتبرت يوم  سقوط بغداد عيدا قوميا.. ومن تلك العقلية لذلك الوزير الشاذ في الحكم الشاذ الذي اعتبر غزوة نابليون عيدا قوميا..
و إذ أكتب لكم هذه المقالات  فإنني أراقب القناة وهي تكاد تنفجر من الفرح.. لا .. ليس لأن المهدي المنتظر ظهر.. ولا لأن المسيح عليه السلام عاد.. لا.. ليس هذا ولا ذاك.. وإنما لأن الصليبي الصهيوني جارانج يُستقبل كما تقول القناة استقبال الأبطال في جنوب السودان..
والسودان يتفتت.. لعن الله من ساعد عليه حتى استسلم.. ولعن الله حكامه الذين يكملون الآن ما حدث عام 54.. والجزيرة تنفجر من الفرح ( ربما فضلت الانفجار من الفرح عن الانفجار من القنابل.. كما حدث في كابول .. وبغداد)..
لكنني أتساءل يا قراء:
- هل من الممكن أن تصل التكنولوجيا الأمريكية إلى اعتقال فيصل القاسم و أحمد منصور وحافظ الميرازي وزملائهم في جوانتانامو واستنساخ نسخ منهم تظهر على قناة الجزيرة وتنطق بما يريد الأمريكيون؟!..
- هل يمكن؟!!
***
حاشية
الدكتور يوسف القرضاوي

إلى شيخنا القرضاوي: غفر الله لك.. غفر الله لك.. غفر الله لك..
ذنبك في الهجوم على الشهيد سيد قطب أكبر من أن يتسع للصفح عنه قلبي..
لكن .. أكان يليق بك أن تهاجم أبا حمزة المصري في محنته هذا الهجوم..
وهل من العار أن يتسبب التلفاز في شهرة أحد يا شيخنا..
غفر الله لك..
لقد كنت أقارن بين تعليقك وتعليق معلق انجليزي يقول أن الشرطة الإنجليزية لم تشف غليلها بوضع القيود في يدي أبا حمزة المصري.. لأن ذراعيه مبتوران .. في الجهاد الأفغاني..
غفر الله لك.
***

حاشية
رسالة أخيرة إلى الرئيس مبارك
منذ عشرة أعوام كتبت سلسلة مقالات بعنوان:" من مواطن مصري إلى الرئيس مبارك" يجدها القارئ على موقعي .
ويعلم الله أنني أبغضته في سبيله.
ولمدة أعوام – عندما كانت صحيفة الشعب تصدر – كنت انتظر موت أحد الحكام الذين أساءوا للإسلام  أيما إساءة.. وكنت أعتزم أن أكتب مقالا بمانشيت رئيسي: " هلك الفاجر" .. ولم أكن أنوي أن أتحدث عن الحاكم الميت بل عن يزيد بن معاوية.. تاركا العنوان يلقي ظلاله..
وعندما صودرت صحيفة الشعب كان بعض الإخوة والأصدقاء يتصور رجوعها بحكم قضائي.. وقلت لهم أن الصحيفة لن تعود طالما كان مبارك على قيد الحياة.. فالرجل يكن للمجاهدين والمسلمين كرها شخصيا يتجاوز كراهيته الوظيفية لهم.. فالتنكيل بهم شرط لبقائه.
وأمس الأول عندما انتشرت أنباء – ثبت بعد ذلك عدم دقتها – عن وفاته..
والحقيقة أنني كنت أتوقع أن أفرح..
ولقد ذهلت عندما استقبلت الخبر بوجوم شديد وحزن غالب..
قلت لنفسي أن الحياة تشبه السقوط من ناطحة سحاب.. و أن الفائز هو الذي يلتمس  - أثناء السقوط – ملاذا آمنا يهبط فيه.. أما الأحمق فينشغل خلال سقوطه بأن يسرق هذا وينهب ذلك ويخون أولئك.. إلى أن يسقط في الهاوية..
شملني حزن غريب..
فهذا الرجل منحه الله فرصا يحقق فيها كل شئ في الدنيا والآخرة لكنه فضل أن يحمل قدرا من الذنوب لست أدري كيف سيواجه الله به.
ورغم غضب القراء على أي رسالة أرسلها إليه – بعد أن فقدوا الأمل – فإنني أستسمحهم في هذه الرسالة فقط.. على أن تكون الأخيرة:
يا سيادة الرئيس تب..
ذنوبك كثيرة ورحلتك طويلة وزادك معدوم..
الوقت قصير فقدم إلى الله ما قد يشفع لك..
امنع توريث الحكم لابنك فكفانا منكم ظلما..
أفرج عن ضحاياك من المسلمين عل بعضهم يسامحك فيخف وزرك..
حول الجلادين في سجن أبي غريب المصري للتحقيق..
وأمر بوقف التزوير.. والكذب ..
وأمر بالإفراج عن الإسلام الذي ظل أسيرا طوال عهدك..
ولعلى أختم بنفس الخاتمة التي اختتمت بها رسالتي له منذ عشرة أعوام:
حاول أن تحصى ذنوبك كي تتوب إلى الله .
أن ترجع عنها قبل أن يرجع عليك بها .
صارح الأمة وواجهها بحقيقة أمرها .
ذلك أن أول درجات سلم التوبة الصعب أن تقر بذنبك ..
اكشف لنا ما قد علمت من تعذيب وتزوير وتستر..
اكشف للأمة أن ما شاركت فيه لم يكن " عاصفة الصحراء " فقط وإنما كان " المجد للعذراء" أيضا وهو أسم أخفاه إعلامك عن الأمة لغرض في نفس شامير وبوش .
ألغ قانون الطوارئ .
وافق على تغيير الدستور .
ألغ الاستفتاء على رئاسة الجمهورية وحوله إلى انتخاب حر .
لا ترشح نفسك مرة أخرى ..
أوقف التعذيب..
أوقف تزوير الانتخابات ..
  أطلق حرية الصحافة والأحزاب حقا وصدقا ..
طارد الفساد والمفسدين ..
ضع الأسس لبناء مصر الحديثة. .
خطط لإعداد دولة الإسلام كما خطط بنو إسرائيل لإقامة دولتهم..
 ضع مع أقرانك خطة تحقق ولو بعد مائة عام..
إن بقاء أي أسرة من الأسر الحاكمة الآن في العالم العربي والإسلامي لمدة عام واحد أمر غريب، عشرة أعوام معجزة عشرين عاما مستحيل، فأعرض علهم إذن مشروعا لوحدة العرب المسلمين لا يكتمل إلا بعد مائة عام، مشروعا لا ينتقض من سلطة، مشروعا يداوى جروح الأمة ويجمع شراذمها ويعيدها خير أمة أخرجت للناس .
افعل ذلك، تمح حسناتك سيئاتك..
 تب إلى الله..
 وإن لك من مجد أكتوبر ما يجعلنا ندعو الله أن يغفر لك .
افعل ذلك … فوالله لو جئت الله بملء الأرض ذنوبا لجاءك بمثلها حسنات .
ولو تقربت منه ذراعا تقرب منك باعا وإن أتيته تمشى أتاك هرولة .
وليكن عيد ميلادك القادم أخر عيد ميلاد في السلطة .
***
قد يكون هذا آخر حديثي لك ولعله آخر الاجتماع
فالسلام عليكم يا سيادة الرئيس ..
السلام عليك يا أيها الأجير …
فلعلنا لا نلتقي أبدا بعد عامنا هذا في موقفنا هذا .
ومن أجل هذا كتبت لك ما كتبت، ولم أكن ألقى بنفسي في التهلكة بل والله أنقذها..  فلو أن عبدا خير بين ما عند الله وما عندك فاختار ما عند الله أيهلك، أم ينقذ من الهلاك نفسه ؟..
أبارت تجارته أم ربح البيع. .
السلام عليك أيها الرئيس ..
السلام عليك، وعلى موعدنا للقاء أمام الله في يوم قد يكون مقداره خمسون ألف سنة .
خمسون ألف سنة  فتخيل معي يا سيادة الرئيس واعتبر، لأننا -إذا كان ذلك- في الحساب على ذنوبنا – لا في العذاب عليها – سوف نحاسب عن كل يوم عشناه في هذه الدنيا ثلاثة أعوام ..
فكيف لا أقول، وما أنا إلا عابر غريب، دنياي آخرتي، والطريق وعر، والمخاطر جمة، حتى أنني أتهلل لم يختصر لي المسافة ويقصر على الشقة ويخفف الابتلاء ويلطف القضاء ويعجّل بالأوبة .
لست مقيما، وإنما أتزود من قفري لروضتي، أنتظر الطلب بالذهاب والإذن  بالمثول، غير آبه لأي حال تكون عليه عظامي وإهابي حين مغادرتي .
وكيف لا أقول وما أنا إلا عبد أرسله سيده وأمره أن يقول فكيف لا أصدع أنا ولم لا تصدع أنت ؟ ..
السلام عليك أيها الرئيس .
سلا م الله لا سلام أعداء الله .
***
السلام عليك ورحمة الله وبركاته .


***
***
النص الكامل لكتاب:

روكس معكرون
أقسمت أن أروي
نبأ المجزرة الرهيبة
التي تقشعر لها الأبدان
1398هـ
الطبعة الثالثة
1978م
تقــــديــــم
إن الدكتاتورية تبدو في العادة ضخمة خطيرة من الخارج …
إنها تبدو صلبة براقة لا تقاوم ……
أما من الداخل فهي عفنة ……
إنها أشبه بأضرحة البيضاء التي تبدو جميلة فعلا في مظهرها .. ولكنها من الداخل مليئة بعظام الموتى وجميع أنواع القذارة .
المذبحة
إلى أرواح الشهداء ..
إلى الشباب النضر كزهور الربيع ..
إلى الإيمان المجرد كأنه جوهر الحق
إلى التضحية الصادقة بالدم والروح
إلى الوطنية وإلي الإخلاص
إلي شباب مصر شهداء مذبحة ليمان طره ..
إلي أصدقائي: على حمزة .. إبراهيم قعوار .. حيري .. وبقية الأصدقاء الشهداء ..
.. لقد عشت معكم أياما وليالي .. وأنا مسيحي وأنتم مسلمون .. وما شعرت معكم بغير الألفة والود والمحبة والإقدام المتبادل .. وما لمست فيكم غير أيمانكم بدينكم . وأيمانكم بوطنكم وأيمانكم بإنسانيتكم .. وهو منتهى المعرفة .
.. لقد عشت معكم صديقا نأكل ونشرب كأس السجن والعذاب معا .. جمعتني وكثير منكم رابطة الألفة والصداقة ومشاركة العمر والثقافة والميول فكنتم لي أخوة في المحنة .. وكنت لكم أخا .. وشهدت الكارثة الرهيبة ورأيت أخوتي يسقطون صرعى .. ورصاص الطغاة الآثمين يسلبكم الحياة .. بعد أن فشلت كل أساليب الغادرين ، أن تسلبكم الإيمان .. وأقسمت أن أروي للتاريخ مأساتكم الهائلة ..
إلى الرأي العالمي ..
وإلى الضمير الإنساني .. 
  أقدم قصة هذه الأيام والليالي السوداء التي عشتها في ليمان طره ودفعت من كل ساعة من ساعاتها بل في كل لحظة من لحظاتها دمي وأعصابي ونور عيني . ويخطئ من يظن أنني في هذا الفصل سوف أستغل صناعة الكتابة أو براعة القلم في تجسيم الحقائق ! في التزيين أو التزييف  أو التشويه .. أنني لا يمكن أن ألجأ إلى شئ من هذا فإن الحقيقة وحدها تكفي ، وأن الواقع لأكثر هولا مما قد يخطر على أي بال .. وأن الأحداث لأفظع لأقدمها للتاريخ شاهدا ولأهدي هذا المجهود إلى أرواح الشهداء الذين استشهدوا لإيمانهم بالحق لوجه الحق وحده ، وأشهد الله على ما أقول .. والله على ما أقول شهيد.
لقد قلت : بأنني أؤمن بأن الله قد خلق عباده أجمعين من تراب وروح، وأنه قد خلقنا نحن أبناء لبنان من التراب والروح وجوهر الحرية .. ولازلت أقول أيضا .. أن الخبرة التي اكتسبتها من هذه الرحلة وممارستي حياة العبودية في جزيرة العذاب ، قد أتاحت لي في سنوات سجني ما كان لا يمكن أن يتاح لي في أي مكان آخر ولو في نصف قرن . فالحمد لله على المحنة .. وأنا قد اخترت هذه الحقيقة الواحدة التي ضمنتها هذا الفصل دليلا على ما شهدته وشاهدا على خبرته ..
استبداد الزعيم
وزعامة المضللين
في الشرق العربي .. ومنذ سنوات قليلة .. دعوة جارفة تحشد القوى .. أضخم القوى ، وتجند الوسائل .. حتى الدنيئة منها ، تدعو كلها إلى زعامة عبد الناصر .. أبواق تهتف ونشرات تخرج وصور وشعارات وألوان جذابة ومغريات هائلة .. وكلمات براقة ووعود خلابة .. طوفان من الدعاية ، كلها تساهم في بناء الغاية الكبرى: زعامة عبد الناصر .. بعض الناس يمضي في الطريق ويستجيب أغلبهم يستجيب عن طيبة أو سذاجة أو فراغ وأقلهم يستجيب عن مصلحة واقتناع .. وبعض الناس يقف في هذه الدعوة موقف المحارب المستميت يفضح مزاعمها ويفند أكاذيبها ينذر ويحذر .. تضليل ووهم ، تهريج وخداع .. وبعض الناس يقفون حيارى في مفترق الطرق .. أي الدعوة خير وآيتها شر ؟  ولو أن دعوة زعامة عبد الناصر داخل نطاق مصر لما تدخلنا ولما كان لغير المصريين أن يفصلوا في أمر الدعوة خير أم شر .. ولكن الطوفان أخذ يزحف إلى الشرق العربي حاملا الدعوة الدنيئة وانزلق أكثره في الطريق .. وبذلك وحده أصبح من حق كل مواطن عربي بل من واجبه مادام يملك ولو شعاعا ضئيلا من النور يكشف الحقيقة أن يتقدم فورا ومهما كان ثمن التضحية والفداء .. فمن حزمة الإشعاعات الضئيلة ستكون شعلة الرواد الذين يحررون الناس في الوهم .. من الزيف .. من الضلال .. من الزعامة الفردية .. من الاستبداد الدكتاتوري المطلق .. أنني قلت مهما كانت التضحية والفداء لأن دعوة عبد الناصر قد وطدت العزم على بلوغ الهدف بأي سبيل حتى ولو سلكت سبلا دنيئة بذيئة يلوثها  العار والخسة والانحطاط .. ولعلنا في لبنان قد ذقنا هذه الكأس المرة .. ودفعنا افدح الثمن .. دفعنا الخراب والدمار الذي أصاب لبنان ودفعنا أرواح القتلى .. وعذاب الأحياء ..
على أية حال هذا ليس مجال مناقشة الدعوة من الوجهة السياسية . وإنما أردت أن أعترف للقارئ اللبناني بهذا السؤال: ماذا نعرف نحن عن حقيقة الحياة في ظل زعامة عبد الناصر ؟ أنهم سيقولون أن عبد الناصر وبطانته يدعون للوحدة والاتحاد ويعملون من أجل رفاهية الشعب . أنهم يؤمنون بالعزة والكرامة والحرية .. هذا قول جميل يمكن أن يخدع ويغري الملايين .. وسؤال آخر : أليس من حقنا قبل أن ننطق بكلمة تأييد لهذه الدعوة أن ننظر في جوف الإناء لنرى ماذا هناك .. وماذا حققوا لمجتمعهم من خير ؟.   
وهنا يظهر السؤال المباشر
  أيهما أقرب إلى زعامة عبد الناصر فأحق بدعايته وبكفاحه وببرامجه وبأفكاره العبقرية الخالصة ؟ مصر أم لبنان ؟ .. المجتمع في مصر أم المجتمع في لبنان ؟ .. الشعب في مصر أم الشعب في لبنان ؟؟؟ فتعالوا نشهد ماذا صنع عبد الناصر لمصر . وماذا فعل بالمجتمع المصري .. وبأي عملة تجري بينه وبين الشعب في مصر المعاملات . وأنا لست خبيرا في السياسة ولا أزعم أني قائد محنك أو زعيم مجرب .. وإنما أنا أسرد حديثي للقارئ واسأل فقط أليس من حقنا أن نعرف الحقيقة ؟… حقيقة الطرق الذي يدعونا عبد الناصر إليه ؟ ,اعتقد أني في هذا الفصل سأقدم حقيقة جانب من أهم جوانب الحياة في ظل حكومة عبد الناصر .. وستبقى هذه الحقيقة ، الضوء أسطع الضوء على حرية الفرد والحياة السياسية . والتكافل الاجتماعي . والقيم الأخلاقية . وأخيرا مقاييس الإنسان والحضارة في نظر عبد الناصر ونظام عبد الناصر وأنني لأحب أن أسأل سؤالا بسيطا أن كان من حقي كمواطن عربي شهد مأساة سجون الجمهورية العربية المتحدة : لماذا يتحدث حكام القاهرة عن العزة والكرامة والحرية وليس عندهم إلا الوحشية والعبودية والمذلة .. تجار الضجيج باعة السراب .. صناع العذاب ..
لقد قدر لي أن أكون الإنسان الوحيد الذي شهد هذه المحنة الفظيعة .. وخرج من السجن .. ومن سجون الجمهورية العربية المتحدة وحدودها جميعا ليتصل بالعالم الحر .
من منبر لبنان الشامخ ، حصن الحريات والحقوق .. من وطني .. فلتتطلع الإنسانية علي ما رأيت واشهد التاريخ ..  وكي انصف الواقع أقول  انه شهد هذه النكبة الوحشية معي أيضا الصديق اللبناني جورج يونس .. ويرى القراء قصة رحلته في جزيرة العذاب في غير هذا المكان .. وكأنها سخرية من القدر بتدابير الطغاة .. فيكشف الخبئ من حيث لا يقدرون .
كنت أجلس في زنزانتي الكئيبة لأكتب هذا الفصل .. وأرواح هؤلاء الأصدقاء تحوم حولي .. وستظل تحوم حول هذا المكان وستبقى الجريمة خالدة والدم البريء المراق .. والأرواح الطاهرة المزهقة ستظل تضرع وتشير إلى الجناة .. إلى الطغاة صناع الدمار أعداء الحياة .
  وليس هؤلاء كل من عرفتهم وراء القضبان .. هناك الكثيرون وأبطال الكفاح من أجل إيمانهم .. شباب كثيرون جاءوا بهم من مقاعدهم بالجامعات ومن منابرهم في الصحافة والمحاماة والقضاء والطب والهندسة وساقوهم إلى اليمان من أجل إيمانهم بحق بلادهم في الحرية والكرامة .. وكنت أحس كلما جلست بينهم أن هذا الشعب سيحقق أمانيه وأن هؤلاء الذين يستبدون به إنما يخدعون أنفسهم وأن الحقيقة لا بد واقعة ولكن بعد الثمن الفادح .. بعد  الذل الهوان والعذاب .. ومن يدفع الثمن؟ مصر لا شك والمجتمع العربي بأسره.
الطغاة يهدرون دماء الشهداء ويسومونهم سوء العذاب
واليوم ذهب بعضهم شهداء واختصروا  الطريق إلى أهدافهم العليا والآخرون بعثرهم الطغاة في سجون كثيرة بعضهم في قلب الصحاري وأعماق الفيافي هناك على مسيرة مئات الأميال من الحضارة والعمران .. في سجون الواحات ..
وأنا أخال أرواحهم تطوف بمسرح المصيبة .. وأذكر أحاديثهم وهم أحياء أخال انهم يحملوني أمانة الشهادة وواجب البلاغ .. وأنا كمسيحي لا بد مؤد حق الشهادة الخالصة .. وأنني كمواطن عربي لا بد ملب واجب البلاغ الصادق .. وكصديق للشهداء الذين ذهبوا .. وللسجناء الذين يرسفون إلى اليوم إنما أؤدي الأمانة ، و الواجب .. وأنا أضرع إلى الله في صلاة التوسل والرجاء أن يعينني على ما أنا بسبيله .. فلتقر أرواح الأصدقاء الشهداء .. رحمهم الله .. وتحية لنفوس الأبرياء السجناء الذين ما عرفت عنهم إلا تمسكهم بعقيدتهم .. ودفاعهم عن مثلهم وكفاحهم من أجل حقوقهم فنصب لهم المشانق .. وفتحت لهم السجون بظلمها وعذابها وما وجدتهم في محنتهم وسياط العذاب مسلطة عليهم إلا رجالا لها صابرين .. مؤمنين .. قادرين .. تهون عليهم أبدانهم والعذاب من أجل كلمة .. الله .. والوطن .. وهو منتهى الوفاء .
ونعقت غربان الشؤم .. وأخذت الطغاة العزة بالإثم فأطلقوا الرصاص على صدورهم فتنفجر منها آيات الطهر والقداسة .. وهتفوا حتى في لحظة الموت والرصاص يصرعهم . الله أكبر .. الله أكبر .. وهو منتهى الإيمان .
ونظرت فرأيتهم قتلى .. صرعى والدماء تسيل .. وكانوا منذ لحظة ملء الحياة .. ولكنني والحق أشهد أنهم لم يكونوا قتلى ولا ضحايا .. كانت لهم حتى وهم في العدم  هيبة وجلال .. سيما الشهداء وهو منتهى الخلود .. وأنني لأخال هذه الأرواح تتحدث إلى .. وأكاد ألمح نورها يضئ ظلمة السجن وهمسها يرن كالمعزوفة الجنائزية .. تروي قصة الأحزان الخالدة .. أخال هذه الأرواح .. كما كنت أجلس بين أصحابها وهم ملء الحياة يملأهم الإيمان والأماني .. كانوا يعبدون الله .. ويعشقون الوطن ويعملون بوحي إيمانهم .. لأجل بلادهم .. وكانت كل كلمة منهم وكل تصرف لهم إنما هو مدفوع بالعبودية لله .. والكفاح من أجل الوطن .. كنت أعرف فيهم الأب الذي انتزع من لأسرته وتحطم بيته ..والزوج الذي فرق من زوجه وشرد أولاده .. والشاب الذي يقف على باب مستقبله العريض موظفا أمينا أو طالبا مجدا أو محاميا بارعا أو مهندسا ناجحا أو طبيبا عبقريا .. فذهب ذلك كله ألقى به إلى المشنقة أو إلى السجن ..
ولا قدم للرأي العام العالمي والضمير الإنساني تقصيا هذه المأساة المروعة :
مجزرة القرن العشرين
  قصة المذبحة فظيعة ، بل أفظع قصة عرفها القرن العشرون .. بدأت مقدماتها يوم صلاة الجمعة ، حيث كان السجين الشيخ حسن أيوب وهو من جماعة الإخوان المسلمين ، يقوم بالوعظ والإرشاد لكل من حضر الصلاة .. وكان ذلك في فناء العنبر ، ولم يكد ينتهي الشيخ حسن من وعظه حتى فوجئ المصلون بسياط الزبانية تلسع ظهورهم وتفرقهم .. وقد نال النصيب الأكبر من هذه السياط الشيخ حسن المسكين .. ولماذا كل هذا ؟ لست أدري .. ولكن لم تمض ساعة من الزمن حتى انجلى الموقف.
في الليمان سجين وصولي عبد الوهاب الشعراني محكوم عليه في قضية قتل وإجرام الأشغال الشاقة المؤبدة .. له صلة قرابة بواعظ الليمان المدني الشيخ الصاوي شعلان .. كان عبد الوهاب يحقد كثيرا على الإخوان ينعتهم حينا بالخونة وحينا بالمأجورين لأنه  على ما علمت  من نزلاء الليمان ( عياش) يصفق ويهلل لكل عهد جديد ، يعيش بلا مبدأ ولا ضمير .. أسر الشعراني في إذن الشيخ الصاوي بكلمات كلها حقد وبطلان .. قال أن الشيخ حسن يتمادى في وعظه ويلمح عن طغيان الثورة وعهد الثورة .. وحمل الصاوي ما قاله الشعراني للسادة ضباط السجن وهؤلاء بدورهم أرسلوا زبانيتهم بأوامر  مشددة دون تحقيق ولا روية .. ووقعوا على الشيخ حسن وعشرات المصلين محاضر جلد . ووضعوهم في غرفة التأديب .. وجن جنون المسجونين ( كل المسجونين) من هذا التصرف الأحمق .. منهم من قال : لا صلاة بعد اليوم .. ومنهم من قال الكفر سيد في هذا المكان .. وتكهرب الجو بين الإدارة والإخوان .. وبدأت المعاكسات السخيفة .. 
  أصدر طبيب أول الليمان محمد فؤاد السيد أمرا بإخراج الإخوان المرضى بالمستشفى إلى عنابرهم .. وقد كتب على تذكرة علاج كل فرد منهم .. كلمة (خروج) أي الخروج من الملاحظة لأنه شفى ! – وذلك دون مراعاة الضمير الإنساني الذي يحتم عليه أن يقف إلى جانبهم ويبقيهم في أسرتهم في المستشفى  لما يعانون من أمراض خطيرة ، كان سببها آلات تعذيب حكام القاهرة .
وأبي طبيب أول الليمان أن يقف بعيدا عن ممالأة أسياده ؟!
وفى الصباح خرج الإخوان من المستشفى محمولين إلى العنبر ، كل يئن من آلامه وأوجاعه .. آلام الضرب والتعذيب قبل مجيئهم إلى الليمان .. آلام لا تطاق أذاقتهم إياها المخابرات المصرية في السجن الحربي .. حيث تفننت هذه المخابرات المصرية في السجن الحربي .. حيث تفننت هذه المخابرات بأساليب العذاب وألوانه .. فمن كماشة حديدية تطوق الرأس وتضغط حسب الطلب ! إلى نفخ في الأدبار حتى يصبح الآدمي بالونا معلقا على السقف .. إلى غير ذلك من أساليب وحشية دنيئة .
 وعند الظهيرة نادى السجان كشفا يحمل أسماء المسجونين المطلوبين للزيارة الخصوصية .. ونادى فيها نادى اسم السجين كمال عبد العزيز زوج الفنانة زوزو ماضي ، والمحكوم عليه بالشغال الشاقة المؤبدة في قضية المخدرات الكبرى مع زوجته .. ونادى كذلك الدكتور مصطفى حمدي وهو من جماعة الإخوان ، وغيرهم ودخلوا جميعا مكتب النقيب عبد الله ماهر آمر الزيارة .
أعطت "زوزو" في نهاية الزيارة أكياسا كثيرة من المأكولات والحلوى لزوجها السجين ثم تقدمت والدة الدكتور حمدي تستأذن النقيب بإعطاء وحيدها دجاجة كانت تحملها في كيس صغير من "السلوفان" .. رفض الضابط طلبها وأصرت الوالدة … وإزاء إصرار الأم الحنون ، أخذ الضابط الهمام الكيس من يد الأم وقذف به خارجا وطردها .. وثارت ثأره الدكتور حمدي وقال للضابط كلمات كثيرة كانت درسا قاسيا في الأدب والتربية .. ووقع الضابط المنتصر  القصاص على حمدي وأودعه غرفة التأديب ..
أبلغ النقيب بطولته في معركة سيناء لمديره ورؤسائه ، وأضاف بأن الإخوان المسلمون يريدون به شرا .. وجمعت الزبانية في لحظة ، وأعطيت إليهم الأوامر من جديد :
1-       عدم السماح للإخوان بالصلاة جماعة
2-       تفتيش الدور الثالث من العنبر أي حيث يسكن الإخوان تفتيشا استفزازيا صباحا ومساءا.
3-       إخراج جميع الإخوان من غرفهم صباح الغد وسوقهم إلى الجل لتكسير الحجار دون استثناء المرضى منهم .
وتكهرب الجو من جديد وبات الإخوان ليلتهم في قلق شديد ينتظرون الغد ويحسبون ألف حساب لملاقاة المجهول ..
وجاء الصباح المنتظر .. وجاوزت الساعة السابعة صباحا ولم تفتح الأبواب .. وذلك على غير عادة .. قفزت من غرفتي إلى الفتحة الصغيرة بباب الزنزانة استطلع الخبر .. ثم أر شيئا .. إلا أنني سمعت وقع إقدام كثيرة .. ثم رأيت ضباطا أعرفهم ..
البكباشي : فؤاد سعد الدين
النقيب: محمد صبحي
الملازم الأول : عبد العال سلومه
النقيب: أحمد زكي
الملازم : حسين سعيد
وكلهم من ضباط السجن ، وكلهم مدججون بالسلاح ومعهم عدد وافر من الزبانية يشكلون حلقة ويشاورون ..
ولم تمض دقائق معدودات على هذا الوضع حتى توجه السجانون إلى الدور الثالث وفتحوا أبواب الزنازين بكاملها واخرجوا الأصحاء من الإخوان إلى شرفة الدور .. وتركوا بقية الدور مقفلة .. وبعد دقائق دوت طلقات نارية كثيرة ، ولم أسمع سوى صوت واحد ردده الجميع – جميع الإخوان – الله أكبر .. الله أكبر .. وبقى الرصاص يدوي إلى أن اطمأن الطغاة إلى استشهاد المجموعة البريئة ..
  وخيم صمت رهيب على سكان العنبر حدادا على الشهداء .. وتمخضت المجزرة عن استشهاد إحدى وعشرون شهيدا وستة وخمسون جريحا استشهد منهم بعد ذلك أحد عشر متأثرين بجراحهم . جاوزت الساعة العاشرة ولم تفتح الدور الباقية وكنت أود ألا تفتح .. لأن قلبي كاد ينصهر من فرط الألم لاستشهاد الأصدقاء الأوفياء .. ونظرت إلى من معي بالغرفة ، جورج المذكور وقد احتل زاوية من الغرفة مذهولا خائفا .. وقلت له أهذه هي قومية عبد الناصر وديمقراطية الثورة وعدالة العهد ؟ وأجابني بصوت خفيض خلته ينبعث من القبور : "شو بدك بهالحكي .. مش وقته"..
وظننت بأن الأبواب لن تفتح قبل أن ينقلوا الجثث من العنبر .. إلا أن آدمية الطغاة خيب ظني وفتحت الزنازين _ كل الزنازين – وأمرنا بالخروج من الغرف لقضاء حاجياتنا
وما بالك أيها القارئ العزيز إذا علمت بأننا كنا نتخطى الجثث وكأننا في ميدان حرب .. جثث في كل مكان أمام غرفتي وفى الفناء وعى سلم العنبر ..
كم كنت أود أن يطلق الرصاص على الأعداء .. أعداء بلادنا ، وليس في صدور أبناء عروبتنا الخلص الأبطال .. ولكنه الطغيان بأقسى أنواع ظلمه ووحشيته ..
أعود إليك أيها القارئ العزيز لا سرد لك بقية القصة .. قصة المجزرة .. مجزرة القرن العشرين
أطلقت صفارة السجان .. ونودي علي جميع سكان العنبر بالنزول إلى الفناء .. وامتثل السجناء للأمر .. آمر سجانهم صاحب الحول والطول يفعل بهم ما يسعده من الآن العذاب والحرمان .. فهو يعرف قانون الليمان حاكم مطلق الصلاحية .
اجتمعنا نحن السجناء في فناء العنبر .. وأجلسونا القرفصاء .. وجلست هذه المرة دون مجرد التفكير والاعتراض علي هذا الوضع .. وكانت إدارة السجن قد استدعت بقية الإخوان الذين كانوا في غرف تأديب ومنهم الدكتور حمدي .. ووقف الملازم أول عبد العال سلومة لنا جميعا :
أيها النزلاء ..
يسر إدارة الليمان أن تسعدكم بمشاهدة الإخوان المسلمين يقومون بألعاب بهلوانية للترفيه عنكم ! وحضرتني في تلك اللحظة صورة نيرون يقهقه وروما تحترق ..
وأعطى الضابط الخليع أوامره للأخوات المسلمين ليدوروا سريعا حول العنبر ،  ومن ورائهم شرذمة من الزبانية تلهب ظهورهم بالسياط ..
وشرذمة أخرى تقذفهم بالكلس الحارق علي وجوههم .. إن وحشيه هولاكو كانت لتبدو معدومة إذا ما قورنت بوحشية القائمين علي سكان الجزيرة يستمدون أوامرهم من وزارة الداخلية فينفذوها بدقة وإخلاص..
ثم نودي على الإخوان مرة أخرى ليوزع عليهم الضابط الهمام أسماء جديدة .. ولكنها أسماء لنساء صورة من المهانة والتحقير لم تعرفها الإنسانية من قبل .
  ولم يكتف سلومة بهذا القدر من التحقير بل سولت له نفسه أن يأمر أحدهم – أعرفه جيدا يدعى محيي الدين عطية وهو طالب في كلية الحقوق – أمره بأن يضاجع أخا له .. واقشعرت الأبدان – أبدان السجناء كل السجناء – وبكى محيي من فرط الألم واستنكر بشدة أمر الضابط الرفيع . ، لم يكن سليط زكريا محيي الدين لتنال درة من أدميته .. فأوقعته أرضا ومغشيا عليه ..
وتمتمت بصوت خاشع : اللهم أرفع عنهم هذا الكأس وارحم الشهداء – شهداء الإيمان وأعداء الطغاة الآثمين .
الدكتاتورية المطلقة:
أسلوب الحكم البغيض 
عزيزي القارئ .. طالما أني تعرضت في حديثي عن طرق التعذيب وأساليبه التي ابتدعتها مخابرات عبد الناصر وزكريا محيي الدين واتبعها القائمون على السجون في مصر ، فلا بد أن أروي لك قصة تعذيب سجين عرفته الجامعة العربية.
من أنشط رجالها . أنه الأستاذ صالح أبو رقيق الذي كان يشغل منصب رئيس قسم شمالي إفريقيا في الجامعة ، وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين. وكان قد جئ به إلى الليمان مع مجموعة من زملائه أعضاء مكتب الإرشاد ، بعد أن عوقبوا بالشغال المؤبدة من محكمة الثورة ، وجاء معهم أيضا الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان .. والذي خفضت عقوبته من الإعدام للأشغال الشاقة المؤبدة .
أدخلوهم الليمان حفاة وشبه عراة .. ووضعوهم في الدور الثاني من عنبر "1 " أي العنبر الذي أسكنه .. وقد عرضت منهم صديقا قديما هو الأستاذ صالح المذكور وهرعت فورا لمقابلته .. ولكن الضابط المسؤول عن مراقبتهم خيب أملي ، إذ منعني من مقابلته .. وأضاف بأن لديه أوامر مشددة بالنسبة للإخوان ويحظر على جميع المسجونين الاتصال بهم .. ورضخت للأمر وعدت إلى زنزانتي ..
جمعت كل ما فيها من معلبات محفوظة .. لحم وسردين وخضار إلى غير ذلك ، وأرسلتهم لصالح خفية من النوبتجي الذي يقوم على خدمتي . وأرسلت أيضا حذاء خفيفا للمرشد العام .. وفى اليوم التالي التقيت بصالح بعيدا عن الضابط المراقب فشكرني من الأعماق وقدمني للمرشد العام .. وشكرني الأستاذ الهضيبي بدوره أيضا .. ولم استطع الجلوس معهم نظرا للرقابة الشديدة التي كانت قد فرضتها عليهم إدارة الليمان .
وبعد أيام سمح لهم بالخروج إلى فناء العنبر .. حيث أصبح الاتصال بهم أمرا ليس بالعسير وجلست معهم .. وكان صالح يتحدث مع سعد كامل المحامي والدكتور شريف حتاته، وهما من مجموعة الشيوعيين المسجونين في الجزيرة وقلت لصالح:
لقد سمعنا من الزبانية هنا .. إنكم كنتم ضيوفا على الباستيل .. والباستيل كما يعرف جميع المساجين هو السجن الحربي .
وتنهد صالح وقال :
أيوه يا أخي ، كنا بالباستيل ، وأي باستيل .. رحم الله باستيل فرنسا ..
وقلت بالله عليك يا صالح ، اخبرنا ماذا جرى معك شخصيا هناك ؟!..
وقبل أن أترك له مجال التردد ..
قلت مضيفا :
لقد تسربت إلينا أخباركم وأنتم في الباستيل ، بواسطة الزبانية هنا .. إلا أنني أرجو سماع القصة منك بالذات ..
وقال صالح: ماذا أقول ؟ أشياء لا تقال .. ولا يمكن أن يتصورها عقل..
قلت : فليكن .. لقد صممنا على أن نسمع القصة منك على حقيقتها ..
وقال صالح : فتح باب الباستيل الضيق ، فاستقبلوني بلون جديد من الشتائم والسباب .. والسياط أيضا ..
ثم صدرت أوامر حمزة البسيوني قائد السجن الحربي هكذا :
- معك دقيقة من الوقت تتكون بعدها ( عريان زى ما ولدتك أمك !) ..
قلت للجاويش : ولماذا ؟
قال : هنا يا (...).. ؟؟ لا يسأل لماذا ؟ ولم نتعود أن نسمعها من أحد من قبل..  اخلع ثيابك فورا .. وإلا ..
قلت للجاويش : لا داعي لكل هذا التهديد .. سأترك شيئا يستر عورتي فقط! وخلعت ملابسي ولكن " البسيوني " لم يرتح لي .. فأمر زبانيته بإهدار كرامتي .. وحاولت الاحتجاج بشدة .. فتناولتني السياط من كل جانب وبكل غلاظة ، حيث مزقت جسدي وأنهكت قواي .. وغبت عن وعيي ..
وأفقت أخيرا لأجد نفسي في غرفة مظلمة ضيقة يعلو أرضها شبر من ماء .. وبابها موصد .. صنعت خصيصا لهذه الغاية .. غاية التعذيب والإرهاب وقضيت ليلة ليلاء عرفت فيها أبشع صور التنكيل والإجرام .
كنت مرهقا للغاية .. ألتمس هنيهة من رائحة .. ولكن كيف الوصول إلى ذلك .. كيف أنام وفراشي من مياه ولم أستطع الجلوس . وبقيت واقفا أنتفض من البرد وأتلوى من العذاب والألم .. إلى أن جاء الصباح .
أخرجوني من الغرفة منهوك القوى ، لا أستطيع حراكا .. ولكن ليدخلوني هذه المرة في غرفة كبيرة يتدلى من سقفها جنزيران من حديد .. في نهاية كل منهما حلقة حديدية.
وسألت الزبانية .. ألا من راحة ؟
فأجابني أحدهم .. كل الراحة .. إنه وقت الفطور.. سنقدم لك الآن وجبة الإفطار ثم بعد ذلك نتركك لتأخذ قسطا وافرا من الراحة !.. 
واقترب اثنان منهم لوضع قدمي في حلقات الحديد .. وثرت عليهما وعلى هذا التنكيل ببني البشر .. وعلى الثورة البربرية .. وعلى الدكتاتورية ، وعلى الاستبداد المطلق ! واستجمعت قواي وأشبعتهم ضربا .. وازداد عددهم وتغلبوا علي .. ووضعوا قدمي بالحلقات الحديدية ، حيث تدلى رأسي إلى أسفل وشدت قدماي إلى فوق ، وانتظرت تمزيق جسدي بالسياط .. ولكن يا لهول ما فعلوا ..
كم كنت أتمنى الموت .. ولا أرى ذلك ..؟؟
وسكت صالح : وفلتت من عينه دمعه تروي قصة التعذيب والتحقير وهدر الكرامة.
وسادنا الصمت جميعا .. وكان على رؤوسنا الطير .
ثم قطع السكوت الأليم أحدنا ، إذ قال : نحن مسيرون هنا .. فلا تحزن يا أستاذ صالح .. اكمل .
وقال صالح باختصار .. لقد حضروا منفاخا ووضعوا مقدمته في مؤخرتي .. ونفخوني به ، حتى أصبحت تماما كالبالون .. وإما عن الآلام وتقطيع الأوصال .. فحدث ولا حرج .
وقلت لصالح .. شكرا لله على خروجك  من الباستيل حيا .. وكلمات مواساة كثيرة.
ولم يشأ أحد منا بعد ذلك أن يسأل عن بقية وجبات الطعام ..
وقلت لصالح:
أن الخلود لرجال الميادين ..


محتويات الكتاب
  هذا الكتاب
  تقديم
  المذبحة
  استبداد الزعيم وزعامة المضلين
  الطغاة يهدرون دماء الشهداء  ويسومونهم سوء العذاب
  مجزرة القرن العشرين
  الدكتاتورية المطلقة " أسلوب الحكم البغيض "
  الفهرس

دار الأنصار
مكتبة طباعة  نشر توزيع
18 ش البستان ناصية شارع الجمهورية عابدين
ت:931581
انتهى الكتاب



 ملحوظة: نظرا لطول المقال تعذر نشر البريد وننشره في المقال القادم إن شاء الله



[1] - لا يتجاوز متوسط توزيع العدد ألف نسخة ، ثمن النسخة جنيه مصري واحد، ويوزع مع معظم الأعداد كتاب كهدية مجانية، وقيمة الكتاب بأسعار هيئة الكتاب لا تقل عن خمسة جنيهات.. أما مرتب ص ع عن ذلك فيتجاوز 14000 جنيه.. أي أنه بحساب تكلفة الكتاب والصحافيين و.. و.. فإن كل عدد من الصحيفة المهجورة يكلف الأمة المنهوبة أكثر من مائة جنيه مصري.. وكل ذلك لأنه صنيعة الأمريكان والسلطان لتشويه الإسلام..
[2] - المحزن جدا.. أن بعضا من إخوتنا الأفاضل من كتاب الشعب لم يفطنوا لذلك فبادروني بالعتاب عندما كتبت في مقال سابق أن جمال البنا  شقيق للإمام حسن البنا.. لكنه ليس من أهله.
[3] - عادل حمودة- كيف يسخر المصريون من حكامهم- سفنكس للطباعة والنشر.
[4]  - الوصف بتصرف عن فولتير في روايته القصيرة الشهيرة: الساذج- ترجمة عبد الله المشنوق- منشورات دار المقاصد الإسلامية- بيروت.
[5] - القصيمي أيضا هو صاحب الكتاب الشهير: العرب ظاهرة صوتية.
[6] - موقع إيلاف على الشبكة.
[7]  كتاب عملاق الفكر الإسلامي الشهيد سيد قطب  بقلم: الدكتور الشهيد  عبد الله عزام 
[8] - من استن سنة سئة فعليه وزرها إلى يوم القيامة.. في الأسبوع الماضي هاجمت قرية في محافظة المنيا رجال الأمن و أحرقت سيارات الشرطة.. فقبلها بأسوع ذهبت المباحث لإلقاء القيض على أحد شباب القرية.. وبعدها بأسبوع وجد أهله جثته متعفنة في المزارع!!..
[9] - مجلة آخر ساعة العدد 3470 
[10] موقع إيلاف على الشبكة العنكبوتية.

[12] - لقد تحدثت عن مرتب صلاح عيسى في القاهرة.. وهو ضئيل جدا بالمقارنة لما يحصل عليه سواه.. جابر عصفور مثلا يحصل على ربع مليون جنيه سنويا  من وزارة الثقافة فقط (  وهناك غيرها ) مقابل نشر الكفر والعهر والتطبيع.. كما أن مرتب رجال الإدارة العليا ومنهم رؤساء الجامعات ومدراء الأمن ورؤساء الهيئات خاصة اإعلامية يتجاوز مرتب الواحد منهم 300000 جنيه شهريا.. نعم.. بالأرقام ثلاثمائة ألف جنيه شهريا.. وهذا ليس ثمن " عمل" بل ثمن بيع دين وأمة..
[13] - الوفد- 6 أبريل 2002.
[14] - أخبار الأدب 28-12-2003 .
[15] - نفس منهج الحكومة السعودية في إخراج مناسك الحج خارج الحرمين  وكأنها ديكور فيلم ليوسف شاهين.. والأمر يحتاج لمقال طويل ليس مكانه ههنا.. ومرحبا بأي مشقة في الحج إلا أن تكون هذه المشقة مصنوعة من الأجهزة السعودية. من ذلك أنه لا يوجد جندي ينظم مرور الحجيج في رمي الجمرات فتراهم يتدافعون في كل اتجاه بلا نظام وهو ما ترتب عليه في العام الأخير سقوط عشرات من الحجيج شهداء..و أظن أن الحكومة السعودية ملزمة بدفع الدية لهم.. ومن أوجه القصور أيضا: عدم النظافة والنظام بصورة مذهلة في مني.. وكذلك أزمة دورات المياه و الأزمة في المواصلات خاصة بين منى ومكة.. حيث تقوم الحكومة بتعطيل وسائل المواصلات العامة في تصرف مذهل في لا منطقيته بحجة إتاحة فرصة للرزق لأصحاب التاكسي!!..
[16] منذ أيام كنت أشاهد ولي العهد على التلفاز يلقي أوامره للمسئولين أن يطاردوا الإرهابيين في كل مكان بلا رحمة ولا شفقة و أن يأتوا بهم إليه شخصيا..وذهلت.. فماذا يفعل ولى العهد بهؤلاء الآلاف أو حتى المئات.. هل سيذبحهم ليقدمهم وليمة لضيوفه؟!.. ولقد سبقه في ذلك الإنجليز.. حين قدموا لآخر ملك هندي مسلم على مائدة الطعام: رؤوس أبنائه.
[17]- مذاهب فكرية معاصرة- الأستاذ محمد قطب- دار الشروق.
[18] - ( إلا إذا نجحت المحاولات الدائبة للدكتور محمد سليم العوا كي يسحب البساط من تحت قدميه .. ليحل محله!)..
[19] - وتلك نقطة أنبه القراء إليها.. خاصة أولئك الذين يعتمدون على الشبكة العنكبوتية كمصدر رئيسي للمعرفة.. لأنه يتم الآن تزييفها.
[20] - آفاق عربية – 16-6-2004

https://www.dropbox.com/…/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1%20%D9%84…


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق