الجمعة، 26 أكتوبر 2018

نحن السعوديون لن نصمت عن قتل جمال خاشقجي

نحن السعوديون لن نصمت عن قتل جمال خاشقجي




المصدر
الواشنطن بوست تنشر المقال مترجماً للعربية
 (كماكانت تفعل في مقالات جمال رحمه الله):
قُتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. من الواضح أن أناساً في الحكومة السعودية كانوا يرغبون بقوة أن يسكتوه وأن يخفوا أي أثر له، لكن كلمات جمال خاشقجي اليوم أقوى وأوضح من أي وقت مضى. ونحن، أصدقاءه السعوديين، لن نبقى صامتين.
كان خاشقجي صديقاً ألجأ إليه لطلب النصيحة. في الواقع أنا أكتب هذا المقال استجابة لنصيحته، لكنني لم أتوقع أن أكتبه بمناسبة مقتله-رحمه الله-. حدثني خاشقجي يوماً عن ضرورة أن ألفت الانتباه لقصة الشاعر والناشط السعودي د. عبد الله الحامد، الذي يقضي هو وأصدقاؤه حكماً طويلاً في السجون السعودية لأنهم طالبوا بمملكة دستورية تكرّس حكماً ديمقراطياً، وتحفظ في الوقت نفسه مكانة العائلة الحاكمة.

عندما غادر خاشقجي السعودية في العام ٢٠١٧، قرر أن يدافع عن أولئك الذين تم اعتقالهم بسبب آرائهم السياسية، وكان لديه اهتمام خاص بالأشخاص الذين نمت تطلعاتهم بمجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان إثر ثورات الربيع العربي، مثلما حصل له تماماً.
في أول مقال ينشره خاشقجي في صحيفة الواشنطن بوست في أيلول/ سبتمبر من العام 2017، كتب:أقوم الآن باختيار مختلف، لقد تركت بلادي، عائلتي وعملي، وقررت أن أرفع صوتي. أؤمن بأنني لو لم أفعل ذلك سأكون خائناً لأولئك القابعين في السجون. فأنا أستطيع أن أرفع صوتي في الوقت الذي لا يستطيع الكثيرون أن يفعلوا الشيء نفسه”.
لقد تركتُ بلادي السعودية في الفترة نفسها التي غادر فيها خاشقجي في تموز /يوليو من العام 2017. تم اعتقال والدي سلمان العودة بسبب نشاطه وتغريداته على موقع تويتر، فيما يطالب النائب العام في السعودية بعقوبة الإعدام ضده في ٣٧ تهمة مرتبطة بمزاعم علاقته مع “معتقلين ” ودعمهم علناً، إضافة لنشاطه في تويتر.
مثلما تم منع ١٧ فرداً من أفراد عائلتي من السفر، أخبرني خاشقجي مرة أن عائلته قد منعت من السفر أيضاً. بعدها بأشهر قليلة، رفَضَتْ السفارة السعودية تجديد جواز سفري بحجة أن “خدماتي موقفة في المملكة”. لاحقاً، طلب مني مسؤولون أن أعود إلى السعودية، وعرضوا عليّ ورقة عبور مؤقتة
كان خاشقجي منزعجاً جداً من القمع الذي تعرّضت له شخصيات سعودية في أيلول/ سبتمبر من العام ٢٠١٧. لم يكن يُنْظر إلى الكثير من هذه الشخصيات العامة على أنها شخصيات معارضة. وقد كان خاشقجي منزعجاً بشكل خاص من اعتقال الاقتصادي عصام الزامل، الذي انتقد خطة الاكتتاب العام الأولي لشركة أرامكو السعودية. الزامل كان في الولايات المتحدة الأمريكية ضمن وفد حكومي قبل اعتقاله مباشرة.
تم تحويل قضية عصام إلى المحكمة الجزائية المتخصصة هذا الشهر، وتضمنت التهم الموجّهة إليه بحسب وكالة رويترز الإخبارية “الالتقاء بدبلوماسيين أجانب” و “الانضمام إلى منظمة إرهابية”- المقصود هنا هو الإخوان المسلمين- وهي تهمة توجه إلى الكثير من الشخصيات العامة الناقدة والمستقلة في السعودية.
اختار أولئك الذين اعتَـقلوا عصام وغيره من النخب والشخصيات العامة داخل السعودية في أيلول/سبتمبر من العام ٢٠١٧ وبعده، واستهدفوا الأصوات البارزة في الخارج مثل خاشقجي، اختاروا إسكات الأصوات المعتدلة التي تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير. هذه الأصوات هي التي قامت بكشف حقيقة “الإصلاحات” التي روّجت لها السعودية، ووضعت المملكة أمام اختبار حقيقي في مدى احترامها لأبسط قواعد المجتمع الحر.
عندما تم سؤال خاشقجي عن عودته للسعودية أجاب “سأعود عندما يعود سلمان العودة إلى منبره، عندما يعود عصام الزامل إلى نشاطه في موقع تويتر، عندما يعود عبدالله المالكي إلى كتاباته حول محاسبة المسؤولين والحكام”. 
يقصد خاشقجي كتاب المالكي سيادة الأمة الذي انتقد فيه مفهوم” تطبيق الشريعة” الذي تستخدمه الحكومة السعودية لتحجيم الحريات الأساسية ومبادئ حقوق الإنسان.
يرى المالكي أن السيادة وحرية الاختيار هي حقوق أساسية للمواطنين ويجب أن تكون إطاراً عاماً لأي تطبيق للشريعة. فالعدالة وحرية الاختيار يجب أن تأتي أولاً. تم إسكات هذا الخطاب داخل المملكة لأنه يطرح أسئلة حول الحكم المطلق والديكتاتوري، ويشكك في الرغبة الحقيقية وراء الإصلاحات الشكلية والجزئية. تم تحويل قضية المالكي إلى المحكمة هذا الشهر أيضاً بتهم شبيهة بالتهم التي تم توجيهها لغيره من النشطاء، ومنها “علاقته بالأشخاص الذين نادوا بالإصلاح الدستوري في السعودية” بحسب أشخاص مقربين منه.
عندما غادر خاشقجي السعودية، تنباً بحجم الأخطار المصاحبة للسلطوية المطلقة ، لكنه لم يتوقع أبداً أن يكلفه كفاحه ضد الاستبداد حياته. يقبع جمال في قلوب وأذهان الكثيرين، وسنحرص على أن يبقى حياً إلى الأبد. نحن، أصحاب الأصوات المطالبة بالإصلاح الديمقراطي في السعودية وحول العالم، لن نصمت ولن نخشى التهديدات. إذا كان هدف الجناة الذين قتلوا جمال هو تخويف وتهديد الأصوات الناقدة والتي تطالب بالحريات وحقوق الإنسان في السعودية، فليعلموا بأنهم صنعوا من جمال شهيداً لقضيتهم. وأنهم لن يتوقفوا عن المطالبة بالإصلاح في السعودية وفي باقي الدول العربية.

عبدالله العودة: "نحن السعوديون لن نسكت أبدا على موت خاشقجي"



ترجمة وتحرير: نون بوست
تم قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. ولابد أن أولئك السعوديين كانوا يريدون بشدة إسكات صوت خاشقجي، ومحو أي أثر له، ولكن كلماته أصبحت الآن أقوى وأوضح من أي وقت مضى. ونحن، أصدقائه السعوديين، لن نصمت أبدًا.
لقد كان خاشقجي صديقا ألجأ إليه للحصول على المشورة والنصح، وكنت باقتراح منه قد كتبت هذا المقال، ولكن لم أعتقد أبدا أنه سينشر بمناسبة وفاته. لقد أخبرني خاشقجي مرة أننا يجب أن نلفت الانتباه إلى أعمال وأنشطة عبد الله الحميد وأصدقائه، الذين يقضون أحكاما مطولة في السجن في المملكة العربية السعودية، لأنهم طالبوا بنظام ملكي دستوري، سوف يحقق استقرار النظام السياسي ويرسي الديمقراطية مع احترام العائلة المالكة. وعندما غادر خاشقجي المملكة السعودية في 2017، قرر أن يدافع عن أولئك الذين تم اعتقالهم لأنهم يحملون آراء مختلفة، وقرر بشكل خاص الدفاع عن أولئك الذين هم كانوا مثله يحملون آمالا أثناء الربيع العربي، بتحقيق الحريات وحقوق الإنسان.
في أول مقال له مع صحيفة واشنطن بوست، في أيلول / سبتمبر 2017، كتب خاشقجي: "لقد اتخذت خيارا مختلفا الآن، لقد غادرت بيتي وعائلتي ووظيفتي، وأنا الآن أرفع صوتي. وقيامي بأي شيء آخر سيكون خيانة لأولئك الذين يقبعون في السجون فأنا يمكنني التكلم بينما هناك كثيرون لا يمكنهم ذلك". وكنت قد غادرت وطني في نفس الفترة تقريبا التي غادر فيها خاشقجي، في تموز /  يوليو 2017. ووالدي سلمان العودة تم اعتقاله بسبب تغريداته ونشاطه، ويسعى المدعي العام السعودي الآن لاستصدار عقوبة بالإعدام ضده، على خلفية 37 تهمة مرتبطة بادعاءات الانتماء السياسي والمساندة العلنية للمعارضين السجناء.
عندما غادر خاشقجي المملكة السعودية، كان يستبق الممارسات الخطيرة للدكتاتورية، ولكنه لم يشعر أبدا بأن كفاحه ضد الطغيان سوف يكلفه حياته
بنفس الطريقة هناك 17 فردا من عائلتي يخضعون لقرار منع السفر، وقد أخبرني خاشقجي ذات مرة أن عائلته منعت من السفر أيضا. وبعد بضعة أشهر، رفضت السفارة السعودية تجديد جواز سفري، بحجة أن خدمات السجل المدني الخاصة به متوقفة في المملكة. ولاحقا طلب مني مسؤولون سعوديون أن أعود إلى بلدي، وعرضوا عليا إذن سفر مؤقت.
كان خاشقجي منزعجا من الحملة التي تعرضت لها الشخصيات العامة في  أيلول / سبتمبر 2017. فكثيرون من هؤلاء لم يكن ينظر إليهم أصلا على أنهم معارضون، وقد انزعج خاشقجي بشكل خاص من اعتقال عصام الزامل، وهو خبير اقتصادي انتقد خطط الطرح الأولي لشركة أرامكو السعودية، وكان رفقة وفد حكومي في الولايات المتحدة قبل وقت قصير من اعتقاله. وقد تم إحضار عصام إلى المحكمة خلال هذا الشهر، ووجهت إليه تهم "التقاء دبلوماسيين أجانب والانتماء لتنظيم إرهابي"، بحسب ما نقلته وكالة رويترز. ومن خلال هذه العبارة يقصد السعوديون الانتماء للإخوان المسلمين، وهي تهمة درجوا على استخدامها ضد كثيرين من المنتقدين والشخصيات العامة المستقلة.
أولئك الذين سجنوا عصام وباقي الشخصيات العامة والمثقفين داخل المملكة، بداية من  أيلول / سبتمبر  2017 وإلى الآن، واستهدفوا الأصوات البارزة في الخارج مثل جمال خاشقجي، اختاروا أن يسكتوا الأصوات المعتدلة، التي تدعو للديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير. فقد كانت هذه الأصوات هي التي فضحت حقيقة "الإصلاحات" التي كان يتم الترويج لها، ومثلت اختبارا لأبسط أبجديات المجتمع الحر.
عندما سئل خاشقجي حول الموعد الذي قد يعود فيه إلى السعودية، أجاب بالقول: "عندما أرى سلمان العودة يعود إلى منصته، وأرى عصام الزامل يعود إلى نشاطه في تويتر، عندما أرى عبد الله المالكي يعود إلى كتاباته حول محاسبة حكام الأمة". كان خاشقجي هنا يقصد كتاب ألفه المالكي بعنوان "سيادة الأمة"، انتقد فيه تطبيق نظام الشريعة الذي تعتمده الدولة السعودية من أجل انتهاك أبسط حقوق الإنسان والحريات في المملكة.
إذا كان مرتكبو هذه الجريمة قد أرادوا تهديد وإخافة أولئك الذين يتكلمون ويعارضون ويطالبون بالحريات وأبسط حقوق الإنسان في المملكة السعودية، فإنهم جعلوا من جمال شهيدا في سبيل الكفاح من أجل مملكة سعودية أفضل، وعالم عربي أفضل.
يرى المالكي أن السيادة وحرية الاختيار للشعب هما أمران ضروريان، ويجب الاعتماد عليهما كإطار لأي تطبيق للشريعة. إذ أن العدالة والحرية يجب أن تكون من الأولويات على حساب كل شيء. وهذا الخطاب تم إسكاته داخل المملكة السعودية، لأنه يسائل السلطة المطلقة والدكتاتورية، ويتحدى نوايا الإصلاحات الجزئية والسطحية. وبحسب أشخاص مقربين منه، فقد تم إحضار المالكي أيضا إلى المحكمة خلال هذا الشهر، ليواجه تهما مماثلة لتلك الموجهة للآخرين، من بينها علاقته بالناس الذين طالبوا بإصلاحات دستورية في المملكة السعودية.
عندما غادر خاشقجي المملكة السعودية، هو كان يستبق الممارسات الخطيرة للدكتاتورية، ولكنه لم يشعر أبدا بأن كفاحه ضد الطغيان سوف يكلفه حياته. وجمال موجود الآن في قلوب وعقول الكثيرين، وسوف يبقى حيا إلى الأبد. ونحن، كأصوات مطالبة بالقيم الديمقراطية في المملكة السعودية وغيرها من البلدان، لن نصمت أبدا أو يرهبنا التخويف والتهديدات. إذا كان مرتكبو هذه الجريمة قد أرادوا تهديد وإخافة أولئك الذين يتكلمون ويعارضون ويطالبون بالحريات وأبسط حقوق الإنسان في المملكة السعودية، فإنهم جعلوا من جمال شهيدا في سبيل الكفاح من أجل مملكة سعودية أفضل، وعالم عربي أفضل.
المصدر: واشنطن بوست
 "كلماته لم تختف"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق