أكتوبر الذي لا يعرفه السيسي
ليس معنى أن نظام عبد الفتاح السيسي يبتذل معنى الانتصار في معركة أكتوبر/ تشرين أول 1973، ويحوله إلى زفّة رخيصةٍ للتزلف إلى العدو، أن تهتز ثقة المواطن المصري في نفسه، وفي تاريخه ومنجزه الكبير حين عبر من الهزيمة إلى النصر.
وليس معنى أن الإنجاز الكبير للشعب المصري، وجيشه، تحول إلى إنكسارٍ على موائد السياسة، وجرى توظيفه لخدمة مشروع الانبطاح والتبعية لمن أراقوا الدم ولوّثوا الأرض، أن نشعل النار في تاريخنا، ونهين أنفسنا، ونلقي انتصارنا من النافذة، أو نثير الغبار حول ما تم.
نعم، حاربت مصر الحقيقية في العام 1973 وعبرت، وانتصر الشعب على منطق الهزيمة، ودفع جيشه إلى العبور، في ملحمةٍ شارك فيه الجميع، وعاشها الجميع حلمًا عصيًا يتحقق.
حارب الفلاح في أرضه، وناضل العامل في المصنع، وانتفض الطالب في الجامعة، في مشروعٍ وطنيٍّ جامع لرد الكرامة والثأر من الهزيمة.
هذا كله عايشناه واقعًا، وعرفناه يقينًا يولد أمامنا، لمسناه في عودة الجنود منصورين، أو شهداء أو جرحى.. رأيناه في عيون الأمهات اللاتي ينتظرن رجوع الأبناء بالعيد، وسمعناه في ابتهالات الشيوخ والدعاء بالنصر، ولمحناه في أناشيد الأطفال وأيام تعطيل الدراسة، لأن الوطن يخوض معركة العبور.
لا يهم أن مصر محكومةٌ الآن بمن لا يعرفهم انتصار أكتوبر، ولا يعرفونه، ولا يزعزع اليقين بالإنجاز الذي تحقّق أن السياسة باعته في أول فاترينة عرض، أو أن السياسيين ضاربوا به في بورصة التسوية المذلّة، فالحاصل أن مصر حاربت بصدقٍ وببسالةٍ وبإيمانٍ بقدسية التراب وأحقية رد الإهانة.
لا يهم إن كان الذين يحكمون الآن يبيعون ويفرّطون في الأرض التي تشرّبت بالدماء الطاهرة، ويسجنون المحاربين القدماء، لأنهم يدافعون عن التراب الوطني، ويصنّفون الذين يرفضون التنازل خونة وعملاء.
هذا عيد للانتصار، يحق لكل مصري وعربي أصيل أن يحتفل به، ولا يثنيه عن ذلك أن من يحكم مصر يعلن احتقاره لمفهوم الدفاع عن الوطن، من خلال مطاردة الذين شاركوا في المعركة واعتقالهم.
هنا يصبح من الوقاحة أن تدّعي هذه السلطة انتسابها لأكتوبر العظيم، بينما سامي عنان رئيس أركان الجيش الذي حارب ضد العدو يقبع في سجن الانقلابيين الآن، لأنه تجاسَر وأعلن رفضه سياسات التخلّي عن أرض مصر، بالبيع والتنازل، كما أن ضابط الصاعقة الذي حارب في ملحمة العبور، معصوم مرزوق، يتعرّض للموت داخل زنزانته. بتهمة الاحتجاج على بيع جزيرتي تيران وصنافير، ورفض استيراد الغاز الصهيوني، ناهيك عن مئات الشباب القابعين في السجون، لأنهم ناضلوا، سلميًا، ضد التنازل عن الأرض والعبث بخرائط الوطن.
وكما قلت سابقًا فإن أكتوبر كانت حرباً خاضها رجالٌ، لم يكن منهم بالطبع من تعتبره إسرائيل رجلها وهدية السماء لها.. كانت أكتوبر ضد إسرائيل، وكل ما يفعله الجالس في مقعد الحكم الآن يحقق مصلحة الصهاينة. وعلى هذا، فإن أكتوبر كانت مشروعًا وطنيًا ضده وضد إسرائيل، فبأي وجهٍ يحتفل به، أو يتحدّث عنه؟.
إنهم يمعنون في إهانة ذكرى الانتصار بالعبث في تواريخه، فيعلنون السابع من أكتوبر، وليس السادس منه، إجازة رسمية للاحتفالات الزائفة، في إجراءٍ لا تجد له مثيلًا في العالم: أن تبدل حكومة في مواعيد انتصاراتها التاريخية، تأجيلًا أو ترحيلًا، فهذا لا يعني إلا الازدراء الكامل للمعنى والإنكار للجوهر الأخلاقي في الذكرى.
على الناحية الأخرى، ليس أسوأ من أن تسحب موقفك من نظام عبد الفتاح السيسي على تقييمك ذكرى أكتوبر، فتهيل عليها التراب أو تخجل من الاعتزاز بها، فقط لأن عسكر السيسي يهينون البلاد والعباد، أو أن العدو يمارس لعبته، ببراعة، في تسميم وجدانك، وتلويث ذاكرتك بحكاياتٍ تنزع عن النصر قداسته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق