أردوغان.. ليس دراكولا!
سليم عزوزأنت تريد من "أردوغان" أن ينتصر لك، وأن يأتي لك بثأرك من خصومك، وإلا فهو مهزوم، وفي هزيمته يرضيك؛ لأن الهزيمة قدر، فلست وحدك من هُزم، فالرياح العاتية لا يملك أحد التصدي لها، وقد اقتلعت "أردوغان" كما اقتلعتك من قبل!
تريد من "أردوغان" أن يخوض معاركك بالنيابة، وأن يدخل معركة مع الدوائر الإقليمية والدولية، التي تآمرت عليك من قبل، وإلا فهو مقصر ولا مبرر لأن يظهر شامخاً، أو أن يبدو متماسكاً، فلا بد من أن ينهار كما انهرت أنت من قبل؛ لأن قوته دائماً تستغل في الدعاية ضدك!
مطلوب من "أردوغان" أن يعلن الحرب على السعودية والإمارات، وأن يقاتل الرافضة في إيران، وأن يهدم البيت الأبيض (رأس كل خطيئة)، وأن يدفع بقواته ليسقط الأسد في سوريا.
"أردوغان" ليس هولاكو، وهو ليس خليفة المسلمين، أو المعتصم الذي كان خليفة أيضا، وإذا كان يلمح إلى زمن الخلافة، فلأمر يخصه، ويداعب عواطف شعبه، وبما يمثل هوية بديلة لبلاده ومرجعية لها. لكنه في الواقع ليس خليفة، وليس سلطان المسلمين، وفي الحقيقة فهو يرأس دولة، لها حدود وتحكمها مصالح، وأنت تطلب منه ما لم تطلبه من حزب الإصلاح في اليمن في علاقته بآل سعود!
لا تمثل الخلافة عندي أي قيمة دينية، إلا من خلال ما أنجزته من حضارة؛ مثّل خصماً منها أنها في سنوات طويلة من تاريخها كانت ملكاً عضوضاَ، لكن في المقابل فإني لا أحسب هزيمتها انتصاراً لي على المستوى الوطني، فلم تكن مصر التي انتصرت مثلا على دولة الخلافة، لكن من انتصر بسقوطها هو الاستعمار الأجنبي، الذي تمدد على أنقاضها!
فلا يستمد "أردوغان" قيمته عندي من كونه يداعب الخيال بفكرة الخلافة، لكن في عمله على الاستقلال الوطني لبلاده، فلم يقبل الدنية في أمره. ومثله عندي في هذه النقطة كمثل زعيم فنزويلا شافيز، الذي تآمر عليه الأمريكان، وحرّضوا عليه الجيش فعزله وأدخله السجن، لكن الشعب أوقع هزيمة بعناصر جيشه من العملاء للمخابرات الأمريكية وأعادوه إلى سدة الحكم، بإرادة شعبية لم ترفع الراية البيضاء لتدخل الجيش في الحكم!
ولم يكن "شافيز" سلطاناً، كما أنه لم يكن يدغدغ مشاعرنا الجياشة بعودة الخلافة، فكل منهما رمز للتحرر الوطني، كل بطريقته وفي حدود قدراته، وكل منهما نجح في أن ينال ثقة شعبه فيهزم المؤامرات الدولية عليه!
عندما وقعت جريمة قتل "جمال خاشقجي" تمنى البعض أن تعلن تركيا كل ما لديها من معلومات دفعة واحدة لتروي شغف المراقبين، وتعلن قطع العلاقات مع السعودية، إن لم تعلن الحرب عليها، في حين أن من هزمتهم السعودية وجهاً لوجه في موقعة 30 حزيران/ يونيو وما بعدها في مصر، لم يفكروا في الإساءة إليها ولو بشطر كلمة، لكن مطلوب من "أردوغان" أن يقوم بهذا نيابة عنهم، فإن نجح فقد "شفى غليلهم"، وإن فشل، فهذا مفيد للإيعاز بأن الهزيمة قدر، فليس لأحد أن يتحدث عن هزيمتهم هم، فقد هُزم السلطان، وهم ليسوا بسلاطين!
في بداية الأمر ناورت تركيا بما لديها من معلومات عن الواقعة، وبما ليس في حوزتها، وسربت معلومات لوسائل الإعلام، ربما لم تكن دقيقة، وذلك في إطار المناورة، وكان واضحاً أن الجناة في المملكة العربية السعودية لم يأبهوا بها، ولا يريدون التعاون، بل وصل بهم الحال حد تفكيرهم في إلقاء مسؤولية إخفاء "جمال خاشقجي" على عاتق السلطات التركية، وكانت الدعاية أنه قتل بأيد تركية وقطرية وإخوانية!
ولم ترق لنا فكرة تسريب المعلومات بالقطارة، فلم تشف غليلنا، لكن تركيا تحركت في اتجاه جمع المزيد من المعلومات والإمساك بخيوط الجريمة، وبدا العالم في الخمسة أيام الأولى غير مكترث بالأمر، وهناك كانت الخطة بمزيد من التسريبات التي لم نعرف الصحيح منها وما يدخل في إطار المناورة، لكن الدنيا انقلبت رأساً على عقب، وتحرك العالم بإعلامه ومنظماته ودوائر حكمه للتنديد بالجريمة، ولم يكن بمقدور ترامب أن يتجاهل الأمر، وهو أكبر مرتش في التاريخ، فندد وأدان. وكان الجمهوريون في الولايات المتحدة الأمريكية هم أعلى صوتاً من الديمقراطيين في التنديد والإدانة، وهكذا انقلب العالم على محمد بن سلمان، لكن البعض يتحدث عن أنه قد تتم المقايضة، فالمصالح تحكم العالم.. وهذا صحيح!
هذه القضية تمثل أساساً للإطاحة بحكم سلمان وولده، لكن "أردوغان" لا يحكم العالم، و"ترامب" يمكن أن يبيع شرف أمه بالمال السعودي. فعزل القاتل يستدعي أن يتحرك الشعب السعودي، أو أن تتحرك العائلة المالكة، وستجد العالم كله يؤوب معها، ولا يمكن لترامب أن يقدم على هذا بدون تحرك الشعب أو العائلة، فمصالحه مع محمد بن سلمان، ويعرف كيف يتعامل معه!.. فالقاعدة المعمول بها: ادفع لنحميك، ولا يوجد أحد في تاريخ الحكم السعودي لديه قدرة على الدفع وقبول الدنية كما سلمان وابنه محمد!
"أردوغان" ليس زعيم عصابة، وليس مطلق اليد، فهو محكوم بالقانون الدولي وبالأعراف الدبلوماسية، ولا يمكنه تفتيش القنصلية أو بيت السفير إلا بقرار سعودي، وهو إن فعل فليس مضموناً أن يعثر على الجثة. كما ليس بمقدوره القبض على القنصل السعودي إلا إذا رفعت السعودية حصانتها الدبلوماسية عنه، ولا نعرف ما إذا كان التهديد عبر التسريبات بأنها تملك تسجيلات خاصة بهذه العملية صحيح أم مناورة، لكن في جميع الأحوال هي مشكلة، فلو كانت فعلاً تملك هذا الدليل لما أمكنها إخراجه بسهولة؛ لأنه يمثل تأكيداً على قيامها بالتجسس على السفارات الأجنبية بما من شأنه الإضرار بوضعها كدولة!
وظني أن هذا الإعلان مثله مثل تأكيد الإدارة الأمريكية أن الاستخبارات هناك تملك تسجيلات بين مسؤولين سعوديين يخططون فيه لعملية استدراج "جمال خاشقجي" وقتله، فهذا تصريح للمناورة، لإجبار الجانب السعودي على التعاون، أو ابتزازه لحمله على الدفع!
المؤكد أن تركيا لديها قرائن ترتقي إلى مرتبة الدليل تشير إلى الجناة، وهي تحتاج إلى تحقيق دقيق، بمعاونة دولية، وبحرص غربي على ذلك، للإمساك بالقاتل، وهي في سبيل هذا قد تجد في التعاون الأمريكي فرصة، لتجاوز الخلافات مع ترامب التي أربكت الاقتصاد التركي، ويفرج عن القس الأمريكي أساس المشكلة، لكنه هنا لن يفرج عنه رضوخاً، فترامب تأكد من أن "أردوغان" ليس هو الذي يهزه تهديد أو يخضعه بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض!
المصالح المرسلة قد تحد من أداء أردوغان في غياب الحضور الدولي، فلا يمكنه أن يتجاهل العلاقات الاقتصادية التي تربط بلاده بالرياض، وه التي جعلته يبلع تواطؤ السعودية بالصمت في محاولة الانقلاب الفاشلة عليه، وتحول إعلامها إلى بوق يبشر بنجاح الانقلاب، ومؤامرتها بمساعدة الأكراد!
ولا شك أن دخول روسيا على الخط بمده بمعلومات في ليلة الانقلاب عن الدور الأمريكي، قد ساهم في محاولة تقويضه، مع أن علاقته مع موسكو لم تكن على ما يرام، وقد بدأت علاقة قائمة على المصالح بعد ذلك ساعدت في الوقوف في وجه أمريكا ومخططاتها.. لكن نحن لا نقبل من أردوغان بأقل من أن يعلن الحرب على الأسد وإسقاطه وتسليم السلطة لجبهة النُصرة، أو ما يقرر "الإخوة" اختياره للحكم! ويعلن الحرب على روسيا وعلى الروافض في طهران وضواحيها.
ومع أن العلاقات الدولية تقوم على المصالح، وأن دستور تركيا ينص على أن سياستها الخارجية تقوم على "الواقعية"، فإنه يفتح بلاده للمضطهدين، ويقطع علاقته مع عبد الفتاح السيسي رغم المقاطعة بمصالح بلاده، لكنك تطلب منه أن ينتصر لك في معاركك وبالنيابة عنك!
"أردوغان" ليس سلطان المسلمين، وليس دراكولا مصاص الدماء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق