صناعة الهذيان من السيسي إلى بن سلمان
هي المشاهد ذاتها تتكرّر من دون تغيير، لا فرق بين مؤتمرات عبد الفتاح السيسي الشبابية ومؤتمرات محمد بن سلمان الاقتصادية، زحام من المصفقين يضبطون أكفّهم وحناجرهم على وقفات ولزمات محدّدة في أثناء خطاب الزعيم، يطلقونها، مبتذلًة ومبالغًا فيها، داخل قاعات فخيمة، تنقل إلى الجمهور على الهواء مباشرة.
يتحدّث الزعيم باعتباره صاحب أعمق رؤية وأخف دم وأكثر دراية بما نريده من المستقبل، وما يريده المستقبل منا، يطلق النكات والقفشات، ويضحك عليها، في قهقهةٍ عالية، قبل أن تصل إلى المتلقي، فهو وحده صانع البهجة والضحكة، وناحت الإيفيهات الذي لا يشقّ له غبار.
يحدّثونك عن المستقبل، بينما هم يسفكون دم الحاضر، ويعيشون بقيمٍ تنتمي إلى ماضٍ سحيق، لم تكن فيها البشرية قد عرفت طريقها إلى الحضارة بعد، هذا شخصٌ يعيش بقوانين وقيم سنة 530 ميلادية، ويحدثك عن رؤيته لسنة 2030 والعالم، المنافق الصفيق، يصفق له، ليصبح منطق الصفقة/ التصفيقة هو السيد والمعيار.
يكلمونك عن النهوض بالمجتمعات البشرية، بينما هم غارقون في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، راسمين صور لأوطانٍ بلا مواطنين، بلا إنسان، فها هي أشلاء الشهيد جمال خاشقجي لم يعرف مكانها حتى اللحظة، بينما هم يعرفون أدقّ تفاصيل خرائط المستقبل وعلامات الطريق إليه.
في المقتلة الدائرة منذ خمس سنوات لا اعتبار للإنسان، لا احترام للعقل ولا حرمة للدم، ومع ذلك يتسربلون في أزياء رسل الإنسانية، مبشّرين بالرفاهة والتقدّم والرخاء، في شرق أوسط جديد سينتزع الريادة من أوروبا ويصبح جنة على الأرض.
يحاولون إقناع الناس بأن الجنّة يمكن أن تنشأ فوق أنهار من الدم المراق، بلا ذنب، إلا الحلم بأوطانٍ تليق بالبشر وتحترم جوهر وجودهم، فيحصدون رؤوس كل مطالب بالإصلاح ومدافع عن قيمة الحرية، بوصفها الخط الفاصل بين الإنسان، وما دونه من موجوداتٍ لا تعي ولا تفكر ولا تلامس حافة الحلم.
تشعر أن الطغاة جميعًا يغرفون من وعاء واحد، يجلسون بين خبير تجميل واحد، وأستاذ تخاطب واحد، ينصحهم بافتراس الجماهير بوعودٍ ورديةٍ ونكاتٍ مفرطةٍ في السماجة، في خلطةٍ مزيفة من ادّعاء السذاجة واحتكار المعرفة، حتى تكاد الأقوال والقفشات تتكرّر بين من تحدّى الناس قبل خمس سنوات بأن مصر ستكون "قد الدنيا" ومن يتحدّى الآن بشرق أوسط أكبر وأعلى من الدنيا كلها.
يردّدون كلامًا كبيرًا عن العدالة والديمقراطية، وأن أحدًا ليس كبيرا على المحاسبة، والمساءلة، بينما جرائمهم إذا أخطأ، حتى لو كان هو شخصيا.. بينما جرائمهم لا تزال ممتدّة وحرابهم لا تزال مغروسة في صدور ضحاياهم.
يقدّمون أنفسهم خدامًا للشرق الأوسط، هذا الشرق الذي يُدار بالرؤية الصهيونية، وترسم جغرافيته بالخطوط الإسرائيلية، منذ أعلنها شيمون بيريز صريحةً قبل عقود، فهنا الملاذ الآمن لكل مستبد من شعوبٍ تطلب الكرامة والإنسانية، تطلب الحياة، بوصفهم بشرًا لا قطيعًا من السائمة.
لا يريد أحدٌ منهم أن يستوعب أن الأمم لا تذهب إلى المستقبل سباحةً في مستنقعات الدم، وأنه من دون انعتاقٍ من كهوف الماضي المظلم، بفساده ودمويته، لا يمكن لأحدٍ أن يصدق أنهم مؤهلون لوضع رؤىً لحياة أفضل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق