قفا نضحك من بلوى رئيس وموطني
أحمد عمر
"الشعر ديوان العرب"، ولم يعد، فللعرب المعاصرين دواوين أخرى، أحدثها "الكوميكس". قال العرب ملايين القصائد، ومن اشتغل على الفقه والعلم والأدب قال الشعر أو قرضه، وأدركتُ أقوامًا نجت من مجازر حافظ الأسد. كانوا يقولون من الشعر البيت والبيتين، ثم انقرضوا بعد أن صارت سكنا في المساكن العشوائية. ثم أشاعت السلطات الحاكمة العربية الشعر الحديث لإبادة اللغة وتجفيف بحور الشعر والماء، حتى وجدت أميين يكتبون الشعر الحديث، ثم انتشر "الكوميكس" مع وسائل التواصل الاجتماعي وعصر الصورة. ويقابل "الكوميكس" الحديث شعر الهجاء القديم، ومن عرف بعض علوم الفوتوشوب وآلاته، وكان له حظ من الظُرف صار من فحول الكماكسة.
والقارضون المعاصرون يتّخذون الصورة من الفلم، فهي تشبه مطالع الشعر العربي القديم، وأشهر مطالع الشعر العربي: قفا نبك، لأمرئ القيس، الذي وقف واستوقف وبكى واستبكى، ويا دار مية ويا دار عبلة .. لكن من يستطيع الاقتراب من دار أليسا المناضلة أو دار نانسي؟
وأشهر مطالع الكوميكس المعروفة هي لعادل إمام وزملائه من أصحاب المعلقات الكوميدية. اقتدت الكماكسة بهم، فوقفت كثيرًا على أطلال مسرحيات "مدرسة المشاغبين" و"العيال كبرت" وغيرهما، وفي السينما العالمية سعة ومضطرب واسع بالطول والعرض، فليتهم لم يكبُروا ولم تكبُر البُهم.
وكنت أحسب أن تعليقات الكماكسة على الرئيس المصري، وهو يزاول عمله اليومي في لعبة الورقات الثلاث والكشتبان في السيرك السياسي، كيد للشعب المصري والشعوب العربية، فالعرب بمصر، فإن زالوا زلنا، ففيها الجُند، والناس مجبَرون على تصديق الكابتن، ليس لكثرة فلاتره، وإنما لكثرة سجونه وسيوفه، وله أمنياتٌ تشبه أمنيات عاجز عن العمل: "مية بير بترول كده"، فقد وقر في قحفته أن الغنى في البترول وحده، وكان الغنى قديمًا في حُمر النِعم، ويعلم الجمع ممن ضمَّ مجلسنا أن البلح ثروة، وأنّ الحمير ثروة، فشركة مثل ميتسوبيشي اليابانية تعادل ثروتُها الثروة القومية لعدة بلدان عربية، وليس فيها نفط، ولا أم كلثوم. واليابان بلادٌ تعيش على صفائح قارية زلزالية، وليس أضيق من الياباني مسكنًا، فالبيت الذي تبلغ مساحته خمسين مترًا مربعًا هو بيتٌ يرمح فيه الحصان، وليس سبب اتخاذهم دورًا صغيرةً أنهم يعملون ما يقرب من أربع عشرة ساعة يوميًا، فيقتصدون في الحركة فيما فضُل من يومهم، السبب كثرة السكان وقلة المكان.
ولا يخلو كتابٌ عربي من النظم، فالنثر لا يحسُن إلا بالنظم، وكذلك تفعل مقالات هذه الأيام، فما إن ينتشر خبر حتى تبادر الصحف إلى نشر أشهر الكوميكسات التي ينظمها شعراء الصورة، على بحور الفوتوشوب وآلاته.
كان الشاعر يقف على الأطلال ويتذكّر الحبيبة، فيقرنها بالوطن، ثم ينتقل إلى ذكر محاسن جواده أو ناقته، ثم يعرض غايته في القصيدة، وكنت أضيق بحبيبة فريد شوقي في فيلم "عنترة فارس الصحراء"، فإن كوكا (اسم الممثلة) زوجة مخرج الفلم، مسنّة، ولا تشبه عبلة على مغلفات كتب سيرة عنترة، وينطق بنو عبْس بلهجةٍ مصريةٍ مشوبة بالصعيدية، وأسماء شخوص القصة مسلوخة، فعمارة بن زياد هو عمارة الزيادي، كأنه فيلم "كوميكس" وبينه وبين الكوميديا شعرة، سوى أن الخيول المصرية بغال تترية قصيرة العنق لا تليق بعنترة.
دارت الأيام ووجدنا عنترة في فيلم طويل يهدّد من يقترب من الكرسي، وليس من يقترب من مضارب القبيلة، ولا يقول الشعر. شبّب مرة بمذيعة وقال لها: "أنا لما بشوفك بتفاءل"، وكان الأحباش قد أسروا النيل، ومنعوا عن بني عبس الماء، ثم ما لبثنا أن وجدنا عبلة قد سقط نصيفها في سوق عكاظ، فأكثر شعراء الهجاء من الكوميسكات الساخرة، فأمر عنترة، الذي كان يغضُّ الطرف حياء عن جارته، صاحبه عمرو بن أديب الزيادي أن يعيد لها الاعتبار، ويخلّصها من العار قبل أن ينقضي النهار، فعمل معها مقابلةً زعمت أن للفستان بطانة سقطت على الدرج، فوقفنا نضحك استجابةً لطلب امرئ القيس، الذي نزح لاحقًا بقيصر، خوفًا على حياته. أما عنترة فيعمل حاليًا رئيس دولة وقاطع طرق، فتارة يطلب فكّة، وطوْرًا يبني الجسور، والجسور قنطرة على الأنهار، أما على البرّ فهي أسوار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق