الأربعاء، 22 يونيو 2022

بهدوء!

 بهدوء!

أحمد عبد العزيز


"من يُعَوِّض فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية؟"..

سؤال جعله الكاتب المصري الموالي للاستبداد عماد الدين أديب عنوانا لمقاله المنشور بتاريخ 12 حزيران/ يونيو الجاري، في موقع لبناني لم أسمع به من قبل..

وقد رأيت أن أستعير اسم البرنامج الذي كان يقدمه أديب على فضائية CBC المصرية، قبل عشر سنوات، ليكون عنوانا لتعليقي على مقاله أو ما قيل له.. غير أن تعليقي لن يكون على طريقة أديب في الكلام التي هي: كلمة، ثم صمت طويل يمكن "تعويضه" بعشر نِقاط، ثم كلمة وعشر نقاط، وهكذا!

ولست بحاجة إلى تذكير القارئ الكريم بأن الأقلام والألسنة الموالية للاستبداد (حيثما كان) لا تكتب ولا تنطق إلا بما يمليه عليها المستبد، أو يفكر فيه، فهي (دائما) لسان حاله ومقاله. ومن ثم، فقد قرأت (كغيري) مقال أديب باعتباره "رسالة تهديد علنية" من الحاكم بأمره في "المحروسة"، إلى أوروبا ودول الخليج، لا سيما السعودية، باعتبارها الأقرب جغرافيا إلى مصر..

"رسالة تهديد علنية" من الحاكم بأمره في "المحروسة"، إلى أوروبا ودول الخليج، لا سيما السعودية، باعتبارها الأقرب جغرافيا إلى مصر


بنهج مضلل ومنطق مقلوب، عزا أديب سبب الأزمة الطاحنة التي تعصف بمصر حاليا، وتنذر بانفجار غير محسوب ولا مسبوق، إلى الحرب الروسية الأوكرانية، وفيروس كورونا! مطالبا الدول الأوروبية والخليجية بتوفير "حقنة" عاجلة لمصر سِعة 25 مليار دولار؛ لتأخير هذا الانفجار، أو التخفيف من آثاره المرعبة التي ستتجلى في صورة موجات "هجرة غير شرعية"، لا قِبَل للأوروبيين ولا للخليجيين بها! وكأنه لا بلد (في العالم) تأثر بالحرب الروسية الأوكرانية وفيروس كورونا إلا "المحروسة"! ماذا عن السودان الذي يعيش ظروفا انقلابية مشابهة لظروف مصر؟ لماذا لم يهدد البرهان على لسان "أديب السوداني" السعودية مثلا؟!

ماذا بعد أن تعيد سلطة الانقلاب "حقن" هذه "الإتاوة" العاجلة (إذا تلقتها) في رمال الصحراء، ومشاريع فنكوش، وحسابات بنكية في الخارج، تماما كما حقنت الإتاوات السابقة، على مدى تسع سنوات خلت، لا سيما وأن الدين المصري (الداخلي والخارجي) تجاوز الناتج القومي، ما يعني أن مصر ستظل في حاجة إلى "حُقن مليارية عاجلة".. فمن هؤلاء المخابيل الذين سيستمرون (إلى أجل غير مسمى) في "حَقن" بلد يبلغ تعداد سكانه أضعاف عدد مواطنيهم مجتمعين؟!

أول القصيدة كُفر

تعبير مصري يقال إذا كانت بداية الكلام "فجة" تنذر بسوء، ولا تبشر بخير.. هذا (تماما) ما بدأ به أديب مقاله: "قد يكون مستقبل العلاقات المصرية الخليجية أحد ضحايا فاتورة الحرب الروسية الأوكرانية".. هيك "فرد مرَّة" كما يقول إخواننا في الشام! فكيف يكون مستقبل العلاقات المصرية الخليجية ضحية لحرب ليست مصر ولا دول الخليج أطرافا فيها ولماذا؟

تأخير هذا الانفجار، أو التخفيف من آثاره المرعبة التي ستتجلى في صورة موجات "هجرة غير شرعية"، لا قِبَل للأوروبيين ولا للخليجيين بها! وكأنه لا بلد (في العالم) تأثر بالحرب الروسية الأوكرانية وفيروس كورونا إلا "المحروسة"! ماذا عن السودان الذي يعيش ظروفا انقلابية مشابهة لظروف مصر؟


"هناك 25 مليار دولار أمريكي زادت بين ليلة وضحاها على الموازنة المصرية الطموحة بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة ومشتقّاتها والحبوب والغلال والسلع التموينيّة الأساسية".. يجيب أديب في مستهل مقاله أو ما قيل له!

بالنسبة لي كما لغيري، الأمر واضح كل الوضوح.. فالجنرال ياسر جلال يعتقد (وسيظل) أنه قام بانقلابه على الشرعية الدستورية والرئيس المنتخب؛ لإجهاض أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخ مصر، وحسر المد الثوري عن ممالك الجوار التي يجب عليها وجوبا تسديد فاتورة هذا الانقلاب، مهما بلغت قيمتها، ما بقي ياسر جلال في كرسي السلطة المغتصَب، ولِمَ لا وأصحاب هذه الممالك مدينون له بوجودهم على عروشهم!

"هتدفع يعني هتدفع"!.. قالها جلال لأهل "المحروسة" من قبل، ويقولها اليوم لجيرانه الأوروبيين، ولداعميه الخليجيين الذين ظنوا عبثا أن لدعمهم الانقلاب على إرادة الشعب المصري حدودا! ألم يفطن هؤلاء ويتنبهوا لعبارة جلال التي خاطب بها المصريين (ذات يوم) ساخرا ومتوعدا: لاااا.. إنتو متعرفونيش.. سحيح"؟!

إن لجوء ياسر جلال إلى التهديد والوعيد، في وجود قنوات اتصال مباشرة ومفتوحة على مصراعيها، مع داعميه الخليجيين وجيرانه الأوروبيين، يعني أن استجداءه عبر هذه القنوات لم يؤتِ أكله، ولم يحقق النتيجة التي كان ينتظرها.. كما يُفهم منه (أيضا) أنه تحريض للمصريين على "الهجرة غير الشرعية" إلى أوروبا ودول الخليج (السعودية على وجه الخصوص) إذا اشتدت الأزمة، وستشتد حسب المؤشرات.. فهو يقول للمصريين بصورة غير مباشرة: مَن يريد منكم الفرار من الجحيم القادم فعليه ركوب البحر شمالا أو شرقا، ولن نمنعه، فإذا وصل إلى وجهته، فسيصبح مصدرا للعملة الصعبة، وإذا هلك في البحر أو على الشاطئ، فقد ارتاح منا وارتحنا منه!

الجنرال ياسر جلال يعتقد (وسيظل) أنه قام بانقلابه على الشرعية الدستورية والرئيس المنتخب؛ لإجهاض أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخ مصر، وحسر المد الثوري عن ممالك الجوار التي يجب عليها وجوبا تسديد فاتورة هذا الانقلاب


ردود صاعقة!

جاء الرد الخليجي على ياسر جلال، مضاعفا بالطريقة ذاتها التي اختارها لتهديدهم.. فكما لم ينشر جلال تهديده في صحيفة مصرية، ولم يصرح به شخصيا (وقد اهتم به إعلام السامسونج في حينه اهتماما ملحوظا، وفي مقدمته عمرو أديب شقيق الكاتب) لم ينشر الخليجيون ردهم في صحيفة خليجية، ولم يرد أي منهم شخصيا، وإنما جاء الرد الخليجي في صورة ثريد على تويتر من حساب باسم "ملفات كريستوف 1727م"، ثم تعقيب صاعق ساحق ماحق مهين موجع لاذع على هذا الثريد، من الكاتب تركي الحمد الموالي للنظام السعودي والناطق غير الرسمي باسمه، أنقله بنصه:

"كان المفروض على هذا الكاتب [يعني عماد الدين أديب] أن يتساءل: ولماذا لا تستطيع بلاده (مصر) حل أزماتها المزمنة بنفسها بدل أن تصبح عالة على هذا وذاك؟ وهو حقيقة يهين مصر حين يجعلها تبحث عن "راع" خليجي أو إيراني أو تركي، بدل أن تكون هي الراعية، كما كانت في زمن مضى، إذ لا ينقصها شيء مما لدى تركيا وإيران والخليج".

أما الكاتب السعودي نواف القديمي فقد "شرشح" ياسر جلال في منشور طويل على حسابه الشخصي، في فيسبوك، و"فَرَد له الملاية" بالتعبير المصري:

".. [ياسر جلال] منذ قدومه إلى السلطة، اعتمد على سياسة الاقتراض ثم الاقتراض؛ من أجل تمويل مشروعات غير إنتاجية لا تحقق أي دخل، والتعويل على أن الخليج وأوروبا (والخليج تحديداً) لن يسمح بالانهيار الاقتصادي في مصر، تحت ضغط الرُعب من موجات اللجوء الضخمة". يقول القديمي..

"مصر لا تحتاج إلى عرّاف أو إلى خبير اقتصادي لمعرفة أنها مُقبلة على كارثة اقتصادية، فالدين الخارجي الدولاري كان بحدود 40 مليار دولار لحظة استلام [جلال] السلطة، هو اليوم يتجاوز 150 مليار دولار. والدين العام الداخلي والخارجي تجاوز 100 في المائة؜ من الناتج المحلي، أي أنه في مرحلة الخطر، و50 في المائة من الميزانية المصرية مُعتمدة على قروض جديدة، و54 في المائة من مصاريف الميزانية مُخصصة لسداد أقساط وفوائد القروض السابقة".. يضيف القديمي..

"أسباب الأزمة الاقتصادية المصرية كثيرة يجمعها عنوان واحد هو: سوء الإدارة، والمشاريع الضخمة غير المنتجة، والفساد".. وبعد أن دلل القديمي على ذلك بأمثلة كثيرة يضيق المجال عن سردها، ختم رده بهذه العبارة الجامعة:

"كل ذلك وأكثر هو نتيجة متوقعة في بلدٍ يقف على رأس القرار الاقتصادي فيه رجلٌ يسخر من فكرة عمل دراسات الجدوى! ويعمل مشروعات ضخمة وفاشلة، ثم يقول إن سبب عملها هو "رفع الروح المعنوية للمصريين!"، ويكلّف الشركات بعمل مشروعات ضخمة، على الهواء مباشرة، بطريقة: "تعملها بكام يا حاج سعيد؟".. ومطلوبٌ من الخليج وأوروبا تحمّل تبعات كل ذلك"!

في الليلة الظلماء يُفتقد البدر

بدرنا الفقيد أو المفتقد في هذا الليل الطويل حالك السواد هو الرئيس الشهيد محمد مرسي (طيب الله ثراه)، الذي حلت ذكرى استشهاده الثالثة يوم الجمعة الموافق 17 حزيران/ يونيو الجاري..

مرسي.. الرئيس الزاهد العفيف الذي لم يتقاض راتبه الرئاسي، وظل مقيما في شقة مستأجرة، يعرف عنوانها القاصي والداني.. الرئيس المتغافل عن سفاهة السفهاء، ورذالة الأراذل، وسفالة السفلة، مراهنا على وعي المصريين، فخسر الرهان، وتقبل الخسارة صابرا محتسبا..

الرئيس المواطن الذي كان موكبه المتواضع يتوقف في إشارات المرور.. الرئيس التوافقي الذي خفض جناح الذل من الرحمة لمعارضيه، وحاول استرضاء رموزهم بعرض المناصب المهمة عليهم، غير أنهم اعتذروا بهدف إظهاره في صورة "المستحوذ" على السلطة، وروجوا لفرية "أخونة الدولة"، ولم يدخروا وسعا في تأليب الناس عليه، بشتى الصور والوسائل غير الشريفة..

الرئيس الفطِن اللقِن الذي خلع رداء الحزبية؛ ليكون رئيسا لكل المصريين، وخالف قيادة الإخوان في كل أمر رأى أنه يُخِل بواجبه الرئاسي، ورغم ذلك روّج الأوغاد لفرية "حكم المرشد"..

الرئيس الشجاع الذي تراجع عن إعلانه الدستوري الذي لم يعلنه إلا لِغَل أيدي العابثين بمصر ومستقبلها؛ لإنجاز الدستور، واستكمال مؤسسات الدولة.. الرئيس العزيز الذي أراد لمصر الكرامة والسيادة على قرارها ومقدراتها..

الرئيس المنحاز للشعوب الذي دعم الثورة السورية، وأعلن (في حزم) أنه لن يترك غزة وحدها، إبان العدوان الصهيوني عليها، في 2012..

الرئيس الرؤوم الذي أسقط ديون المزارعين المتعثرين لبنك التسليف الزراعي.. الرئيس الواعي الذي سعى جاهدا لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، من أول لحظة.. الرئيس المهندس الذي كان عازما على بث الروح (من جديد) في صناعة الحديد والصلب الاستراتيجية.. الرئيس الاستشرافي الذي كان يخطط لتعمير سيناء، والنهوض بمحور قناة السويس؛ ليكون مركزا لوجستيا عالميا، وتشجيع وجذب الاستثمار، وتوطين التكنولوجيا..

أين هذا الرئيس خالد الذكر من ذاك "الأمين أوي، الشريف أوي، الصادق أوي" الذي يجر "المحروسة" جرا (منذ تسع سنوات) إلى مصير "أسود من قرون الخرّوب" بتعبير المصريين، متعللا بالحرب الروسية الأوكرانية التي نشبت قبل شهور معدودات، وفيروس كورونا الذي تعامل معه بغير اكتراث؟


الرئيس الصامد الذي لم يخضع لترهيب، ولم يستجب لترغيب، وبقي وفيّا لقسمه وشعبه الذي وثق به.. الرئيس الملهَم الذي قال في "تسريب صوتي" نشرته "المصري اليوم": "إذا بقي [ياسر جلال] في الحكم هيجيب لكم من قعر الزبالة".. وقد كان! الرئيس الحر الذي لم يقصف قلما، ولم يضطهد معارضا، ولم يصادر صحيفة، ولم يوقف برنامجا.. الرئيس المغدور الذي لقي ربه مسموما في ساحة "القضاء" ولم يسعفه أحد.. الرئيس الرمز الذي لا يزال أحرار العالم يبكونه كل يوم، ويدعون له بالرحمة كل ساعة..

أين هذا الرئيس خالد الذكر من ذاك "الأمين أوي، الشريف أوي، الصادق أوي" الذي يجر "المحروسة" جرا (منذ تسع سنوات) إلى مصير "أسود من قرون الخرّوب" بتعبير المصريين، متعللا بالحرب الروسية الأوكرانية التي نشبت قبل شهور معدودات، وفيروس كورونا الذي تعامل معه بغير اكتراث؟

إن السؤال الذي كان يجب أن يسأله عماد الدين أديب هو: من يعوِّض مصر فاتورة الانقلاب على الشرعية الدستورية، وإرادة الشعب، والرئيس المنتخب؟! تلك الفاتورة التي سيبلغ "بند الديْن" وحده فيها نهاية هذا العام (2022) نصف تريليون دولار، هذا بخلاف بنود أخرى عديدة لا يمكن حسابها بالأرقام مثل: نقص مياه النيل وما سيترتب عليه من مشاكل اقتصادية واجتماعية وصحية وتنموية، والتنازل عن تيران وصنافير، والشرخ المجتمعي الذي أحدثه الانقلاب، والانهيار القيمي والأخلاقي الذي تتبناه أذرعه الإعلامية والفنية، والتهريب الممنهج للآثار التي لا تقدر بثمن، وقبل ذلك وبعده الخسارة البشرية النوعية التي تتكبدها مصر بتغييب خيرة أبنائها في ظلمات السجون، أو اغتيالهم بدم بارد، مع سبق الإصرار، أو دفعهم إلى الهجرة فرارً من الملاحقات الأمنية المستمرة.. وقائمة الخسائر تطول.

twitter.com/AAAzizMisr
aaaziz.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق