تقرير حصري لمنتدى العلماء
المنع من الأراضي المقدسة بين الاضطرار والصد عن سبيل الله .. #الحج_ليس_آمناً
يقول الإمام السيوطي (ت 911هـ/1506م) في كتابه “حسن المناظرة”: “في سنة ثلاثين وأربعمئة تعطل الحج من الأقاليم بأسرها؛ فلم يحج أحد لا من مصر، ولا من الشام، ولا من العراق، ولا من خراسان”.
وكان تعطّل الحج الذي ذكره السيوطي بسبب الصراع بين العباسيين والفاطميين، والذي عرقل أداء الناس لفريضة الحج من كافة بقاع العالم الإسلامي.
لم تكن تلك المرة الأولى ولا الأخيرة التي يُحرم فيها المسلمون من دخول البقاع المقدسة وزيارة الحرمين لأداء فريضة الحج أو العمرة، حيث شهد التاريخ قبل وبعد تلك المرة حرمان الناس من أداء الشعائر وزيارة الحرمين، وكان آخرها إغلاق الحج والعمرة لسنتين أمام المسلمين من خارج المملكة السعودية بسبب جائحة كورونا وذلك عامي 2020م و2021م.
ومن الواجب ذكره أن حرمان الناس من الحج أو العمرة فيما سبق ذكره كان لأسباب اضطرارية تسوّغ -شرعاً- تعطيل تلك الشعائر وهي انعدام الأمن بسبب الحروب والصراعات العسكرية وما يلازمها من قطع لسبيل الحجاج والمعتمرين، ومنها ما هو أسباب صحية تتعلق بسلامة الناس وصحتهم وحياتهم مما ترافق مع انتشار وباء كورونا الذي أصبح جائحة عالمية تسبب بغلق أغلب دول العالم لأبوابها بوجه القادمين ومنع الناس من المغادرة، بالإضافة لمنع التجمعات البشرية، حيث يمثل الحج والعمرة أحد أكبر التجمعات البشرية في العالم.
كل ذلك مسوّغ ومعتبر في الشرع، أما السابقة الخطيرة والنازلة العظيمة التي لا تجد لها تبريراً لا في ميزان الشريعة ولا في الأعراف ولا حتى في القوانين الدولية، هي منع الناس من دخول المملكة السعودية أو التضييق عليهم أو اعتقالهم بعد دخولهم لأداء الحج أو العمرة، بسبب انتماءاتهم الفكرية، أو تبعيتهم لدول لها خلافات سياسية مع الدولة السعودية المكلّفة برعاية شؤون الحرمين، فهذا مما لم يشهد التاريخ له مثيلاً، ويعدّ سابقة خطيرة ونازلة عظيمة في تاريخ الإسلام وفي تاريخ تلك الشعيرة والركن العظيم من أركان الإسلام.
والغريب أن السلطات السعودية نفسها سبق أن صرّحت بعدم جواز تعطيل فريضة الحج إلا لأسباب كبرى تتعلق بفقدان الأمن أو انتشار الأوبئة، فقد ذكر الموقع الرسمي لدارة الملك عبد العزيز أنه: “لا يجوز تعطيل الفريضة إلا لأسباب كبرى تحول دون إتمامها، كفقدان الأمن أو انتشار وباء في مكة المكرمة”. [1]
وقد امتن الله تبارك وتعالى على مشركي قريش امتن عليهم بحرمه الآمن، وأن أهل هذا الحرم في أمن وسعة ورزق، والناس من حولهم يتخطفون ويخافون، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).
إلا أنه قد تفاجئنا في عصرنا الحاضر بقيام السلطات السعودية بانتهاك تلك الخاصية العظيمة للحرم، ألا وهي “الأمن” بأن قامت بممارسات عديدة ليس لها فيها مبرر أو مسوّغ شرعي ولا عرفي ولا أخلاقي.
فقد قامت السلطات السعودية عن عمدٍ وقصدٍ بتسييس الحرمين بشكل واضح ومتكرر، وجعـل الحـج والعمـرة أداة للقمـع ووسيلة لتصفية الخصوم، وطريقـا لـدعـم أنظمـة قمعيـة، فقـد اعتقلت قوات الأمن السعودي عـددا مـن حـجـاج بعض الدول الذين يعيشون في المنفى مثل مصر وليبيا واليمن وسوريا، وحجاج الأقلية المسلمة الصينية كالإيغور، وذلك بعد منحهم تأشيرات نظاميـة تقتضـي الحمايـة والرعايـة، لتقوم بعد دخولهم الديار المقدسة باعتقالهم وتسليمهم لدولهـم وأنظمتهم المشهورة بقمعها وانتهاكها للحقوق.
وقد انبرت مجموعة من المنظمات حقوقية ومؤسسات العلمائية، بإطلاق حملة واسعة بعنوان #الحج_ليس_آمناً، لفضح انتهاكات واستغلال النظام السعودي لإدارة الحج والعمرة، ولكشف التجاوزات ضد الحجاج والمعتمرين وزوار الأماكن المقدسة في السعودية، واستخدام الرياض الحج كأداة للقمع ووسيلة انتهاك للحقوق.
وطالبت الحملة بمشاركة مؤسسات حقوقية وسياسية وعلماء ودعاة والعديد من الشخصيات، بوقف “تسييس” السلطات السعودية لملفي الحج والعمرة.
وفي هذا السياق قال د. سعيد بن ناصر الغامدي “الأمين العام لمنتدى العلماء” تحت وسم الحج ليس آمنا ما نصه: “ الشيخ التركستاني حمد الله بن عبد الولي عالم من #الأيغور جاء للعمرة فاعتقلته السلطات #السعودية لكي تسلمه للشوعيين في #الصين ليدخلوه معسكرات العذاب الرهيب. وبذلك تنتهك #السعودية حرمة مكة وترفض أمر الله (ومن دخله كان آمنا) في ولاء لملاحدة الصين وبراء من المسلمين.”
وقال الأمين العام لرابطة علماء أهل السنة د. جمال عبد الستار: “إن من يمنع أهل العلم والفكر وأهل الريادة الذين يصدعون بالحق من أداء الحج والعمرة هو مخالف للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة”.
كما ذكر الأستاذ محمد إلهامي “عضو الأمانة العامة للهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- أن: “منع الحج والعمرة على المسلمين بسبب عدم الرضى عن المواقف السياسية، يعد نازلة جديدة تستدعي أن يجتمع لها العلماء”.
بدوره ذكر د. حاتم عبد العظيم أبو الحسب أن: “مقام البيت الحرام فوق كل سلطة بشرية، فلا يجوز لها أن تحول بين المسلمين وبين بيت الله الحرام بسبب المواقف السياسية”.
وقد فصّل فضيلة د. فايز النوبي في مسألة المنع من الحج وبيّن فضيلته الأسباب المجيزة للمنع، في حين شددّ على اختلاف توجهات الناس السياسية مع سياسة الدولة التي ترعى المناسك لا يجيز لتلك الدولة منع الناس من أداء مناسك الحج والعمرة، فقال: “لا يجوز منع الناس من أداء مناسك الحج والعمرة بسبب اختلاف توجهاتهم مع سياسة الدولة التي ترعى المناسك”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق