الثلاثاء، 28 يونيو 2022

حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا | (4) إعلان المواجهة ضد الصين

حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا | (4) إعلان المواجهة ضد الصين

محمود عبد الهادي

تناولنا في المقالين السابقين أبرز ما قدّمه التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأميركية الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، حول تطور القوة الصينية في المجالات المختلفة، إلى درجة باتت تهدد بشكل مباشر مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، ونقلت الصين من قائمة المنافسين بالنسبة للولايات المتحدة إلى قائمة الأعداء، ومن الموقع الثاني بعد روسيا إلى الوقع الأول.

من الطبيعي جداً أن تشعر الولايات المتحدة بالقلق تجاه الصين، التي تتحرك لتحل محل الاتحاد السوفياتي سابقاً، منهية بذلك عهد القطب الواحد، وتفرد الولايات المتحدة بقيادة العالم، فهل تستسلم الولايات المتحدة لحركة التاريخ، أم ستدافع عن مكانتها ومكتسباتها؟ وهل سيقود سباق القوة بين الدولتين إلى صدام حتمي؟ أم ستنجح الولايات المتحدة في اصطياد التنين الصيني كما اصطادت من قبل الدب السوفياتي؟

موازنة وزارة الدفاع الأميركية للسنة المالية 2022-2023 جاءت انعكاساً مباشراً لتقرير تطور القوة الصينية، وظهر ذلك بشكل واضح في بنود الموازنة التي بلغ إجماليها 813,3 مليار دولار، حيث ركزت البنود على مجالات المنافسة المتسارعة مع ما تقوم به الصين من تطوير وتحديث لقدراتها العسكرية.

التحرك نحو المواجهة

رد فعل الولايات المتحدة على محتوى تقرير البنتاغون حول الصين، ترجم بشكل واضح في عدة أعمال وتفاعلات، تؤكد جديتها في التعامل مع معطيات التقرير بصورة تختلف عما كانت عليه في السنوات السابقة، وتوصّل رسائل قوية ومباشرة للحكومة الصينية مفادها أنها لن تسمح للصين بتحقيق ما تصبو إليه، وأنها ستعمل مع حلفائها وشركائها لمنع ذلك، ومن هذه الأعمال:

أولا: إستراتيجية الأمن القومي الأميركي لعام 2022

قدّمت وزارة الدفاع الأميركية في مارس/ آذار الماضي للكونغرس إستراتيجية الأمن القومي لعام 2022 (NDS)، بصورة سرية، مكتفية بنشر موجز تعريفي حول الإستراتيجية، ومشيرة إلى أنها ستنشر الإستراتيجية خلال أسابيع، ولكنها لم تنشرها حتى الآن.

وقد ذكر الموجز التعريفي، أن الوزارة، وللمرة الأولى، أجرت مراجعاتها الإستراتيجية بطريقة متكاملة تمامًا، دمجت فيها مراجعة الوضع النووي (NPR)، ومراجعة الدفاع الصاروخي (MDR). وكانت المفاجأة في هذه الإستراتيجية، أن نصف أولويات الدفاع الأربع كانت موجهة ضد الصين، وهذه الأولويات هي:

  • الدفاع عن الوطن في مواجهة التهديد المتنامي متعدد المجالات الذي تشكله الصين.
  • ردع العدوان، وإعطاء الأولوية للتحدي الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي، ثم التحدي الروسي في أوروبا.
  • ردع الهجمات الإستراتيجية ضد الولايات المتحدة والحلفاء والشركاء.
  • بناء قوة مشتركة ونظام دفاعي مرن.

مع التأكيد على أن الوزارة ستعمل بشكل عاجل لتعزيز القدرة على الردع ضد الصين، باعتبارها التحدي المتسارع، والمنافس الإستراتيجي الأكثر أهمية أمامنا.

ثانياً: الموازنة العامة للسنة المالية 2022-2023

في الوقت نفسه الذي قدّمت فيه وزارة الدفاع خطتها الإستراتيجية للأمن القومي، في مارس/ آذار الماضي، قدمت موازنتها للسنة المالية 2022-2023 التي جاءت انعكاساً مباشراً لتقرير تطور القوة الصينية، وظهر ذلك بشكل واضح في بنود الموازنة التي بلغ إجماليها 813,3 مليار دولار، حيث ركزت البنود على مجالات المنافسة المتسارعة مع ما تقوم به الصين من تطوير وتحديث لقدراتها العسكرية.

وفيما يأتي أبرز البنود التي جاءت في هذه الموازنة، حسب ما ورد في عرض وزير الدفاع الأميركي عند تقديم الموازنة:

  • مليار دولار للبحث والتطوير، وهو أعلى مستوى على الإطلاق، نظراً للحاجة إلى زيادة الاستعدادات التكنولوجية المتقدمة والإنترنت والفضاء والذكاء الاصطناعي.
  • 5 مليارات دولار لمنصات وأنظمة القوة الجوية.
  • 8 مليارات دولار للقوة البحرية، لتشمل 9 سفن أخرى لقوات القتال.
  • 6 مليارات دولار لتحديث مركبات القتال التابعة للجيش ومشاة البحرية.
  • 4 مليارات دولار لتحديث المؤسسة النووية.
  • 6 مليارات دولار لتحديث أنظمة الفضاء.
  • مليار دولار لمبادرة الردع في المحيطين الهندي والهادي.
  • مليارا دولار لمبادرة الردع الأوروبية.
  • 7 مليارات دولار لجاهزية القوة المشتركة.
  • مليارا دولار لأنشطة الفضاء الإلكتروني.

وقد ذكر وزير الدفاع الأميركي أن هذه الموازنة تعكس إستراتيجية الدفاع الوطني، التي تركّز على تحدي السباق مع الصين، بالإضافة إلى مواجهة التحديات المستقبلية الأخرى، والتهديد العدواني الحاد لروسيا، والتهديدات التي تشكلها كوريا الشمالية وإيران والمنظمات المتطرفة العنيفة، كما أن هذه الموازنة تدعم القيادة العالمية للولايات المتحدة ومسؤوليتها عن تحالفاتها وشراكاتها.

ثالثاً: إفادة مساعد وزير الدفاع أمام لجنة القوات المسلحة

قبل أسبوعين من تقديم موازنة السنة المالية 2022-2023، قال إيلي راتنر، مساعد وزير الدفاع لشؤون المحيطين الهندي والهادي، في كلمته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، إن الولايات المتحدة تعمل مع حلفاء وشركاء في جميع أنحاء المحيطين الهندي والهادي لدعم النظام الإقليمي الحر والمفتوح، ومع ذلك فإن المنطقة تواجه تحديات أمنية متزايدة، وبالذات من الصين، التي تبنت نهجًا أكثر قسرية وحزمًا لتعزيز مصالحها الاستبدادية، على حد قول راتنر، الذي قال أيضا إن منطقة المحيطين الهندي والهادي لا تزال مسرحاً ذا أولوية لوزارة الدفاع، ولا تزال الصين تمثل تحدياً متسارعاً للجيش الأميركي.

وقال إن الصين تمثل تهديداً سريعاً، وإن ميزانية الدفاع المقرر تقديمها إلى الكونغرس هذا الشهر تعكس هذه الحقيقة، وإن الولايات المتحدة تعطي الأولوية لتطوير القدرات ذات الصلة بالتحدي الصيني، لتمكين قوة مشتركة قاتلة وقادرة على ضرب القوات والأنظمة المعادية، وقادرة على اكتساب ميزة المعلومات والحفاظ على القيادة والسيطرة من خلال الهجمات الإلكترونية والحركية، ويجب أن يكون جيش الولايات المتحدة قادرًا على نشر المزيد من القوات الفتاكة التي تتسم بالمرونة والسرعة والقدرة على الاستمرار.

وفي إشارة مباشرة لتايوان، أوضح راتنر أنه إذا كانت الصين تمثل تحدي السرعة الذي تواجهه وزارة الدفاع، فإن تايوان هي سيناريو السرعة. وقال "نحن نهدف إلى ردع ومنع عدوان الصين على تايوان، عن طريق مزيج من دفاعات تايوان الخاصة، وشراكتها مع الولايات المتحدة، والدعم المتزايد من الديمقراطيات ذات التفكير المماثل".

وربما كانت هذه أوضح رسالة أميركية تشير إلى السيناريو المتوقع حدوثه مع تايوان والصين، على غرار سيناريو أوكرانيا وروسيا.

رابعاً: ميزانية غير مسبوقة للاستخبارات العسكرية

قبل شهر من صدور تقرير وزارة الدفاع الأميركية لعام 2022 حول مجالات تطور القوة الصينية، أعلنت وزارة الدفاع أنها خصصت ميزانية هي الأعلى، بصورة غير مسبوقة، لبرنامج الاستخبارات العسكرية (MIP) بلغت قيمتها 23.3 مليار دولار. ولم تقدم الوزارة أي تفاصيل أخرى عن البرنامج أو بنود صرف هذه الميزانية، لأنها اعتبرتها سرية لأسباب تتعلق بالأمن القومي.

وتأتي هذه الزيادة بالتزامن كذلك، مع تقارير صادرة عن جهاز التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI)، أن نصف حالات التجسس النشطة التي تم اكتشافها عام 2020، والبالغ عددها 5 آلاف حالة، خاصة بالصين، حيث شهد عام 2020 ضبط حالة تجسس صينية في الولايات المتحدة كل 10 ساعات، وذكر "إف بي آي" أن معدل حالات التجسس الاقتصادي الصينية في الولايات المتحدة زادت بنسبة 300% خلال العقد الماضي.

تقرير البنتاغون حول تنامي القوة الصينية وتهديدها للولايات المتحدة، دفع العديد من الخبراء والإستراتيجيين الأميركيين إلى المطالبة بضرورة المحافظة على التفوق الأميركي وحماية النظام العالمي القائم، ومن هؤلاء د. أندرو إس إريكسون (Andrew S. Erickson) أستاذ الإستراتيجية المتفرغ ومدير الأبحاث في معهد الدراسات البحرية الصيني "سي إم إس آي" (CMSI) التابع لكلية الحرب البحرية الأميركية "إن دبليو سي" (NWC)، الذي اعتبر التقرير بمثابة نداء واضح لمواجهة التحدي الصيني أمام الأمن الإقليمي، حيث تعاني التحالفات الأميركية والنظام الدولي الراهن من أضرار جسيمة لا رجعة فيها، معتبراً ذلك ذروة التهديد الصيني لتايوان والمصالح الحيوية للولايات المتحدة.

ورأى أن العقد الحالي 2020-2030 هو الأخطر، وأن على واشنطن وحلفائها وشركائها، التحرك فوراً لمواجهة التهديد الصيني. وقد بدأت الولايات المتحدة فعلياً بإعادة بناء وترميم تحالفاتها وشراكاتها على مستوى العالم، استعداداً لهذه المواجهة.

(يتبع)


حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا (1) التحضير للمعركة


حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا (2) صناعة العدو الجديد


حرب الولايات المتحدة في أوكرانيا | (3) نحو تغيير النظام العالمي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق