متى تنضم إسرائيل إلى جامعة الدول العربية؟
- قبل أيام، كشفت "القناة 12" الإسرائيلية أن الجيش نشر منظومة رادارات في عدة دول عربية أهمها الإمارات والبحرين، وذلك ضمن رؤية للتعاون المشترك في مواجهة تهديدات إيران الصاروخية، وخلق منظومة للإنذار المبكر. في نفس الوقت طرح نواب في الكونغرس الأميركي مشروع قانون يهدف إلى دمج الدفاعات الجوية لإسرائيل مع البلدان العربية. في حين تسعى الإدارة الأميركية إلى إقامة تحالف أمني وعسكري يضم إسرائيل مع 9 دول عربية أخرى هي دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، وقد يتوسع لاحقاً ليشمل دولاً أخرى.
من الواضح أن إسرائيل تبدو اللاعب الرئيسي والمحوري في إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والإستراتيجية والأمنية في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، وذلك بعد أن تحولت خلال الأعوام الأخيرة إلى لاعب إقليمي فعّال ومؤثر من خلال تطوير شبكة علاقاتها الإقليمية مع الدول العربية
كل هذه التحركات تكشف حجم التحولات السياسية والجيوإستراتيجية والأمنية والعسكرية التي تمر بها المنطقة العربية، والتي تهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوة لصالح أطراف معينة على حساب أطراف أخرى. الهدف المعلن والعنوان العريض لكل هذه التحركات هو مواجهة إيران وتهديداتها في المنطقة، خاصة في ظل تعثر مفاوضات الملف النووي الإيراني مع الغرب، والتي على ما يبدو أنها دخلت مرحلة حرجة، ولا أحد يعلم إلى أين سوف تؤول الأمور.
ولكن أهم ما تكشف عنه هذه التحركات والتحولات يتعلق بالدور الإسرائيلي في المنطقة. فمن الواضح أن إسرائيل تبدو اللاعب الرئيسي والمحوري في إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والإستراتيجية والأمنية في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج، وذلك بعد أن تحولت خلال الأعوام الأخيرة إلى لاعب إقليمي فعّال ومؤثر سواء من خلال تطوير شبكة علاقاتها الإقليمية مع الدول العربية، أو من خلال بروزها كقوة في سوق الطاقة العالمي مع اكتشافات الغاز التي تستحوذ عليها في منطقة شرق البحر المتوسط.
وهي مسألة باتت مهمة خاصة في ظل أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية، والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو في مجالي النفط والغاز. وهو ما يعطي أهمية لمصادر الطاقة الأخرى سواء في منطقة الشرق الأوسط أو خارجها. وفي ظل ارتفاع الطلب العالمي على النفط والغاز، وما يصحب ذلك من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية، وتضخم في الأسعار، فإن العالم يبدو مقبلاً على واحدة من أشدّ الأزمات الاقتصادية خلال نصف قرن. وهي الأزمة التي من شأنها أيضا إعادة ترتيب موازين القوى عالمياً وإقليمياً.
وهنا سوف تبرز إسرائيل كقوة جديدة في مجال الطاقة، تمكنها من تلبية جزء من احتياجات الدول الأوروبية، وذلك على نحو ما حدث خلال الاتفاق الثلاثي الذي تم توقيعه قبل أيام بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي ومصر من أجل تصدير الغاز الإسرائيلي لأوروبا وذلك بعد تسييله في مصر. وهو ما يعني زيادة الاعتماد على إسرائيل دولياً، وبالتالي زيادة دورها ووزنها وتأثيرها الإقليمي والدولي، وما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبية على القضية الفلسطينية.
أيضا في ظل هذه الخلفية، يمكننا فهم التحولات في العلاقات الأميركية السعودية خلال الشهور القليلة الماضية، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا وحدوث توتر كبير في العلاقة بين واشنطن والرياض نتيجة لما يبدو أنه استغلال هذه الأخيرة لأزمة الطاقة من أجل الضغط على الرئيس الأميركي جو بايدن للتقارب معها ووقف نهجه المتشدد الذي كان يتعامل به مع القيادة السعودية، خاصة وأنه كان قد تعهّد أثناء حملته الانتخابية بأن يعامل السعودية باعتبارها "دولة منبوذة". فقد تم الإعلان مؤخراً عن أن بايدن سوف يزور السعودية يومي 15 و16 يوليو/تموز المقبل، ومن المفترض أن يلتقي خلال زيارته بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ونجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وحقيقة الأمر فإن إعادة ترتيب المنطقة أمنياً وعسكرياً لا تتعلق فقط بمواجهة نفوذ إيران في المنطقة، فهذا هو الهدف المعلن للتحركات الأخيرة، ولكن الهدف الآخر الأهم هو دمج إسرائيل بشكل كامل في المنظومة العربية، واعتبارها دولة "طبيعية" وهو ما يعني عملياً نهاية ما كان يسمّي بالأمن القومي العربي وتشييعه إلى مثواه الأخير.
فقد نجحت إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة في التطبيع مع عدد مهم من الدول العربية، سواء كان تطبيعاً معلناً أو سرياً. فعلى سبيل المثال، قبل عامين قامت تل أبيب بالإعلان عن التطبيع بشكل كامل مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، في حين أنها تطبّع بشكل سرّي مع السعودية وسلطنة عُمان وموريتانيا، ولديها قنوات اتصال وتطبيع مفتوحة مع حفتر في ليبيا، ومؤخراً مع بعض من دبلوماسيي قيس سعيّد في تونس. وكانت قد طبّعت بالفعل مع مصر قبل 40 عاماً، ومع الأردن قبل 3 عقود.
أي أن ما يقرب من نصف الدول العربية تقريباً لديها علاقات مع إسرائيل سواء سرية أو علنية. ولذلك فلا يجب أن نفاجأ أنه في حال استمرار الزخم الحالي، في العلاقة بين إسرائيل والبلدان العربية، أن تتقدم تل أبيب بطلب للانضمام للجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي ولو بصفة مراقب قبل أن تطالب بأن تصبح عضواً كاملاً، وهو ما يعني نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة في تفاعلات المنطقة سيكون لها ما بعدها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق