المقاومة بمواجهة الناتو العربي الصهيوني
وائل قنديل
افرد خريطة الوطن العربي، أو ما يسمّى العالم العربي، أمامك، وتأمل في عواصم ما تسمّى دوله المحورية، وحدّثني عن حجم التغلغل الصهيوني فيها، والعمق غير المسبوق الذي وصلت إليه العلاقات الرسمية بين هذه الدول والاحتلال الإسرائيلي.
انتقل من خريطة العالم العربي إلى العالم الإسلامي، وانظر إلى أين وصلت العلاقات والتحالفات بين دول تسمي نفسها "مراكز الإسلام المعتدل" والعدو الصهيوني.
من المحيط الأطلسي غربًا، وحتى الخليج العربي شرقًا، ثم من المتوسّط شمالًا عند تركيا، إلى السودان جنوبًا، مرورًا بمصر، ستجد إسرائيل حاضرة بكثافة، على النحو الذي يجعلها بالفعل في زعامة محور عربي إسلامي صهيوني، يعادي إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، حتى وإن كان يقسم بالقرآن والسنة أنه يقيم علاقاته ويمدّ خطوطه مع الاحتلال، من أجل مصلحة فلسطين وشعوب المنطقة.
من أردوغان إلى بن سلمان، مرورًا بالسيسي وعساكر السودان وغالبية حكّام الخليج، ستجد الجميع منخرطين في مشروع بناء التحالف مع الصهيوني، الذي يختار له ملك الأردن اسم "الناتو" بحجّة التصدي لأطماع المشروع الإيراني في المنطقة.
كل يوم يمر يكشف أن قطار الشرق الأوسط الجديد، ذي المحرّكات الأميركية والقيادة الإسرائيلية، غادر أدبيات شيمون بيريز وأحلام قيادات الاحتلال، وانتقل إلى أرض الواقع، وبدأ في التحرّك فعليًا منطلقًا من محطته الرئيسة بالقاهرة، في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 ، وها هو يواصل اجتياح الخرائط العربية، بحيث لم تبق سوى نقاط قليلة للغاية لم تلتحق بالمسار بعد، مع الوضع في الاعتبار أن هذا "القطار المقدّس" يحظى برعاية وحراسة أميركتيين، تفرض على كل الملتحقين به المساهمة في تمويل عمليات صيانة وتجديد وإحلال المحطة الرئيسية.
لم يعد هذا سيناريوهات افتراضية، ولا شطحات خيال كتّاب، بل واقع تبلور ويتحرّك على الأرض منذ ما عرفت بقمة النقب، برئاسة إسرائيل، وقبلها توسيع مظلّة المنطقة الوسطى الأميركية، لتضم قوات الاحتلال الصهيوني مع الجيوش العربية في محور عسكري واحد، وقبل ذلك بكثير مع القمة العربية التي انعقدت في الظهران في السعودية، وكان موضوعها الرئيس إخراج إسرائيل من لائحة الأعداء وإدخال إيران بدلًا منها
وها هو المشروع يقترب من الاكتمال مع الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى المنطقة الشهر المقبل، لتكون كل عواصم "المعتدلين" العرب، وغير العرب، منخرطةً في هذا المحور الذي تتزعمه إسرائيل، فما الذي يمكن أن يفعله الفلسطيني المقاوم الآن تحت هذا الحصار المشدّد من "الأشقاء" المتحالفين مع إسرائيل؟
بالإعلان عن زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، إلى لبنان ولقائه بأمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، والكلام عما يسمّى "التطبيع مع النظام السوري"، ينهال بعضهم بالسياط على المقاومة الفلسطينية التي انفضّ الجميع من حولها فراحت تبحث عما يعينها على البقاء والصمود لدي الأطراف التي بقيت في منأىً عن التحالف مع الاحتلال.
هؤلاء الذين يجلدون قيادات المقاومة الفلسطينية على انفتاحها على المحور الإيراني، ودوائره في بيروت ودمشق، يطلّون من نوافذ طائفية، تدّعي الغيرة على الإسلام السنّي المعتدل من التورّط في علاقات تعاون مع إيران الشيعية، من دون أن يتوقّف أحدٌ من هؤلاء عند مشاهد الانحناء والانبطاح المذرية التي تبدو عليها زعامات العواصم المعتدلة، المستقيمة، في تركيا والسعودية ومصر والأردن والمغرب والخليج والسودان، أمام السيد الإسرائيلي.
هذا الالتحاق بالمشروع الصهيوني، المؤسّس على التهام فلسطين كلها، مستمر على قدم وساق منذ سنوات، ومعلن للكافة، ويتخذ أشكالًا من العداء الصريح لمبدأ مقاومة الاحتلال، ويرهن الدول الموصوفة، أو الموصومة بالاعتدال المطابق للمواصفات الأميركية، عسكريًا واقتصاديًا للإرادة الإسرائيلية، فتعلن صحيفة معاريف الصهيونية في يونيو/ حزيران 2019 إن سبع دول عربية تشتري السلاح من المحتل الإسرائيلي، فيمرّ الخبر عاديًا، لكن حين تتوجّه المقاومة الفلسطينية صوب طهران ودمشق، لتأمين ما يلزم لمواصلة مشروع مواجهة الاحتلال، تصبح هذه المقاومة متهمة بالتطبيع مع "العدو الإيراني" المتربّص بالإسلام السني، كما يردّد مروّجو هذه البضائع الطائفية، والتي هي في ظني ليست حبًا في السنة، بقدر ما هي شيءٌ أقرب إلى مداهنة السلاطين والخلفاء وأمراء المؤمنين، المنخرطين في المشروع الإسرائيلي، كما عبّر عنه ولي العهد السعودي أكثر من مرة، آخرها في حواره مع مجلة ذي أتلانتيك الأميركية بالقول نصًا "إننا لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك".
ماذا يفعل الفلسطيني المقاوم وهو يرى كل الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء على القدس والأقصى، ويتخذون ألقابًا تتدرج من "أمير المؤمنين" إلى"وريث الخلافة" مرورًا بخادم المقدّسات، هم الأكثر هرولة نحو التطبيع والتعاون مع العدو، بالقدر ذاته الذي يديرون به ظهورهم لمبدأ المقاومة، ويشترون السلاح والود والرضا من الاحتلال؟
عندما تجد "حماس" والمقاومة نقطة دم الإنسان الفلسطيني أرخص عند بعض الأنظمة العربية من قطرة الغاز المسروق من فلسطين، فليس من سلطة أحدٍ أن يقرّر لها حدود علاقتها بإيران وما يسمى محور الممانعة، كما ليس من حقّ أحد أن يلومها على محاولة الحصول على الدعم من الذين لا يتحالفون مع الاحتلال ضدها.
تبقى مسألة ابتزاز المقاومة الفلسطينية بفزّاعة التطبيع مع النظام الإيراني، وبالتبعية نظام بشار الأسد، الذي يقتل أطفال الثورة السورية، من المفارقات المدهشة، بالنظر إلى أن التطبيع أوضح وأبعد بين هؤلاء المعتدلين والنظام السوري القاتل، مع التذكير بأن من الإجحاف أن يكون مطلوبًا من حركة مقاومة أن تسير في علاقاتها الخارجية وفق أساليب النظم السياسية الحاكمة ومقتضياتها.
سنظل مع المقاومة حيث ذهبت، وضد الاحتلال ومن يتحالف معه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق