شائعة العيد السعيد
فهمي هويدي
الإثنين، 26 يونيو 2017
هل نستطيع أن نتمنى لأنفسنا هذه الأيام عيدا سعيدا في مصر والعالم العربي؟ من حقنا أن نحلم بطبيعة الحال بتحقيق ذلك الأمل يوما ما.
لكن سؤالي ينصب على وقتنا الحاضر، الذي أصبحنا ننزلق فيه من حضيض إلى حضيض، ومن كابوس إلى آخر. وكلما اشتدت علينا الأزمات وظننا أن الأمور أوشكت على الانفراج، فوجئنا بأزمات أخرى أشد وأنكى.
تلح علي منذ حين عبارة أديبنا الراحل نجيب محفوظ التي قال فيها، إننا إذا هلكنا فهو العدل، وإذا نجونا فهو لطف من الله ورحمته.
وأدهش لنفاذ بصيرة الرجل الذي أطلق مقولته قبل سنوات عدة، حين كانت الأمور أقل سوءا بكثير مما هي عليه الآن. حتى يبدو لي أنه كان يستشرف المستقبل، ويقرأ صفحة زماننا.
إن الأزمة الخطيرة التي تتفاعل في منطقة الخليج هذه الأيام، نموذج لبؤس زماننا الذي غيب فيه الرشد والحكمة والمروءة في آن.
كأن الذي يجري تمهيد للهلاك الذي رأى الأستاذ محفوظ أننا نستحقه، ذلك أننا لسنا بصدد خلاف بين أشقاء، لكننا بإزاء لحظة تاريخية فارقة تشهد انهيارا لكل ما بنيناه وراهنا عليه. بدءا بفكرة الدولة الحديثة، وانتهاء بمنظومة مجلس التعاون الخليجي، ومعها قيم العمل العربى المشترك، مرورا بمبادئ العلاقات الدولية ليس بين الأشقاء أو الجيران، وإنما مع الأعداء أيضا.
ذلك أن مقاطعة وحصار دولة جارة ومعاقبة شعبها كله، ثم الإمعان في إخضاعها وإذلالها، واشتراط استسلامها وانبطاحها، لتبرير التعايش معها.
إن قائمة الشروط العشرة التي أعلنها الأشقاء القائمون على الحصار ليست مشروعا لحل الأزمة، لكنها أقرب ما تكون إلى وثيقة استسلام، فرضها طرف يقاتل عدوا وأنزل به هزيمة ساحقة، ثم قرر إفناءه بعد التنكيل به.
ومن المدهش أن نكتشف أن الأزمة مفتعلة، وأسبابها المعلنة بدورها مفتعلة، ولا دليل عليها. ويظل مخزيا وداعيا للأسى أن تتهم قطر من خصومها بدعم الإرهاب. ثم يصدر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بيانا يحذر فيه "الأشقاء" من التمادي في الترويج للاتهامات الزائفة التي تتهم بها دولة قطر الحليفة للولايات المتحدة.
أما الذي لا يقل غرابة أن تقحم مصر في الخصومة الخطرة، ثم أن يزايد بعض الإعلاميين المصريين على الجميع في تعميق الجراح وتأجيج الفتنة.
وبدلا من أن تقف الشقيقة الكبرى مع الكبار الذين نأوا بأنفسهم وتعاملوا مع المشهد بحذر رصين، وجدناها انزلقت في وحل الأزمة، إلى الحد الذي دفع بعض إعلامييها إلى استهداف قطر عسكريا، ومنهم من دعا إلى إحداث "تفجير أو اثنين" في ربوعها.
ولا يقولن أحد إنها مجرد مزايدات إعلامية غير مسؤولة؛ لأننا نعلم أن كلاما بهذه الخطورة لا يبث عبر القنوات التلفزيونية بما فيها المستقلة منها إلا في وجود ضوء أخضر من المراجع الأعلى. يؤيد ذلك أن الذين رددوا تلك الدعوات من المحسوبين على الأجهزة الأمنية.
إن رسالة ذلك الأداء الصادم تفهم بحسبانها تلويحا باحتمال القيام بعمل عسكري إزاء قطر. وهي الفكرة التي جرى تسريبها قبل أيام عدة. وتحدثت عن مخطط أعد لتدخل عسكري من بعض الأطراف الخليجية، يحدث انقلابا في الدوحة، لكن تحفظا أمريكيا أوقفه.
واقعنا البائس لا تدل عليه فقط الأزمة الخليجية وإعلان وفاة مجلس التعاون الخليجي، لأن البلوى أعم وأوسع نطاقا. والأزمة المذكورة ليست سوى أحدث فصولها.
أما عناوين الفصول الأخرى في كتاب البؤس فهي عديدة. فلدينا مأساة في اليمن المبتلى بالحرب العبثية والكوليرا. وأخرى في غزة المبتلاة بالحصار وبقطع التيار الكهربائي.
والمأساة أكبر في سوريا والعراق اللذين تم تدميرهما عمرانيا وحضاريا. يحدث ذلك في حين تدخل مصر في نفق مظلم بعد تمرير وإصدار اتفاقية تيران وصنافير، وفي ظل تزايد مؤشرات قمع الحريات وملاحقة النشطاء، مع استمرار الاحتفاظ بنحو 60 ألف شخص في السجون اتهموا في قضايا سياسية منذ سنوات عدة.
إزاء كل ذلك، يخيم الحزن المقيم على الأفق المسدود، وتتساقط الكلمات في الحلق حين يهم المرء بالحديث عن عيد سعيد لأهلنا وأوطاننا، حتى يبدو الكلام عن عيد سعيد وكأنه تعبير عن أمنية لا تخصنا وتعني أناسا غيرنا.
(عن صحيفة الشروق المصرية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق