الجمعة، 24 يونيو 2022

الإسلام الأصولي (5)

 الإسلام الأصولي (5)

فاتن فاروق عبد المنعم 

سبر أغوارهم:

المستشرقون الأمريكان، الخبراء رغم أنوفهم، هكذا توصل إدوارد سعيد، وهذا ما توقفنا عنده في المقال السابق، ويستمر سعيد في هجائهم فيقول ألا يكفي أننا بلغنا هذا المدى من التطور ودراسة مختلف التخصصات من علم الاجتماع والأنثروبيولوجيا (علم الإنسان) واللسانيات (اللغات المنطوقة) والتاريخ في مختلف جامعات أمريكا بما يكفي لأن يجعل المستشرقين يلتزمون الحيدة والنزاهة وألا يكتبوا عن الهوى ولا يستخدمون نفوذهم كخبراء!! عند تناول الإسلام والمسلمين من منطلق مشاعرهم المتأصلة الراسخة تجاه الإسلام.

هذا ما سبق أن قلته من قبل عند التطرق لبرنارد لويس، أن العالم يكفيه علمه ولا داعي لانتهاج أساليب العامة والدهماء بينما هو من الخاصة المضطلعين بعلم ما، وعدم التزام الحياد يضر أكثر من يضر العالم نفسه وليس غيره.

المشكلة الثانية طبقا لما قاله سعيد أنه عند حدوث أي أزمة أو توتر بين الغرب والشرق أو بين الغرب والإسلام (ربما هذا التوصيف من سعيد يعتبر تندر على الغرب الذي يرسم الشرق أو الإسلام طبقا لهواه وليس طبقا للحقيقة) فإنهم يلجأون إلى العنف المباشر من خلال انتهاج خطة عمل في كل الأحوال يعتبرها المسلمون شكلا من أشكال العدوانية ضد الإسلام.

وبطبيعة الحال فإن العنف سيقابل بعنف مضاد ثم نتهم بأننا إرهابيون.

استعادة نموذج معيب:

هنا سعيد يعرج إلى احتلال فرنسا وانجلترا لأجزاء من العالم الإسلامي، وأن البلدين قبل الهبوط بجيوشهم قام مستشرقوهم بدراسة الشرق الإسلامي دراسة متعمقة في كل المجالات، وأن فرنسا بعد خروجها من الجزائر حولت الاستشراق من علم أثري قديم إلى علم عقلاني لتصبح بعده زعيمة الاستشراق في العالم.

ولا أعرف على وجه الدقة لماذا استدعى سعيد أسوأ نموذجين للاستشراق على الإطلاق وهما ما انطلق علماؤهم إلا خدمة للاستعمار، والاستعمار البغيض ارتكبوا أبشع ما يمكن فعله بالأرض والبشر والتاريخ، خاصة زعيمة الاستشراق التي تتخير رؤسائها فقط من المصابين بالهوس من الإسلام والمسلمين، ونذكر للأهمية أن محفل الماسونية الأعظم مقره باريس وهذا ما لا يمكن تجاوزه أو إغفاله بمكان، ونذكر للأهمية أيضا أن زعيمة الاستشراق الواجب أن تحذو حذوها أمريكا!! كما يقترح أو يدعو سعيد وإن لم تقصر هذه أو تلك في سن مناهج العداء المنظم والمعلن تجاه الإسلام والمسلمين، وفرنسا الزعيمة لديها متحف يسمى متحف الإنسان تحتفظ فيه بجماجم البشر الذين احتلت بلادهم من العالم الإسلامي، تيها وافتخارا بما ارتكبوه من مجازر ومحارق ولا يخفى على أحد ما فعلته الزعيمة بالجزائر بلد العشرة مليون شهيد (وليس مليون كما يشاع) والذي كان من الواجب أن يتبرأ من فعلهم الجيل الحالي من الفرنسيين بل والعالم الذي يفيض إنسانية، ولكن أبدا هذا لم يحدث ولن يحدث، لأنهم على قلب رجل واحد، بفكر واحد وإن تباينت الآليات، إنها الحروب الصليبية الممتدة التي لم تتوقف إلا من جانبنا فقط، وهذه المنطقة من قراءاتي لإدوارد سعيد بها لبس والتباس لديه مما كان سببا أن عميت عليه الرؤية على نحو ما(لا أدل على ذلك من قول سعيد نفسه لا توجد أي منطقة أخرى غير غربية تسيطر عليها الولايات المتحدة بمثل سيطرتها على العالم العربي الإسلامي)

استعداء مع سبق الإصرار:

يقول سعيد: لدينا سلسلة من الكتابات الهزلية الكاريكاتورية الفجة المختزلة حول العالم الإسلامي، معروضة بطريقة من شأنها أن تجعل هذا العالم معرضا للعدوان العسكري، إضافة إلى أشياء أخرى تسمح بها هذه الطريقة، وليس من قبيل المصادفة حسبما أرى أن يكون الحديث عن تدخل الولايات المتحدة عسكريا في الخليج، أو ما يدعى بمبدأ كارتر، أو النقاشات الجارية بشأن قوات الانتشار والتدخل السريع قد سبقتها فترة من العرض العقلاني للإسلام عن طريق التليفزيون الهادي بواسطة الدراسات الاستشراقية الموضوعية، إن وضعنا الواقعي اليوم يشابه مشابهة مخيفة تلك النماذج التي سبق أن أشرنا إليها ونعني بها نماذج بريطانية وفرنسية في حقبة القرن التاسع عشر.

باعتراف سعيد لا يوجد سوى نموذج وحيد أوحد هو الذي طبقته كلا من فرنسا وانجلترا في القرن التاسع عشر عندما احتلتا العالم الإسلامي، والآن تقوم أمريكا بالدور الاستعماري وتنتهج نفس المنهج في الاستعداء علينا، بخبير مزيف أو كاتب مؤدلج وبمساعدة الطابور الخامس في بلادنا (وهؤلاء هم الذين يمهدون الأرض للمحتل في الوعي الجمعي).

عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

 «إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان»

انظر حولك، كم منافق عليم اللسان من حولنا؟ وأين تجده؟

وأي موقع يتصدر؟ وأين تجد المخلص الحقيقي عليم اللسان، غير الدعي؟

الإجابة على هذه الأسئلة ستحل لك الكثير مما ألغز عليك.

التحديث من منظورهم:

يقول سعيد: من بين الأوهام الكثيرة الصامدة في نظرية التحديث ظهر وهم وطيد الصلة بالعالم الإسلامي ونقصد به الوهم القائل أن الإسلام قبل مقدم الولايات المتحدة،

كان يعيش في طفولة كتب عليه أن يحياها للأبد مدرعا في مواجهة التطور الصحيح بمجموعة بالية من الخرافات ويمنع شيوخه وكتاتيبه الجاهلة خروجه من العصور الوسطى إلى العالم الحديث،

وفي هذه النقطة يلتقي الاستشراق والتحديث أوثق لقاء،

فلو لم يكن المسلمون أطفال قدريين يخضعون لظلم عقلياتهم وعلمائهم وزعمائهم السياسيين المتطرفين،

أفلا يستطيع أي مختص في السياسة والأنثروبيولوجيا والاجتماع أن يبين أنه يمكن إذا توفرت فرصة ملائمة إدخال شيء يماثل الطريقة الأمريكية في الحياة إلى الإسلام بواسطة البضائع الاستهلاكية والدعاية المناهضة للشيوعية والزعماء الصالحين، غير أن الصعوبة الكبرى للإسلام تكمن في أنه على النقيض من الصين والهند لم تتم أبدا تهدئته أو هزيمته حقا، وما زال الإسلام أو شكلا ما من أشكاله لأسباب كانت على الدوام تبدو كأنها تتحدى أذهان وفهم الباحثين يواصل اجتياحه لاتباعه الذين يعاندون القبول بالواقع، أو على الأقل ذلك الواقع الذي يتضح فيه تفوق الغرب.

حقا إنهم خبراء مزيفون،

 عندما يقولون أن الإسلام بحاجة إلى «تحديثهم» لأن الترجمة الصحيحة لمفردة التحديث المزعوم ليست إلا فرض أنفسهم علينا كأوصياء واجب علينا الإذعان الكامل لإملاءاتهم

وفرض أنفسهم كنموذج واجب الاحتذاء به دون قيد أو شرط، ودون مراعاة لخصوصية ما لنا نختلف بها عنهم،

إنه غرور القوة والرغبة المترسبة في اللاوعي باحتوائنا لنكون دائما وأبدا سوقا استهلاكية لمنتجهم ومعرض دائم لكل ما يخرج من مصانعهم،

فإذا فكرنا أن نشب عن الطوق بمنهج ما مخالف لهم تصدوا لذلك بكل قوتهم فما بالك والمنهج الذي نرغب في اتخاذه ينبع من الإسلام،

هنا تصبح الطامة الكبرى لأن هذا هو الذي مازال العائق الوحيد أمامهم لذا يشيطنوننا، ويحقرون من شأنه..

ونسي الخبراء المزيفون أن حضارتهم التي يريدون تصديرها إلينا «ليحدثوا» الإسلام بناها أجدادهم على ما سرقوه من منتج الذين انتهجوا الإسلام فقط،

فهل يعلم الخبراء المزيفون أن الجد السادس أو السابع على أحسن تقدير لكل منهم كان من سراق هذا المنتج أثناء الحروب الصليبية

ومن الأندلس المثال والأنموذج لكل جمال وارستقراطية ورقي وتطور وحضارة مازالت آثارها ماثلة،

بل وكل ما سرقوه من كل حواضر العالم الإسلامي

ومازالوا محتفظين بالمتون في الأديرة والمتاحف ومعاهد الاستشراق ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون،

هؤلاء الذين يريدون تحديث الإسلام هم أنفسهم المعوق الأكبر في تحديثنا،

بالحيلولة دون انتهاج الإسلام الذي يقودنا إلى التحديث الحقيقي.

يقول نيتشة عن نشأة أولئك بدولتهم الذين ينتظرهم الإسلام لتحديثه:

«إن جماعة من الوحوش الكواسر شقراء البشرة،

جماعة من الغزاة السادة، بكل مالها من أنظمة حربية وقوة منظمة تنقض بمخالبها المخيفة على طائفة كبيرة من الناس،

ربما فاقتها من حيث العدد إلى حد بعيد، لكنها لم تتخذ بعد نظاما يحدد أوضاعها، ذلك هو أصل الدولة»

وللحديث بقية إن شاء الله





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق