السبت، 3 سبتمبر 2022

3 سبتمبر 1260م: موقعة “عين جالوت” ونهاية المغول

 3 سبتمبر 1260م: موقعة “عين جالوت” ونهاية المغول

3 سبتمبر 1260م (25 رمضان 658هـ):

موقعة عين جالوت ونهاية المغول.

– دور “بركة خان” في تدمير المغول.

– انتبه.. المغول ليسوا هم التتار، ولكنه الخطأ التاريخي الكارثي

– “عين جالوت” تقع بين مدينة بيسان شمالًا، ومدينة نابلس جنوبًا في فلسطين،

وهي معركة تاريخيه عظمى، وقعت في 25 رمضان 658هـ، الموافق 3 سبتمبر1260م، بين المغول بقيادة (كتبغا) وجيش المسلمين بقيادة سلطان مصر: محمود بن ممدود بن خوارزم شاه (سيف الدين قطز)..

– قطز هو اسم أطلقه المغول عليه، حين قاومهم بشراسة خلال اختطافهم وبيعهم إياه وهو صغير، ومعنى قطز باللغة المغولية: (الكلب الشرس)

– “عين جالوت”..من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ العالم الإسلامي.

انتصر فيها المسلمون انتصارا ساحقا على المغول، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُهزَم فيها المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان.

– أدت المعركة لانحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائيا، وإيقاف المد المغولي المكتسح الذي أسقط الخلافة العباسية (سنة 656هـ، 1258م) كما أدت المعركة لتعزيز موقع دولة المماليك من مصر كأقوى دولة إسلامية في ذاك الوقت لمدة قرنين من الزمان، أي إلى أن قامت الدولة العثمانية.

المعركة:

– صلى جيش المسلمين صلاة الفجر يوم الجمعة 25 رمضان 658 هـ / 3 سبتمبر 1260، ورتبوا صفوفهم بعد الصلاة واستعدوا، وما إن أشرقت الشمس حتى أتى جيش المغول لسهل (عين جالوت) من الشمال، ولم يكن في السهل أحد من المسلمين، فقد كانوا يختبؤون خلف التلال، وكانت مقدمة الجيش بقيادة وزير الدفاع: “بيبرس” لا تخفي نفسها، وكان الهدف من هذه الخطة حتى يعتقد جواسيس المغول أن هذه المقدمة هي كل الجيش، وبدأت مقدمة الجيش في النزول من أحد التلال لسهل عين جالوت، وكان هذا النزول على عدة مراحل،

– كانت أول كتيبة نزلت لمواجهة المغول تلبس ملابس ذات لون أحمر وأبيض بقيادة القائد سنقر الرومي، ثم نزلت كتيبة أخرى تلبس الملابس الصفراء بقيادة القائد بلبان الرشيدي، ثم تتابع نزول الكتائب بألوانها المختلفة، وفي هذا الأثناء كان يقف بجانب قائد المغول (كتبغا) صارم الدين أيبك، وكلما نزلت كتيبة سأل كتبغا صارم الدين: يا صارم، رنك مَن هذا؟ (رنك كلمة فارسية تعني لون، وهو يقصد كتيبة مَن هذه) وكان صارم يقول: رنك فلان أحد أمراء المماليك، وبعد أن نزلت مقدمة جيش المسلمين بقيادة ركن الدين بيبرس بدأت فرقة عسكرية مملوكية في الظهور على أرض المعركة، وانطلقت بقوة تدق طبولها، وتنفخ أبواقها، وتضرب صنوجها النحاسية، وكانت الجيوش المملوكية تتلقى أوامرها في أرض المعركة بهذه الطريقة التي لا يعرفها العدو، فكانت هناك ضربات معيّنة للميمنة، وضربات معيّنة للميسرة، وضربات معيّنة للقلب، وكانت هناك ضربات محددة للتقدم والتأخر، وضربات خاصة لكل خطة عسكرية، وبذلك استطاع قطز أن يقود المعركة ببراعة، ووقف “بيبرس” بقواته على المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، بينما ترك السهل بكامله خاليًا من خلفه.

– نظر “كتبغا” إلى مقدمة جيش المسلمين فوجد القوة الظاهرة أمامه قوة قليلة جدًا، فأراد أن يحسم المعركة لصالحه بأسرع وقت، وقرر أن يدخل بكامل جيشه وقواته لقتال مقدمة الجيش (وهذا ما خطط له العبقري قطز)، أعطى “كُتْبُغَا” إشارة البدء لقواته بالهجوم على المقدمة التي ظن أنها كل الجيش، فتقدمت أعداد هائلة من فرسان المغول باتجاه مقدمة الجيش المسلم،

وقف بيبرس هو وجنوده في أماكنهم حتى اقتربت منهم جموع المغول، عندها أعطى بيبرس لجنوده إشارة بدء القتال، فانطلقوا باتجاه جيش المغول، وارتفعت سحب الغبار من المعركة، وتعالت أصوات دقات الطبول، واحتدم القتال للحظات، وثبتت مقدمة الجيش في القتال، وكانت مكوّنة من خيرة فرسان المماليك، قرر كتبغا استخدام كامل قواته لقتال مقدمة الجيش بعد أن رأى منهم الثبات في القتال، دون أن يترك أي قوات للاحتياط.

– استمر القتال سجالًا على الرغم من الفجوة العددية الكبيرة بين القوتين، ثم دقت الطبول دقات معينة وهي عبارة عن أوامر من قطز إلى بيبرس بسحب المغول إلى داخل سهل عين جالوت،

– بدأ بيبرس على الفور في تنفيذ أوامر قطز، فأظهر للمغول الانهزام وتراجع بظهره وهو يقاتل، وكان التراجع الذي نفذه بيبرس وجنوده تراجعًا سريعًا، وذلك حتى لا تهلك مقدمة الجيش، وعندما رأى كتبغا تراجع المسلمين أمر جنده بتتبعهم والقضاء عليهم، وبدأ المغول في دخول سهل عين جالوت للضغط على الجنود الذين انسحبوا، حتى أصبح جيش المغول بأكمله داخل سهل عين جالوت، وانسحب  بيبرس بجنوده إلى الناحية الجنوبية من السهل، وارتكب كتبغا قائد المغول خطأً تاريخيا جسيمًا بعدم تركه قوات احتياطية خارج السهل لتؤمّن طريق العودة في حال الخسارة، ولتمنع التفاف جيش المسلمين حول المغول.

– في هذا الوقت نزل جيش المسلمين الرئيسي من خلف التلال إلى ساحة المعركة، وأسرعت فرقة قوية من المماليك لغلق المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، وبذلك أحاطت قوات جيش المسلمين بالمغول من كل جانب، وعندها أيقن القائد كتبغا المكيدة التي انطوت عليه من المسلمين، وبدأ صراعًا لا مجال فيه للهرب أو المناورة، وتقدم أمير من أمراء المماليك واسمه “جمال الدين آقوش الشمسي” واخترق صفوف المغول حتى وصل لكتبغا، وقتله.. فبدأ جيش المغول في الانهيار بعد مقتل قائدهم، وأصبحوا يقاتلون ليفتحوا لأنفسهم طريقًا في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت، ليتمكنوا من الهرب.. لكن صرخات قطز المتتالية: «واإسلاماه… واإسلاماه… واإسلاماه» زادت جيش المسلمين قوة، حتى أنهم استطاعوا إبادة جيش المغول بأكمله، ولم يبقَ على قيد الحياة من الجيش أحد.

المغول وليس التتار:

– بسبب انطلاق المغول من أراضي التتار المسلمة (دولة تتارستان) التي كانوا يسيطرون عليها، للهجوم على بلدان العالم الإسلامي، حدث الخطأ التاريخي، وما زال الناس يخلطون بين التتار المسلمين، والمغول القتلة السفاحين.. فالذين عاثوا في الأرض فسادا، وهاجموا العالم الإسلامي، واحتلوا بغداد عاصمة الخلافة، هم المغول وليس التتار.

– جمهورية منغوليا (بلاد المغول):

دولة غير ساحلية في آسيا الوسطى، تحدّها روسيا شمالا، والصين جنوبا، وشرقا وغربا…

العاصمة: أولان باتور

تبلغ مساحة منغوليا 1,564,116 كيلومتر مربع ( 603909 ميل مربع )، ومنغوليا هي إحدى الدول الأقل كثافة سكانية في العالم، حيث يبلغ عدد سكانها حوالي 2.9 مليون نسمة.

الديانة السائدة في منغوليا: البوذية التبتية، ومنغوليا هي أفقر دولة في العالم، وأكثر دول العالم تخلفا.. ومعظم سكانها بدو رُحّل.. فسبحان الله.. الدولة التي حكمت العالم قرونا من الزمن، لا تجد قوت يومها الآن، وتتسول المعونات من روسيا والهند.

 دولة تتارستان (التتار):

إحدى الكيانات الفدرالية في روسيا، (دولة إسلامية مُحتلة، مثل الشيشان)، ولكنها من أغنى دول المنطقة، والأولى في إنتاج وتصنيع النفط في روسيا.. تقع على السفوح الغربية لجبال الأورال الفاصلة بين آسيا وأوروبا، على بعد 800 كلم شرق موسكو، مساحتها 68000 كلم مربع، عاصمتها قازان، وهي واحدة من أكبر المدن في روسيا وأكثرها ازدهارا.. فهي تلقب بالعاصمة الثالثة بعد موسكو وسان بطرسبرج.. ويقترب عدد سكانها من 7 ملايين نسمة من مختلف المجموعات العرقية،

– استطاع المغول في 1237م، السيطرة على دولة تتارستان، وجعلوها نقطة انطلاقهم لغزو بلدان العالم العربي، وكانوا يضعون رجال التتار دروعا بشرية في حروبهم، ولذا كان الخطأ التاريخي الظالم، والخلط بين المغول والتتار.. وفي سنة 1920م، ضمت روسيا، تتارستان إليها، وما زالت دولة التتار المسلمة ضمن جمهوريات الاتحاد الروسي

حكاية عبقري الإسلام.. قطز:

– هو ابن أخت جلال الدين الخوارزمي، ملك الخوارزميين المشهور (دولة أوزبكستان الآن) وأبوه هو قائد جيوش المملكة الخوارزمية، الأمير ممدود الخوارزمي، ابن عم السلطان جلال الدين وزوج أخته، والذي شارك السلطان جلال الدين في حروبه ضد المغول حتى استشهد فيها وهو في الثلاثين من عمره، وترك ابنه محمود صغيرا، وتكفّل خاله السلطان جلال الدين بتربيته بعد وفاة أبيه..

– نجح السلطان جلال الدين الخوارزمي في هزيمة المغول، ولكنهم انتصروا عليه بعد ذلك، وفرَّ إلى الهند، وعند فراره إلى الهند أمسك المغول بأسرته فقتلوا بعضهم واسترَقّوا بعضهم، وكان الصبي “محمود بن ممدود” أحد أولئك الذين استرقَّهم المغول، وأطلقوا عليه اسمًا مغوليًّا: قطز، وهي كلمة تعني: الكلب الشرس، ثم باعوه في أسواق الرقيق في دمشق، واشتراه أحد الأيوبيين، وجاء به إلى مصر، ثم انتقل من سيد إلى غيره، حتى وصل في النهاية إلى الملك المعز عز الدين أيبك ليصبح قائد جيشه.

– (أُوزبَكِسْتان) هي أعظم دولة إسلامية في التاريخ، وأكبر دولة سكانًا في وسط آسيا الآن، عاصمتها طشقند ومن أهم مدنها سمرقند،  وتضم أقاليمًا لها حُكم ذاتي، يبلغ عددها تسعة أقاليم. منها أقاليم لها شهرة عريقة في تاريخ الإسلام: منها بخارى وسمرقند، وطشقند، وخوارزم.

فقد قدَّمت هذه المناطق علماءً كبارا، ما زالوا بعلمهم وجهدهم يزيّنون التاريخ الإسلامي..

كان منهم: الإمام البخاري، والخوارزمي، والبيروني، والنسائي، والزمخشري، والترمذي، وغيرهم العديد من أعلام الفِكر الإسلإمي

– كان قطز تلميذا لشيخ الإسلام “العز بن عبد السلام”، سُنيًّا عادلا متديّنا زاهدا، يحفظ القرآن الكريم، لا علاقة له بسلوك المماليك وتصرفاتهم، فهو ابن الملوك الذي نشأ في القصور،

– وصفه الإمام الذهبي، في سير أعلام النبلاء، حيث قال: “كان فارسًا شجاعًا، سائسًا، ديِّنًا، محببًا إلى الرعية”

– قال عنه الإمام ابن كثير، في البداية والنهاية: “كان شجاعًا بطلًا، كثيرَ الخير، ناصحًا للإسلام وأهلِه، وكان الناس يحبونه، ويدعون له كثيرًا”

– استطاع القائد العبقري قطز إبادة جيش المغول بأكمله في عين جالوت، ولم يبقَ على قيد الحياة من الجيش أحد.

– جيش قطز بمعركة عين جالوت، كان يتألف من المماليك الذين يمثلون القوام الرئيسي للجيش، أي ما يعادل 70%.. ثم فصائل المتطوعين المجاهدين من المصريين والعرب والأتراك، وجميع الجنسيات الموجودة في ذلك الوقت، وكان عدد المصريين تقريبًا 40 ألفًا تجمّعوا من جميع نواحى مصر، واختلف المؤرخون في عدد جيش قطز، لكنهم أجمعوا أنه كان مقاربا لتعداد جيش المغول الذي زاد عن 200.000 جنديا، والله أعلم.

(جيش المغول كان به عرب من آسيا ومنطقة الشام، كما ذكر المؤرخون)

بَركة خان:

– يتناسى المؤرخون العرب اسم القائد المغولي المسلم (بركة خان) حفيد ملوك المغول، وابن عم هولاكو، في أسباب انتصارات عين جالوت، فقد أسلم بركة خان، وحَسُن إسلامه، وأقسم أن يجعل راية الإسلام هي العليا على وجه الأرض، وأن يدمر مُلك آبائه وأجداده المغول حُـبا في الله ورسوله.

استطاع بركة خان أن يشتت دولة المغول، ويأخذ نصف جيش الإمبراطورية المغولية، ويحارب أقاربه، ويرفع راية الإسلام، ولولا جهود بركة خان والحروب الداخلية التي نجح في افتعالها داخل الأراضي المغولية، وإرساله لأسرار وخبايا المغول وجيوشهم لقطز، ما سقطت إمبراطورية المغول.

الخيانة:

– تمكن سيف الدين قطز (تلميذ الشيخ العز بن عبدالسلام)، من إلحاق أول هزيمة بجيش المغول، والقضاء عليهم تماما، ولكن وزير الدفاع “بيبرس” قتل السلطان “قطز”،

– مات القائد المسلم “قطز” بسبب خيانة وزير دفاعه “بيبرس” الذي كان يطمع في عرش مصر، رغم صداقتهما، وقَسَم الولاء والطاعة الذي أداه بيبرس لقائده قطز، أمام شيخ الإسلام “العز بن عبد السلام” وكل أمراء المماليك وعلماء مصر.. ولكنها الخيانة التي كانت وما زالت سبب كل مصائبنا

– قطز لم يبقَ في كرسي الحكم إلا 11 شهرًا، و17 يومًا فقط! لم يُكمل السنة!

سنة واحدة فقط، استطاع أن يغيّر فيها خريطة العالم الإسلامي، بل خريطة العالم كله.

مات قطز – كما يقول الدكتور راغب السرجاني – بعد انتصار عين جالوت ب50 يومًا فقط، وإن كانت فترة حُكمه صغيرة، إلا أنه كان من أعظم رجال الأرض.

– إن قيمة الرجال وعظمتهم لا تقاس بطول العمر، ولا بكثرة المال، ولا بأبّهة السلطان.. إنما تقاس بالأعمال الخالدة التي تُغيّر من وجه التاريخ، ومن جغرافية العالم، وهى في ذات الوقت تثقل في ميزان الله عز وجل.


يسري الخطيب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق