المخطَّط الغربي الاستراتيجي تجاه العالم الإسلامي |
خبَّاب بن مروان الحمد |
لك أن تأمَّل في صورة ذلك الصحفي الأمريكي وهو يمشي بين تلك البيوتات القديمة ، لعلَّه يكتب المعلومات أو يتجسَّس بالأصح، ثمَّ يقف على مكان قد أعدَّ الحديث له وزوَّره في نفسه، فمراسل قناة(C.N.N) في الباكستان وتحديداً في بيشاور، قد أعدَّ نفسه ليقف داخل فصل لم يتجاوز الشباب فيه سنَّ البلوغ ، وقد كان يرمقهم بعينيه اللَّتين تقدحان شررا ، وهم جاثون على ركبهم ، يحفظون كتاب الله ، ثمَّ أشار إليهم قائلاً: ( هذا ... هو مطبخ الإرهاب) !! هكذا ينظر الحاقدون إلى محاضن تحفيظ القرآن الكريم بنظر الريبة والحقد ، ويستثمرون إذاعاتهم وفضائيَّاتهم وقنواتهم الإعلاميَّة لدسِّ الأكاذيب والشبهات في عقول الأمَّة الأمريكيَّة ، التي وصفها أحد مواطنيها بأنَّهم(أمَّة من الغنم)[1]!! ثمَّ تخرج الشعوب والجماهير الأمريكيَّة والأوروبيَّة لتصفِّق لقاداتها في حربهم للإرهاب، ولا عجب حين نجد أنَّ 85 % من الشعب الأمريكي يؤيدون الحرب على بلاد أفغانستان المسلمة، وكان هذا الاستفتاء في شهر رمضان المبارك عام(1422هـ)، بل إنَّ 80 %من الشعب الأمريكي أيَّد بوش على حرب العراق وفقاً لاستطلاع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون في العراق!! وعليه فقد قرَّرت محاكمهم ووزاراتهم وقادتهم وخبراء الصراع العسكري والفكري ، أن يغزو العقول الشَّابة المسلمة ، فـ(روبرت سوتلوف) والذي يعدُّ من أهم واضعي سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في نظر الكثير من السياسيين ، كما أنَّه المدير العام لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى كتب كتاباً بعنوان (معركة الأفكار في الحرب ضد الإرهاب)[2]ومن القضايا التي ركَّز عليها صاحب هذا الكتاب أهميَّة كسب عقول الشباب في الشرق الأوسط ، ومحاولة استقطابهم، وتحسين صورة الحكومة الأمريكيَّة لديهم. وصارت هذه الخطَّة من القضايا الاستراتيجيَّة المهمَّة عندهم ، حيث إنَّه لا بدَّ من استقطاب تيار الشباب المسلم الذي يتنامى بكثرة في البلدان الإسلاميَّة على حساب الدول الغربيَّة التي يقلُّ عدد الشباب فيها مقارنة نسبيَّة مع الشباب المسلم في البلدان الإسلاميَّة. وقد خطَّطوا لعدَّة وسائل رأوا أنَّها مهمَّة في كسب عقول الشباب، لعلَّ أفكارهم تتغيَّر ، ورسموا لذلك عدَّة أساليب وبرامج ووسائل معينة على تحقيق هذه الخطَّة وذلك الهدف الاستراتيجي ، ومن وسائلهم في ذلك : (1) أصدروا مجلَّة خاصَّة موجَّهة للشباب المسلم المسماة بـ(هاي)([3]) التي تحاول الترويج للثقافة الامريكيَّة بين الشباب المسلمين ، وقد أطلقت عام 2003م بعد عدَّة أشهر من الغزو الأمريكي للعراق. (2) أنشؤوا إذاعة (سوا) عام 2002م وهي محطة لأخبار موسيقى البوب ، كما تبثُّ الأغاني والأخبار ، وهي كذلك مشروع أمريكي مخطط لغزو البلاد الإسلاميَّة، وتحسين صورة الحكومة الأمريكيَّة من خلالها. (3) كتب (أرنولد إبراهام) أوراق قدَّمها لكليَّة الحرب القوميَّة ، والاقتراحات التي تتضمنها أكثر من مائة، ومن بين المشاريع المقترحة أفكارٌ لاستغلال الموسيقى والكاريكاتور في الصحف والشعر والإنترنت ؛ لنشر وجهة النظر الأمريكيَّة في العالم العربي ، والتأثير من خلالها على عقول ناشئة المسلمين ،وهذا الأمر مذكور في تقرير :( عقول وقلوب ودولارات). فهدف لهم إشغال شباب وفتيات المسلمين بالملاهي الخليعة والموسيقى الهابطة ، وتوجيه قنوات إعلاميَّة تعمل على ذلك لفئة الشباب بالخصوص ، وفي الفضائيات العربيَّة اليوم العديد من المحطَّات الغنائيَّة الفاجرة ، والتي يتمُّ عن طريقها نشر الفساد والرذيلة ، بل مقدِّمات الجماع ، كما التعارف بين الجنسين والتحادث الذي يستغرب المرء منه كيف يظهر في تلك القنوات كتابة وصوتاً ، ولكن إذا عُرِفَ السبب بطل العجب. (4) نشر المدارس الأمريكيَّة في الشرق الأوسط ، وممن نبَّه على ذلك الكاتب (روبرت سوتلوف) في كتابه : ( معركة الأفكار في الحرب ضد الإرهاب) ، وقد أشاد بهذه الفكرة كثيراً ، وبيَّن أنَّ هذه المدارس العالميَّة الأمريكيَّة بانتشارها في الشرق الأوسط تلعب دوراً مهماً في تعليم اللغة والقواعد الإنجليزيَّة على الطريقة الأمريكيَّة. ولا ريب أنَّ هذا الأمر له خطورة بالغة ، حيث يتم من خلاله استخراب فكري لعقول ناشئة المسلمين ، ومن المؤكد أنَّ لهذه المدارس الأجنبيَّة مخاطر شتَّى ، فهي أصلاً معقل من معاقل التغريب في بلادنا الإسلاميَّة ، والطعن للإسلام من داخله، والصهر للشخصيَّة الإسلاميَّة ، التي يريد الله أن تكون متميزة عن العالمين. وإذا نظرنا في تبعيَّة هذه المدارس فسنجد أنَّ كثيراً منها لا تخرج عن دائرتين رئيسيتين: الأولى : البعثات التنصيريَّة الكاثوليكيَّة والبروتستانتيَّة ، أو بما يسمَّى ( جمعيات التبشير). الثانية: السفارات الأجنبيَّة . وللأسف فإنَّ هذه المدارس تأتي بعدَّة حجج منها : نشر العلوم الحضاريَّة بين المسلمين ، وإقناع الناس بأنَّهم نموذج للتقدم والتنور ، وإزالة الجهل وغبار التخلف الموجود في البلدان الإسلاميَّة ، أو لأنها موجودة في بلاد المسلمين لتعليم أولاد الجاليات الإنجليزيَّة ! وعليه فقسْ من الحجج التي يقدِّمها ، أصحاب هذه المدارس لغزو البلاد الإسلاميَّة بهذه الطرق الخفيَّة، و الأنكى من ذلك أنَّ هذه المدارس يجعلون لها أولويَّة الوظائف الحكوميَّة والخاصَّة ، واعتبار شهادتها أقوى من المدارس الحكوميَّة والأهلية التابعة للبلاد الإسلاميَّة ، فضلاً عن كون من يتخرج منها ذا منصب مرموق ورفيع ! دعك من المنكرات الموجودة في هذه المدارس :كالاختلاط بين الفتيان والفتيات ، والمسابح المفتوحة للطرفين المختلطة، وإقامة شعائر الصلوات النصرانيَّة في المدارس (الأجنبيَّة ـ العالميَّة !) أمام أبناء المسلمين ، ويكفي من ذلك خطراً عقدياً على طلاَّب المسلمين. (5) إطفاء جذوة الروح الجهادية والكفاح الإسلامي المقاوم لتيارات القتل والاحتلال ، أو تيارات التغريب والانحلال ، وإلهائها باللهو الماجن ، والفن الرخيص ، لإبعاد شباب هذه الأمَّة عن قضاياهم الأصيلة. (6) تشجيع البعثات التعليميَّة وابتعاثهم لدول الغرب ، وبالتأكيد فسيتلقَّفهم هناك أناس قد أعدُّوا لهم العدَّة ، ورسموا للتعامل معهم خططاً ومنهجا. هذه أشكال وأنواع لمحاولة صرف الشباب عن الهدف والطموح الذي يناط بهم ، ولهذا فإنَّ أعداء الشباب من الصهاينة الجدد والليبراليون الجدد ، يحاولون قدر الإمكان أن يشغلوا الشباب العربي والمسلم بسفاسف الأمور ، والابتعاد عن منهجيَّة المقاومة والمدافعة بل والمواجهة للمشاريع التغريبيَّة ، ونشر ثقافة الاعتزاز بالإسلام . وهم يعتمدون بالدرجة الأولى في استقطاب الشباب وإسقاطهم في حبائل الفساد أو الضلال الفكري ، من طرق عدَّة أهمُّها على الإطلاق طريق الشهوات ونشرها ، والتي تعتني بالصور الماجنة ، وإظهار أهل الفن والطرب والغناء بمظهر النجوميَّة والشهرة ، وإلهاء شباب وفتيات الإسلام ـ بالذات ـ بهم ، عن طريق الكتاب والمجلة والإنترنت والفضائيات. وإنَّ ما يؤسف له أنَّ الخطة في تطويع الشباب للبرامج الإعلاميَّة الفاسدة قد نجح كثير منها، وإن كان هناك شباب كثر ـ ولله الحمد ـ لهم دورهم الكبير في مواجهة عتاولة الإفساد ورموز الرذيلة عبر طرق عديدة. غير أنَّنا صرنا نرى أناساً صاروا أبطالاً في عرف شباب الأمَّة كنجوم(سوبر ستار)و(ستار كلوب)(وستار أكاديمي)و(بج بريذر) وغيرها من البرامج السيئة التي لا تنشر إلاَّ ما يثير غرائز الشباب نحو الرذيلة والفساد. إنَّ من أخطر ما تواجهه الأمَّة الإسلاميَّة أن يقع الشباب في حبائل الخطط الجهنميَّة الإفساديَّة ، فالشباب يشكِّلون في الأمَّة المسلمة قرابة 60% وهذا رقم قياسي مقارنة بمجتمعات الغرب ، والتي ألَّف فيها بوكنان كتاباً أسماه(موت الغرب) من الجدير مطالعته والاستفادة من دراسة الوضع الحالي في الغرب، وقد قام الدكتور عبدالله النفيسي بعرض جيد له من المهم مطالعته كذلك. لقد آلمني مرَّة حين كنت أمشي في شوارع إحدى الدول العربيَّة ، وحين كنت أتجوَّل ذكر لي أحدهم شارعاً اسمه(شارع الثقافة) فذهبت إليه ، ورأيت العجب العجاب وقلت في نفسي ما أجمل الاسم وما أقبح المكان. لقد كان المكان يجتمع فيه أراذل الشباب والشابات وتقام فيه السهرات والمقاهي الميتة ، والألبسة العاريَّة ، وكانَّ هذا الأمر يلمح إلى أنَّ الثقافة ـ في عالمنا العربي ـ تعني المجون والتعري وقلَّة الحياء، أو لنقل ثقافة العري! * وسائل المواجهة المضادة: جدير بمن يعدون أنفسهم في عالمنا الإسلامي بأنَّهم الرؤوس العلمية والنخب الفكرية والمثقفة، أن يكون لهم دور كبير في حماية الشباب ، واحتوائهم فيكونوا على ثغر كبير من ثغور الحماية لأرواح الشباب ومهجهم من الوقوع في ما لا يحمد عقباه ، ومن هنا فإنِّي أزعم بأنَّ هناك ثلاثي خطير، أؤكد على ضرورة توجيه عقول الشباب نحوه، حتى لا يتقنصهم أهل الشر والفساد لإضلالهم، وهي: 1ـ معرفة مصادر التلقي في العقول الإسلاميَّة وتحصين العقول بها. 2ـ الولاء لدين الإسلام وتطويع الولاء لخدمة هذا الدين. 3ـ تشجيع الشباب على حبِّ العلم والعمل معاً والنيل من معين المعرفة. هذه ثلاثيَّة عامَّة أجد ـ بإذن الله تعالى ـ أنَّ التركيز عليها ، سيثمر أرضيَّة خصبَّة ، نجني منها ثماراً يانعة ، وعملاً بُنِيَ على قواعد إسلاميَّة خالصة. ففي القسم الأوَّل (معرفة مصادر التلقي في العقول الإسلاميَّة وتحصين العقول بها) وسيكون بهذا حماية للشباب من خطط مرسومة تجاههم ، يستطيعون من خلالها بإذن الله أن تكون لهم معايير واضحة فيما لو أشكلت عليهم قضيَّة منهجيَّة ، وبالطبع فإنَّه يدخل في ذلك عدة من القضايا التي من الضروري أن نستثمرها في صالح الشباب ومن ذلك: (1) حثُّ الشباب على العناية بكتاب الله حفظاً وتأمُّلاً وعملاً . (2) توثيق صلة الشباب بعلماء الأمَّة الربَّانيين والدعاة المصلحين. (3) تنبيه الشباب على كثير من الخطط آثمة الصنع والمصنع ، والتي منشؤها بالطبع فكري وآيديولوجي ، التي تستهدفهم بدينهم وعقديتهم ، وهي كثيرة للغاية وتحتاج لرصد وتتبع. كما أنَّ هنالك عدَّة قضايا جدير بأهل العلم والتربية أن يكون لهم دور في نصح الشباب وتوعيتهم بآثارها الخطيرة ومن ذلك: أ ـ من المهم أن يكون لأهل العلم والفكر والتعليم بالغ الانتباه والتؤدة في النصح بالدخول إلى المدارس الأجنبيَّة في البلاد العربيَّة ، فغالب هذه المدارس ـ إلاَّ ما رحم الله وقليل ما هي ـ مشروع لخطَّة يسعى لها قادة التعليم في البلاد الغربيَّة،لإفساد عقائد المسلمين ، بل إنَّها خطَّة تنصيريَّة ، حيث تعدُّ واحداً من مثلث التنصير( المدرسة ـ المستشفى ـ دار الأيتام). ولأجله فقد تواتر تحذير العلماء من فتح هذه المدارس الأجنبيَّة والتي تسمَّى في بعض البلدان بـ العالميَّة) أو بـ(مدارس اللغات) ، وتحدَّث أهل العلم والتربيَّة عن خطورة إدخالها لبلاد الإسلام بدون تصفية لمناهجها ، ومعرفة مناهجها ، وانضوائها تحت قيم الإسلام ، بل اعتبرها الشيخ عبد الرحمن حبنَّكة الميداني ـ رحمها لله ـ غزو في الصميم، وقال عنها المفكِّر المسلم محمد إقبال:"إنَّ التعليم ـ الغربي ـ هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي ، ثم يكون كما شاء ، وأنَّ هذا الحامض هو أشدُّ قوة وتأثيراً من أي مادة كيماويَّة"([4]). نعم ! نحن لا نقول بأنَّ تلك المدارس كلها كذلك ـ ولكنِّي أزعم جازماً ـ أنَّ غالب هذه المدارس هي بالشكل الذي وصفته ، وأنَّ ما شذَّ عنها ومنها فلا عبرة به ، وله حكمه الخاص في الدخول من عدمه كذلك. ب ـ تنظيم ابتعاث الطلاب ومحاولة قصره على المتزوجين ، والمحصَّنين فكرياً وعقدياً ، مع الرعاية التامَّة لهم ، وإرسال البعثات تلو البعثات ، للانتباه لمحاضنهم التعليميَّة والتربويَّة ، وخطورة أن يدخلها من يهوى إفسادها وحرفها عن قيمها ودينها . نعم! لا إشكال لمن اضطر واحتاج، أو ضاقت به السبل وضيَّق عليه الحكَّام إقامته في أرضه أن يلجأ لتلك الدول للعمل أو الدراسة، ولكن يعتبر نفسه ممثلا لأمة الإسلام فيجب أن يكون قدوة لهم في كافة نواحي الحياة ويكون نموذجا حيا للإسلام في الأخلاق والإخلاص في العمل والصدق والأمانة، كما يضع نصب عينيه عدة امور: أ) أن يكون لديه يقين يدفع به الشبهات. ب) أن يكون لديه صبر يدفع به الشهوات. ت)أن يكون سفره لضرورة ماسَّة وأن يحدث نفسه مرة تلو أخرى بضرورة مفارقة بلاك الكفر والانتقال لبلاد الإسلام خوفاً على نفسه وأولاده من الانحراف. يقال ذلك خصوصاً ونحن في زمن استلاب الأمَّة وضعفها وهوانها ، فكثير من الشباب يذهبون لتلك البلاد ثمَّ يرجعون بلوثة تغريبيَّة ، وبعضهم يرجع منتكساً مرتكساً ـ عياذا بالله ـ إعجاباً وهياماً بقيم الغرب، والأخطر من ذلك أن تذهب فتيات الإسلام بلا محرم وتدرس هناك السنوات الطوال ، ومعروف عند الجميع ضعف المرأة أما مغريات الحضارة ، ولعاعة الدنيا وخصوصاً في نظرة كثير منهنَّ لبلاد الغرب، وإن أمكن الاستغناء عن الابتعاث باستقطاب الأكاديميين للبلاد الإسلاميَّة. هذين نموذجين يهم الانتباه لهما من الدعاة والمصلحين المسلمين ، مع المتابعة والرصد الدائم لمحاولات أعداء الأمَّة المسلمة في غزها القيمي والفكري. وأمَّا القسم الثاني:( الولاء لدين الإسلام وتطويع الولاء لخدمة هذا الدين) فهذا الأمر يندرج تحته قضايا كثيرة ، ومنها: 1) الاعتزاز بدين الإسلام ، والارتفاع عن النظر لغيره من الأديان ، إلاَّ بنظرة الإشفاق عليهم ، ومحاولة استخراجهم من ضلالات العمى ، وانحراف الطريق. 2) الحذر من التشبه بالكفَّار ، أو الإعجاب بهم بقيمهم ، فإنَّ التشبه بهم هو المنزلق الأوَّل لبداية الانحراف ، وتنكُّب منهج الولاء لهذا الدين ، وإذا كان الرئيس الفرنسي السابق (فرانسو ميتيران) وقف يخطب في الجموع المحتشدة محذِّراً من تفشِّي ظاهرة لبس الجينز بين الشباب الفرنسي لأنَّه مظهر من مظاهر الغزو الأمريكي)([5]) فحري أن يكون لدينا حرصاً وحماية لمظاهر تديُّننا ، وعدم الانسياق والتبعيَّة الذليلة للتشبُّه بأعداء الدين ، حتَّى لا نكون بهائم إنسانيَّة ونحن لا نشعر ، ورحم الله الإمام ابن القيم حين قال: لا فرق بين مقلد وبهيمة *** تقتاد بين دعافر وجماد!! 3) هناك روح جهاديَّة في الأمَّة المسلمة ، حيث قامت هذه الأمَّة بتطويح الأصنام ، وتكسير الأوثان ، وتعبيد الناس لدين الإسلام طوعاً ـ وإن لم يكن فالجزية والقتال ـ هذه معالم من ديننا ينبغي ألاَّ ننساها ، أو أن يؤثِّر علينا بعض المنهزمين تجاه الغرب ـ ونحن لا نشعر ـ. ومن هنا فإنَّ تربية الشباب على معاني الجهاد في سبيل الله ، وأهميَّة الإعداد الكامل له ، وذكر قصص المجاهدين ، والاعتزاز بها ، وتحديث النفس بالغزو ، كلُّ هذه الأمور ملحٌّ طرقها في زمن الصراع الديني والحضاري ، وإنَّ من صفات هذه الأمَّة أنَّ راية الجهاد قائمة فوق سنامها وأنَّه ماض إلى قيام الساعة ، وأنَّ من صفات الطائفة المنصورة مواصلة المقاومة للكفرة المحتليَّن ، وجهاد أعداء الدين ، ولو كره الكافرون. 4) بذل الهمم في إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والتي أوصلها بعض العلماء إلى الركن السادس من أركان الإسلام ، وخصوصاً أنَّ هذه الشعيرة العظيمة يقف لها الليبراليون بالمرصاد ، ويرون أنَّه تدخل وتطفل ، وأنَّه لكل حريَّته فليفعل ما يشاء ، فلا أمر بمعروف ولا نهي عن منكر. 5) تشجيع مقاطعة جميع المشروعات الإمبراطوريَّة الغربيَّة وخصوصاً الأمريكيَّة ، وتجاهلها ، ومن بشائر ذلك ما سمعناه في الأخبار بأنَّ واشنطن أوقفت إصدار مجلّة (هاي) التي تصدرها باللغة العربية التي وجَّهتها لشريحة الشباب ، بهدف تحسين صورتها في منطقة الشرق الأوسط، وكانت هذه ثمرة طيِّبة نحتاج أن نستثمرها إيجابياً لتقوية الشباب وتشجيعهم على مقاطعة هذه الأجندة الغربيَّة. وفي القسم الثالث والأخير : ( تشجيع الشباب على حبِّ العلم والعمل معاً والنيل من معين المعرفة) فإنَّ الشباب بحاجة إلى عناية ورعاية ، واستثمار طاقاتهم وتوجيهها للإنتاج ، وحثهم على السعي والدأب لمواصلة السير في طريق العلم ، والنهل من معين المعرفة ، وضخّ ما تعلَّموه في قنوات الإصلاح ، وطرق الخير، لينتشر العلم والعمل معاً على أيدي الشباب. * كيف نوجه الشباب لفهم خلفية الصراعات العالمية؟ لقد تحوّلت الصراعات العالمية إلى صراعات أفكار وإيدولوجيات فكيف نستطيع أن نوجّه الشباب لحقيقة هذه الحروب لفهم خلفياتها ودوافعها وكشف تأثيراتها وانعكاساتها؟ هذه الصراعات العالمية ينبغي أن تحدث تشكيلة منقوشة في الخارطة الذهنيَّة لدى الشباب المسلم، لكي يعرفوا أنَّهم من أمَّة مسلمة مستهدفة بدينها وقيمها وثوابتها، ولهذا فأعداء الإسلام والمسلمين يحاولون قدر الإمكان صناعة العقول المتأمركة أو المستغربة ويخصون بذلك الشباب والفتيات ، ويحاربون أيَّة ظاهرة فيها يقظة إسلاميَّة فتيَّة على أيدي فتية مؤمنة آمنت بربهم وترجو هدى الله عز وجل،فمهم أن يدرك شباب الإسلام وفتياته الناضجات أنَّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنَّ هناك أمما من أهل الكفر يتربصون بهم الدوائر لصرفهم وثنيهم عن دينهم وفصلهم عن أمَّتهم الإسلاميَّة، لكي يكونوا بوقاً ينعق بما ينوح به غربان الكفر من أمم الشرق والغرب. نعم! نحن لا نقول كل الغرب عدو لنا، أو يريد النيل من حرياتنا، فليسوا سواء، وكما قال تعالى عن أهل الكتاب:(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقطنار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) وكما قال تعالى عن أهل الكتاب:(منهم امَّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) فليس الغرب واحدا كما تحدثت بذلك في حلقات سابقة ، وهناك أناساً محايدون لسياسة بلادهم، ويتظاهرون ضدَّ العدوان الخارجي على الأمم المسملة، ولكننا نردف قائلين بأنَّ الغرب السياسي وشرائحه القوية معادية للإسلام، وهي الشريحة المؤثرة فيه وللأسف، ولهذا تكذب على شعوبها وتصيِّر الإسلام والمسلمين لهم كالبعبع وتوالي بعضها بعضاُ في حرب هذا الدين العظيم، ولهذا فالشباب المسلم ينبغي أن يفتح بصره وأن يوقد شرارة الفهم في بصيرته بما يجري حوله من الحرب الشرسة بأهل الإسلام، فهو يرى كيف تحتل فلسطين منذ أكثر من 70 عاماً، ويرى أفغانستان محتلة من الامريكان وأذنابهم، وكذا الشيشان والصومال، وكذلك ينبغي عليه ألاَّ ينسى أنَّ هناك دولاً دخلها المسلمون وفتحوها أيام الفتوحات الإسلامية المباركة، كالأندلس التي تسمى الآن أسبانيا، وأن يعلم أنَّ المسلمين قد وصلوا فرنسا وحطَّت رحالهم في باريس، فهذه بلادنا ينبغي أن نحدث أنفسنا يومياً باسترجاعها. كما على الشباب المسلم الصاعد أن يتابع الأحداث والأخبار، ويتفاعل معها لا أن ينفعل وقتاً ما ثم يخمل، فلا نريده كشرارة في سعفة نخلة ما أن تشتعل حتى تنطفئ جذوتها. ولا نريده أن يكون مجرد رجل أشبه بالصحفي (الذي يجمع ويلتقط الأخبار فقط) بل نريده (صحفي وداعية)، لكي لا يشابه أهل النفاق بحبهم لسماع الأخبار فحسب، دون عمل أو خدمة لهذا لدين، ولهذا يقول الله ـ تعالى ـ عن أولئك المنافقين :(يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاَّ قليلاً) قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ :(أي عن أخباركم وما جرى لكم ، كل قادم عليهم من جهتكم . أو يسأل بعضهم بعضاً عن الأخبار التي بلغته من أخبار الأحزاب ورسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ . والمعنى: أنَّهم يتمنون أنَّهم بعيد عنكم يسألون عن أخباركم من غير مشاهدة للقتال لفرط جبنهم وضعف نياتهم) (فتح القدير4/263). إنَّ الشباب المسلم يجب عليه أن يتطلع لبناء رصيده الفكري، والانطلاق من ركائز الإيمان، لكي تكون الحقائق أمامه واضحة غير غامضة، فيتعلم ويتثقف ويطالع ويجتهد في معرفة دوافع الحرب على الإسلام، لكي ينتبه من اتباع غير سبيل المؤمنين، اولذي قال تعالى عمَّن سلكه:(ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولَّة ونصله جهنم وساءت مصيرا)وكذلك ليتبين ويستبين سبيل المجرمين كما قال الله تعالى:(وكذلك نفصِّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين) ولكي تكون الدوافع والخلفيات التي تدعو أمم الكفر لمحاربة المد الإسلامي بيَّنة لا غموض فيها أو لبس:(ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة)، وإنَّ من أعظم ما يعين الشباب على فهم منطلقات أهل الكفر والإلحاد أن تكون منطلقات ودوافع الشباب المسلم مستقاة من نور الوحي (كتاب الله جل وتعالى ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) لكي يعلم أنَّ الكفار ما فتئوا منذ أن أشرقت شمس الرسالة على هذه الأرض يكيدون للأمم المسلمة وينكلون بها، كما قال تعالى:(أتواصوا به بل هم قوم طاغون). ورؤوس الأمم الكافرة لهم دوافع وخلفيات في حربهم على الإسلام والمسلمين لا تخفى على العقل المسلم، فهذه حرب صليبية كما قال زعيمهم بوش، وحرب على الحضارة الإسلاميَّة كما قال أحد وزراء الغرب، وحرب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما فعلت الدينمارك والنرويج والسويد، وحرب على المقدسات الإسلامية كما توعدوا بقصف الحرمين الشريفين، وكما يهددون بهدم المسجد الأقصى، ويفعلون الأفعال التي تسيء لبيوت الله تعالى، وهي حرب على القرآن الكريم كما أشعلها عدد من مجرمي الغرب. ولهم في ذلك مآرب ومغازٍ خبيثة يطول شرحها، ولو تأملنا ما كتبه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق (ريتشارد نيكسون)، في كتابه "انتهزوا الفرصة"، حيث يقول:"يميل كثير من الأمريكيين إلى وصف المسلمين بأنهم غير متحضرين، لا يغتسلون، بربريون، همجيون، وغير عقلاء، يجذبون اهتمامنا فقط لأن بعض قادتهم لديهم ثروة كبيرة، تحكم منطقة تحوي ما يزيد على ثلثي احتياطي النفط، وهم يتذكرون الحروب الثلاثة التي شنتها الدول العربية في محاولة لإبادة إسرائيل" فهم يصورون لأنفسهم وشعوبهم أنَّهم مضطهدون، وما هو إلاَّ الكذب الصريح، والواقع يشهد أنَّ أمريكا ودول الغرب من خلفها كادت للدول الإسلامية بل يتبنون خيار المواجهة مع الإسلام والمسلمين، بالنكاية في دينهم، والاغتصاب لأراضيهم، والاستيلاء على اقتصادهم من مياه ونفط ومواد خام، ومنعهم من الاستقواء العسكري بحظر امتلاك اسلحة الردع والقنبلة الذرية او النووية، ومنعهم أو محاصرتهم باستخدام ثرواتهم بالطريقة التي تسبب لهم رخاء اقتصادياً، وكذلك بمحاربتهم في أخلاقهم وقيمهم بنشر الرذيلة والغزو الفكري. * خطوات يمكن اتباعها للشباب لاستيعاب الواقع السياسي: هناك خطوات على الشاب والفتاة أن يتبعانها لاستيعاب واقعهم السياسي واتخاذ إجراءات عملية ومشاركات إيجابية على هذا المستوى، ولا منازعة في أهمية ذلك، فالدين الإسلامي يستحث الناس على استيعاب الواقع، وعلى مخالطة الوضع العام في البلدان عموما، ولهذا نجد انَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ينزوي في صومعة فكرية أو يبقى في برج عاج ويخاطب من تحته بالاوامر والنواهي، بل كان يخالط الناس ويحادثهم، ولهذا فقد استغرب كفار قريش كيف أنه عليه الصلاة والسلام كان يخالط الناس، ولم يكن كمن كانوا قبله من العباد والنساك يعتزلون الناس في صومعة، ولهذا قال كفرة قريش:(وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ :(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)أخرجه الترمذي بسند حسن. والمسلم والمسلمة ما فتئوا منذ أن ارسل الله رسوله بالهدى ودين الحق بالمشاركة السياسية منذ أن بايع الصحابة والصحابيات حين قدموا من المدينة إلى مكة وقابلوا رسول الله وبايعوه على السمع والطاعة، وشاركت المسلمة في الجهاد في سبيل الله ومدواة الجرحى وإغاثة العطشى، ولكن مع هذا فالمسلمة لها حدودها والضوابط والقيود الشرعية التي تؤمن بها وتتحلى من خلالها. لم يبعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام إلاَّ لكي يحدث نقلة أخرى وإدارة للثقلين الجن والإنس استنارة من نور الوحي والرسالة، فأشرقت الأرض بنور :(لا إله إلا الله محمدا رسول الله) التي علم حينها كفار قريش بأنَّها ليست كلمة تقال، وإنما لها رصيد حيوي سياسي في الواقع، حيث قلب الله بها موازين الأرض من ضلالات الكفر إلى مثاليات الإسلام، وعلم كفار قريش وكفار الروم والفرس أنَّ لا إله إلا الله من ألفها إلى يائها مشروع تكاملي حضاري دعوي جهادي سياسي. لهذا فليعلم شباب الإسلام وفتياته أنَّ الدين الإسلامي دين ودولة، عقيدة وشريعة، عبادات ومعاملات، وأنَّ لا انفصام بين هذه الأمور بل ترابط وتكامل وبناء. وبناء على ذلك يتأسس المسلم على قاعدة صلبة من الإيمان بعقيدة الإسلام، لكي يعرف كيف يتحرك من خلالها بين المجتمعات المسلمة والكافرة، وكيف يحلل القضايا ويفهم الأمور، وكيف يتفاعل مع قضايا أمَّته، ومن الطرق المفيدة والخطوات المهمة التي يتبعها الشاب والفتاة لاستيعاب واقعهم السياسي لكي يتخذوا إجراءات عملية ومشاركات إيجابية على هذا المستوى، ما يلي ذكره: أ) ملازمة الوحي( القرآن الكريم والحديث الشريف) حتى يدرك المسلم الحقائق أمامه مستنيراً بالوحي الرسالي. ب)مشاورة العلماء الربانيين، والدعاة العقلاء الحكماء، في الوضع السياسي، وطرق التمشي مع الأوضاع السياسية الصالحة ودعمها، ومواجهة الأحداث السياسية السيئة في العالم وما أكثرها! ج)الاستنارة بآراء الخبراء السياسيين المسلمين، وخبراء التخطيط الاستراتيجي، وأصحاب الأقلام الجادة والأفكار النيرة، فيما يحقق وضعاً سياسياً مستقرا. د)اللجوء إلى الله تعالى عبادة وتضرعاً وإنابة وذكرا ، فقد قال عليه الصلاة والسلام:(العبادة في الهرج كهجرة إلي) أخرجه مسلم والهرج هي الفتن والأحادث الخطيرة والقيل والقال، ونحن نعلم أنَّ القوَّة الإيمانيَّة التي هي الزاد والمعين عند الملمَّات والصعوبات، وعليه فقد أوصى الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم قائلاً له:(قم الليل إلاَّ قليلاً * نصفه أو انقص منه قليلاً* أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً) ثم قال عزَّ وجل:(إنَّا سنلقي عليك قولاً ثقيلا) فقد أمر الله تعالى بقيام الليل ليكون زاداً يعينه على الدعوة إلى الله وحمل الأمانة لكون تلك العبادات من قيام الليل وقراءة القرآن تساعد على حمل هذه الامانة والقيام بها حقَّ قيام. هـ) كثرة القراءة للكتب المتخصصة في المجالات السياسية والفكر السياسي، وعدم التلقي الكامل بل يكون لدى الشباب عقلية التحليل وفك المعلومة وتركيبها، ومناقشتها لكن بعلم وأناة وحكمة وتريث، ليكون الشاب أو الفتاة أداة فاعلة لفهم المكتوب وتحريك الفكر، ليكون الشباب الذين يتربون على المبادئ والقيم تربية قادة لا تربية عبيد. و) أخذ الدورات التطويرية المتخصصة في مجالات(التحليل السياسي)(وطرق استشراف المستقبل)و(فهم الاستراتيجيات المتخصصة) و(تنمية المهارات البحثية)و(البنية الاستراتيجية للمجتمع الدولي المعاصر) و(الاتجاهات العالمية للمدارس الإعلامية السائدة في العالم) (الطرق العملية في إدارة الأزمات) فمثل هذه الدورات المتخصصة ستعطينا فهماً أعمق لما يجري حولنا من سياسات واستراتيجيات نحن بحاجة لدراستها على أسس علمية ومعرفية لكي نخرج بنتيجة صحيحة. ز) مقاومة تيارات التغريب الفكرية والاقتصادية، من خلال برامج عملية مخطط لها، والاستعانة بآراء الشيوخ وخبرة الحكماء في ذلك. ح) غرس الآراء الجيدة المتسقة مع ثوابت الشريعة الإسلامية في القضايا السياسية، وربط الناس بالدليل من النص الشرعي، وإقناعهم لتكون قناعاتهم السياسية قائمة على المنهاج الرباني. ط) أن يكون العمل عملا جماعياً منظماً تحت إطار مشروع أو مؤسسة أو شراكة مع مؤسسات ذات بعد تخطيطي وعملي قائم على سعة الأفق ودقة النظر وقوة الإرادة لأنَّ الشعور بالتحدي سيخلق وينتج لنا عملا سياسياً ونهضويا جاداً. ك) إعداد النفس للجهاد في سبيل الله، وتحديثها بذلك، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. إنَّهم ـ باختصار ـ قوم فاعلون لأمَّتهم ، متفاعلون مع قضيَّتهم ، منهمكون في أعمالهم، فلم تجذبهم الأرض فتثاقلوا لها ، ولم تلههم زخارف الحياة الدنيا ، إنَّهم أبعد ما يكون حالهم عن الركون إليها ، والانغماس في أتونها ، وصدق من قال : إذا الفتى لم يركب الأهوالا فأعطـه المـِرآة والمِكْحالا! واسْـعَ له! وعُـدَّه عِيالا!! ونحن لا نريد شباب الإسلام، أن يتواكلوا على غيرهم، أو أن يظنوا أنفسهم ليسوا أدوات فاعلة، فربَّ همَّة أحيت أمَّة، وأنصح جميع الإخوة القراء من الشباب أن يطالعوا مقالاً لي نشرته بهذا العنوان:(ربَّ همَّة أحيت أمَّة) لكي يعلموا أنَّ العزمات والإرادات الصلبة تصنع ما لا يظن المرء في يوم من الأيام أنَّه يستطيع أن يقوم بمشاريع ضخمة تثمر ثماراً يانعة مورقة تجاه تلك التحديات والمصاعب. فلن تدرك الراحة إلاَّ بترك الراحة ، والنعيم لا يدرك بالنعيم ، ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر، وكما قال أحد الدعاة: أنك إن جئت إلى فراشك ليلاً لتـنام وجدت لركبتيك أنيناً ، و في عضلاتك تشنجاً ، لكثرة ما تحركت في نهارك . فالشباب المسلم لا يتوانى ولا يكل ولا يعجز ، بل هو يمتثل قوله تعالى:(ادخلوا عليهم الباب ) ويوقن بعدها بالغلبة كما قال تعالى:(فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) ، ولهذا فإنَّه يقتحم ويبادر ولا ينتظر الأوامر إلاَّ من لدن الله ـ عزَّ وجل ـ ، ويرى أنَّ هذه العوائق والعقبات التي تعترضه في طريقه أمر لا بدَّ منه ، ولا مفر عنه ، فيزمُّ نفسه بالعمل ويبذل الجهد والطاقة لينال رضا الرحمن ومن ثمَّ رضا الذات،ليكون عصامياً ، واثقاً من ربه، ملتزماً للمنهج الإسلامي الذي يسير عليه، معتمداً على نفسه ومستعيناً برأي إخوانه، فيكون الشاب المسلم من مصغره داعية إصلاح ومعلم تغيير، ومن أولئك الغرباء الذين أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس، أو الذين يصلحون إذا فسد الناس»، فهذه المعاني هي التي تتّقد في قلوب الشباب فتدفعهم للبذل في الدين وممارسة الدعوة إلى الله على بصيرة. --------------------------- * باحث وداعية فلسطيني. [1] ) كتاب للمؤلف الأمريكي. [2] ) http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentID=7049 [3] ) مجلَّة هاي أسبوعيَّة أصدرتها الحكومة الأمريكية ممثَّلة في وزارة الخارجيَّة ، ويطبع منها 50 ألف نسخة شهرياً قبل إيقافها ، وقد توقَّف إصدار هذه المجلَّة بعد إصدارها بسنتين ، ثم أعلنت وزارة الخارجيَّة أنَّها ستوقفها على الإنترنت بدءاً من منتصف أغسطس (آب). [4] ) المدارس العالميَّة ـ للشيخ الدكتور : بكر بن عبدالله أبو زيد ، صـ9. [5] ) مقطع مأخوذ من كتاب العولمة : للدكتور : إبراهيم النَّاصر صـ27ـ صـ11. سلسلة رصد الاستراتيجية الغربية |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق