الأربعاء، 12 أكتوبر 2022

من الأفغان العرب إلى الروس العرب

 من الأفغان العرب إلى الروس العرب

وائل قنديل

يُحكى أن مجموعة من الشبان العرب الذين اندفعوا وراء العروض المغرية التي قدّمها الجنرال بوتين، وتشمل منح الجنسية الروسية، مجانًا، للأجانب الذين يلتحقون بالجيش الروسي، يعيشون رعبًا حقيقيًا هذه الأيام، بعد بدء استدعائهم للقتال على الجبهة الأوكرانية.

يؤكّد المقرّبون من هؤلاء الشبان أن حالة من الذعر تنتابهم، وخصوصًا أن خبراتهم العسكرية تكاد تكون منعدمة، ما يعني أنهم في حالة الذهاب إلى القتال سيكونون أول ضحايا حرب مجنونة لا يجيدون فنونها، ولا يعتنقون عقيدتها، كون المسألة برمتها كانت استثمارًا في العرض البوتيني المجاني، من دون أن يتوقّع أحدهم أن أيامًا فقط تفصله بين التقدّم للحصول على الجنسية والزجّ في الجحيم المستعر على الجبهة الروسية الأوكرانية.

في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على المرسوم الذي يسهّل منح الأجانب الجنسية الروسية إذا انضمّوا إلى الجيش، بناءً على النص الذي نشرته الحكومة، ويقول نصًا "سيحقّ للأجانب المرور بعملية تسرّع طلبهم إذا خدموا في الجيش الروسي ستة أشهر على الأقل، أو تعرّضوا لإصابة قبل مرور هذه المدة تجعل مواصلة القتال أمرا مستحيلا عليهم".

ليس من المتصوّر أن ينظر إلى هؤلاء الذين ذهبت برؤوسهم إغراءات الجنسية الروسية على أنهم"مجاهدون" اختاروا الدفاع عن روسيا عن عقيدة، بل هم يتّخذون موقفًا مشابهًا لمعظم مواقف الأنظمة العربية، والملتحقين بها من النخب السياسية والثقافية، التي تدخل إلى موضوع الصراع في أوكرانيا من باب الانتهازية والبراغماتية، وفقًا لحسابات الربح والخسارة، بين من يظنّ أن الكفّة الروسية هي الأرجح. وبالتالي، من المهم حجز المقاعد في قطار القيصرية الجديدة مبكّرًا، ومن يعتقد أن الموقف الغربي هو الأقوى. وعليه، لا بأس من الاحتفاظ بالمعادلات القديمة في العلاقات الدبلوماسية.

بين هؤلاء وأولئك يقف أصحاب نظرية الفخّار الذي يكسر بعضُه بعضًا، مدفوعين بأحلام اليقظة التي تقول إن نتيجة الصدام الكبير أن الطرفين سينهك أحدهما الآخر، ويخرجان أضعف بكثير مما كان، ومن ثم سيكون الرابح هم المتفرّجون الجالسون في الشرفات المصنوعة من كسر الفخار المتطاير، من صدام الفخّارين الكبيرين.

المعضلة دائمًا وأبدًا أننا لم نتعلّم دروس الماضي أبدًا، ولم نتّعظ من تجارب سابقة رفعنا فيها الشعار ذاته "دع الفخّار يكسر الفخّار ونحن المستفيدون" انتهت كلها بخسارات أفدح للمتفرّجين، إذ يبقى دائما أن نتيجة اصطدام الفخّار بالفخّار هو تكسيرنا نحن الضعفاء، الواقفين خلف نوافذ الانتهازية الحضارية، وارجع إلى حصاد الحربين الكونيتين في القرن الماضي، حيث بعد أن فرغ القطبان من لعبة الفناء كانت الحصيلة أن تمت إعادة تقسيمنا وتوزيعنا بوصفنا غنائم معركة على الأطراف المتحاربة، وأيضًا إنشاء الكيان الصهيوني من لحمنا الحي على أرض فلسطين، وهي الجريمة التي اتّحد في تنفيذها المتصارعون في الحربين العالميتين.

الثابت تاريخيًا أن الانتهازية لا تفيد، وأن التبعية تقتل أية فرصة في الحصول على مكانٍ محترم في خريطة العلاقات الدولية وتشابكاتها. وأذكر أنه في بداية الأزمة الأوكرانية تحدّثت عما وصفته" ذلك اللامنطق العبثي الذي يستند إليه بعض"عرب الجهاد الروسي"، حين يبرّرون الانحياز لروسيا باعتباره الخيار الأفضل لمصالحنا، بأن أوكرانيا تضايق روسيا وتهدّد أمنها القومي، بذهابها إلى طلب عضوية "الناتو" والاتحاد الأوروبي، كما أن رئيسها منحازٌ للمشروع الصهيوني، من دون أن ينتبهوا إلى أن دعمهم المشروع الصهيوني لا يقلّ كثيرًا عن دعم زيلنسكي، كونهم يتسابقون للفوز بالاحتلال الإسرائيلي صديقًا وشريكًا، وحليفًا محتملًا".

أخشى أن تنتهي الحرب في أوكرانيا فنبحث عن حصيلتنا منها، فلا نجد سوى لغم ديموغرافي جديد اسمه "عودة الروس العرب" على غرار العائدين من الأفغان العرب، الذين تنافست أنظمة عربية في تحشيدهم وإرسالهم للقتال ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، ثم كانت هذه الأنظمة أول من اعتبرتهم إرهابيين، لا مجاهدين، ثم اكتوت بالنار التي كانت وقودًا لإشعالها، حين مارست الانتهازية السياسية ذاتها في ثمانينات القرن الماضي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق