بماذا يختلف اتفاق الغاز اللبناني عن كامب ديفيد؟
ليس حزب الله على طاولة المفاوضات مباشرة... حسناً، لكنه موجودٌ عبر الحكومة المشارك فيها، والمتحكّم بها. لا توجد صور للسيد حسن نصرالله ولا لميشال عون يصافحان، هل هو تعفّف منهما، خصوصاً أن الأخير سبق أن صافح المحتلين عند دخولهم بيروت، أم أنهما لا يملكان شجاعة أنور السادات؟
اتفاق الغاز "التاريخي" بين لبنان وإسرائيل، كما وصفه مكتب يئير لبيد، والذي سيعرض على الحكومة الإسرائيلية المصغّرة غداً الخميس، تطبيق حرفي لمفهوم كامب ديفيد وما تناسل منه؛ أوسلو، ووادي عربة، واتفاقات إبراهيمية، أي تقديم المصالح الوطنية "الخاصة" على المصالح العربية "العامة". وكما قال يوماً وزير خارجية الأردن الأسبق، عبد الكريم الكباريتي، ليست "دول الطوق"، بل دول "قلع الشوك"، في إشارة إلى مقولة السوريين بعد اتفاق أوسلو "كل واحد يقلع شوكه بيده".
اتفقوا، بعيداً عن التنكيل باللاجئين الفلسطينيين حفاظاً على حق عودتهم، وبعيداً عن مزارع شبعا، وهذه حقوق لبنانية، كما هي فلسطينية. وبعيداً عن الحق الفلسطيني في الدولة والقدس و.. وبعيداً عن الجولان المحتل. ذلك وغيره ستجد صحيفة الأخبار، لسان دعاية حزب الله، تأويلاتٍ لها، وسيكتمل الاحتفال بالاتفاق النووي الإيراني، فمن المهم تخلّي إيران عن حقها في إنتاج السلاح النووي، في الوقت الذي تحتفظ به إسرائيل بترسانتها النووية. ما قد يعطّل الاتفاق هو فيتو المرشد الذي يمرّ بأسوأ أيامه منذ توليه قيادة إيران بعد الخميني، فالاحتجاجات تتّسع، وهي ليست إصلاحية ولا مناطقية، بقدر ما هي ثورية عامة، تضرب جوهر نظام الولي الفقيه، فقد يقفز المرشد إلى الأمام، ويدخل في مواجهة كبرى تشدّ عصب النظام وتعسكره.
لا يقلّ اتفاق الغاز اللبناني الإسرائيلي خطورة عما سبقه من اتفاقية كامب ديفيد وما تلاها. نجحت الحركة الصهيونية في فصل قضية فلسطين عن عمقها العربي، حتى في وجود نظام مقاومة بقيادة حزب الله. الحجج التي يردّدها أنصار حزب الله والتيار العوني الحاكم هي نفسها التي استخدمها السادات والملك حسين وأبو عمّار. بمعنى أن تحصل حقوقك من الغاصب الصهيوني بمعزل عن حقوق الأشقاء العرب. هذه ليست مزارع شبعا، هي حقول غاز تدرّ مليارات على الكيان الغاصب، وهذه الحقول ملك للشعب الفلسطيني وليست ملكاً للمحتلين... هذه أبسط مبادئ المقاومة.
في النهاية، تحوّل حزب الله، منذ دخوله في سورية، وتورّطه في الحرب الأهلية، إلى حزب طائفي، يقدّم مصلحة الطائفة في الحفاظ على نظام همجي وحشي على مصلحة الأمة في قيام نظام ديمقراطي في سورية.
وبهذا الاتفاق، تقزّم حزب الله إلى مشروع طائفي محلي، ولم يراع حتى حقوق الأشقاء في الجولان التي يبدو أنها تفتقر لوجود مرقد لآل البيت فيها!
حزب الله موجود على طاولة المفاوضات مع العدو الصهيوني، وإذا صدرت التعليمات من طهران بإحباط الاتفاق سيجد ثغراتٍ تُبطله، وإذا صدرت التعليمات بتمريره سيمرّ. بمعنى أن إيران ستقرّر، في النهاية، إذا كان اتفاق الغاز مع العدو الصهيوني، هو جزء من اتفاقية النووي مع الغرب والولايات المتحدة، أم هو عنصر تفجير وقلب الطاولة في حال فشل هذا الاتفاق.
من الواضح أن أي تقدّم في الملف النووي بين إيران والغرب مرتبط بالتقدّم في مفاوضات الغاز. تمرّ إيران بأسوأ ظرف داخلي منذ الحرب العراقية الإيرانية. ليست المعارضة إصلاحية، بل جذرية تضرب جوهر النظام. وهذه المعارضة الأيديولوجية للنظام تبدأ بالمرأة ولا تنتهي بالشيطان الأكبر. وتنظر هذه الحركة المعارضة إلى النظام باعتباره حليفاً لحزب الله وحركات المقاومة. بالنتيجة، سيتحوّل حزب الله إلى حركة فتح جديدة، وسيكون شعاره في المرحلة المقبلة ليس تحرير الجنوب اللبناني، ولا سمير القنطار، بل تحرير حقول الغاز.
وفي النتيجة الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق هو القضية الفلسطينية. إلا إذا قرّر المضي في استراتيجية حماية المراقد. وعلى قاعدة "لن تُسبى زينب مرّتين"، قد يستصرخهم الإمام الرضا في مشهد، خصوصاً بعد سبي مهسا أميني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق