«كابتشينو» على روح المرحوم!
خواطر صعلوك
في موسم 1965 /1966، وأثناء مبارة النادي الإسماعيلي ضد النادي الأهلي على استاد الإسماعيلية، وكان الاستاد على آخره، والجماهير قلقة، أحرز الإسماعيلي هدفاً، فوقف واحداً من الجمهور ونظر ناحية المقابر وهتف بصوت عالٍ جداً «جبنا جوووون يا رضا»... فسكتت كل الأصوات، جماهير الأهلي قبل الإسماعيلي، ودخل الاستاد كله في موجة بكاء حارة، وترحّم كل مَن في الملعب على اللاعب رضا...
- الله يرحمك يا رضا، رحمة الله عليك.
والذي كان قد توفي قبل المباراة بعشرة أيام، وهو لاعب الإسماعيلي الذي حقّق نجاحات كبيرة مع الفريق.
تُعجبني قصص الوفاء التي تعبر عن المحبة حتى بعد الموت، وفي كرة القدم تحديداً تجدها حاضرة مع كشافات الملاعب.
ويعجبني الدعاء للميت، سواء كان لاعباً أو كاتباً أو سياسياً أو إعلامياً أو فناناً أو مسؤولاً...
وأستنكر بشدة، ويُحزنني أن أحضر ندوة أو محاضرة لرثاء كاتب أو روائي، يكون حاضراً فيها كل أصدقائه ومحبيه وقرائه وكل كلماته وفعله الكتابي، الكل حاضر ولكن ما يغيب عن المشهد؛ الدعاء.
وأصاب بصدمة الريفي بشوارع المدينة، عندما أجد أن الشكليات أخذتنا بعيداً عن ما هو الأصل في الأشياء.
- الله يرحمه ويغفر له ويجزيه عنا خير الجزاء.
لا أسمع مثل هذه الدعاء أو غيره في مثل هذه المناسبات، بل قد يعتبره البعض سطحية ثقافية أثناء مناقشة أعمال الكاتب أو الفنان، وأننا في مناسبة ثقافية لا علاقة للدعاء بالرحمة فيها... مناسبة يُوزع فيها «كابتشينو» على روح الكاتب وليس بروشورات تطلب الدعاء والصدقة، وإذا كان ولا بد أن تدعو له فيكفي أن تقول بشكل ليبرالي متحضر «السلام على روحه»، أو «نتمنّى أن تكون» أيها الميت «قد وجدت السلام»، وذلك لكي تبدو عميقاً متبحراً في أعمال الميت!
وتكتب الجرائد عن أعماله، ويُلقِي أصدقاؤه الشعر والنثر، وربما قال بعضهم كلمات وَجِلت منها القلوب، وزرفت منها العيون، تُبكي الجميع دون أن تحرّك فيهم خيال أن صاحبهم «الآن» أمس ما يكون في حاجة للدعاء وبكثرة، أما أعماله فخالدة، سواء كانت أعمالاً رديئة تستحق الجحيم، أم أعمالاً صالحة تأخذنا بخيالها خطوة للأمام...
في كلتا الحالتين هو في أمس الحاجة للدعاء.
أذكر أني قرأتُ ذات يوم مقدمة كتاب للأديب علي طنطاوي، رحمه الله، يقول فيها إن كتبهُ قد بلغت الآفاق وطبعت بملايين النسخ، ولكن كل ما يرجوه هو دعوة بالرحمة بعد موته، ليس عقد ندوات وتأبينات يكون فيها أشخاص يتكلّمون عن عبقريته الأدبية دون أن يدعوا له بالرحمة وهو بين العزيز الجبار.
عزيزي القارئ، قد غسلت يدي بالأشنان البارقي والصابون الذي برائحة من بلاد فارس، من حضور أي مناسبة رثاء ثقافية لا يُذكر فيها اسم الله.
فكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.
Moh1alatwan@
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق