هل ستتغير علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي وتنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون؟
انعقدت القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان، وقد حضر الرئيس رجب طيب أردوغان الاجتماع كضيف خاص في الحوار بصفته ممثلًا عن تركيا.
في الواقع؛ كانت تركيا تنضم إلى هذا الاجتماع كشريك في الحوار منذ عام 2012، لكن وجود ظروف معينة على الصعيد العالمي جعل مشاركة تركيا هذا العام أكثر أهمية.
إن حالة الحرب التي بدأت مع هجوم روسيا على أوكرانيا جعلت العالم بأسره واقعًا تحت تأثيرها، كما أننا نشهد اليوم تشكل توازن قطبي جديد في العالم. لذا، تعتبر مشاركة تركيا -بصفتها عضوًا في الناتو وعضوًا مرشحًا لعضوية الاتحاد الأوروبي- ذات أهمية كبيرة.
لا يوجد تعاون بين أعضاء هذه المنظمة في المجالات الدفاعية العسكرية أو السياسية أو الأيديولوجية، وإنما يقتصر التعاون على المجال الاقتصادية البحت، كما أنه ليس هناك أي ضرورة تقتضي الابتعاد عن الديمقراطية لمجرد نشوء علاقة مع هذه المنظمة التي لا تفرض أي شروط على أعضائها، سواء في مجال الديمقراطية أو حقوق الإنسان، إلى جانب كون معظم أعضائها من دول غير ديمقراطية.
في واقع الأمر؛ نجحت تركيا في الحفاظ على حوارها مع جميع الأطراف، وبفضل ذلك تشكل تركيا أكبر فرصة لتحقيق السلام، إذ تُعيق علاقات أردوغان الجيدة مع بوتين الانتشار الواسع والسريع لتأثير الحرب على المستوى العالمي، كما أنها قد تخلق فرصة مهمة للحوار.
وفي خضم البحث عن موازين قوى جديدة؛ يتم النقاش حول ما إذا كانت مشاركة تركيا في منظمة شنغهاي للتعاون تعني تخلي أنقرة عن الكتلة الغربية.
علاوةً على ذلك؛ فإن تصريح أردوغان حول الأسئلة التي تتمحور حول أن الاتحاد الأوروبي يماطل تركيا منذ 50 عامًا، وأن ذلك دفعها للبحث عن بدائل، قد زاد المخاوف من هذا النوع؛ إذ إن إحدى صور هذا الاجتماع يظهر فيها أردوغان وهو يقف وسط القادة ويبدو الجميع فيها سعداء للغاية، قد أثارت مثل هذه الأسئلة بشكل أكبر، كما أن التعليقات على هذه الصورة قد تجاوزت التقييمات الحقيقية للمنظمة.
أولًا؛ لا بد من النظر إلى أن حوار الرئيس مع قادة العالم الآخرين وما تعكسه لغة الجسد في تلك الصورة، هو في الواقع متقدم بفارق كبير عن فعاليته الفعلية في شنغهاي. بالطبع؛ لا يمكننا القول ـانطلاقًا من الصورة التي نتحدث عنهاـ إن تركيا في وضع يمكنها من أن تجعل قادة البلدان جميعهم يوافقون على ما تريد.
فبالرغم من كل الحوارات والعلاقات الجيدة مع الزعيم الروسي الذي يجلس هناك على كرسيه المتواضع، فإنه لا يمكن الحصول منه على أية تنازلاتٍ -حتى لصالح الإنسانية- وذلك فيما يتعلق بالمجازر التي يقوم بها مع النظام في سوريا. فهو يفعل ما يحلو له هناك، وتركيا في حالة اضطراب من هذا الوضع على العديد من الأصعدة.
وقد رفضت تركيا ضم روسيا لشبه جزيرة القرم منذ البداية، وواجهتها بذلك في كل مرة، وطالبت بإنهاء هذا الاحتلال. ومن المنطلق ذاته؛ ترفض تركيا هجوم روسيا على أوكرانيا واحتلالها لها، وعلى الرغم من عدم اتباع تركيا سياسة الكتلة الغربية نفسها، فإنها تأخذ مكانها في الكتلة نفسها.
ولدينا العديد من الخلافات مع رئيس إيران -الذي حضر تلك القمة- نتيجة حالة عدم الاستقرار الخطيرة التي تسببت بها سياساته الطائفية في كل من لبنان والعراق واليمن، ودعمه الصريح للأرمن في قاره باغ التي انتهى فيها الاحتلال الأرميني، في الوقت الذي تستمر فيه الخلافات نفسها معه على الساحة السورية.
بالطبع، لا أحد يفكر في حصر هذه القمة في تلك الصورة، خصوصًا مع تزايد سياسات التفرقة والعنصرية تجاه المسلمين في الهند -الدولة الأكثر ديمقراطية في القمة- والظلم الذي تعرض له الأتراك تحت قيادة الرئيس الصيني الذي كان حاضرًا أيضا هناك.
في ظل المشاكل الكبيرة التي تواجهها هذه البلدان فيما بينها -ناهيك عن المشاكل في علاقاتها مع تركيا- فإن التعاون الوحيد الذي من الممكن أن ينشأ مع هذه الدول في المرحلة الحالية سيكون في المجال الاقتصادي فقط.
بخلاف ذلك؛ فإن الصين وروسيا -بصفتيهما أكبر شريكين في المنظمة- لا تخفيان التنافس الحاصل بينهما إلى جانب تعاونهما في العديد من المجالات.
لا يوجد تعاون بين أعضاء هذه المنظمة في المجالات الدفاعية العسكرية أو السياسية أو الأيديولوجية، وإنما يقتصر التعاون على المجال الاقتصادي البحت، كما أنه ليس هناك أي ضرورة تقتضي الابتعاد عن الديمقراطية لمجرد نشوء علاقة مع هذه المنظمة التي لا تفرض أي شروط على أعضائها سواءً في مجال الديمقراطية أو حقوق الإنسان، إلى جانب كون معظم أعضائها من دول غير ديمقراطية.
في هذا الصدد؛ ليس لدى منظمة شنغهاي للتعاون من ميزة تمكنها من تشكيل بديل عن الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو.
إن تركيا التي ربطت مصالحها عبر السنين بالتنوع في السياسة الخارجية؛ لا يعني أنها ستتخلى عن طلب عضويتها في الاتحاد الأوروبي لتقيم علاقة مع منظمة شنغهاي للتعاون، ربما تُظهر هذه العلاقة أن تركيا لا تفتقر حقًا إلى الخيارات، ولا بد أن وجود هذه الخيارات يزيد في النهاية من قيمة تركيا لدى الاتحاد الأوروبي؛ حيث يمكن أن تبرز كمرشح أقوى وذي مساهمة في الاتحاد الأوروبي من خلال مشاركتها في جميع التشكيلات غير التابعة له.
وقد تقدم منظمة شنغهاي مساهمةً إضافية في مجال العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لن تشكل بديلًا عنه، ودعونا لا ننسى أنه حتى من الناحية الاقتصادية، لا تزال تركيا تقوم بالجزء الأكبر والأكثر استقرارًا من تجارتها مع دول الاتحاد الأوروبي.
ومن الممكن تفسير ذلك بعدة طرق، ولكن على الرغم من أن العلاقات مع دول منظمة شنغهاي تبدو وكأنها تحدد طريقًا لا غنى عنه في عالم المستقبل، فإنه ليس هناك سبب يدفع للاعتقاد بأن هذا سيتطلب من تركيا التخلي عن مسار التحول الديمقراطي خاصتها.
إلى جانب ذلك؛ لم تعد تركيا تشعر بارتباطها بالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة في مسألة التحول الديمقراطي (الدمقرطة)؛ إذ إن الادعاء بأننا سنمضي قدمًا على طريق التحول الديمقراطي إذا كنا بالقرب من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ليس إلا خرافة في عقول المتعلقين بالغرب، فالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لا يدعمان أو يروجان للديمقراطية في دول أخرى غير دولهما.
ونحن نجد أن وراء كل الانقلابات والدكتاتوريات في العالم الإسلامي المتعاونين مع الغرب، وعليه فإن العقبة الكبرى أمام التحول الديمقراطي هي دول الغرب نفسها، وإلى أي مدى سينكشف بعد الدعم الذي تتلقاه المنظمات الإرهابية ضد الديمقراطية في تركيا مؤخرًا سواءً من الولايات المتحدة الأميركية أو من دول الاتحاد الأوروبي؟ هل لا يزال هناك شيء غير مفهوم أو لم يُر؟
على الرغم من ذلك؛ فإنه يتعين على تركيا أن تصر على التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان بإرادتها ودوافعها، ولا بد أن تكون القوة الدافعة الوحيدة التي تحتاجها تركيا هي حقيقة أن الأمة التركية أكثر من جديرة بذلك، وأن هذه الجدارة لا تحتاج إلى التوسل للحصول على الدعم أو حتى القوة الدافعة من أولئك المتعلقين بالغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق