الثلاثاء، 24 يناير 2023

قراءة في كتاب "موت الغرب"

 قراءة في كتاب "موت الغرب"

اسم الكتاب: موت الغرب 
اسم المؤلف: باتريك جبيه بوكانن. 

نبذة عن الكتاب

هو أخطر كتاب لكاتب أمريكي اسمه موت الغرب للمؤلف الأمريكي باتريك جبيه بوكانن.
ولمن ﻻ يعرف الكاتب، فهو سياسي ومفكر أمريكي معروف، عمل في منصب مستشار لثلاثة رؤساء أمريكيين، وهو كاتب لعمود صحافي دائم في عدد من الصحف الأمريكية، ومؤسس لثلاثة من أشهر برامج التلفزيون في أكبر قناتين أمريكيتين ( إن. بي. سي) و(سي. إن. إن).
ألف عديدا من الكتب، منها : 
- يوم الحساب 
- حالة طارئة 
- عندما يصير الصواب خطيئة
- الخيانة العظمى. 
والكتابان المشهوران جدا : 
- محق منذ البداية 
- جمهورية لا إمبراطورية 

موت الغرب كتاب للمؤلف الأمريكى "باتريك جيه بوكانن"... الكاتب ، فهو سياسي ومفكر أمريكي معروف، عمل فى منصب مستشار لثلاثة رؤساء أميركيين ..

والمؤلف في هذا الكتاب يتوقع فيه موت وإنتهاء الغرب وينبه إلى أن الموت الذي يلوح فى أفق الغرب هو فى الواقع موتان :

1) موت أخلاقي بسبب السقوط الأخلاقي الذي ألغى كل القيَم التربوية والأسرية والأخلاقية التقليدية.

2) موت ديموغرافي وبيولجي (النقص السكاني بالموت الطبيعى) .

ويظهر بوضوح في العائلة و فى السجلات الحكومية التي تشير إلى اضمحلال القوى البشرية فى الغرب وإصابة ما تبقى منها بشيخوخة - لا شفاء منها إلا بإستقدام المزيد من المهاجرين الشبان أو بالقيام بثورة حضارية مضادة تعيد القيم الدينية والأخلاقية إلى مكانتها التى كانت من قبل .

ويقول الكاتب أن الموت المقبل مريع ومخيف، لأنه وباء و مرض من صنع أيدينا ومن صناعة أفكارنا وليس بسبب خارجي مما يجعل هذا الموت أسوأ بكثير من الوباء الأسود الذي قتل ثلث سكان أوروبا في القرن الرابع عشر ..! 

فالوباء الجديد لا يقتل إلا الشباب مما يحوّل الغرب عموماً وأوروبا بشكل خاص إلى "قارة للعجائز" .!

القصة ليست مجرد تخمينات أو توقعات أو احتمالات، إنما هى حقيقة واقعة وسوف تصدمك لشدة وضوحها خاصة عندما تبدأ الأرقام بالحديث ..!

فوفقاً للإحصاءات الحديثة ,؛ هبط (معدل الخصوبة) عند المرأة الأوروبية إلى (1 طفل) لكل إمراة علما أن الحاجة تدعو إلى معدل (2 طفل) كحد أدنى لتعويض وفيات السكان الموجودين الآن - دون الحديث عن زيادة عددهم .. و إذا بقيت معدلات الخصوبة الحالية على ما هو عليه، فإن سكان أوروبا البالغ عددهم 728 مليون نسمة بحسب إحصاء عام 2000 مليون سيتقلصون إلى 207 ملايين فى نهاية هذا القرن إلى أقل من الثلث .

وفي المقابل، ففي الوقت الذي تموت فيه أوروبا لنقص المواليد، يشهد العالم الثالت الهند والصين ودول أميريكا اللاتينية (وخاصة المسلمين) إنفجاراً سكانياً لم يسبق له مثيل بمعدل 80 مليونا كل عام ..!

ومع حلول عام 2050م , سيبلغ مجمل نموهم السكاني 4 مليارات إضافية (4 مليارات إضافية من البشر) ..!

وهذا  يصبح كابوس الغرب حقيقة وتصبح أوروبا بكل بساطة ملكاً لهؤﻻء بعد وقت ليس بالبعيد ..! و يقول المؤلف أن الأرقام تصبح مخيفة أكثر عند تناولها لتشخيص مرض النقص السكاني على مستوى الدول والأمم بعد 50 عاماً من الآن ..! 

ففى ألمانيا، سيهبط التعداد السكاني من 82 مليونا إلى 59 مليون نسمة، وسيشكل عدد المسنين ممن تجاوزوا الـ 65 عاماً أكثر من ثلث السكان ..! 

أما إيطاليا، فستشهد تقلص عدد سكانها البالغ 57 مليونا إلى 41 مليونا وستصبح نسبة المسنين 40 % من التعداد العام للسكان . وفي إسبانيا , ستكون نسبة الهبوط 25 % . وستشهد روسيا تناقص قواها البشرية من 147 مليونا إلى 114 مليون نسمة .

ولا تتخلف اليابان كثيرا في اللحاق بمسيرة الموت السكاني. فقد هبط معدل المواليد فى اليابان إلى النصف مقارنة بعام 1950 ، وينتظر اليابانيون تناقص أعدادهم من 127 مليون نسمة إلى 104 ملايين عام 2050م .

أرقام مخيفة، لكن السؤال المحيّر :

- لماذا توقفت أمم أوروبا وشعوبها عن إنجاب الأطفال وبدأت تتقبل فكرة اختفائها عن هذه الأرض بمثل هذه اللامبالاة ؟!

يقول المؤلف : إن الجواب يكمن في النتائج المميتة لهذه الثقافة الجديدة في الغرب والموت الأخلاقي الذي جرته هذه الثقافة على الغربيين هو الذى صنع موتهم البيولوجي .

فانهيار القيمة الأساسية الأولى فى المجتمع (وهي الأسرة) وإنحسار الأعراف الأخلاقية الدينية التي كانت فيما مضى تشكل سدا فى وجه منع الحمل والإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار المؤسسة الزوجية إضافة إلى تبرير لا بل تشجيع العلاقات الشاذة المنحرفة بين أبناء الجنس الواحد، كل هذا دمر بشكل تدريجى الخلية المركزية للمجتمع وأساس إستمراره ألا و هى الأسرة .

وتبدو لغة الأرقام هنا أكثر هولا . فقد ارتفع الرقم السنوى لعمليات الإجهاض في الولايات المتحدة من ستة آلاف حالة سنوياً عام 1966 إلى 600 ألف عام 1976 بعد أن سمح بالإجهاض. و اعتبرت عملية قتل الأجنة حقاً للمرأة يحميه الدستور . وبعد عشر سنوات، ووصل الرقم إلى مليون ونصف حالة إجهاض فى العام الواحد .

أما نسبة الأطفال غير الشرعيين , فهى تبلغ اليوم 25 فى المائة من العدد الإجمالي للأطفال الأميركيين ويعيش ثلث أطفال أميريكا في منازل دون أحد الأبوين (إما بدون الأب وهو الغالب وإما بدون الأم) .

ومؤشر آخر خطير ..! فقد بلغ عدد حالات الانتحار بين المراهقين الأمريكيين ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 1960 . 

أما عدد مدمنى المخدرات (المدمنين وليس المتعاطين) فقد بلغ أكثر من ستة ملايين شخص فى الولايات المتحدة وحدها ! وقد تناقص كثيرا أعداد الشبان والشابات الراغبين في الزواج . 

ومن الطبيعى لمجتمع يسمح بالحرية الجنسية الكاملة ويتيح المساكنة بين الرجل والمرأة دون أيّ رابط شرعي أو قانوني فى بيت واحد، وخوف الرجل من قانون الأحوال الشخصية الظالم حين تأخذ الزوجة نصف ثروته في حالة الطلاق وإضطرار المرأة للقبول بالمساكنة بدون زواج بسبب حاجتها إلى رجل يقف معها ويحميها ناهيك عن الحاجة البيولوجية، أن يصل لهكذا نهاية .

أما قضية الشذوذ الجنسى وقانون الزواج بين أبناء الجنس الواحد ، فحدث ولا حرج حيث بلغت حداً لم يكن ممكنا مجرد تخيله في السابق ..!

وكانت هيلارى كلنتون المتعجرفة أول سيدة أولى فى البيت الأبيض تمشي فى تظاهرة لـ (مثليين) لإبداء تعاطفها مع قضيتهم ومطالبهم المشروعة !

وأخيرا ، يخلص المؤلف للقول إن هذه هى إحصاءات مجتمع منحط وحضارة تحتضر وتموت، وأن بلداً مثل هذا لا يمكن أن يكون حراً .. فلا وجود للحرية دون فضيلة ولا وجود للفضيلة بغياب الإيمان .


تقييم كتاب موت الغرب - باتريك جيه. بوكانن

 بقلم :محمود ثروت أبو الفضل

 الكتاب يمثِّل صفعة قويَّة على وجوه العلمانيين الذين اشتدَّ أذاهم في أوطاننا العربية والإسلامية، والذين صدَّعوا رؤوسنا طوال نصف قرن بحقوق المرأة، وفكرة الديمقراطية المتحرِّرة من أيِّ قيود، وتحديد الإنجاب؛ للتقليل من عدد السكان، وتكثيف برامج تحديد النَّسْل؛ لاستيعاب الثروات المتناقصة يومًا بعد يوم، ويتفاخرون بعلمانية الغرب وتقدُّمه الحضاري الهشِّ في داخله، ويشيرون إليه ليل نهار، مستشهدين بما هو فيه من ترَفٍ في الثروات وثقافة خاوية في التطبيق والتمكين، وها هو الغرب يئنُّ من خلال شهادة باتريك بوكانن القوية في كتابه "موت الغرب"، ويظل قول "بوكانن" الساخر المتهكِّم هو بمثابة اللكمة القاضيَّة التي تعقب صفعتنا الأولى لهؤلاء العلمانيين المسبِّحين بحمد الغرب وحضارته: "مفارقة المفارقات، اليوم يضغط غرب نصراني مسنٌّ يموت على العالم الثالث، وعلى العالم الإسلامي؛ ليقبل منْع الحمل والإجهاض والتعقيم، مثلما فعل الغرب، ولكن لماذا عليهم أن يدخلوا حلف انتحار معنا في الوقت الذي يقفون فيه لوراثة الأرض عندما نكون قد ذهبنا؟!"؛ ص 104.

 

 الكتاب يمثل درسًا قلَّما نجده في "نقد الذات" الأمريكي، فمن عجبٍ أننا وسط هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية الوهميَّة على العالم، وإرساء سياسة القوة الأُحاديَّة، بعد أن كان العالم تتنازعه قوَّتان متضادَّتان، وشهود الإمبراطوريَّة الأمريكية أوْجَ قوَّتها وظهورها، نجد أصواتًا من الداخل تنادي بالحذر من أنَّ الغرب يحمل في داخله بذور فنائه، وتنادي بسرعة التنبُّه لِمَا يحمله المستقبل من واقع قاسٍ استلهَمه الكاتب من سقوط الإمبراطوريَّة الرومانيَّة بعد وقوعها أوَّلاً فريسة لملذَّاتها وتَرَفها الداخلي، قبل استبدادها وجبروتها على بقيَّة الأُمم.

 

 يُعَد أسلوب الكاتب "باتريك بوكانن" متمكنًا للغاية من الاستشهاد بتجارب المواقف السياسية التي عاشها طيلة حياته السياسية، إلى جانب جو الطرفة والسخرية التهكُّميَّة التي تبرز مواطن الخَلل فيما يعرضه من قضايا بأسلوب متقبَّل للقارئ الغربي، الذي يتعامى في بعض الأحيان عن أصْل علَّته الإنسانيَّة، في ظلِّ هيمنة الثقافة العلمانية النفعيَّة على واقعه المعاصر، وهذا الأسلوب لا يجيده سوى القليل من الكُتَّاب المتمرِّسين الذين يؤمنون بقيمة ما يكتبونه، ومن ثَمَّ يثق بهم القُرَّاء.

 

 جاءت ترجمة الأخ المترجم في بعض مواضع الكتاب أشبه بالترجمة الحرفيَّة من الإنجليزية، وهذا وإن كان له فائدة؛ من حيث الاستمتاع بنصِّ عبارات مقالات الكتاب، والتعرُّف على قلم "بوكانن" الحقيقي بدون طريقة "التعريب" التي يَتَّبعها أغلب مترجمينا؛ للهرب من جو النص الأصلي، وتقريبه لأذهان القارئ العربي - إلاَّ أنَّه لا يخلو من عيوب في حقيقة الأمر، ونعذِر المترجم؛ فالكاتب من أصحاب الدراسات العلميَّة المغلفة بطابع أدبي، وهو ما يجعل مهمَّة ترجمة كتاباته مهمة محفوفة بالمخاطر بالفعل.

 

 يمكننا القول: إنَّ هذا الكتاب رغم توجيهه للقارئ الغربي - كرسالة تحذيرية؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه - إلاَّ أنَّه للقارئ المسلم العربي بمثابة البشارة التي يحتاج إليها المسلمون في وسط أرتال الظلاميَّة، وحالة الاستضعاف التي آلَتْ إليها أغلب بلدان عالمنا الإسلامي، وللتدليل على عظمة الحضارة الإسلامية التي تحمل مقومات بقائها، ووراثتها الأرض كما وعَد خالقُنا في كتابه الكريم، مع ضرورة التغيير الداخلي؛ ليغيِّر الله واقعنا، دون الالتفات لثقافات غربية تعمل على نهايتها واندثارها بأيديها؛ مصداقًا لقوله - تعالى -: ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [النحل: 118].

 

قراءة موت الغرب بقلم 


وهل يمكن للغرب بدُوله المتقدمة حضاريًّا أن يموت؟ ولِم لا؟ فقد ماتت أممٌ كثيرة من قبل، وانْهارت إمبراطوريَّات وتمزَّقت أخرى قديمًا وحديثًا، ماتتْ شعوب صغيرة بعقوبات إلهيَّة وبكوارث طبيعيَّة، وتقلَّصت إمبراطوريات حديثًا بعوامل حربيَّة، أو تمزَّقت اتِّحادات ضخمة بغير عوامل الطبيعة أو الحروب!

 

وأمَّا موت الغرب في هذا الكتاب، فلن يكون بالأمراض الوبائيَّة، ولا بالحروب المدمِّرة ولا بالكوارث الطبيعيَّة، والغرب في هذا الكتاب يضمُّ دول أوروبَّا الغربيَّة والشرقيَّة، وأمريكا واليابان، (كلّ من يصطبغ بصبغة الحضارة الغربيَّة وأمراضها الاجتماعية).

 

يقف باتريك بوكانن مطلاًّ على هذه الدُّول، التي يزيد سكَّانُها على مليار نسمة، وبلغت من الرقيِّ والزينة حتَّى ظنَّ أهلها أنَّهم قادرون عليْها، متحسِّرًا عليها وهو يراها تَهرم وتتلاشى جيلاً بعد جيل، وسنة بعد أخرى! فيحز ذلك في نفسه، فيصرخ في مواطنيها منبِّهًا محذِّرًا من هذا الخطر الدَّاهم الذي لم يأتِهم من خارج حدودهم، بل ممَّا جنتْه أيديهم وصنعتْه ملذَّاتهم، مصدِّرًا كتابه بأبياتٍ للشاعر ت. س. إليوت: "هذه هي الطريقة التي ينتهي بها العالم، بلا ضجيج بل الأنين والنشيج".

 

وقد أصدر كتابَه هذا مع بدايةِ القَرْن الحادي والعِشْرين في عام 2002م، وترْجَمه إلى العربيَّة الأستاذ محمد محمود التَّوبة، ونشرتْه مكتبة العُبيْكان في الرِّياض، في 528 صفحة، عام 1426هـ /2005م.

 

وبوكانن يحدِّد في عنوان كتابِه ثلاثة عوامل تؤدِّي إلى موت الغرب، هي:

1- شيخوخة المجتمعات الغربية.

2- تناقص السكَّان بسبب قلَّة الولادات عمَّا يعوض الوفيات.

3- غزْو المُهاجرين إلى الغرب.

 

المعرَّضون للخطر:

وفي الفصل الأوَّل من كتابه يحدِّد لنا أبرز الدُّول الغربيَّة التي يتهدَّدها هذا الخطر، فيشير إلى أنَّ "عدد سكَّان أوروبا من أيسلاندا إلى روسيا 728 مليون نسمة، وسوف يهبِط مع حلول عام 2050 إلى 600 مليون نسمة، وترى دراسة أُخرى أنَّ هذا العدد سيكون 556 مليونًا في منتصف هذا القرن، وإذا بقِيت معدَّلات الخصوبة الحاليَّة (العقم) ساريةً، فإنَّ سكَّان أوروبا سوف يتناقصون إلى 207 ملايين مع نِهاية القرن الحادي والعشرين، وسيكون مهد الحضارة الغربية قد صار قبرًا لها".

 

ويعزو ذلك التناقص في الولادات إلى "الاشتراكيَّة التي تضمن لكل مواطن التقاعُد من الدولة، وتَجعل النساء قادراتٍ على أن يكسبن أكثرَ من حاجتهن، فلا يبقَيْن بحاجة إلى الأزْواج، ولا يبقى الجميع بِحاجةٍ إلى أطفال يشكِّلون تأمينًا لآبائِهم وأمَّهاتِهم في شيخوختهم"، فما حاجتهم ذكورًا وإناثًا إلى الأطفال؟!

 

ويفصل القول عن بعض دول أوروبا، وما آلت إليْه ديموغرافيتها، فيذكر إيطاليا وروسيا وبريطانيا العظمى واليابان، فيقول عن هذه الأخيرة: "سيهبط عدد سكَّانها إلى 104 ملايين نسمة بحلول عام 2050، وسيكون عدد الأطفال اليابانيين حينئذٍ أقلَّ من نصف عددهم في عام 1950، وستكون قد أُصيبت بمرض آخَر هو شيخوخة الشَّعب، حين يكون عدد كبار السن ثَمانية أضعاف ما كان عليه عددهم في سنة 1950. (الأطفال أقل من النصف، والعجزة ثمانية أضعاف!).

 

ويتساءل: أمَوْت الغرب أمرٌ لا مناص منه أم هو تنبُّؤ؟ ويُجيب: ليس موت الغرب تنبُّؤًا بل هو تصويرٌ لِما يحدُث الآن، إنَّها مسألة رياضيَّات"

 

أين الأطفال؟

وفي الفصل الثَّاني يتساءل: أين ذهب كلُّ هؤلاء الأطفال؟ بل هل جاؤوا لنسأل أين ذهبوا؟ إنَّ أمَّهاتِهم وأَدْنهم قبل أن يُولدوا، فهنَّ يقضين شهواتِهنَّ غير متزوِّجات، أو متزوِّجات من غير تحمُّل عناء التربية والنفقة، ومن دون الحدِّ من حريَّتهن في اقتناص المتْعة والتنعُّم، والشَّرُّ كل الشر من حبوب منع الحمل، "فقد يأتي يومٌ يسمِّي فيه المؤرِّخون حبة منْع الحمل باسم: قرْص انتِحار الغرب"، والشرُّ كل الشر في عمليَّات الإجْهاض التي تقضي على بقيَّة الأجنَّة التي أفلتتْ ونجت من أسلحة دمارها الشامل (حبوب منع الحمل).

 

ويضرب أمثلة على هذا الوباء الثاني، فيذكر أنَّ ستَّة آلاف عمليَّة إجهاض أجريتْ عام 1966 في أمريكا، وقفزت إلى مائتي ألْف إجهاض عام 1970م، وإلى ستّمائة ألف عام 1973، ويذكُر أنَّ 40 مليون عمليَّة إجهاض أُجْرِيتْ في الولايات المتَّحدة منذ أبيح الإجهاض، ويحمِّل المسؤوليَّة في هذا التَّناقُص في الولادات للاقتِصاد الجديد (الصناعي)، ولإلْغاء راتب الأُسرة، وهيستيريا القنبلة السكَّانية، والحركة النسويَّة، والثَّقافة الشعبيَّة التي تضع منْع الجنس فوق سعادة الأمومة، وانْهيار النظام الأخلاقي!

 

وينعى على أصْحاب الثَّورة الثقافيَّة (مدرسة فرانكفورت: جورج لوكاش، وأنطونيو غرامشي، وماكس هورخيمر، وتيودور أدورنو، وإريك فروم، وويلهليم رايخ، وهير برت ماركيوز)، الذين دعَوْا إلى التحلُّل من الدين وتعاليمه والأخلاق والوطنية.

 

الهجرات القادمة:

"إنَّ الغرف التي أعدَّت لأربعين مليون نسمة في أمريكا لم يُولدوا (بالإجهاض) مُلِئت بالفُقراء والغرباء القادمين من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية"، فقد تقاطرتْ أفْواج المهاجرين على أوروبا وأمريكا قادمين من إفريقيا وآسيا.

 

"ففي عام 1999 تسلَّل خمسمائة ألف أجنبي إلى الاتِّحاد الأوروبي بصورة غير شرعيَّة"، "وفي الوقْت الذي تنكمش فيه أعداد السكَّان في البرتغال وإسبانيا وفرنْسا وإيطاليا واليونان، نَجد أنَّ عدد السكَّان في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر سوف يزيد 73 مليون نسمة في خَمسة وعشرين عامًا، وهو يرى أنَّ أوروبا غزَتْ إفريقيا واستعمرتْها في القرْن التَّاسعَ عشرَ، وها هي إفريقيا تغزوأوروبا وتستعْمرها في القرن الحادي والعشرين.

 

وهو يتوقَّع "أن يهبط عدد سكَّان روسيا من 147 مليونًا إلى 114 مليونًا مع حلول عام 2050، وفي الفتْرة نفسها يزيد سكَّان الصين بمقدار 250 مليونًا، وأرْضُ روسيا ضِعْفا مساحة الصين"، ولعلَّه بِهذا يشير إلى أنَّه يتوقَّع هجرة من الصين إلى روسيا، أو من الدول التي كانت في نطاق الاتِّحاد السوفيتي (دول إسلاميَّة)، والتي سيصبِح عدد سكَّانها بِمقدار سكَّان روسيا، وهم أفتى وأكثر فحولة.

 

أوروبا في أرْذل العمر:

وسيشيخ سكَّان أوروبا وتصبح "رجلاً ميتًا يمشي"، بعد أن فقدوا عامل الرَّغْبة في التضحية، وهذا المرض (عدم الرغبة في التضحية) انتقل إلى أمريكا، "التي فقدت آلافًا من الرِّجال حين نزلت قوَّاتُها على شاطئ النورماندي عام 1944م؛ ولكنَّها انسحبت من الصومال بعد خسارتِها ثَمانيةَ عشرَ من رجال المغاوير في كمين نصب لهم".

 

ويتعرَّض لحلِّ مسألة الشيْخوخة، الذي نفَّذته هولندا، وذلك بتشْريع الانتِحار بالمساعدة وبالقتل الرحيم الطَّوعي، الذي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2000م، حتى إنَّ "الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 12 - 15 عامًا يَحتاجون إلى موافقة الوالدَين كي ينتحروا، أو يحصلوا على مساعدة طبيب في ذلك، ولكنَّهم بعد تَجاوُزهم السادسةَ عشرةَ لا يبقون بحاجة إلى موافقة الوالدين"، ويخشى "أن لا تلبث أمريكا طويلاً خلف هولندا"، فهذه هي إنسانيَّة الإنسان عند الغربيين وحضارتهم.

 

ولا ينسى المؤلِّف أن يذكر في هذا الفصْل حالةَ إسرائيل والبلاد العربية حولها، فيرى أنَّ إسرائيل ستزيدُ في الربع الأوَّل من القرن الحالي 2.1 مليون نسمة، في حين يزيد جيرانُها في خمس دول - هي الأردن ومصر وسورية ولبنان والسعودية – 62.2 مليون، فالأردن وحدها ستزيدُ في هذه الفترة 5.4 مليون نسمة، وسيكون عدد الفلسطينيين في المنطقة 16 مليونًا مقابل ستَّة ملايين يهودي إسرائيلي، ويقول: "إسرائيل تواجِهُ إسلامًا له تاريخ قديم، بصفَتِه دينًا مُقاتلاً، وشعوبًا مستعدَّة للموت في سبيل قضيتها".

 

وفي فصلين آخرَين، يتحدَّث عن خشيته من أن تفكِّر المكسيك في استِرْداد ما قدَّمته في أوائل القرن التاسعَ عشرَ للولايات المتَّحدة من أراضيها، كما يأْسى لما يَجري من حرْبٍ على ماضي أمريكا، ومُحاولة تدمير ذاكرة الأمريكيين، وحرمانهم من معرفة أصولِهم، ومن أين جاؤوا.

 

اجتثاث النصرانية:

وفي الفصْل الثَّامن، يخشى أن تجتثَّ النصرانية من أمريكا، وهو يرى أنَّ الشيوعيَّة قد هزمت النصرانية الأرثوذكسيَّة، في حين جعلت الكاثوليكيَّة والبروتستانتيَّة من الرجل الأوروبي الغربي جدارًا منيعًا لا تَخترقه الماركسية؛ ولذلك قبل أن يقهر الغرب يلزم اجتثاث إيمانه الديني من الجذور، وعلى هذا بدأت مدرسة فرانكفورت (أصحاب الثورة الثقافية ذوو الجذور الماركسية واليهودية) "بالتعاون مع التقدميِّين؛ للاستيلاء على المؤسَّسات التي تشكِّل أرواح الشباب: المدارس، والكلِّيات، ووسائل الإعلام الحديثة، و..، وبعد ذلك يستطيع يسارٌ موحَّد أن يبدأ باجتِثاث النصرانية من الغرب".

 

ويستعرض المراحل القانونية التي تمكَّن هؤلاء من خلالها بِحلول القرن الحادي والعشرين، من إبعاد "احتفالات الفصْح، ومناظر ميلاد المسيح، وتراتيل عيد الميلاد، والكتُب النصرانية، والقصص، ومواكب الاحتفال، والعطل الدينية - عن مدارسنا العامَّة، ومن الميدان العام"، وصاروا يستفزون النصارى بالرسوم والصُّور العارية، والفنِّ والسينما؛ للسخْرية من الإيقونات المقدسة عند النصارى.

 

ويتساءلُ غاضبًا: "ماذا يمكن أن يحدُث لو أنَّهم هَزِئُوا بالمحرقة اليهوديَّة، بعرْض صور كمبيوتريَّة مختلطة لامرأةٍ عارية تلْهو مع قوَّات وحدات الحماية في معسكر أوشفيتز؟"، ويقارن المهانة التي وصلت إليها مقدَّسات النصارى في أمريكا، بِمواقف المسلمين الرَّافضة بشدَّة، والمانعة للإساءات الدينيَّة في فيلم عن النبي، أو "آيات شيطانيَّة" لسلمان رشدي، ويذكر أنَّه "حين قيل للنصارى في الإنجيل: "فليُدِر له الخدَّ الآخر"، كان المقصود الإهاناتِ الشخصيَّةَ الموجَّهة للنصارى، لا الإهانات الموجهة ضدَّ الله، فالمسيح نفسُه استخْدم السَّوط ليخرج صرافي الأموال من المعبد".

 

ويعرِّض بما وصل إليه هؤلاء من حقوق الشَّاذين جنسيًّا، ومن الحقوق المدنية.

 

وأخيرًا:

يتحدَّث عن أنَّ النصارى في أمريكا - على الرَّغْم من أكثريَّتهم - مذعورون، غلبتهم الثورة الثقافية (الماركسية اليهودية)، ففقدتْ أمريكا يقينَها الأخلاقي، وانتشر الفساد في أمريكا وأوروبا.

 

ويخلص إلى أنَّ هناك أربعةَ أخطار تهدِّد بقاء الحضارة الغربية، وهي: "غزوات المهاجِرين من العالم الثالث، وانقِراض الشعوب الأوروبيَّة، والتعدُّديَّة الثقافية، ونشوء دوْلة كبيرة عالمية اشتراكيَّة، وهذه القضايا هي التي ستُهيْمن على حياتنا، فهل ستبقى أمريكا؟ وهل سيبقى الغرب؟".

 

وفي الجواب عن ذلك؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوَهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ * وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 101، 102].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق