نعرات الأمازيغ؛ جراح جديدة للأمة
التفاضل بالتقوى، بالقيام بمنهج الله. والمسلمون أمة واحدة، واسم “الإسلام” هو الجامع للمسلمين بمختلف الأعراق والأوطان واللغات. في زمن الضعف تكثر تهارش الذئاب.
الخبر
تنتشر هذه الأيام الاحتفال بالسنة الأمازيغية (عام 2971) وتنتشر مثل هذه العناوين: “الجزائر تحتفل برأس السنة الأمازيغية: سهرات وأطباق عائلية وندوات وامتناع عن الدراسة”، “مطالب في المغرب لاعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدًا وطنيًا رسميًا”، “أمازيغ تونس يبحثون عن الاعتراف الرسمي إسوة برفاقهم في المغرب والجزائر”، “أسغاس أمغاز” .. سكان شمال إفريقيا الأصليون يحتفلون برأس السنة الأمازيغية”، “الأمازيغ يحتفلون بعامهم.. فما قصة هذا التقويم؟”، “الأمن المغربي يحقّق مع ناشطة أمازيغية هدّدت بـ”ذبح” العرب تضامنا مع الأكراد”، “رأس السنة الأمازيغية: من هم الأمازيغ الذين يحتفلون بقدوم عام 2971؟”. (1)
التعليق
هكذا تنشطر الأمة وتتمزق، يوما بعد يوم، ودعوةً إثر دعوة، وكلُ راية تمزّع قطعة من لحمها، طلبا لتشرذمها وشتاتها وإنهاء وجودها. الأمر ليس قديما فقد بدأه المنافقون يوم جعلوا راية (الوطن) ضد راية (العقيدة) فنادوا المؤمنين في المدينة وهم في مواجهة العدو الوثني (الكافر) والذي يقف بإزائه المؤمنون تحت راية (لا إله إلا الله) وهم من القبيلة نفسها والموطن نفسه (قريش)؛ ورغم ذلك فرّقت بينهما أواصر العقيدة وراية الدين، وجعلتهما أمتين وخندقين؛ شهد الله أنهما اختصما في ربهم (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ) [الحج:19] وانخلعت من قلوب المؤمنين ولايةُ ومودّةُ الآباء والأبناء والقوم والعشيرة من أجل العقيدة فاستحقوا ولاية الله عندئذ (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ) [المجادلة: 22].
برغم هذا وبرغم ميلاد الأمة من أول يوم دعا فيه رسول الله الى التوحيد.. كانت خطة المنافقين هي النداء (الوطني)!! ليقابل نداء العقيدة: (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) [الأحزاب: 13].
لقد جاء الإسلام ليرفع الناس الى التشرّف بالانتماء لخير أمة. وحرّم الله ورسوله الدعوة الى عصبية، والقتال تحت عصبية، وسماها دعوى الجاهلية، وجعلها نتنا يجب التباعد عنه، وجعل صاحبها معرضا للوعيد في الآخرة.
حرم الله تعالى العصبية سواءًا كانت عربية أو غير عربية. وجعل الشرف هو الانتماء لأمة التوحيد عبر الزمان كله؛ يقودها الأنبياء وتحت رايتها قوميات وفصائل؛ يتقدمونها في مقابل الشرك وأهله؛ أيا كانت القوميات والفصائل تحت راية الشرك.
تلاحظ جيدا أن الصحف الداعمة لهذه النعرة هي صحف غربية صليبية، وأن المحافل الدولية والقوانين والإعلام جاهز لاستقبال من يبدأ فيتقدم هذه النزعات المنتنة. وهو ينفخ النار فيها ويزكيها.
القطب الجامع وتحديد الهوية
كما يجب أن تعلم أن قطب رحى وتجمع هذه الأمة هو الإسلام، وهو التولي في الله تعالى. حيث هذا التعبير الرباني الموحي والعظيم (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّه) [المائدة: 55] (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ثم يتحدث عن نفسه تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْء) [آل عمران: 28] حيث أن ولاء المؤمن لأخيه فرع على توليهما لله تعالى. وتولي أحدهما لعدو الله “الكافر” هو فرع من التخلي عن ولاية الله. ومع هذا يتصور الجهال أن “الولاء والبراء” تمزيق على أساس الدين!! بينما هم يمزقون الأمة الإسلامية العظيمة، تحت مختلف النوازع والرايات والنعرات، فيقسمونها الى فسيفساء قومية، ثم وطنية، ثم عرقية، ثم جهوية، ثم ثقافية، ثم رياضية، ثم حسب الميول السياسية والإيديولوجية.. الخ.. ومع هذا التمزيق يزعمون أن الإسلام الجامع للأمة والمنشئ لها ـ يفرق بين الوطن..!
الى إخواننا البربر الكرام.. إن السنة القمرية التي اعتبرها الإسلام و”المسلمون” لم تكن مرتبطة بحادث “عربي” بل بهجرة رسول الله.. “الهجرة” مصطلح شرعي، و”رسول الله” وظيفة شرعية، والله هو الإله الواحد المعبود وحول توحيده تتجمع الأمة وترتبط في الله. ليس فيها نعرة قومية. وقد كان للبربر أو (الأمازيغ) دورهم التاريخي في الإسلام عِلما وبطولة وجهادا وفتحا ومُلكا. ولن يجدوا في غيره إلا ذلك الظلام الذي سبق الإسلام والذي يعقب وجوده في كل مكان يندثر أثره فيه.
رابطة الإسلام هي الرابطة العقدية التي تربط المسلم بالعالم وتحدد معالم الفرد المسلم الشخصية، وتحدد ولاءاته، وتحدد انتماءه، وتحدد تميزه ومفاصلته. وهذه هي هوية الإنسان المسلم في هذا العالم. ومن يُضعِف هذه الرابطة منافقون، يسعون لتمزيق الأمة ومنع فاعليتها والتآمر على دورها.
الجسد المريض تتناهشه الذئاب
وعندما تضعف الرابطة العقدية يصبح جسد المسلمين كالمريض تهاجمه مختلف الجراثيم فيدب هذا بندائه العروبي ويقابله الآخر بالنعرة التركية فيهب الثالث للزعيق الفارسي ثم ينتدب الأمازيغ أنفسهم للحلبة، ويتبعهم الأفارقة والروم وغيرهم، وهلم جرّا.
بينما الحبل الذي أمرنا الله أن نعتصم به هو حبلٌ واحد؛ هو حبل الله، وولايته وراية الإسلام التي ينضوي تحتها كل فصيل.
هذه الدعوات النتنة يجب أن تواجَه بالشدة نفسها التي واجهها بها رسول الله، يوم قال «دعوها فإنها منتنة». (2) ويوم قال «ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية» وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم، محذراً من العصبية: “دعوها فإنها منتنة..” (3) والدعوة الى التوحيد، والولاء والبراء، وجمع الأمة عليه وتربيتهم علميا وثقافيا ووجدانيا عليه.
هوامش:
- (CNN: الجزائر تحتفل برأس السنة الأمازيغية: سهرات وأطباق عائلية وندوات وامتناع عن الدراسة)
(CNN: مطالب في المغرب لاعتماد رأس السنة الأمازيغية عيدًا وطنيًا رسميًا)
(CNN: أمازيغ تونس يبحثون عن الاعتراف الرسمي إسوة برفاقهم في المغرب والجزائر)
(CNN: “أسغاس أمغاز” .. سكان شمال إفريقيا الأصليون يحتفلون برأس السنة الأمازيغية 2965)
(CNN: الأمازيغ يحتفلون بعامهم 2967.. فما قصة هذا التقويم؟)
(CNN: الأمن المغربي يحقّق مع ناشطة هدّدت بـ”ذبح” العرب تضامنا مع الأكراد)
(BBC: رأس السنة الأمازيغية: من هم الأمازيغ الذين يحتفلون بقدوم عام 2971؟) - أخرجه البخاري (3518)، ومسلم، (2584).
- رواه أبو داود (5121).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق