الغرب يدير الصراع مع الإسلام بحرق القرآن!!
مشهد حرق القرآن في السويد يشكل بداية مرحلة جديدة في الصراع، فهل يمكن أن تستعيد الأمة وعيها، وتقرأ التاريخ والواقع لتستعد لمفاجآت يجب أن نطلق العنان لخيالنا؛ لنتوقعها ونواجهها بأفكار جديدة؟
إن وسائل إعلامنا لم تقم بدورها في توفير المعرفة لجماهيرها عن هذا الحدث الخطير، ومعظمها ركز على الشخص الذي قام بحرق القرآن، مع وصفه بأنه متطرف؛ للتقليل من أهمية الحدث وخطورته. فهذا الشخص ارتكب جريمته في حماية الحكومة السويدية التي ادعت أنها تدافع عن حرية الرأي؛ وبذلك تكون الجريمة عملا يعبر عن الدولة التي وافقت عليه وشجعته؛ وهذا العمل من تجليات الإسلاموفوبيا التي تقوم وسائل الإعلام الغربية بالترويج لها، واستخدامها في إدارة الصراع مع الأمة الإسلامية.
لكن هل تريد أوربا هذه الحرب؟!
كما أن التيار السياسي الذي يتبني العداء للإسلام تزداد قوته في أوربا، وأصبحت الإسلاموفوبيا وسيلته للوصول إلى الحكم، ويعتبر الرئيس الفرنسي ماكرون من أهم قادة هذا التيار الذي يعمل لإشعال نيران الكراهية والعنصرية ضد المسلمين.
لذلك تهدف جريمة حرق القرآن إلى إثارة مشاعر المسلمين، وإهانتهم وإذلالهم، بهدف إدارة صراع طويل المدى يمكن أن يتحول إلى حرب مدمرة خلال الأعوام القادمة. فالحرب الصليبية يمكن أن تكون حلا لأزمة وجود تواجهها أوربا بعد أن خفت بريق مشروعها التنويري الذي بنت على أساسه قوتها طوال القرنين الماضيين، والذي قام على فرض السيطرة على المسلمين بارتكاب جرائم الإبادة العنصرية خاصة في الجزائر وأفريقيا.
ونتيجة لهذه الجرائم بدا أن الإسلام انهزم، وأن الأمة الإسلامية أصبحت ضعيفة، ولا يمكن أن تتوحد أو تبني قوتها. ذلك ما يبدو لعبيد الواقع الذين ينظرون تحت أقدامهم، ويطبقون المنطق المادي الغربي، لكن مراكز البحوث الغربية ترصد مؤشرات مختلفة توضح أن المسلمين يمكن أن ينتفضوا ويستعيدوا قوتهم ويحققوا حلمهم بإعادة بناء الحضارة الإسلامية وتقديمها إلى البشرية بديلًا للحضارة الغربية المادية الظالمة، وأن الإسلام لم يتعرض لهزيمة ساحقة بعد، ويمكن أن يحقق انتصارات جديدة.
من أهم تلك المؤشرات أن الأمة الإسلامية أدركت أن الاستبداد هو سبب ضعفها وتخلفها وتبعيتها وخضوعها للغرب؛ لذلك تطلعت الشعوب خلال ثورات الربيع العربي للاستقلال الشامل، بعد أن أدركت قوة العلاقة بين الاستبداد والعبودية للغرب.
لكن لماذا القرآن؟
إن الغرب يمتلك مراكز علمية متقدمة، تحلل الأحداث وتفسرها، وتدرس الواقع بعمق، وتدير الصراع بكفاءة، لكنها تقوم بإخفاء الحقائق، ولا تنشر سوى المعلومات الزائفة التي تضلل بها الرأي العام، وتغرق الجماهير في التسلية والتفاهة والسطحية حتى لا تتطلع لتغيير واقعها الكئيب بإسقاط الحكام المستبدين، وفرض إرادتها باختيار قيادات جديدة تبني المستقبل على قواعد الحرية والعدل والمشروع الحضاري الإسلامي.
ومن المؤكد أن المراكز العلمية الغربية تدرك أن القرآن هو مصدر قوة الأمة الإسلامية، وأنه يمكن أن يوحد الأمة، ويبني مستقبلها، وأنه كلما تزايد عدد الذين يتطلعون لبناء المستقبل في ضوئه؛ فإن الكثير من المفاجآت يمكن أن تحدث، ومن أهمها أن الأمة الإسلامية يمكن أن تتوحد وتنتصر.
لذلك كان حرق القرآن وسيلة لاختبار قوة الأمة، ومدى تمسكها واعتزازها به، واستعدادها للدفاع عنه؛ وبذلك يمكن أن نفهم أنها ليست جريمة فردية، بل وسيلة لإدارة الصراع، وحرب الإرادات، وصدام الحضارات، وصياغة سيناريوهات المستقبل.
أمام السفارة التركية.. لماذا؟
لكن لماذا اختارت السويد أن يتم حرق القرآن أمام السفارة التركية؟! إذا درسنا الحدث في سياقه السياسي والثقافي يمكن أن نكتشف حقائق مهمة إذا استبعدنا التفسيرات السطحية التي تقوم على أن الجريمة ردّ على معارضة تركيا لانضمام السويد لحلف الناتو، فالغرب لا يفكر بهذا الأسلوب البسيط.
كما أننا يجب أن نأخذ في الاعتبار تشجيع السويد لحزب العمال الكردستاني لإثارة المشكلات لتركيا، والقيام بأعمال تستهدف تدمير استقرارها خاصة قبل الانتخابات التركية بهدف إسقاط أردوغان.
لكن تلك المؤشرات توضح أن التفكير الغربي في المستقبل لا يقتصر على استخدام تلك الوسائل البسيطة، فالأمر أكثر تعقيدا، والغرب يدرك أن تركيا تحولت إلى قوة إقليمية وعالمية، وأن أردوغان يمتلك خيالا جغرافيا وسياسيا وحضاريا لبناء قوة تركيا في كل المجالات.
ففي المجال الاقتصادي استطاع أردوغان أن يقدم رؤيته لبناء اقتصاد قوي يقوم على الإنتاج الصناعي والزراعي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
كما تمكن أردوغان من تطوير الصناعات الدفاعية، وابتكار أسلحة جديدة، تفوقت فيها تركيا مثل المسيّرات والغواصات والصواريخ، وتزايدت جهود تركيا في البحث عن الثروات واستغلالها مثل الغاز؛ وهذا يوضح أنه إذا استمرت تركيا في طريقها فإنها ستصبح دولة عظمى قوية وقادرة على حماية نفسها؛ وهذا يثير ذكريات الأوربيين التاريخية، وخوفهم من أن تتحول تركيا مرة أخرى إلى قوة عالمية.
قوة النموذج والحلم
لكن من أهم مؤشرات المستقبل أن الأمة الإسلامية أصبحت تتطلع إلى النموذج التركي الذي يوضح أن الأمة تستطيع أن تبني القوة الصلبة عندما تمتلك الإرادة لإدارة مواردها، ويمكن أن تبني اقتصادا قويا.
النموذج التركي يلهم الأمة الإسلامية، ويثبت أن القوة يمكن أن تتحقق، وأن الانطلاق لتحقيق الحلم وبناء المستقبل هو اختيار القيادة القوية الأصيلة التي تمتلك الرؤية والتاريخ المشرّف، والتضحية من أجل المبادئ، والإصرار على حماية حقوق الشعب، فالإنسان الحر هو الذي يستطيع أن يبني ويفكر ويبتكر ويحلم ويكافح لبناء المستقبل.
لذلك يعمل الغرب لاستخدام كل الوسائل لإسقاط أردوغان، ووقف تقدم تركيا حتى لا تتحول إلى دولة تقود حركة الأمة الإسلامية في المستقبل!
وقوة القرآن تبني المستقبل!
ماذا لو تم تحقيق التكامل بين قوة القرآن الذي يشكل أساسا للقوة الثقافية والحضارية والتعليمية والقوة الصلبة التي تستخدم في حماية إرادة الشعب في استخدام ثرواته لبناء اقتصاد قوي؟!
إن الغرب يدرك تماما أن تلك القوة يمكن أن تبني المستقبل، لذلك يمكن أن يثير حروبا جديدة، لكن تجارب الحروب الحديثة توضح أنك يمكن أن تبدأ الحرب، لكنك لن تستطيع أن تنهيها، وأن الشعوب التي تمتلك القدرة على الصبر يمكن أن تحقق النصر.. لذلك يجب أن يعيد الغرب التفكير في استراتيجيته لإدارة الصراع، كما أن الأمة الإسلامية يجب أن تمتلك الوعي بأن القرآن مصدر قوتها، وأنه يمكن أن يبني وحدتها، ويشكل أساس حضارتها وتقدمها، وأن الوعي بمصادر القوة التي تمتلكها الأمة هو الرد الوحيد الذي يمكن أن يفهمه الغرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق