لن أقول ذكرى ثورة يناير
وائل قنديل
أحد أسوأ المداخل التي يستخدمها خصوم ثورة يناير (2011) في مصر لتشويهها والنيْل منها اجترار رواية أنّ المؤسسة العسكرية حرّكتها، أو أسهمت في تحريكها للتخلّص من حسني مبارك.
رواية الانقلاب الأبيض على مبارك مصنوعة بالكامل في ورش السرد العسكرية، فهي من ناحية توّفر لهم حصّة هائلة في ماضٍ جميل، بل هو الأجمل في تاريخ المصريين. ومن ناحية أخرى، تتيح لهم إعطاب حلم التغيير في المستقبل، بتكريس فرضية عجز الشعب عن صناعة التغيير من دون موافقة، ودعم الجيش.
لا يقل سوءًا عن ذلك التعاطي مع ثورة يناير باعتبارها ذكرى تنتمي لماض يخصّ لحظة زمنية انتهت ولا يصلح للاستعادة أو التكرار في المستقبل، وهذا أيضًا شكل من أشكال محاولة إلحاق الهزيمة بالذاكرة الجمعية، وقطع خطوط الاتصال بين مستقبلها الذي تحلم به ومعادلاتها الوطنية والقيمية التي أدّت إلى نتائج مبهرة، جرى الانقضاض عليها سريعًا، ولا تزال تتلقى الضربات لمحوها من العقل الجمعي للجماهير.
فيما خصّ حكاية الانقلاب الأبيض المزعوم، يدهشك أنّ بعض من يردّدونها من المفترض أنهم ينتمون بدرجاتٍ متفاوتة إلى يناير، الحلم والفكرة والكيمياء التي لا تموت بانتهاء الحدث أو توّقفه إجباريًا، والأكثر إثارة للدهشة أن يذهب بعضهم إلى أنّه ثمّة حاجة ماسة لاختراع كيمياء جديدة ومعادلات مستحدثة لصناعة مشروع جديد للتغيير يشمل روافد جديدة، مغايرة لتركيبة العام 2011.
شواهد عديدة وشهادات كثيرة تدحض سردية الانقلاب الأبيض تمامًا، تلك السردية المصطنعة التي كانت أحد العناصر الرئيسة في التجهيز للانقلاب الأحمر الدموي الصريح في صيف 2013 على الرئيس المنتخب، بأمر ثورة يناير الدكتور محمد مرسي، وذلك بغية إبطال حجة منطقية سليمة ودامغة، تقول إنّ المستهدف هو اقتلاع فكرة قدرة الشعب على إحداث التغيير الديمقراطي من رأس الجماهير، والإذعان لمنطق جديد يقول إنّ الجيش هو صاحب السلطة، مانحها ومانعها.
هذه الرواية العسكرية ليست صحيحة على أي وجه، ويمكنك الرجوع إلى مذكّرات باراك أوباما، في الجزء الذي يتناول الربيع العربي والثورة المصرية، والذي يؤكّد فيه أنّ جميع الأطراف فوجئت بانتفاضة الشعب المصري، من الإدارة الأميركية إلى البنتاغون إلى المؤسسة العسكرية المصرية، إلى مبارك نفسه، كلهم أُخِذوا بهذا التحرّك الجماهيري الهادر.
"كنت واقعيا في تفكيري حين افترضت أنني سأمضي ما تبقى لي من زمن في البيت الأبيض وأنا أتعامل مع مبارك (رئيسا لمصر) لولا عناد ومثابرة الشباب (الغاضب) في ميدان التحرير. كنت سأواصل في التعامل معه كرئيس (برغم كلّ ما يمثله) تماما مثلما واصلت في التعاطي مع باقي المنظومة الكبرى "الفاسدة والسلطوية المتعفنة" كما وصفها مستشاري بن (رودس) والتي تهيمن على مقدرات الحياة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".
الاستمرار في مضغ الرواية العسكرية عن الانقلاب الأبيض، أي من داخل النظام، بوصفه الوسيلة الوحيدة للتغيير هو قطع للطريق على أيّة محاولة من الشعب للحصول على حقوقه، كما أنه في الوقت ذاته لا يصلح لتأسيس تيار جديد مبني على معادلات مختلفة عن معادلة يناير، وقد شهدت السنوات الفائتة محاولات مختلفة في هذا المضمار باءت كلها بالفشل.
لن أقول لك كل سنة وأنت طيب لمناسبة ذكرى يناير، بل دعني أقول لك إنّ الأفكار العظيمة لا تموت، وتبقى صالحة لصناعة مستقبل محترم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق