جيل زد.. خروج عن قيم الإسلام أم على الطائفية الإيرانية؟
حسن الرشيدي
من هؤلاء الشباب الذين كانوا المحرك الرئيسي للاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ نحو 3 أشهر، وكيف انتظموا؟ وماذا فعل شباب (زد) وجعل هذه الاحتجاجات أشبه بثورة شعبية هزت أركان النظام؟ هل احتجاجات هؤلاء الشباب نبعت من كره للإسلام؟ أم من ممارسات طائفية مارسها الن
بالرغم من أن إيران قد شهدت موجات كثيرة من الاحتجاجات ضد النظام وممارساته، خاصة في الأعوام الأخيرة في 2017، و2018، و2019، و2020، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة والتي بدأت في سبتمبر من عام 2022، قد تميزت بعدة ظواهر مخالفة لما سبقتها.
لقد بدأت تلك الاحتجاجات كسلسلة من المظاهرات، عقب مقتل الشابة الإيرانية من أصل كردي مهسا أميني، بعد تعرضها للضرب المبرح أثناء احتجازها واعتقالها من قِبل شرطة الأخلاق التابعة للحكومة الإيرانية.
فبدأت أولاً في مدينة سقز مسقط رأس "مهسا"، وامتدت لمدن أخرى على رأسها سنندج وديواندره وبيجار الواقعة كلها في محافظة كردستان، قبل أن تتوسع مناطق التظاهرات لتشمل أغلب المدن الإيرانية بما في ذلك العاصِمة طهران ومدينة مشهد وأصفهان وكرمان وشيراز وتبريز ورشت وساري وكرج وأراك، فضلاً عن مدينة عيلام والعديد من المدن الأخرى، حيث تشير أحدث الإحصائيات أن التظاهرات شملت أكثر من 125 مدينة حتى الآن.
ومصطلح الجيل "زد" يطلق على الشباب الذي أتى بعد جيل الألفية، وهم مواليد الفترة ما بين منتصف التسعينات ومنتصف العقد الأول من الألفية الثانية ويتميز أفراده بقدراتهم في استخدام التكنولوجيا والتكيف معها
وقد قتلت الشرطة الإيرانية في تلك المظاهرات أكثر من 500 متظاهر، بينهم 69 طفلاً، واعتقل ما يقرب من 14000 متظاهر وناشط بحسب وكالة أنباء نشطاء حقوق الإنسان هرانا.
وأعدمت السلطات الإيرانية اثنين من المتظاهرين، ويواجه ما لا يقل عن 26 آخرين نفس المصير، بعد ما سمتها منظمة العفو الدولية المحاكمات الصورية.
ولكن المتتبع لتلك المظاهرات يجد أنها تميزت عن سابقاتها من عدة أشياء:
منها قوة هذه الاحتجاجات وعنفها، فهناك استخدام متزايد من قبل المتظاهرين لقنابل المولوتوف، والتي استخدمت ضد القواعد العسكرية لميليشيا الباسيج ومقرات الحوزة، أو المدارس الدينية لرجال الدين الشيعة.
ومن أبرز خصائص هذه المظاهرات أيضًا استمراريتها لمدة طويلة، ومنها أيضًا مهاجمتها للأساس الفكري الذي قامت عليه تلك الجمهورية الثورية، والتي تدعي الإسلام بصورته الطائفية الشيعية.
ولكن المتغير الأكبر كان تصدر جيل جديد للاحتجاجات والتمرد على النظام، وهو الذي يعرف في الأدبيات السياسية بالجيل (زد).
ومصطلح الجيل "زد" يطلق على الشباب الذي أتى بعد جيل الألفية، وهم مواليد الفترة ما بين منتصف التسعينات ومنتصف العقد الأول من الألفية الثانية ويتميز أفراده بقدراتهم في استخدام التكنولوجيا والتكيف معها، ويتبعه جيل ألفا وهم مواليد أواخر عقد الألفين إلى منتصف عقد الألفين وعشرين كنقطة انتهاء له.
فمن هؤلاء الشباب الذين كانوا المحرك الرئيسي للاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ نحو 3 أشهر، وكيف انتظموا؟
وماذا فعل شباب (زد) أو الشباب الإيراني وجعل هذه الاحتجاجات أشبه بثورة شعبية هزت أركان نظام الملالي الإيراني؟
ثم يأتي السؤال الأبرز:
هل احتجاجات هؤلاء الشباب نبعت من كره للإسلام؟ أم من ممارسات طائفية مارسها النظام؟
شباب زد
جيل زد موجودون في جميع دول العالم، حيث يعتبرهم علماء الاجتماع حاليًا الشباب الذين ولدوا بين عامي 1996 وعام 2013.
ولكن ما أبرز ما يميز جيل زد الحالي؟
تقول ناتالي فيليبس وهي أخصائية ومعالجة نفسية تعمل مع المراهقين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و25 عامًا، في تصريحات لصحيفة الجارديان البريطانية: أرى زيادة غير متناسبة في الحالات المتعلقة بالقلق الاجتماعي والقلق المهني والثقة العامة بالنفس وقضايا العلاقات لهذا الجيل، وذلك عندما يكون عليهم التعامل مع الواقع بعيدا عن حياتهم الافتراضية.
وأضافت المعالجة النفسية، إن العديد من الشباب الذين تعالجهم لديهم مناطق راحة محددة ومقيدة بدقة لا يكادون يخرجون منها لأنهم يعملون من المنزل، أو يتفاعلون إلى حد كبير مع زملائهم عبر الإنترنت، ولديهم عدد قليل من الأصدقاء الذين لديهم نفس العقلية ويشتركون معهم بطريقة التفكير.
وأوضحت أنهم غير اجتماعيين بالقدر نفسه الذي كنا عليه في جيلنا أو الأجيال التي سبقتنا، وهناك خطر من أن يصبح عالمهم متجهًا إلى الداخل، ويمكن أن يتسبب ذلك في قلق ذاتي دائم فالعالم الخارجي مخيف أكثر بكثير بالنسبة لهم، وذلك لأنهم لا يملكون الخبرة الكافية في التعامل معه.
وأضافت أن هذا الاتجاه قد تفاقم بسبب الوباء الذي أدى إلى زيادة عدد الشباب الذين يعملون أو يدرسون عن بُعد، مما زاد من العزلة الاجتماعية لهذا الجيل.
كيف يمكن لنظام إيران الذي اعتمد الطائفية في دستوره، ودعاته يسبون الصحابة ليلاً نهارًا، أن يوجه الشباب لهدف نبيل وغاية عظمى، وهو بعيد عن الإسلام الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهمه صحابته الأخيار رضي الله عنهم؟
ولكن لماذا خرجوا في إيران من انعزالهم كما تقول المعالجة النفسية البريطانية؟
يبرر عالم الاجتماع الإيراني حسين غازيان تصدرهم للمظاهرات، بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب خيبة الأمل الكاملة من أي فرصة أخرى للتغيير.
ويضيف قائلاً: إن هذا الجيل أكثر حداثة وإدراكًا للعالم الذي يعيشون فيه، لقد أدركوا أن الحياة يمكن أن تُعاش بشكل مختلف، ومضى يقول: إنهم لا يرون أفقًا لمستقبل أفضل مع هذا النظام وهذا يمنحهم الشجاعة.
ويبدو أن ما يقوله عالم الاجتماع الإيراني له نصيب كبير من الصحة، فقد رصدت قناة بي بي سي فارسي أمثلة لهذا الشباب.
فهناك تسجيل لشابة إيرانية البالغة من العمر 22 عامًا تدعى هاديس نجفي.
تقول نجفي في مقطع الفيديو والذي انتشر على موقع التواصل الاجتماعي تيك توك بينما كانت تسير في مظاهرة احتجاجية: آمل في غضون بضع سنوات عندما أنظر إلى الوراء أن أكون سعيدة لأن كل شيء قد تغير إلى الأفضل.
وتقول مراسلة البي بي سي الفارسي بارهام غوبادي: أخبرتني عائلة هاديس أنها قتلت بعد حوالي ساعة من تسجيل ذلك الفيديو.
وفي مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، قالت والدتها إنها أصيبت بأعيرة نارية في القلب والمعدة والرقبة، ومضت والدتها تقول: عادت إلى المنزل من العمل وقالت إنها جائعة ولكن قبل أن تأكل خرجت للاحتجاج من أجل مهسا أميني، لقد رحلت وهي جائعة.
وهناك فتاة أخرى تدعى سارينا إسماعيل زاده، وهي مدونة فيديو تبلغ من العمر 16 عامًا، قالت في مقطع فيديو في قناتها على يوتيوب: لسنا مثل الجيل السابق قبل 20 عامًا الذين لم يعرفوا كيف كانت الحياة خارج إيران، وأضافت قائلة: نسأل أنفسنا لماذا لا نستمتع مثل الشباب في نيويورك ولوس أنجلوس؟
وقالت منظمة العفو الدولية إن سارينا خرجت للاحتجاج وتوفيت متأثرة بضربات شديدة على رأسها، بينما تنفي إيران ذلك وتقول إنها انتحرت بالقفز من فوق أحد المباني، وتتعرض عائلتها لضغوط لقبول رواية الدولة، ولم تتحدث الأسرة إلى وسائل الإعلام.
وكانت السلطات قد اعتقلت الشهر الماضي الصبي أرشيا إمامغوليزاده، البالغ من العمر 16 عامًا، في مدينة تبريز شمال غربي البلاد بتهمة إسقاط العمامة.
واحتُجز لمدة 10 أيام قبل الإفراج عنه. لكنه انتحر بعد يومين، وهو أمر تلقي أسرته باللوم فيه على معاملته في السجن. وقال مصدر مقرب من العائلة لبي بي سي إن أرشيا تعرض، أثناء احتجازه، للضرب بالهراوات وأُعطي حبوبًا غير معروفة.
وقالت عائلة أخرى إنها عثرت على آثار تعذيب مروعة على جثة ابنها حامد صلاحشور، البالغ من العمر 23 عامًا، والذي توفي في الحجز، عندما استخرجوا جثته بعد أن دُفن قسراً على بعد 18 ميلاً (30 كيلومترا) من مسقط رأسه.
ولكن ما علاقة تلك التظاهرات بالإسلام؟
الاحتجاجات بين الإسلام والطائفية
الذي يتتبع حركة الاحتجاج الأخيرة يجد أنه أعقبت القبض على فتاة بدعوى أنها لا ترتدي حجابًا، لذلك رفع المحتجون شعار وكان هتافها المركزي (امرأة، حياة، حرية).
ويقول راميار الحسني، المتحدث باسم منظمة هنغاو الكردية الإيرانية لحقوق الإنسان: لأول مرة في تاريخ إيران منذ الثورة الإسلامية، هناك وحدة فريدة من نوعها بين الأعراق، الجميع يرددون نفس الشعار، ومطلبهم موحد.
لذلك سعت العلمانية الإيرانية ونظيرتها في منطقتنا، بمشاركة القوى الخارجية المعادية للإسلام، إلى تصوير المظاهرات بأنها رفض للإسلام وشرائعه، ويتجاهلون عن عمد أن النظام الذي يتحكم في حياة الإيرانيين ليس نظامًا إسلاميًا، بل هو نظام طائفي بامتياز يعادي عقيدة الإسلام الصحيحة أكثر مما يعادي شيئا آخر.
كيف يمكن لنظام إيران الذي اعتمد الطائفية في دستوره، ودعاته يسبون الصحابة ليلاً نهارًا، أن يوجه الشباب لهدف نبيل وغاية عظمى، وهو بعيد عن الإسلام الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وفهمه صحابته الأخيار رضي الله عنهم؟
كيف يمكن توقع تعامل نظام مع النساء يدعي على نفسه أنه يمثل الإسلام، وأصحاب عمائمه يعتمدون نظامًا للزواج قائمًا على إغواء النساء تحت دعوى زواج المتعة المؤقت، ويسبون السيدة عائشة على منابرهم ويرمونها بالإفك والتهم الباطلة؟
إن أجهزة الإعلام الغربية ومن حذا حذوها، تتبارى في نشر الأخبار والتحليلات التي تبرز قتل النظام لعشرات أو مئات المتظاهرين ضده، وتعد ذلك أنه مظهر من مظاهر أن الناس لا يريدون الإسلام أن يحكم حياتهم، وتتجاهل عن عمد المذابح التي يقيمها النظام الإيراني وأذنابه لأهل الإسلام الذي يسعون لتطبيقه في حياتهم في الشام والعراق واليمن.
الإيرانيون يحتاجون بالفعل ليس لعلمانية بدلاً من طائفية.. هم يحتاجون مثل بقية البشر للمنهج الرباني أن يسود ويقود البشرية للنور والطهارة والعدالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق